عمل المصارف بنافذتين شرعية وتقليدية.. هل يخدم صناعة المصرفية الإسلامية؟

خبراء مصرفيون يرون إيجابيات عمل البنوك بنافذتين أكثر من سلبياته

TT

اختلف خبراء شرعيون ومتخصصون في المصرفية الإسلامية حول عمل المصارف في البلاد الإسلامية بنظام النافذتين؛ الأولى لتقديم منتجات إسلامية والأخرى تقليدية، ففي الوقت الذي لم يتفق فيه البعض مع تطبيق مثل هذا النظام في البلاد الإسلامية، يرى آخرون أن ذلك يخدم المصرفية الإسلامية ويتيح فرصة أمام العميل للمقارنة بين النظامين الإسلامي والتقليدي ومن ثم كشف محاسن الأول، ومواطن ضعف الثاني.

وعلى الرغم من أن خبراء أكدوا عدم جواز تطبيق نظام النافذتين في البلاد الإسلامية، بزعم أنه لا يوجد مبرر لها، فإنهم يعتقدون أن تطبيق هذا النظام في البلاد غير الإسلامية يخدم صناعة المصرفية الإسلامية وإشاعة ثقافة التعاطي معها، في الوقت الذي تقدم فيه خدمة كبيرة للمسلمين في تلك البلاد، وذلك بتوفير منتجات متطابقة مع القوانين الإسلامية.

الدكتور عبد الرحمن الأطرم رئيس الهيئة الشرعية ببنك الإنماء السعودي والأمين العام للهيئة العالمية الإسلامية للاقتصاد والتمويل، شن هجوما عنيفا على المصارف السعودية التي تعمل بنظام النافذتين، مبينا أنه لا يوجد مبرر واحد يسمح لها بالعمل بنظامين إسلامي وتقليدي، موضحا أن هذا السلوك يخالف ما هو معمول به في البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية على جميع أنظمتها، الأمر الذي لا يفتح أي مجال لإجازة فتح نافذتين متباينتين.

وأفاد الأطرم خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن طبيعة النظام في السعودية، تجعل التعامل في حدود المنتجات المباحة، شريطة ألا يسمح بأي نوع من التعاملات خارج نطاق القوانين الإسلامية، وليس من خيار النافذة الواحدة ما يعني أن وجود نافذتين مخالفة صريحة بجانب أنها مخالفة شرعية، مضيفا أن الشعب السعودي لا يقبل المنتجات غير المتوافقة مع الشريعة بحكم أنه مسلم 100 في المائة، داعيا الجهات المعنية بأن تصدر قرارا بأن تبطل عمل المصارف بنظام النافذتين.

وبالمقابل فإن الأطرم استحسن عمل المصارف بنظام نافذتين في البلاد غير الإسلامية، لأنه يرى في ذلك خدمة للمسلمين الموجودين في تلك البلاد وإحدى وسائل الحلول للمشاكل التي تواجههم في التعامل مع النظام المالي فيها.

ويعتقد الأطرم أن السماح للبنوك الإسلامية بنافذتين فتح شهية بعضها على استغلال عملائها حتى عبر النافذة الإسلامية في كثير من المعاملات المصرفية، خاصة فيما يتعلق باستدراج العملاء وإغراقهم في مديونيات كبيرة مستنفدة لقدراتهم، مؤكدا ضرورة تشجيع العمل على إشاعة ثقافة الادخار وتشجيع التمويلات الإنتاجية، مبينا أن بعض البنوك تمارس سلوك توريط العملاء في تمويلات غير إنتاجية مما يترتب عليه مشاكل مديونية يقع عبئها مستقبلا على العميل.

أما فيما يتعلق بسلوك المصارف السعودية تجاه مسألة الجمع بين إجازة المنتجات وتدقيقها ومن ثم مراقبة تطبيقها، يعتقد الأطرم أنه في الأصل يتعين على الهيئات الشرعية في البنوك القيام بأمرين، أولهما إجازة المنتج ومن ثم الرقابة على تطبيقه بشكل شرعي دقيق، إذ لا يصح - كما يرى - أن تنحصر مهمة هذه الهيئات في إجازة المنتجات فقط دون متابعة التطبيق، لأن ذلك من شأنه أن ينتهي بمنتج مخالف شرعا، مؤكدا أن الرقابة على التطبيق في المنتج يضمن سلامته الشرعية.

وأضاف أن المصارف تحاول الاستهانة بحقوق العميل المغلوب على أمره، مستغلة عدم قدرته على معرفة تفاصيل هذا المنتج وتطبيقاته الشرعية الدقيقة، اعتمادا على قرار الهيئة الشرعية، الأمر الذي يفرز التساهل في التطبيق والتعاطي مع منتجات غير متطابقة مع قوانين الشريعة الإسلامية. وشدد الأطرم على ضرورة تضمين قرارات الهيئات الشرعية للبنوك في السياسات ومن ثم تحويلها لإجراء، مؤكدا ضرورة أن تقوم جهة مرتبطة بالهيئة الشرعية ولكنها في الوقت نفسه غير مرتبطة بالبنوك وذلك لممارسة عملية التدقيق والرقابة بالشكل الذي يضمن شرعية المنتج، دون التعرض لأي نوع من الضغوط والتي قد تنحرف بها في مسار غير شرعي. ويعتقد الأطرم أن البنوك السعودية تتفاوت في مسألة تطبيقات التدقيق والرقابة في المنتجات المصرفية، مبينا أن غالبية هذه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية تفتقد عنصر التدقيق الشرعي الملائم، مشيرا إلى أن القرارات التي تطلقها الهيئات الشرعية لهذه المؤسسات لا تخضع لأي نوع من التدقيق الملائم، معزيا ذلك إلى أن الجهات الإشرافية لديها لا تضع أي نوع من المعايير الملائمة والتي تضبط مسألة الرقابة على التدقيق الشرعي عند التطبيق، بحيث تكون هناك مصداقية لمن يعلن أنه يطبق نظاما شرعيا، ويمكن قياس ذلك من خلال وسائل تظهر أن هذه الجهات طبقت القرار بشكل شرعي، أو لم تطبقه كما ينبغي.

وأوضح الأمين العام للهيئة العالمية الإسلامية للاقتصاد والتمويل، أنه لا بد للجهات الإشرافية أن يكون لها دور في تطبيق أو مطالبة الجهات التي تعلن أنها تطبق الشريعة أو الأحكام الشرعية، من خلال آلية مضبوطة بمعايير تمكنها من الرقابة على هذه الجهات، بحيث لا تجعل لها فرصة أن تمارس خداع الناس بالشعارات الإسلامية البراقة.

وبخلاف الأطرم فإن الخبير المصرفي مسفر الدوسري لا يرى أي مانع في أن تكون هناك نافذتان في البنوك التقليدية، مبينا أن ذلك من شأنه أن يضيف إيجابيات عديدة، وإن احتوى الأمر برأيه على سلبيات.

وقال الدوسري لـ«الشرق الأوسط»: «لست ممن يؤيد منع المصارف التقليدية من العمل المصرفي الإسلامي حتى في ظل وجود العديد من الأخطاء، إذ إن الأولى وضع ضوابط قوية لعمل هذه النوافذ، والمشاهد لتجربة المصارف التقليدية في السعودية على سبيل المثال يجد أن ثمار النوافذ الإسلامية فيها واضحة، فمن المصارف من تحول كاملا إلى المصرفية الإسلامية ومنها من قارب ومنها من تجاوز نسبة 50 في المائة في طريق التحول، وهذا الأمر لم يكن ليحصل لولا توفيق الله تعالى أولا ثم بدء البنك بطرح منتج إسلامي واحد فكان هو خطوة الألف الميل الأولى». واستدرك: «إلا أننا نشدد كثيرا على وجود ضوابط تحكم عمل هذه النوافذ حتى لا تكون سبيلا يطمع فيه أرباب البنوك الربوية ويسيء إلى تجربة المصرفية الإسلامية».

وأوضح الدوسري أنه من أهم الضوابط لعمل النافذة الإسلامية جنبا إلى جنب مع النافذة التقليدية وجود هيئة شرعية لدى البنك تشرف على أعماله الشرعية وتوجهها وتتابعها باستمرار، مبينا اعتراضه على أن يقوم البنك بنسخ منتج من مصرف آخر ويطرحه للملأ فهو أمر غير مقبول عنده، مشيرا إلى أن هناك ما هو أهم حتى من هيئة الفتوى وهو وجود الرقابة الشرعية لدى البنك، كونها عين الهيئة الشرعية على أخطاء المصرف والمتابعة لتنفيذه متطلبات الفتوى. وأفاد الخبير المصرفي الدوسري أن أي بنك لا يوفر الرقابة الشرعية على منتجاته الإسلامية لا يحق له العمل بالمصرفية الإسلامية، والأولى بهيئة الفتوى عنده أن تتخلى عن الإفتاء له، إذ إن الأمر برأيه سيكون في الغالب حبرا على ورق دون تطبيق حقيقي، مبينا إمكانية تطوير الأمر فيما بعد إلى وجود رقابة شرعية خارجية ثم رقابة شرعية مركزية وتقديم نتائجها للجمعية العمومية.

ويعتقد أنه من المهم إيجاد تشريعات مركزية من البنوك المركزية تتابع توجه أعمال هذه النوافذ وتحكم تصرفاتها وتقيدها بما هو مطلوب، مشيرا إلى أنه من الأمور المهمة داخل المصرف نفسه أن توجد لديه خزينة مستقلة إن صح التعبير أو فصل في الحسابات داخل الخزينة بين أموال المنتجات والفروع الإسلامية وأموال المنتجات والفروع التقليدية حتى يحصل الفصل الكامل في استثمار تلك الأموال وصرف رواتب الموظفين المتخصصين بأعمال تلك المنتجات وغير ذلك. ويرى الخبير المصرفي، أنه من الأمور المهمة استمرار المصرف نحو التحويل، إذ يعتقد أن طرح منتج واحد أو منتجين دليل فقط على بحث المصرف عن ربحية مؤقتة، وهو أمر برأيه من الأولى ألا يكون مقبولا لدى المصرفيين الإسلاميين، بل يجب أن تكون هناك خطة تحول لدى المصرف نحو المصرفية الإسلامية من تحويل فروعه وحساباته ومنتجاته تكون تحت إشراف الهيئة الشرعية ويشرف على تطبيقها أناس متخصصون يرفعون تقاريرهم باستمرار للهيئة الشرعية.

أما الدكتور معبد الجارحي، رئيس الجمعية العالمية للاقتصاد الإسلامي، فقد اتفق مع الأطرم في كثير مما ذهب إليه بخصوص رؤيته حول عمل المصارف في البلاد الإسلامية بنظام النافذتين، متسائلا: في حالة تقديم منتجات التمويل الإسلامي عبر الوكالات التقليدية ما التبرير الأخلاقي للخلط بين التمويل الإسلامي والتقليدي في مؤسسة واحدة من حيث الأحكام والضمانات؟ وكيف يتم الفصل بين مصادر الأموال وأين يتم صرفها؟.

وفي معرض رده على هذه الأسئلة قال الجارحي: «في الغالب سوف نجد أن الإجابة عن هذين السؤالين لا تشير إلى توفر الثقة في المنتجات الإسلامية التي تقدم من خلال قنوات غير إسلامية، مبينا أن السبب الأول أنه لا يوجد مبرر أخلاقي للجمع بين الشرعي وغير الشرعي في مؤسسة واحدة، موضحا أنه إما أن تلتزم المؤسسة بأخلاقيات التمويل الإسلامي تماما، وإما أن تبقى في ساحة التمويل التقليدي باختيارها، وللأسباب التي يقبلها ملاكها.

والسبب الثاني والأخير، برأي الجارحي، أنه يستحيل الفصل في التطبيق في مصادر الأموال واستخداماتها بين الجانبين الإسلامي والتقليدي، مبينا أن هناك فرصا تعرض خلالها للقائمين على الموارد فرص للتوظيف التقليدي، الأمر الذي يغري بأن تستخدم فيها أموال من مصادر صممت للتوافق مع الشريعة.

وأضاف: «ولما كان القائمون على توظيف الأموال لا يستشعرون أهمية الفارق بين أسلوبي التوظيف، فإنهم سيميلون إلى توجيه الأموال إلى الاستخدامات التي اعتادوا عليها، وهي الاستخدامات التقليدية، مضيفا: «كما أن التدقيق المحاسبي لا يكفي لدرء هذا الخطر، بالإضافة إلى أن التدقيق الشرعي غالبا ما يكون وجوده رمزيا في المؤسسات التقليدية ذات المنتجات المالية الإسلامية».

وعن تأثر أخلاقيات العلماء الشرعيين في حالة توليهم أمر التمويل الإسلامي بالنظام التقليدي، يعتقد الجارحي، أن يتصدر عضو الهيئة الشرعية للفتوى، بمعنى بيان الشرعي عن غير الشرعي، وهذا برأيه يضع على عاتقه تلقائيا مسؤولية جسيمة، مشيرا إلى أنه لا يجوز أن يتصدى للفتوى غير المؤهلين وغبر ذوي الخبرة في موضوع الفتوى، ما من شأنه أن يثير عدة قضايا، أولاها تكوين الهيئات الشرعية والمؤهلات المثلى لأعضائها.