باحث شرعي يطالب بتعيين ناطق رسمي باسم «المصرفية الإسلامية»

أثار علامات استفهام كثيرة حول حصول البنوك على جوائز عالمية مضللة لجذب العملاء

ناصر الزيادات، الباحث في التمويل الإسلامي بجامعة درم في المملكة المتحدة («الشرق الأوسط»)
TT

أشعل خبير مصرفي النار على من سماهم بمستغلي وضع المصرفية الإسلامية الحالي، منتقدا أسلوبهم في إطلاق تصريحاتهم باسم «الناطق الرسمي باسم القطاع المصرفي الإسلامي العالمي»، الأمر الذي لا وجود له على الإطلاق، في زمن عز فيه وجود ناطق رسمي باسم الصناعة المالية الإسلامية من بني جلدتها.

وبين ناصر الزيادات الباحث في التمويل الإسلامي بجامعة درم بالمملكة المتحدة، أن من قام بتجيير هذا الاسم لصالحه يعد أبعد ما يكون عن تطبيقه للأنظمة المالية الإسلامية الحقة، مطالبا في الوقت ذاته من المؤسسات المالية الكبرى القائمة على صناعة المصرفية الإسلامية وضع حد لهذا الاستغلال بإيجاد ناطق رسمي موحد للصناعة.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» تطرق الزيادات إلى ملفات مهمة استغرب من خلالها تصرفات بعض المؤسسات المالية الإسلامية والتقليدية على حد سواء حيال عملائها، ذلك أنها تحاول ممارسة نوع من التضليل بأنها الأكثر قدرة على تحقيق منفعة مصرفية لهم بأقل التكاليف، مستغلة في الوقت نفسه تسويق نفسها للعملاء، من خلال ما تستلمه من جوائز تغدقها عليها مؤسسات إعلامية غربية مشكوك في أمرها.

وقال ناصر الزيادات: «بين الفترة والأخرى تنشر العديد من وسائل الإعلام تصريحات صحافية من باب العلاقات العامة لعدد من المؤسسات المالية التي حصلت على جوائز مع إظهار صور ممثلي تلك المؤسسات وهم يتسلمون جوائزهم من المؤسسة المانحة كنوع من وسائل الضغط على العملاء ولفت أنظارهم لجذبهم نحو منتجاتها المالية المختلفة».

وأضاف أن أكثر ما يثير الاندهاش هو تلك التصاريح الصحافية التي تصدر عن المؤسسات الدولية المانحة للجوائز، مشيرا إلى أن منها من يقول بأن جوائزها هي الأفضل، وأخرى تقول إنها لا مثيل لها من حيث الحيادية.

واستطرد بأن الأمر الغريب الذي يجعل المتابع المحايد يفكر ألف مرة في طرق منح تلك الجوائز، يتمثل في إدراج أسماء بنوك ومؤسسات مالية إسلامية وتقليدية على أنها حصلت على الجوائز على الرغم من أن بعضا من تلك المؤسسات تعاني من تعثر أو مشكلات مالية أو قضايا فساد أو حتى إفلاس، وهو أمر في رأيه يجعل مصداقية تلك الجوائز على المحك، ولا سيما أن الكثير منها لا يعلن منهجيته في المنح بشكل واضح.

وعلى الرغم من إقرار الجميع بأن هناك بعضا من المؤسسات المالية المدرجة على قائمة الجوائز تستحق بالفعل التقدير والاحترام على جهودها في ابتكار المنتجات الخلاقة والتأثير إيجابيا في عملية التنمية الاقتصادية، فإن الزيادات يعتقد أن وجودها على قائمة تضم مؤسسات أخرى تحوم حولها الشبهات لا يقلل من شأن الجوائز الممنوحة وحسب بل يشكك في مصداقية منهجية منح الجوائز التي تتبعها المطبوعة المذكورة.

وأشار إلى أن منهجية المنح في كثير من تلك الجوائز تستند بشكل أساسي إلى تصويت القراء المشتركين عبر مواقع إلكترونية خاصة يشترك فيه الآلاف من قرائها دون الإفصاح عن شرائح أولئك القراء وانتماءاتهم، وبناء عليه تظهر النتائج على ما هي عليه، كما أن هناك نوعا آخر من التصويت يستند إلى تعميم الصفحة الإلكترونية للتصويت على المنتديات والمجموعات الإلكترونية الخاصة بالتمويل الإسلامي وهو أمر يفتح المجال أمام المصوت الواحد بأن يدلي بعشرات الأصوات لجهة واحدة مما يطعن في نزاهة التصويت.

ويرى الزيادات أن الجهات المسؤولة لا تفصح عن الجوائز فيما إذا كان التصويت مسموحا به لمرة واحدة فقط لكل مشارك، أم أن التصويت كان محصورا بخيارات محدودة تجبر المشارك على اختيار أفضل الأمرين، أم أن عملية فرز النتائج كانت فورية على موقع الإنترنت بما لا يجعل مجالا للشك في أن النتائج مخفية وسيتم التعامل معها لاحقا.

وقال: «لو فرضنا أن التصويت فقط محصور على المشتركين بإحدى الوسائل الإعلامية المسؤولة عن تلك الجوائز، فهنا يطرح تساؤل مهم عن حالة يكون فيها بنك من البنوك الضخمة مشتركا بمئات الاشتراكات لموظفيه الذين بالتأكيد سيصوتون لصالحه».

وزاد الزيادات: «أذكر هنا على سبيل المثال واقعة حصلت معنا قبل عدة سنوات تتعلق بإحدى الجوائز التي توزع على أفضل شخصية مصرفية إسلامية، حيث تم الاتصال بنا من قبل المدقق على الجائزة ليقول لنا: صوتوا لفلان من الناس لأنه يشهد منافسة ضارية من شخصية أخرى»! وزاد بأنه يجري عادة حفل توزيع الجوائز في أحد الفنادق الضخمة في دولة ذات جذب سياحي بحضور عشرات المسؤولين التنفيذيين مع حفلات عشاء تليق بهذا الحدث الراقي، لكن أحدا من تلك الجهات لم يفصح عن الجهة أو الجهات التي تكفلت بدفع فاتورة الفندق أو الكيفية التي مولت بها تكاليف الإعداد لمثل تلك الحفلات الفارهة، وهو أمر قد يضع بعض المؤسسات المالية المكرمة موضع الشك في الدفع مقابل الحصول على الجائزة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق عقود إعلانات تنشر في تلك الوسائل الإعلامية أو اشتراكات بكميات كبيرة فيها.

وبحسب الزيادات فإن المتأمل في القوائم التي تشتمل على المؤسسات المكرمة، يلاحظ أن تصنيف الجوائز يثير العديد من التساؤلات حول مصداقيتها، حيث توزع عشرات الجوائز في مجالات متنوعة يضمن استرضاء أكبر قدر ممكن من المؤسسات في عملية التكريم، بالإضافة إلى وجود بعض التناقض في أنواع الجوائز، مبينا أنه لم يتم في يوم من الأيام توضيح الفرق الفعلي والمهني بين أفضل بنك استثمار وأفضل بيت استثمار وأفضل مدير صناديق، وأفضل مدير ثروات، وبين أفضل مزود للتمويل السكني وأفضل بنك تجزئة، وغيرها من المتناقضات.

وعلى الصعيد الجغرافي أوضح أنه لم يتم توضيح الفرق بين أفضل بنك في العالم وأفضل بنك في الشرق الأوسط وأفضل بنك في آسيا وأفضل بنك في أوروبا، متسائلا: «هل أن تلك البنوك هي بنوك استثمار أم بنوك تجارية ما يظهر تناقضا واضحا بين تلك البنوك التي منحت جائزتها على أساس جغرافي وبين تلك التي حصلت على جوائزها على أساس طبيعة نشاطها؟»، مشيرا إلى أن هذا كله يعزز بالضرورة فكرة الاسترضاء من خلال طرح أكبر عدد ممكن من الجوائز.

وأضاف أن المصارف تحاول استخدام هذه الجوائز في الاستخفاف بحقوق العميل المغلوب على أمره، مستغلة عدم قدرته على معرفة تفاصيل هذه الجوائز وبالتالي تسوق له منتجاتها على أنها مكتملة ومتطابقة مع القوانين الشرعية الدقيقة، اعتمادا على قرار الهيئة الشرعية، الذي يتم التساهل فيه هو الآخر من حيث التطبيق والتسويق.

وشدد الزيادات على ضرورة استصدار قرارات تخول لجهات خارجية ترتبط بالهيئات الشرعية للبنوك بشكل مستقل، وذلك لممارسة عملية التدقيق والرقابة بالشكل الذي يضمن حقيقة تفوقها في هذا الجانب مع ضرورة التحقق من الأسباب التي دعت تلك الجهات لمنح تلك الجوائز، دون التعرض لأي نوع من الضغوط والتي قد تنحرف بها في مسار الدعاية فقط، دون الالتفات إلى حقوق العملية من خلال ممارسة الشفافية التي توضح ذلك.

وأوضح أنه لا بد للجهات الإشرافية أن يكون لها دور في تطبيق أو مطالبة الجهات التي تعلن أنها تطبق الشريعة أو الأحكام الشرعية، من خلال آلية مضبوطة بمعايير تمكنها من الرقابة على هذه الجهات، بحيث لا تجعل لهم فرصة ممارسة خداع الناس بالشعارات الإسلامية البراقة.

وبنفس الطريقة، يمكن أن نتعرف على مانح هذه الجوائز بأن يكون اقتصاديا، فهو بصفته عالم في الاقتصاد، وله من الآليات والقدرات والمهارات ما يمكنه من تحديد المعايير الصحيحة التي تحدد الفائز من البنوك وبالصفة المصرفية المتوافقة التي تدل بالفعل على حقيقة بلوغ درجة عالية من الإنجاز في منتجاته، مع ضرورة المحافظة على صدقيته في الصيرفة والتمويل.

ويرى أن معايير هذه الجوائز التي تحصدها بعض المصارف والمؤسسات المالية إنما هي في حقيقة الأمر جسر تعبر من خلاله لعملية استغلال عملائها، الأمر الذي أدى إلى استفحال ثقافة الاستدانة والاقتراض ومديونات الرهن العقاري، ذلك لأن تلك المؤسسات تشجع ثقافة الاستهلاك بشكل كبير، وفي المقابل تقوم باستخدام أموال المودعين وتشغيلها، الأمر الذي يترتب عليه استفحال المشكلات الاقتصادية للمجتمعات حيث يزيد التضخم وتزيد نسبة الإعسار وغيرها من الأمور التي يقع العميل ضحيتها باعتبار أن هذا البنك متميز وإلا فلمَ نال هذه الجائزة أو تلك؟

واختتم الزيادات حديثه بدعوته إلى ضرورة وجود مراكز توعية تقع تحت إشراف مؤسسات مستقلة تحث الناس وتوعيهم بظروف فوز هذه المؤسسات والمنتج الذي وصلت به إلى هذا الفوز، مع أهمية الوقوف على المعايير التي نالت بها هذه الدرجة من الأداء والإنتاج، والأهم من ذلك التأكد من تطبيق هذه المعايير بحذافيرها.