باحث أكاديمي يحدد 3 أطراف لاكتمال معادلة حوكمة المصارف الإسلامية

دعا إلى تخصيص جزء من أرباح البنوك لدعم مراكز البحوث والدراسات الشرعية

د. صلاح الشلهوب
TT

حدد باحث أكاديمي 3 أطراف رئيسية لاكتمال معادلة حوكمة المؤسسات المالية الإسلامية كي تأخذ وضعها الصحيح الملزم بتطبيق معاييرها، محملا مسؤولية المبادرة على عاتق الطرف الأول المتمثل في البنوك الإسلامية بالتعاون مع الطرف الثاني من العلماء والخبراء الشرعيين، كي يتم وضعها وتطبيقها مبدئيا، ليقوم الطرف الثالث المتمثل في البنوك المركزية بعملية إلزام المؤسسات المالية بتطبيقها.

وحمل الدكتور صلاح الشلهوب، مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي بمعهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية، المؤسسات المالية الإسلامية مسؤولية الإمساك بزمام المبادرة نحو حوكمة أنشطتها بوضع المعايير والأطر والأنظمة والتشريعات التي تضبط العمل فيها، مطالبا إياها بتخصيص جزء من أرباحها لدعم البحوث والدراسات المتعلقة بهذا الشأن للوصول إلى أفضل النتائج لوضع المعايير. تأتي هذه المطالبة في ظل اختلاف القوانين والنظم الأساسية المرتبطة بحوكمة الشركات بين الدول، مما جعل الحاجة تملي على الدول الإسلامية وضع أنظمة قانونية تكون صمام الأمان الضامن لحوكمة جيدة للشركات، وذلك بهدف دمجها في المفاهيم العامة لجعلها منهجا معتمدا، فما إن أخذت المصرفية الإسلامية في التوسع بأعمالها خلال العقود الماضية، خصوصا في السنوات الأخيرة، حتى انطلقت أصوات خبراء شرعيين ومصرفيين تنادي بأهمية حوكمة المؤسسات المالية الإسلامية لتكون لديها الأطر والقواعد والأنظمة والتشريعات التي تضبط العمل فيها، وإعطاء صورة إيجابية لمستقبل المالية الإسلامية على المستوى العالمي.

وشكلت تلك الأصوات عامل ضغط على النظام المالي الإسلامي، ليحقق المقصود منه، وهو انضباطه بأحكام الشريعة، وأن يكون بمعايير مالية عالمية، بحيث لا يكون مدخلا للتجاوزات والإضرار بمصالح ذوي العلاقة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، المستثمرين أو المستفيدين، ليتسنى له خوض غمار المنافسة العالمية؛ إذ لا بد من أن يكون لديها إطار واضح، يتوافق مع الشريعة ويحد من تعارض المصالح، ويزيد من مصداقية هذا العمل، ويكسب ثقة المؤسسات والمنظمات الدولية، خصوصا أن هناك اهتماما بهذا الموضوع على مستوى البنك الدولي؛ حيث إنه أبدى استعداده للتعاون على وضع معايير لعمل المؤسسات المالية الإسلامية. كما أن أهمية مفهوم حوكمة الشركات تهدف في المقام الأول إلى حماية مصالح الأفراد والمؤسسات والمجتمعات ككل، بما يسهم في سلامة الاقتصادات وتحقيق التنمية الشاملة في كل من الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء من النواحي الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، لتداخله في كثير من الأمور التنظيمية والاقتصادية والمالية والاجتماعية للشركات. ويرى كثير من الاقتصاديين الإسلاميين أنه من الأهمية بمكان ضرورة تحسين البيئة الاستثمارية والقانونية والتشريعية لدى المصارف الإسلامية، من خلال التنسيق الجيد بين الدول الإسلامية في إجراء البحوث والدراسات للتعجيل بوضع معايير موحدة وأطر عامة وقواعد وتشريعات تضبط العمل المصرفي الإسلامي لوضع نظام إسلامي قوي وفاعل للمعاملات المالية وطرق الإقراض والضمانات لخلق بيئة مالية قوية تدعم اقتصادات الدول الإسلامية.

الدكتور صلاح الشلهوب، مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي بمعهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية، قال لـ«الشرق الأوسط»: ينبغي على البنوك الإسلامية الإمساك بزمام المبادرة في وضع معايير الحوكمة وتطبيقها مبدئيا، ومن ثم يأتي دور الحكومات ممثلة في البنوك المركزية في إلزام البنوك بالحوكمة لتأخذ بعد ذلك شكلها الطبيعي والصحيح، مشيرا إلى أن هيئات إسلامية عالمية، مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في ماليزيا، قد بدأت في وضع معايير لضبط العمليات المالية الإسلامية، كما أنها تضع ما تتوصل إليه من نتائج ومعايير لتطبقها المؤسسات الإسلامية، لكنها غير ملزمة.

ودعا الشلهوب البنوك الإسلامية إلى تبني مشروع الحوكمة، وتخصيص جزء من أرباحها لإنشاء تجمع علمي للبدء فعليا في إجراء الدراسات والبحوث التي من خلالها يتم التوصل لوضع معايير وأطر وأنظمة وتشريعات تضبط العمل المصرفي الإسلامي، مطالبا البنوك الإسلامية بدعم مراكز ومعاهد البحوث والدراسات المالية الإسلامية، سواء المستقلة أو التابعة لجهات مثل الجامعات وبعض المنشآت الحكومية.

من جهته، يرى الدكتور محمد الغامدي، مدير عام المجموعة الشرعية ببنك الجزيرة السعودي، أن البنوك الإسلامية مثلها مثل أي شركات أخرى، وأنه في ظل وجود بعض الانحرافات في بعض الشركات تتأتى أهمية الحوكمة؛ إذ تعتبر أمرا ضروريا لا بد على الجهات الرسمية مثل هيئة سوق المال أن تلزم به الشركات. وذهب الغامدي، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن مجلس الخدمات المصرفية الإسلامية في ماليزيا بذل جهودا كبيرة، مما يعتبر خطوة متقدمة نحو حوكمة المؤسسات المالية الإسلامية، إلا أن المبادرة لا بد أن تأتي من الحكومات، ممثلة في جهاتها الإشرافية، لإلزام الشركات بالحوكمة.

وأكد مدير عام المجموعة الشرعية ببنك الجزيرة السعودي أن من شأن الحوكمة انضباط مسار الشركات ورفع مستوى أدائها وتشجيع الاستثمار البيني وتأصيل وترسيخ ثقافة العمل وفق قواعد الشفافية وتوفير المعلومات الإحصائية على المستوى المصرفي، ودعم الأسس القانونية التي تدعو إلى دعم المنافسة، ومحاربة السلوك المالي المنحرف والالتزام بحماية المدخرات وصيانتها وضمان الودائع وفق القانون الإسلامي.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه الدكتور محمد الغامدي أن الصناعة المصرفية الإسلامية تعتبر متقدمة عن المؤسسات الأخرى فيما يتعلق بالتوجه نحو الحوكمة، إلا أنها تحتاج لجهات تلزم بها، يرى الدكتور صلاح الشلهوب أنه لتحقق الحوكمة وأخذ وضعها الإلزامي، لا بد أن يتم العمل من خلال 3 أطراف رئيسية مكملة لبعضها البعض، أولا: الحكومات ممثلة في البنوك المركزية، وثانيا: العلماء والخبراء الشرعيون، وثالثا: البنوك الإسلامية.

وبحسب الشلهوب، فإن أبرز أسباب تأخر حوكمة المؤسسات المالية الإسلامية يتمثل في ظهور المصرفية الإسلامية فجأة؛ إذ إنها بدأت كتجارب فردية في الأساس وصعدت بسرعة، كما أن البنوك الإسلامية نمت على مستوى الأصول وحجم تدفق الأموال، ولكن لم تنمُ على مستوى البحوث والدراسات التي ستعالج أوضاع المصرفية الإسلامية وتصحح من بيئتها، إلى جانب وجود بعض المؤسسات التي لا تتفق مع الحوكمة لاعتقادها أن ذلك سيقيض من توسع أنشطتها الاستثمارية؛ إذ باتت لا ترغب في وجود الحوكمة في هذه المرحلة.

وقال مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي بمعهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية: إن منظومة الفتوى المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية نشأت تقريبا مع نشأتها؛ إذ إنها نوع من دعم موافقة هذا العمل مع الأطر العامة للشريعة، خصوصا أن من يعمل في هذا القطاع ليس بالضرورة قادرا على معرفة الحكم الصحيح، خصوصا أن النظام المالي المعاصر نشأ في بيئة تقليدية لا تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، وتطور هذا العمل إلى أن أخذ طابع السمة العامة لأي مؤسسة تريد أن تقدم منتجا ماليا تتأكد من أنه متوافق مع الشريعة، ويحظى بموافقة الهيئة الشرعية، وبالتالي ثقة الناس الذين يرغبون في أن تلتزم أعمالهم بالشريعة الإسلامية.

وأضاف: «إلا أنه، بعد هذا التوسع الكبير في حجم المالية الإسلامية، أصبح من الصعوبة بمكان أن يستمر الأمر من خلال هذا العمل الفردي؛ لأنه قد يكون له أثر سلبي في ذوي العلاقة؛ حيث إن المؤسسات المالية اليوم من الممكن أن تجعل مثل هذا العمل مدخلا للتجاوزات، بأن يكون هذا العمل مثلا فعلا متوافقا مع الشريعة، لكن في الوقت نفسه غير منضبط بالمعايير التي تحفظ حقوق الجميع، وكان ذلك واضحا في المساهمات العقارية، التي في شكلها العام لا يظهر عدم موافقتها الشريعة، لكن عدم ضبط أعمالها جعلها تحقق مصالح فئة على حساب فئة أخرى، وأن تكون وسيلة للتلاعب والتجاوزات، ومن الممكن أن يتم ذلك على مستوى عمل المؤسسات المالية الإسلامية».

وشدد الشلهوب على أن الحوكمة ستضبط عمليات البنوك الإسلامية، كما أنها تعتبر أساسا للبحوث والدراسات، إضافة إلى أن المؤسسات المالية العالمية تريد أن تعرف هوية المصرفية الإسلامية، خصوصا المؤسسات المالية الغربية؛ لأنه لا توجد هوية للمصرفية الإسلامية، التي ستخلقها إذا تمت حوكمتها.

كما يرى مراقبون أن من شأن الحوكمة تقوية وزيادة فاعلية وكفاءة النظام الإسلامي لفض النزاعات بشكل ميسور وغير معقد، مع الاحتفاظ بحق مراجعة إجراءات تنفيذ الأحكام، وتفعيل مبادئ التعويض عن الضرر، ولو تطلب الأمر حصر الأنظمة ذات العلاقة بالمعاملات المالية والتجارية بصورة عامة، كنظام الأوراق المالية والنظم الائتمانية ونظام الاستثمار وأنظمة مؤسسة النقد والبنوك وأنظمة السوق المالية وغيرها من الأنظمة ذات الصلة.

يُذكر أن الحوكمة هي عبارة عن مصطلح يستخدم لتأكيد ضبط أي عمل، ليحقق المقصود من ذلك العمل وليحد من التجاوزات التي يمكن أن تضر بذوي العلاقة، سواء أكانوا مستثمرين أم مساهمين أم حتى الدولة التي تحتضن هذه الأعمال؛ حيث تتأثر بالتجاوزات التي تقع من خلال هذا العمل. تأتي الحوكمة في الغالب في أعمال المؤسسات الكبرى التي عندما تكون فيها أي مجازفة أو تلاعب، فإن ذلك لا يؤثر في عدد محدود، بل يؤثر في مجموعة كبيرة من الناس والاقتصاد العام للدول؛ لذلك نجد أن هذا المصطلح يتكرر في العمل المصرفي، وأعمال الشركات، خصوصا المساهمة التي تتطلب حفظ حقوق المساهمين الصغار الذين قد لا يكون لقراراتهم أثر كبير في الشركة مقارنة بأصحاب الحصص الأكبر، مما قد يؤدي إلى تعارض المصالح.