الاهتمام العالمي بصناعة التمويل الإسلامي يوسع من تطبيقاته

مسؤول أكاديمي لـ «الشرق الأوسط»: نأمل في توسع أكثر توافقا مع مبادئ الشريعة وتحقيقا لمقاصدها

د. عبد الله بن عبد العزيز المعجّل، مدير كرسي محمد الراشد لدراسات المصرفية الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت صناعة التمويل الإسلامي في العقدين الأخيرين، نموا سريعا واهتماما عالميا متزايدا أسهم في حدوثه ما شهده العالم مؤخرا من أزمة مالية طاحنة تأثرت بها معظم اقتصادات دول العالم.

وعلى الرغم من قلة التطبيقات المالية الإسلامية، وتركيزها بشكل كبير في صناعة المصرفية الإسلامية، فإن خبيرا مصرفيا بارزا يرى أن المستقبل يبشّر بتوسع في تلك التطبيقات المالية كنتيجة منطقية لهذا الاهتمام العالمي المتزايد بصناعة التمويل الإسلامي، مبينا أن المأمول أن يكون هذا التوسع أكثر توافقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتحقيقا لمقاصدها العامة.

وقال الخبير المصرفي الدكتور عبد الله بن عبد العزيز المعجّل، مدير كرسي محمد الراشد لدراسات المصرفية الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: «إن تطبيقات المصرفية الإسلامية تعد هي الأبرز في صناعة التمويل الإسلامي، وذلك لأسباب كثيرة منها: أنها المجال الأوسع الذي يملك حوافز كبيرة لدفع المستثمرين لولوجه، وأنها الأكثر استجابة للمبادرات الفردية نظرا لقلة التعقيدات والتشابكات المتعلقة بها، وأنها قد توفر لها خبرة متراكمة من التجربة المصرفية التقليدية التي أرست الأسس الفنية للعمل المصرفي وأسهمت بذلك في تخفيض تكلفة تأسيس العمل المصرفي الإسلامي».

وأضاف المعجل: «من السابق لأوانه افتراض أن يحكم على هذا الاهتمام العالمي بالمصرفية الإسلامية بأنها في طريقها لتحل محل الصناعة المصرفية التقليدية عالميا، حتى مع تزايد المشكلات والأزمات المالية المرتبطة بالنظام التقليدي السائد اليوم وذلك لأسباب كثيرة من أهمها، أن المصرفية التقليدية ذات عروق وجذور متمكنة في تربة النظام الاقتصادي العالمي، وليس من السهولة ولا من الحكمة من منظورهم اقتلاع تلك الجذور مرة واحدة».

وزاد أنه مهما كانت الأضرار والأزمات الناتجة عن تلك التطبيقات فإن المتوقع منهم تطعيمها بجرعات متدرجة من التصحيحات والتقويمات المناسبة التي تضمن لها معالجة فاعلة لأوجه الخلل المستشرية فيها، مبينا أنه قد يكون من ضمن تلك التصحيحات الاستعانة بما يمكن تبنيه من أسس ومبادئ صناعة التمويل الإسلامي. ويعتقد المعجل أن المصرفية الإسلامية المطبقة اليوم لا تعبر عن التطبيقات الصحيحة والأكثر توافقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية، بل برأيه هي في مجملها تطبيقات مثيرة للجدل ومحل خلاف واختلاف بين فقهاء المعاملات المالية والمتخصصين في المصرفية الإسلامية، وعلى هذا؛ فإن تلك التطبيقات لا يصح أن تقدم على أنها البديل الإسلامي الصحيح في العمل المصرفي الإسلامي.

وبناء على ما سبق فإن المعجل أكد أن هناك حاجة ماسة إلى مراجعات لمسيرة التمويل الإسلامي، والمصرفية الإسلامية على وجه الخصوص، من أجل تنقيحها وتصفيتها مما علق بها من تشوهات، والسعي الجاد والمخلص لتلمس معالم تلك الصناعة من مصادرها الأصلية، وتبني الصيغ والأدوات الأكثر توافقا مع تعاليم الشرع الحنيف والأكثر تحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت رحمة للعالمين. ومع كل ذلك؛ يرى المعجل أنه من الحكمة العمل على الاستفادة مما لدى الآخر من تقدم وتطور، مع استمرار التواصل والحوار معه من خلال الاستفادة مما لديه من إنجازات، مع ضرورة تقديم كل ما لدى المصرفية الإسلامية من مبادئ وأسس راسخة في الوقت نفسه، لا تتغير من هدي الكتاب والسنة اللذين جاءا لإصلاح أحوال البشر وإسعادهم في الدنيا والآخرة، مما هم في حاجة ماسة له، وبقدر ما يأخذون منه، وما يؤخذ منهم، الأمر الذي من شأنه أن يحقق للأمة الإسلامية ولهم قدرا من صلاح الأمور والأحوال.

وأما في ما يتعلق بدور كرسي محمد الراشد لدراسات المصرفية الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في هذا الشأن، قال المعجل: «إن إنشاء قسم الاقتصاد الإسلامي تحت مظلة كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قبل ما يقارب 30 عاما، دليل عملي على تفاعل الجامعة مع مستجدات العصر ومشكلاته، وشاهد على التزامها برسالتها الرائدة في المعالجة الإسلامية لهذه المستجدات والمشكلات من خلال منهجية تأصيلية شرعية للعلوم الإنسانية الحديثة». وأضاف أنه منذ البداية كانت برامج القسم تعكس حرص الجامعة على إعداد الباحث المتميز برؤية شرعية في مجال الاقتصاد وعلى الاستجابة للطلب المتزايد على تأهيل اقتصاديين مؤهلين للوفاء بمتطلبات القطاعين الحكومي والخاص، مشيرا إلى قدرة القسم على ترك بصمة واضحة في هذا الاتجاه على الرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهته في بداياته.

وأوضح أن كرسي محمد الراشد للدراسات المصرفية الإسلامية يهدف إلى الاستفادة من الخبرة المتراكمة لجامعة الإمام في مجال الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وفي تطوير صيغ جديدة للمصرفية الإسلامية، وتجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية العملية، وإلى الإسهام في تطوير البيئة التنظيمية والمؤسسية الداعمة لها.

وتوقع أن يصبح الكرسي متميزا دوليا في مجال تطوير وابتكار منتجات مالية جديدة وملائمة، تجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية العملية، مبينا أنه يسعى إلى توفير بيئة بحثية ذات جودة عالية، تستقطب أفضل الكفاءات في مجال التمويل الإسلامي، وتزود صناعة المصرفية الإسلامية بمنتجات مالية منافسة، تتيح لها ولعملائها المرونة الكافية للاستجابة لمتطلبات المتغيرات الاقتصادية.

ووفقا للمعجل، فإن الكرسي يهدف إلى توفير البيئة الملائمة للبحث والتطوير في مجال المصرفية الإسلامية، يما يدعم التنمية المستدامة في السعودية، بجانب تعزيز فرص نمو الاقتصاد القائم على المعرفة، مع ربط مخرجات البحث العلمي في الجامعة بحاجات المجتمع من خلال إيجاد بيئة تقوم على الشراكة بين الجامعة، والجهات الحكومية والأهلية وغير الربحية المحلية والدولية.

وكذلك من أهداف الكرسي وفق المعجل، دعم المعرفة المتخصصة في مجال المصرفية الإسلامية، وتسديد الممارسات التطبيقية في هذا المجال، مع العمل على تحقيق التكامل في مجال البحث العلمي بين الجامعة بوحداتها المختلفة والمؤسسات البحثية داخل الجامعة وخارجها، بالإضافة إلى توفير المصادر المالية اللازمة لدعم البحث العلمي في الجامعة واستدامتها، مع ضرورة توفير السبل الداعمة لاستقطاب وتدريب العقول المبدعة، والكفاءات المتميزة في مجال تخصص الكرسي محليا ودوليا.

وتتضمن أنشطة الكرسي الكثير من الفعاليات التي من أهمها، برنامج المنح البحثية الذي يمول سنويا منحا بحثية تدخل في صميم عمل الكرسي، وفق معايير وشروط محددة، كذلك مشروع المصرف الإسلامي النموذجي الذي يهدف إلى تحديد مواصفات وطبيعة المصرف في اقتصاد إسلامي واستجلاء مهامه وأعماله التي يقوم بها، والعمل على تحديد التشريعات والأنظمة اللازمة لقيام المصرف الإسلامي بعمله على أكمل وجه. كما تتضمن أنشطة الكرسي المسابقة السنوية لتطوير منتجات المصرفية الإسلامية، حيث تركز على تشجيع الابتكارات المالية في المصارف الإسلامية سواء كمنتجات جديدة، أو كحلول لمشكلات تواجهها المنتجات التمويلية الحالية، بجانب برنامج الأساتذة الزائرين الذي يعمل على استقطابهم ودعم برامج الاتصال العلمي لأعضاء هيئة التدريس، مع التركيز على الأساتذة المختصين في آليات الإبداع والابتكار، وتطوير المنتجات.

كذلك يشمل الكرسي برنامج الطباعة والنشر للعناية بطباعة ونشر الرسائل والبحوث العلمية المميزة ذات الصلة بتخصص الكرسي ورقيا وإلكترونيا، وأخيرا سلسلة الكرسي التثقيفية لاستكتاب الشرعيين لكتابة سلسلة تثقيفية في المسائل الشرعية اللازم فهمها من قبل مسؤولي المصارف والعاملين فيها، وكذا استكتاب المصرفيين لكتابة سلسلة تثقيفية في المسائل المصرفية اللازم على الشرعيين فهمها لتكون المحصلة في النهاية سد النقص المعرفي لدى كلا الطرفين في ما يتعلق بالجوانب المرتبطة بالمصرفية الإسلامية.