مساعد مدير سلطة النقد في سنغافورة: نسعى ليصبح بلدنا مركز ثقل المصرفية الإسلامية في العالم

نج نام سين قال لـ«الشرق الأوسط»: بلادنا تحتضن 700 مؤسسة مالية عالمية تنشط في مجالات مختلفة

نج نام سين مساعد المدير العام لسلطة النقد في سنغافورة («الشرق الأوسط»)
TT

أكد مسؤول سنغافوري رفيع أن بلاده ما زالت تبذل جهودا حثيثة لتصبح مركز ثقل لصناعة المصرفية الإسلامية، ليس على مستوى آسيا فحسب، بل على مستوى العالم. وكشف المسؤول السنغافوري عن قرب توقيع بلاده اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج، حيث لم يتبق سوى تصديقها من السعودية، مؤكدا أن الاتفاقية ستسهم بشكل كبير في دفع عجلة التقدم والتطور لصناعة المال الإسلامية، وتوسيع دائرة الاهتمام بالمنتجات المالية الإسلامية، بجانب الاتجاه نحو الإسهام في تطويرها وإنتاج الجديد منها، في الوقت الذي وصل فيه التبادل التجاري بينها وبين دول الخليج إلى 35.72 مليار دولار.

وقال نج نام سين, المدير المساعد لدى سلطة النقد السنغافورية «البنك المركزي» في حوار مع «الشرق الأوسط»: «إننا في سنغافورة نستطيع أن نقول إن اتفاقية التجارة الحرة ستجلب معها تدفقات نقدية ضخمة، ستستفيد منها المؤسسات المالية الإسلامية على كل المستويات، وخصوصا منطقة الخليج ودول شرق وغرب آسيا، بما في ذلك سنغافورة».

وأوضح نج نام سين أن بلاده اتخذت حزمة من السياسات الاقتصادية المتقدمة، التي تحولت بموجبها دولته النامية إلى دولة متقدمة في فترة وجيزة, لينتهي بها المطاف وتصبح عاصمة الشرق الآسيوي المالية فيما بعد, لا سيما أنها تحتضن 700 مؤسسة مالية عالمية تنشط في مجالات مختلفة من حقول العمل التجاري والمالي والاستثماري.

* هلا أعطيتنا فكرة عن جهود البنك الآسيوي السنغافوري من حيث تعاطيه مع المصرفية الإسلامية بجانب النظام المالي التقليدي؟

- استطاع أن يتبنى «بنك سنغافورة المركزي» الإجازة الرسمية بإطلاق العنان لانطلاق مشروعين مصرفيين يعملان جنبا إلى جنب، وهما النظام المصرفي التقليدي والنظام المصرفي الإسلامي، تحت رقابة إشرافية تسمح للنظامين بالعمل في سنغافورة بحرية تامة، ودون أدنى قيود أو شروط مكبلة، وهذا يعني أننا في سنغافورة نتعامل مع النظام المصرفي الإسلامي كما هو التعامل تماما مع النظام المصرفي التقليدي، وبالتالي فإن جميع المنتجات المصرفية الإسلامية والتقليدية تجد منافذها في السوق السنغافورية، مع التأكيد على أن إطلاق العنان لهما كان بإجازة رسمية سنغافورية، ما دامت هناك صفات مشتركة بينهما فيما يتعلق بجوهر البناء الاقتصادي في حالتي القوة والضعف، وفي حالتي الأمان والخطورة، وبالتالي فإن نظام سنغافورة المصرفي يكفل اللعب لكليهما في مساحة واسعة من ميدان المنتجات الإسلامية والتقليدية. وطالما احتجنا لتحسين وضع نظامنا المصرفي، فإن البنك المركزي السنغافوري يعمل بشكل مستمر على تطوير السياسات المالية والمصرفية بما يتوافق والنظام المصرفي الإسلامي، وتبنى الكثير من المنتجات المصرفية الإسلامية، بجانب النظام التقليدي ومنتجاته، وعلى سبيل المثال لقد أصدر «البنك المركزي السنغافوري» سياسات وإجراءات لتطبيق الأنظمة المصرفية الإسلامية لنغطي الطلب على المنتجات المصرفية الإسلامية، التي هي في تزايد مستمر وتشهد تطورا ملحوظا، وترتب على ذلك أن سمحنا واعترفنا في الوقت نفسه بالوجود المصرفي الإسلامي، والسماح بإطلاق عدد كبير من المؤسسات والشركات الاستثمارية والمالية والمصرفية الإسلامية ومنتجاتها على اختلافها. كذلك عملنا على إشاعة أكبر قدر من الشفافية والوضوح لبناء الثقة بيننا وبين العملاء، من خلال تقديم «البنك المركزي السنغافوري» مزيدا من الأنظمة المصرفية لمزيد من المنتجات الإسلامية الشائعة، مشتملة على المرابحة وتمويلاتها بأشكالها المختلفة، بالإضافة إلى الإجارة والاقتناء والاستثناء، وغيرها من المنتجات الإسلامية.

* بما أن سنغافورة عضو في مجلس الخدمات المالية الإسلامية، كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقة والعمل المشترك بينهما وما مردوده على علاقتها بالبنوك المركزية الإسلامية في البلاد الإسلامية الأخرى؟

- على المستوى العالمي فإن «البنك المركزي السنغافوري» أخذ يلعب دورا بارزا في محيطه الإقليمي والدولي، خاصة فيما يتعلق بالعمل وفق المعايير المصرفية الإسلامية، وهذا ما يوضحه نشاطنا المصرفي الإسلامي، والتأكيد على الاهتمام بها من خلال انتظام سنغافورة وضمها مجلس الخدمات المالية الإسلامية كعضو فاعل، ومن هنا أستطيع القول إننا أصبحنا شركاء نشطين في مسألة تعظيم قيمة العمل الإشرافي والرقابي وتنقيحه ما دعت الحاجة إلى ذلك، سواء في مجال إطلاق الرساميل المالية للعمل في مجالات مختلفة، أو العمل في مجالات التكافل والأسواق المالية وإدارة السيولة. ويذكر أن سنغافورة كانت في مايو (أيار) 2009 أول بلد آسيوي يستضيف مؤتمر مجلس الخدمات المالية الإسلامية السنوي، الذي كان قد شارك فيه أكثر من 300 جهة من قبل القطاع الخاص، تعمل في المجالين الإسلامي والتقليدي، وذلك بهدف نقاش مستقبل المصرفية الإسلامية بجانب المصرفية التقليدية، ومن ثم الوقوف على التحديات والسلبيات الداخلية والخارجية، وتأثراتهما وكيفية عبورهما، الأمر الذي دفع بنا لعقد الكثير من الاتفاقيات مع الكثير من الجهات التي تنشط في هذا المجال، ومنها «بنك البحرين المركزي» و«بنك قطر المركزي» و«بنك الإمارات المركزي» في 2009، وهذه الاتفاقيات في مجملها كان لها بعدها في اتخاذ الإجراءات المصرفية الوقائية، وتبادل المنافع التجارية والمصرفية، التي عززت التعاضد المالي المصرفي بيننا وبين تلك البلاد. وإجمالا فإن سنغافورة تبذل جهدا مقدرا لأن تصبح مركز ثقل لصناعة المصرفية الإسلامية، ليس على مستوى آسيا فحسب، بل على مستوى العالم.

* كيف تنظرون إلى وضع المصرفية الإسلامية في خضم الأزمة المالية العالمية؟ وكيف انعكس ذلك على اهتمام سنغافورة بها عمليا؟

- من عمق الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في الآونة الأخيرة، تولدت حاجة ماسة لدول آسيا للحصول على تمويلات واستثمارات معوضة للعمل في حقل اقتصادي حقيقي مشتمل على عمل تجاري مشترك وبنى تحتية ضخمة، وفي خضم ذلك كان لوضع المصرفية الإسلامية والاستثمار في منتجاتها القدح المعلى في لفت الأنظار إليها، ومحاولة التعاطي معها، خاصة أنها تبدو كما لو أن المستقبل ينتظرها، في ظل توافر عناصر خصبة ومهمة تطرحها الأسواق الآسيوية كمركز ثقل جاذب وقادر على تحويل الأنظار تجاهه، مما يبدو واضحا في التحركات التي أبدتها دول الغرب في التعاطي مع المصرفية الإسلامية مؤخرا. وبالطبع نتوقع إطلاق أكبر عدد من المؤسسات والشركات لتستغل تلك الفرص الاستثمارية والمالية والاقتصادية التي تتميز بها قارة آسيا، ويلاحظ أن وضع سنغافورة الآن، خاصة بعد نشاطها المطرد في مجال المصرفية الإسلامية، أعطاها حضورا كبيرا في هذا المجال على مستوى الإقليم الباسيفيكي، تماما كالحضور الذي تلعبه كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية في المنطقة العربية، سواء من خلال بنوكها المركزية، أو بنوكها الخاصة، أو بنوك المستثمرين والعملاء. وما زلت سنغافورة تفتح عينها على حاضر ومستقبل المصرفية الإسلامية ومنتجاتها بشهية مفتوحة، من خلال إبقائها على المحافظة على مراكز القوة المصرفية الإسلامية، والاستفادة من خبرائها الموجودين في سنغافورة، وهي ما زالت تعمل بإحكام لتطبيق القوانين المالية الإسلامية، وهنا لا بد أن أشير إلى أنه يوجد في سنغافورة أكثر من 700 مؤسسة وشركة مالية، تعمل في حدود سوق آسيوية تعمل على تشغيل 1.05 تريليون دولار، علما بأن مديري الموارد المالية في سنغافورة يديرون أصولا يبلغ مقدارها 1.1 تريليون دولار حتى نهاية 2010، تستثمر بشكل أساسي في الإقليم الآسيوي الباسيفيكي، كما أن بعض هذه الموارد المالية يمكن استغلالها في منتجات إسلامية بجانب المنتجات التقليدية. وعلى الرغم من أن المصرفية الإسلامية تشكل نسبة نمو تبلغ أكثر من 20 في المائة عالميا، فإنها ما زالت تشكل نسبة بسيطة من الأصول العالمية، وهذا الوضع وإن كان يشبه وضع المصرفية الإسلامية في سنغافورة، إلا أنه يلاحظ أنه ينطلق بقوة إلى الأمام وسيحقق الكثير قريبا.

* برأيك ما المطلوب لتطوير هذه الصناعة بشكل أفضل في القارة الآسيوية عامة، وفي سنغافورة خاصة؟

- لما كانت المصرفية الإسلامية تتجه نحو المزيد من التطوير والانتشار، أصبحت بذلك ذات وضع مهم عالميا، ومن هذا المنطلق فإن آسيا عامة، وسنغافورة خاصة، تحاول أن تلعب دورا محفزا في الإسهام في تطوير هذه الصناعة إقليميا. ولذلك، فإن «بنك سنغافورة المركزي» يعمل بإحكام مع خبراء هذا المجال والقطاع الخاص، سواء من آسيا أو من خارجها، من أجل تطوير هذه الصناعة وابتكار منتجات جديدة، كما أن سنغافورة ما زالت مستمرة في دعم التدريب الخاص بها من خلال تأسيس معاهد ومؤسسات تعليمية مؤهلة لكسب المزيد من الخبرات والمعرفة، كذلك فإن سنغافورة تعمل جاهدة لرفع مستوى الوعي بأهميتها من ناحية ثقافية ومن ناحية تطبيقية، ولذلك فإننا سعداء بأن تستضيف بلدنا مؤتمر المصرفية العالمية، وهو مؤتمر قمة آسيوي، بجانب مؤتمرات أخرى.

* إلى أين وصلت جهود سنغافورة في سبيل توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج, التي ينتظر تصديقها من السعودية؟ وما أثر ذلك على مستقبل صناعة المال الإسلامية؟

- أستطيع أن أقول إن سنغافورة استطاعت من خلال استكشافاتها المبكرة لمواطن النجاح والخلل والقوة والضعف، في البناء الاقتصادي، وما صحبتها من تشريعات اقتصادية محفزة للنشاط التجاري والاستثماري، أن تتحول من سنغافورة النامية إلى دولة متقدمة في فترة وجيزة, لينتهي بها المطاف لتصبح عاصمة الشرق الآسيوي المالية, ولا سيما أنها تحتضن أكثر من 700 مؤسسة مالية عالمية تعمل في مختلف مجالات النشاط التجاري والاستثماري والمصرفي، وأعتقد أن نتاج ذلك كان كفيلا بأن تحقق سنغافورة نجاحا باهرا بتوقيعها اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج, التي ينتظر تصديقها من السعودية, ونأمل أن يسهم ذلك في دفع عجلة التقدم والتطور لصناعة المال الإسلامية، خاصة أن اتفاقية التجارة الحرة ستجلب معها تدفقات نقدية ضخمة ستستفيد منها المؤسسات المالية الإسلامية في كلا المنطقتين، كما أن منطقة الخليج تشكل الشريك التجاري الثامن لسنغافورة، وذلك بعد أن وصل التبادل التجاري إلى 35.72 مليار دولار.