خبراء مصرفيون لـ«الشرق الأوسط»: ظاهرة انتشار المصارف الإسلامية مدعاة لتطويرها

بعد تأسيس أول مصرف إسلامي عماني وآخر عراقي حكومي

TT

يبدو أن نجاح المصرفية الإسلامية، في خضم الأزمة المالية العالمية، أسهم بشكل كبير في انتشارها في أجزاء كبيرة من العالم؛ حيث دعت بعض البلاد، في منطقة الخليج والشرق الأوسط، لا سيما سلطنة عمان، إلى تأسيس أول مصرف إسلامي فيها، مع اتخاذ العراق خطوات جريئة بتأسيس مصرف إسلامي، في ظل وجود مصارف تقليدية ضاربة الجذور في البنية الاقتصادية.

ويعتقد بعض الخبراء المصرفيين أن هذه الظاهرة في طريقها إلى المزيد من الانتشار، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وإنما على نطاق واسع من العالم، بحكم نجاح المصرفية الإسلامية في كثير من أوجهها في الوقت الذي خسرت فيه الكثير من البلاد المتقدمة أجزاء من اقتصاداتها القائمة على النظام المالي الرأسمالي.

ومع ذلك كله، يرى الخبراء أن هذا مدعاة للتفكير بجدية في كيفية تطوير المصرفية الإسلامية بما يكسب المزيد من العملاء في الوقت الذي تعاني فيه الكثير من التحديات التي في مقدمتها مراجعة السياسيات المصرفية الإسلامية وتصحيح التطبيقات الخاصة بالتمويل الإسلامي.

في هذا السياق، أكد الخبير المصرفي، الدكتور عبد الله بن عبد العزيز المعجل، أن ظاهرة انتشار تأسيس مصارف إسلامية لأول مرة في بلاد إسلامية أصلا، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها، أمر محمود، لكنه لا يرى أن هناك من الأسباب ما يبرر زهدها في تأسيسها أو التأخير في ذلك، طالما يدين شعبها بالإسلام روحا ونصا.

ويعتقد المعجل أن هناك اهتماما بالمصرفية الإسلامية تنامى في العقود الأخيرة، ليس فقط على مستوى منطقة الشرق الأوسط، بل على مستوى العالم، مبينا أن هذه الصناعة شهدت نموا سريعا واهتماما عالميا متزايدا أسهم في حدوثهما ما شهده العالم مؤخرا من أزمة مالية اكتوى بنارها معظم الدول الاقتصادية العظمي؛ حيث انهارت معظم اقتصادات هذه الدول.

وأوضح المعجل أن قلة التطبيقات المالية الإسلامية بشكل أكثر جدية وعلى نطاق أكثر اتساعا حجمت من انتشارها بالشكل المطلوب، مبشرا، في الوقت نفسه، بالتوسع في تلك التطبيقات المصرفية كنتيجة منطقية لهذا الاهتمام العالمي المتزايد بهذه الصناعة، مبينا، في الوقت ذاته، أن المأمول هو أن يكون هذا التوسع أكثر توافقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتحقيقا لمقاصدها العامة على المستويين الإقليمي والدولي.

وقال: «إن المصرفية الإسلامية غنية بالتطبيقات التي تمكنها من جذب الكثير من الدول التي لم ترَ، حتى الآن، نوعا من التطبيقات المالية الإسلامية فيها، بسبب اتساع مجالها الذي يملك من الحوافز ما يقود العملاء الجادين، سواء بنوك أو مؤسسات أو شركات أو حتى أفراد، إلى الدخول في تجارب مصرفية إسلامية حقيقية؛ ذلك لأنها الأكثر استجابة للمبادرات والأقل تعقيدا وتشابكا؛ حيث إنها توفر خبرات متراكمة ترسي لعمل مصرفي قليل المخاطر ومضمون الجوانب».

ولا يعتقد المعجل أن هذا الاهتمام العالمي بالمصرفية الإسلامية يعني نهاية المصرفية التقليدية عالميا على المدى القريب بسبب ترسيخ ثقافة العمل بها عبر حقب مصرفية كبيرة، على الرغم من تزايد المشاكل والأزمات المالية المرتبطة بهذا النظام لما لها من أثر عميق في النظام الاقتصادي العالمي بمختلف تكويناته واتجاهاته.

ولفت المعجل أنظار المعنيين بصناعة المصرفية الإسلامية إلى ضرورة العمل بجدية على تصحيح مسارها وتصويب ما وقع فيها من أخطاء بسبب التطبيقات التي خلت في معظمها من المصداقية وعدم الشفافية في عدد من المصارف والمؤسسات المالية، حتى تعالج الإساءة التي صاحبت بعض التطبيقات حتى تزيل التشويش الذي أصابها في نظر بعض العملاء الجدد في بلاد العالم غير الإسلامية.

ويتفق الخبير المصرفي عبد الرحمن الجدعان مع الدكتور عبد الله المعجل فيما ذهب إليه عن سر انتشار ظاهرة افتتاح مصارف تعمل وفق القوانين الإسلامية، مشيرا إلى النجاح المذهل للمصرفية الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى الكيفية التي أنقذتها من براثن الأزمة العالمية كنتيجة حتمية لقدرتها على التكيف مع المحاذير والمخاطر التي تتعرض لها المصارف التقليدية.

ويعتقد الجدعان أن تلك المزايا التي اتسمت بها المصرفية الإسلامية وصناعتها دفعت الكثير من دول العالم، خصوصا بعض الدول العربية ودول الشرق الأوسط تحديدا، التي لم يسبق لها الدخول في تجربة المصرفية الإسلامية، مثل عمان، أو التي دخلت على استحياء سابقا، مثل العراق، إلى خوض التجربة الإسلامية للصيرفة، مع التسليم أن لكل دولة أسبابها الخاصة، منها ما كان نتيجة الضغوط الشعبية بحكم طبيعة شعبها المحافظ ومنها ما كان نتيجة طمعها في حصة من تلك النجاحات.

وأوضح أنه مهما كانت الأسباب لتلك الدول في دخول هذه التجربة تبقى مسؤولية الدول الإسلامية التي نجحت في مجال المصرفية الإسلامية واكتسبت الكثير من الخبرة في مد يد العون للدول الراغبة في دخول هذا المجال بمساعدتها بالخبرات والطاقات البشرية المدربة للبدء من حيث انتهوا وتجنب البدء من الصفر ومواجهة العوائق ذاتها التي واجهوها في السابق من قلة وعي المجتمع بالفروق بين المصرفيتين التقليدية والإسلامية وعدم وجود قوانين في البنوك المركزية تدعم المصرفية الإسلامية وما إلى ذلك من فروق ومميزات تفصل بين المصرفيتين الإسلامية والتقليدية.

وقال الجدعان: «إن نجاح هذه الدول، التي ترغب في الدخول في تجربة المصرفية الإسلامية، سوف يكون دافعا لمزيد من الدول إلى دخول هذه التجربة، خصوصا إذا لمست اهتماما على صعيد الدول الإسلامية لدعمها وتذليل المصاعب لها وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة المسيسة».

واختتم الجدعان حديثه بأن المسؤولية الكبرى في نشر المصرفية الإسلامية وجعلها وجها من وجوه نشر الإسلام وتعاليمه بين دول العالم على عاتق جميع الدول الإسلامية، مع ضرورة تنشيط وتفعيل جميع المؤسسات المنوط بها النهوض بهذه الصناعة التي في مقدمتها مجلس الخدمات المالية الإسلامية والبنوك المركزية في البلاد الإسلامية، بالإضافة إلى أهمية توخي المصارف الإسلامية، بشكل عام، الشفافية والمصداقية وتحمل المسؤولية في عملية التطبيقات المصرفية الإسلامية، بما يخدم هذه الصناعة ويؤمن لها المستقبل على مستوى العالم.

وقد كشف العراق مؤخرا عن تأسيس أول مصرف حكومي يقوم بتوفير خدمات التمويل الإسلامي في البلاد برأسمال يصل إلى نحو 214 مليون دولار، وفق موقع «خدمة معلومات المصرفية الإسلامية» (آي إف آي إس) الذي أشار إلى أن المصرف الإسلامي العراقي الجديد سيعمل تحت إشراف البنك المركزي العراقي وسيرتبط إداريا بوزارة المالية.

ونقل الموقع عن مسؤول عراقي قوله: إن المصرف الإسلامي «سيعمل على استقطاب رؤوس الأموال الكبيرة وسيسهم في عملية الصيرفة الداخلية والتعامل مع المصارف الحكومية والخاصة»، في الوقت الذي قررت فيه الحكومة العراقية السماح بافتتاح نوافذ إسلامية في المصارف الحكومية التقليدية أيضا.

ويمثل القرار، وفق الموقع، ابتعادا عن نهج سابق؛ إذ كانت اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب العراقي قد أعلنت سابقا، حسبما ورد في البيان، أن المصارف الإسلامية العاملة حاليا في العراق، وعددها 9 مصارف خاصة، لا تسهم في رفع مستوى التنمية الاقتصادية.

وأشار الموقع إلى أن المصارف الخاصة في العراق، البالغ عددها 36 مصرفا، لا تمتلك أدوات النهوض بالواقع النقدي والاقتصادي لأسباب عدة، أهمها: غياب قانون خاص ينظم أعمالها وعدم تأمين الدعم المطلوب من الدولة. وأشار إلى أن مصرف الرافدين، الذي يعتبر أهم مصرف حكومي في البلاد، لا يقبل الحوالات من المصارف الخاصة، ومن ضمنها المصارف الإسلامية، وقال: إن وزارة المال تمنع التعامل مع المصارف الخاصة، ومنها الإسلامية.

ونقل الموقع عن المدير التنفيذي لرابطة المصارف العراقية الخاصة، فائق ناصر حسين، قوله: إن المصارف الحكومية العراقية «لا يجوز لها التعامل وفق النظام المصرفي الإسلامي؛ لأن موازنات المصارف الإسلامية وحساباتها تختلف عن موازنات وحسابات المصارف التجارية التقليدية».

كان البنك المركزي العراقي قد أعلن مؤخرا أنه سيمنح عددا من رخص تأسيس المصارف الخاصة، مؤكدا أن ازديادها سيعزز الوضع الاقتصادي.

وقال الموقع إن مجموع رؤوس أموال المصارف الخاصة في العراق يبلغ نحو 2.7 مليار دولار بعدما رفع معظمها رأسماله إلى 0.09 مليار دينار بنهاية شهر يونيو (حزيران) على أن يصل إلى 0.18 مليار بنهاية 2012.

كانت سلطنة عمان قد قررت، هي الأخرى، تأسيس أول بنك إسلامي فيها، وبالتالي السماح للبنوك الإسلامية بالعمل في الوقت الذي أتاحت للبنوك التقليدية إدارة عمليات موافقة لأحكام الشريعة بهدف الاستفادة من قطاع التمويل الإسلامي سريع النمو والسماح للبنوك في السلطنة بفتح فروع جديدة إذا أرادت، مع عدم السماح للبنوك القائمة بالتحول إلى بنوك إسلامية.

يُذكر أن سلطنة عمان قد هدفت إلى الاستفادة من الطلب على المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية الذي تجري تلبيته حاليا في دول أخرى بمنطقة الخليج التي ينتعش بها قطاع التمويل الإسلامي.

وقال جويس ماثيو، رئيس البحوث في «المتحدة للأوراق المالية» في مسقط، لوكالة الأنباء العالمية «رويترز»: «من المتوقع أن يساعد هذا القرار في الحد من نزوح الاستثمارات الإسلامية عن السلطنة، وبالنسبة إلى البنوك القائمة من المتوقع أن يفتح هذا القرار أبوابا جديدة للإيرادات ويتيح فرصا للنمو».

وقالت برايس ووتر هاوس كوبرز، في تقرير في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي: إن صناعة التمويل الإسلامي، البالغة تريليون دولار، من المتوقع أن تنمو بين 15 و20% سنويا مستقبلا. وحظرت قطر في فبراير (شباط) على البنوك التقليدية تقديم خدمات التمويل الإسلامي في محاولة لدعم بنوكها الإسلامية.

وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن أن الأمر الذي لا بد للمهتمين بالمصرفية الإسلامية الالتفات إليه أنه بقدر ما أن هناك ميزات اتصفت بها المصرفية الإسلامية وجعلتها تبدو منطقية ومقبولة لدى العالم، فإن تجذر المصرفية التقليدية في عظم الاقتصادات العالمية المتقدمة يجعل من خبرائها المهتمين بها يعدون العدة لمجابهة هذا التمدد من قبل المصرفية الإسلامية في أراضيها، وذلك من خلال تقصي أسباب الأضرار والأزمات الناتجة عن تطبيقات النظام المالي العالمي، والتقليدي تحديدا، وذلك من أجل كشف الطرق الناجعة لمعالجات هذا الخلل من خلال تطعيمها بجرعات من التصحيحات والتقويمات المناسبة التي تضمن لها معالجة فاعلة لأوجه الخلل المتفشية فيها، حتى لو دعت الحاجة للاستعانة ببعض أسس ومبادئ صناعة المصرفية الإسلامية في كثير من أوجهها.

ويعتقد باعشن أن المصرفية الإسلامية تخللها بعض الأخطاء التي يمكن أن تقف سدا منيعا في طريق انتشارها في البلاد التي لم تجربها بعد، ومن ثم انحرفت بها عن التطبيقات الصحيحة وأبعدتها عن مبادئ الشريعة الإسلامية، أصبحت، فيما بعد، تطبيقات غير موثوق فيها ومحل خلاف واختلاف بين فقهاء المعاملات المالية والمتخصصين في المصرفية الإسلامية، الأمر الذي يؤدي بالمصرفية الإسلامية إلى أن تكون البديل الإسلامي الصحيح في العمل المصرفي الإسلامي، ما من شأنه أن يحد من انتشار مصارف إسلامية في مناطق جديدة لها.

وهنا يرى باعشن أن هناك حاجة ماسة إلى مراجعات لمسيرة صناعة المصرفية الإسلامية وتنقيحها من كل العيوب والتشوهات التي أصابتها مؤخرا، مع أهمية السعي الجاد والمخلص لتلمس معالم تلك الصناعة من مصادرها الأصلية، وتبني الصيغ والأدوات الأكثر توافقا مع تعاليم الشرع الحنيف والأكثر تحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية المنشودة.

وعاد باعشن فقال: «من الحكمة العمل على الاستفادة مما لدى البلاد المتقدمة من ميزات جعلت من النظام المالي متقدما ومتطورا في نواحٍ أخرى، مع أهمية استمرار الاستفادة مما لديه من إنجازات، لتطعيمها في جسد المصرفية الإسلامية بما يتوافق ومبادئ وأسس الشريعة الإسلامية الراسخة».