دراسة اقتصادية: 4 مشاكل بيع تشكل خطرا على التمويل الإسلامي

قالت إن المؤسسات المالية تلجأ إلى بيع المرابحة مع الوعد بالشراء للحماية من المخاطر

TT

حصرت دراسة اقتصادية أربع مشاكل في البيع تشكل خطرا على التمويل الإسلامي، تتمثل في عدم التزام طالب الشراء، ومخاطر السلع المستوردة، وعجز المدين، أو مماطلة الدين المليء.

وحذر معد الدراسة من هذه المخاطر التي تلف خمس صيغ استثمارية بالمخاطر وهي البيع الآجل، والسلم، والمضاربة، وصكوك المقارضة، والاستصناع، مبينا أنه للحماية من هذه المخاطر تلجأ المؤسسات المالية الإسلامية إلى بيع المرابحة، مع الوعد بالشراء، وأخذ عربون من الآمر بالشراء.

وتناولت دراسة أعدها الدكتور علي بن أحمد السواس، النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأميركا، خمس صيغ من صيغ الاستثمار الإسلامية، وهي: البيع الآجل، والسلم، والمضاربة، وصكوك المقارضة، والاستصناع، إضافة إلى تطرقها للمشكلات التي صادفت المؤسسات الإسلامية في التمويل عن طريق كل صيغة، والحلول لمواجهة هذه المشكلات، مع بيان الجائز منها شرعا وغير الجائز.

وخلص الدكتور السواس إلى أن من أهم المشكلات في البيع عدم التزام طالب الشراء، ومخاطر السلع المستوردة، وعجز المدين، أو مماطلة الدين المليء. ويبين البحث الحلول المشروعة في البيع مرابحة، وفي المساومة، وعدم جواز البيع قبل القبض الفعلي أو الحكمي، وكذلك تحميل العميل المخاطر قبل البيع وغرامات التأخير بالنسبة للمدين المماطل، ولكن يجوز حلول الأقساط قبل مواعيدها. ووجدت مشكلات أخرى تتصل بالضرائب غير المشروعة، ومشاركة البنوك الربوية، ووفاة المدين، وذكر المخرج من كل مشكلة.

وعن السلم، قال الباحث إنه توجد مخاطر عدم تسليم المبيع، وعدم رد الثمن عند الفسخ أو المماطلة في رده، والمخرج التوثيق برهن أو كفالة، وأخذ شيكات من البائع لضمان الثمن. وعند حاجة المؤسسة إلى السيولة لا يجوز بيع دين السلم قبل قبضه، ولكن يجوز السلم الموازي، كما يجوز الاعتياض عن دين السلم بغير ربح.

وفي المضاربة بين الباحث آلية تجنب المخاطر في المضاربات المألوفة، وذكر نماذج لمضاربات مستحدثة أقل مخاطرة، كمشاركة الشركات القائمة التي تملك أصولا ثابتة وأصولا متداولة، والشركات التي تملك أصولا ثابتة ولا تشترك في رأس المال.

أما صكوك المقارضة فمخاطرها كما يراها السواس في طبيعة المشروع الذي تصدر له الصكوك، وفي خبرة وأمانة الذين يصدرون الصكوك ويقومون بدور المضارب.

وفي الاستصناع، معظم المؤسسات لا تملك مصانع ولا شركات مقاولة، والمخرج في الاستصناع الموازي، وباقي المشكلات تحل عن طريق حوالة الضمان، والشروط الجزائية، مبينا في البحث مخاطر الصرف، إذ لا يجوز الصرف الآجل والمخرج عن طريق البيع الآجل، أو الشراء الآجل، مؤكدا عدم جواز دفع المخاطر بالتأمين التجاري إلا عند الضرورة، وإنما يكون بالتأمين التعاوني.

ويعتقد السواس أنه كان للصحوة الإسلامية أثرها الطيب الواضح، ومن أثرها قيام المؤسسات المالية الإسلامية، وقيام هذه المؤسسات في عالم تقوم فيه صيغ الاستثمار على الربا والميسر والغرر الفاحش وما حرمه الإسلام، كان لا بد أن تواجه هذه المؤسسات الإسلامية مشكلات متعددة. حاولت هذه المؤسسات علاج المشكلات التي تصادفها في مجال تطبيق صيغ الاستثمار الشرعية، فوفقت في بعض الحالات، وجانبها التوفيق في حالات الأخرى وعلى الأخص في مجال التمويل الإسلامي، ومواجهة مخاطره.

وفي هذا البحث تحدث السواس عن خمس صيغ من صيغ التمويل الإسلامي، موضحا أن المشكلات التي واجهت المؤسسات الإسلامية في التطبيق، والحلول التي وضعت، مع بيان الجائز منها وغير الجائز، وهذه الصيغ هي: البيع الآجل، والسلم، والقراض أي المضاربة، وصكوك المقارضة، والاستصناع، كما تحدث عن مخاطر الصرف، مبينا البديل الشرعي للصرف الآجل، إضافة إلى أنه تطرق للتأمين.

وفي الصيغة الأولى يعتقد السواس أن من أهم الصيغ التي تقوم بها المؤسسات الإسلامية، وأكثرها انتشارا، البيع الآجل، فهو يعتبر بالنسبة لها وسيلة التمويل الإسلامي الأولى، مبينا أن المؤسسات التي تعرض للبيع ما لديها من سلع، وعندها مخازنها ومعارضها لا تصادفها مشكلات بالنسبة للمبيع أكبر مما يصادف غيرها من المؤسسات غير الإسلامية. ولكن والحديث للسواس، معظم المؤسسات الإسلامية، وعلى الأخص المصارف، لا تملك مثل هذه المخازن والمعارض، ولذلك تشتري لتبيع دون أن تقوم بالتخزين، سواء أكان الشراء من الأسواق المحلية، أو عن طريق الاستيراد، أو، من الأسواق المالية العالمية (البرص).

وهنا يرى السواس أن المخاطر تتلخص في أنه بعد أن تشتري المؤسسة السلعة قد لا يشتريها منها طالب الشراء، وللحماية من هذه المخاطر تلجأ المؤسسات إلى بيع المرابحة، مع الوعد بالشراء، وأخذ عربون من الآمر بالشراء، فإن تم شراء السلعة، ولم يلتزم بوعده تقوم المؤسسة ببيعها لغيره، فإن وقعت خسارة وأخذت من العربون بقدرها.

وأشار إلى أنه ينبغي الاستفادة من قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء، ومما جاء فيه: «الوعد – وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد - يكون ملزما للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب، ودخل الموعود في تكلفة نتيجة الوعد».

ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر، مبينا أنه وقع الخلط بين بيع المرابحة والربا، وذلك يرجع إلى عدد من الأسباب منها: عدم الإدراك الفقهي للفرق بين الاثنين، ومنها: أخطاء التطبيق، ومنها: ما يراه بعض الباحثين من أن هذا البيع من باب الحيل غير المقبولة.

ولهذا كما زعم أنه سعى لإلغاء البيع بنظام المرابحة في أحد المصارف، واللجوء إلى البيع مساومة، فكانت المخاطرة في أن الراغب في الشراء قد يعدل، أو لا يوافق على الثمن الذي يحدده المصرف، فماذا يفعل المصرف حينئذ. وأمكن إيجاد وسيلة للتغلب على مخاطر المساومة، وذلك بأن يشتري المصرف مع خيار الشرط للمشتري فقط دون البائع، وتحدد مدة كافية للخيار، وأثناء المدة يبيع المصرف ما اشتراه، فإن لم يتمكن من البيع أبلغ البائع بفسخ العقد ورد المبيع، وقد نجح هذا الأسلوب نجاحا غير متوقع، وعلى الأخص بعد أن أصبح مألوفا.

والواقع كما يرى السواس أنه قبل أن يتم التصدير قد يأتي العميل ويطلب إلغاء الاعتماد، ويقوم المصرف بدوره بإخطار البنك المراسل، مبينا أنه نادرا ما توجد مخاطر هنا، حيث إن المصرف يلزم العميل بتحمل تكاليف الاعتماد لأنه هو الذي طلب الإلغاء، ولكن قد لا يكون الإلغاء من قبل العميل، وإنما من قبل المورد الذي لا يقوم بتصدير السلعة المتفق عليها، وبعض المصارف تحمل العميل أيضا بهذه التكاليف، بحجة أنه هو الذي أرشد المصرف إلى المورد.

ويعتقد السواس أن هذا غير جائز فعلاقة العميل بالمصرف في بيع المرابحة والتزاماته إنما تكون بعد وصول السلعة وشرائها من المصرف وما دام هو ليس الذي طلب الإلغاء، ولم يتسبب في الضرر، فلا يجوز أن يتحمل تبعة غيره، ولذلك فإن المصرف هو الذي يتحمل هذه التكاليف وإن استطاع أن يضع شرطا يلزم المورد بتحمل التكاليف عند عدم التزامه بالتصدير فإن هذا الشرط جائز لإزالة الضرر.

وتوجد، وفق السواس، مخاطر تتصل بالسلعة المستوردة فقد تأتي مخالفة للمواصفات أو ناقصة أو تالفة وقد لا تصل كأن تحرق أو تغرق أو تسرق مثلا، مبينا أن هناك أشياء تشملها وثيقة التأمين كالحريق والغرق والسرقة وما أشبه هذا. أما مخالفة شروط الاعتماد، أو النقصان مثلا فيرجع المصرف على المورد فهو المسؤول، عن هذا، ومن الموردين من لا يؤدي ما هو ملتزم به، وهناك يجب البحث عن الضوابط القانونية التي تجعله يجبر على الأداء للتخفيف من المخاطر.

وأوضح أن بعض المصارف الإسلامية رأت أن تتجنب هذه المخاطر، وتحملها لطالب الشراء نفسه، فاشترطت ضمانه للمورد حتى وصول السلعة، ثم بعد ذلك تبيعها له، معتقدا أن هذا غير جائز على الإطلاق، فدور المصرف حينئذ لا يختلف عن دور البنك الربوي، حيث يقوم بالتمويل ولا شأن له بالسلعة، والحيلة التي يلجأ إليها بأن يبيع للآمر سلعة هي أصلا في ضمانه حيلة واضحة البطلان.

وأشار السواس إلى قرارين مهمين: أحدهما صدر عام 1983، وهو من قرارات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، ونص القرار هو ما يأتي: للآمر وحيازتها، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق، هو أمر جائز شرعا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد في ما يستوجب الرد بعيب خفي.

والقرار الثاني صدر سنة 1989، في المؤتمر الخامس لمجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث قرر: «أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعا، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتوافرت شروط البيع، وانتفت موانعه».

وفي ضوئهما يتضح بطلان ضمان الآمر بالشراء للمورد وتحمله هو مسؤولية الهلاك والتلف قبل التسليم، وكذلك تحمله العيب الخفي ونحوه مما يستوجب الرد بعد التسليم.

ورأت بعض المصارف، تجنبا لهذه المخاطر، أن تقوم ببيع السلعة قبل وصولها، وقبل القبض الفعلي أو الحكمي، وذلك عن طريق تظهير المستندات لصالح الآمر، وكتابة عقد البيع.

ومن الواضح أن هذا التصرف يتنافى مع حديث «لا تبع ما ليس عندك»، ومع القرارين السابقين، غير أن الموضوع يحتاج إلى بحث مفصل لبيان موقف العلماء مع بيع المبيع قبل القبض مع المناقشة والترجيح في ضوء الأدلة، فالحنفية يرون ثبوت الملك بمجرد التعاقد متى كان العقد صحيحا بلا خيار، أما في العقد الفاسد فلا ينتقل الملك إلا بالقبض ومتى تم التعاقد وجب على البائع تسليم المبيع، ويتحمل مؤنة التسليم، ويجب على المشتري تسليم الثمن الحال، ويتحمل أيضا مؤنة تسليمه.

والتسليم والقبض عندهم هو التخلية، ولا خلاف بينهم أن أصل القبض يحصل بالتخلية في سائر الأموال، واختلفوا في أنها هل هي قبض تام أم لا، ويترتب على هذا الاختلاف في التصرف لا في انتقال الضمان، فانتقال الضمان يتم بأصل القبض لا بتمامه، أي قبل القبض الفعلي، أما التصرف فاتفقوا على أن المنقول لا يصح بيعه قبل القبض، واختلفوا في العقار، فأجاز بيعه قبل القبض أبو حنيفة وأبو يوسف استحسانا، ومنعه محمد وزفر قياسا.