التدفقات النقدية ترفع أصول صناديق الاستثمار الإسلامية إلى 58 مليار دولار

خبيران شرعيان لـ«الشرق الأوسط»: اعتماد الصناديق على أدوات متوسطة المخاطر.. واستقرار التمويل الإسلامي أسهم في زيادتها

TT

أسهمت التدفقات النقدية المستمرة في الصناديق الاستثمارية الإسلامية، في نمو الأصول المدارة للصناديق الإسلامية العالمية بمعدل 7.6 في المائة لتصل إلى 58 مليار دولار مع نهاية العام الماضي.

وبحسب خبيرين متخصصين بشؤون المصرفية الإسلامية، فإن التدفقات النقدية رفعت من قيمة أصول الصناديق الاستثمارية الإسلامية، يدفعها إلى ذلك عوامل عدة، أولها أن بيئة الاقتصاد الإسلامي باتت بيئة محفزة من خلال اعتماد الاستثمار في الصناديق على أدوات متوسطة المخاطر، ووجود خبرات ذات كفاءة عالية، خصوصا مع استقرار وضع التمويل الإسلامي، وانفتاح كثير من الدول عليه.

الدكتور صلاح الشلهوب، مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي ومعهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أرجع خلال دراسة حديثة لـ«الشرق الأوسط»، نمو الأصول المدارة للصناديق الإسلامية العالمية بمعدل 7.6 في المائة، إلى زيادة التدفقات النقدية على الصناديق الاستثمارية الإسلامية، مشيرا إلى أن النمو في الأصول يشمل نمو الأرباح، لأنها تعتمد على أدوات أعلى مخاطر من أدوات التمويل التقليدية، وبالتالي تكون عوائدها أعلى، بالإضافة إلى وجود محفز الاستقرار الذي تتمتع به صناعة المصرفية الإسلامية. وأوضح الشلهوب، أن نمو أصول الصناديق الاستثمارية، يتأتى أيضا من زيادة الثقة بهذا القطاع، إضافة إلى وجود قنوات استثمارية جديدة إسلامية، وانفتاح كثير من الدول على التمويل الإسلامي، مستشهدا بكثير من الدول التي جرى بها ذلك الانفتاح بإنشاء وحدات أو مؤسسات مالية متوافقة مع الشريعة. وبين الدكتور الشلهوب أن تلك الدول بدأت في وقت قريب إنشاء وحدات ومؤسسات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، كما بدأت استقطاب أموال إضافية ساهمت في وجود فرص أكبر وتوسع في إنشاء الصناديق، مستبعدا أن يكون لتداعيات الأزمة المالية العالمية أي تأثير يذكر في عملية التوسع في الصناديق.

وأشار الأكاديمي المتخصص بشؤون المصرفية الإسلامية، إلى أن وجود احترافية عالية، وأداء منقطع النظير في عمل المؤسسات المالية الإسلامية، ساهم بالدرجة الأساسية في تحفيز الاستثمار في هذا القطاع، وبالتالي النمو الذي حققته في العام الماضي، متوقعا ظهور توسع في الأدوات التي لم تكن موجودة في التمويل الإسلامي خلال المراحل المقبلة.

وزاد: «يجب ألا نغفل أن منطقة الشرق الأوسط وهي المركز الأساسي للتمويل الإسلامي، منطقة اقتصادية مستقرة نظرا لعوائد النفط، على الرغم من أن العالم يواجه أزمة اقتصادية، إلا أن المنطقة استطاعت أن تحفز تدفق الأموال لها». وعرج الخبير الاقتصادي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» على التحديات التي تكتنف عمل المصرفية الإسلامية، مبينا أن الصناعة المالية الإسلامية استطاعت أن تواجه تلك التحديات من خلال اختبارات كفاءة لتؤكد أنها ذات جودة عالية، وقادرة على مواجهة الأزمات، مستدركا: «إلا أنه لا يزال هناك قصور في إيجاد التشريعات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في كثير من الدول وأنظمة المؤسسات العالمية، والبنوك المركزية، وهذا يشكل عائقا في توسع هذا القطاع المهم».

من جانبه، قال الدكتور عز الدين خوجة، أمين عام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامي، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه على الرغم من الفترات الماضية التي شهدت انخفاضا في إصدار الصكوك بسنوات السابقة، فإن النمو ما زال مستمرا، كما تعددت جهات إصدارها، مضيفا أن الصكوك الإسلامية تعتبر من أفضل ما أنتجته الصناعة المالية الإسلامية، حيث ساهمت في كثير من المجالات التي تحقق التنمية من خلال الاستثمار في مشاريع حقيقية، وتمويل العجز لدى الحكومات المختلفة. وزاد عز الدين خوجة، أن الهيكلة التي تنتجها المصرفية الإسلامية تتميز بالتوافق الشرعي، مشيرا إلى أن عددا من الدول باتت تتجه لإدخال أدوات إسلامية مثل الصكوك الإسلامية التي تمثل عنصرا أساسيا لتحقيق التنمية المنشودة منها، كاشفا عن اهتمام الدول الجديدة بالمصرفية الإسلامية وما تحويها من صكوك.

وقال خوجة إن الصناديق الاستثمارية الإسلامية بدأت تظهر في عدد كبير من الدول، إذ لم تعد تنحصر في دول الخليج العربي والدول الإسلامية، بل امتدت إلى أن وصلت إلى دول غربية. وذكر عز الدين خوجة، أن لدى الاقتصاد المالي الإسلامي عدة أدوات وخدمات مصرفية، وخدمات التأمين الإسلامي، وأدوات التأخير الإسلامية، مضيفا: «ومن الطبيعي جدا أن يكون القطاع المتعلق بالصناديق والاستثمارات الصناعية يشهد نموا»، واصفا النظام المالي الإسلامي بالقطاع الحقيقي الذي يعكس التوظيف الصحيح للمواد المالية، وبالتالي لا بد من مزيد من التطوير لتلك الصناديق، خاصة للدول التي تنوي توظيف تلك الأموال من خلال تلك المواد بإصدار صكوك جديدة، وهو سبب أساسي لانتشار الصكوك.

وبالتوازي مع ما ذهب إليه الخبيران المصرفيان، أفادت نتائج التقرير السنوي الخامس للصناديق الاستثمارية الإسلامية 2011، الذي قدمته مجموعة الخدمات المالية الإسلامية في «إرنست ويونغ» - الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع نهاية الأسبوع الماضي، أفادت بنمو الأصول المدارة للصناديق الإسلامية العالمية بمعدل 7.6 في المائة لتصل إلى 58 مليار دولار أميركي في 2010، مقارنة مع 53.9 مليار دولار في 2009. ويعزى هذا النمو، بحسب تقرير «إرنست ويونغ»، وبشكل رئيسي إلى أداء السوق، كما يرجع بشكل جزئي إلى تدفق أموال جديدة إلى الصناديق ولا يزال التركيز كبيرا على الأسهم، باعتبارها تمثل 39 في المائة من إجمالي قيمة الأصول المدارة للصناديق الاستثمارية الإسلامية العالمية البالغة 58 مليار دولار، إلا أنه من الصعب توظيف أموال جديدة في هذه الأسهم.

وأوضح التقرير أن الدخل الثابت والسلع والاستثمارات البديلة، جميعها سجلت أداء جيدا في عام 2010، الذي كان عاما قياسيا لإصدارات الصكوك، حيث تم طرح صكوك بقيمة 50 مليار دولار.

وقال أشعر ناظم، رئيس مجموعة الخدمات المالية الإسلامية في «إرنست ويونغ» - الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن النمو الذي حققه القطاع في عام 2010 يعد مرضيا بالنظر إلى الأداء المستقر الذي يشهده منذ عام 2007، مضيفا: «وإذا ما نظرنا إلى المستقبل، نجد أن التحديات الصعبة لم تنته بعد».

وأبان ناظم أن هناك مخاوف جدية من الاحتمال المتزايد لحدوث أزمة ديون سيادية في أوروبا، وهبوب رياح ركود مزدوج على اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، بينما أشار إلى تواصل تأثير هذين العاملين على أداء مديري الأصول التقليدية والإسلامية حتى نهاية عام 2012.

وزاد ناظم أن «تقرير صناديق الاستثمارات الإسلامية 2011 حدد ثلاث أولويات قصوى ينبغي للقطاع التركيز عليها، إذ تتمثل الأولوية الأولى في نشأة وهيكلة الصناديق، حيث يواجه مديرو الصناديق معوقات تتمثل في قلة توافر أصول عالية الجودة متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وندرة المنتجات الاستثمارية، بينما سيكون لتحسن مستويات ثقة المستثمرين والقطاع بعلاماتهم التجارية ونجاحاتهم، آثار إيجابية على أداء الشركات الكبرى والمعروفة في القطاع».

وقال ناظم إن الأولوية الثانية تتمثل في مواصلة جذب اهتمام المؤسسات والعملاء الأثرياء لضخ الأموال في الصناديق، وتكمن نقطة الضعف الرئيسية في هيكلة الأسواق الإسلامية في جميع المناطق باستثناء ماليزيا، في الاعتماد المفرط على بعض الصناديق المؤسسية التي شكلت ثلثي مجموع الصناديق الجديدة التي تم إطلاقها في عام 2010. وذكر رئيس مجموعة الخدمات المالية الإسلامية أن الصناديق المؤسسية تشكل 67 في المائة من الأصول المدارة للصناديق الإسلامية العالمية، بينما تشكل صناديق التجزئة 33 في المائة، في حين يعد الوصول إلى المستثمرين الأثرياء والمؤسسات مثل مؤسسات الوقف، والشركات العائلية ومزودي خدمات التكافل، أمرا أساسيا لتحقيق النمو في المستقبل.

وأشار ناظم إلى نماذج توزيع الصناديق خلال السنوات القليلة المقبلة تولى تركيزا أكبر على التحالفات من أجل جذب المستثمرين الأثرياء والمؤسسات الاستثمارية.

وعن الأولية الثالثة قال إنها تتمثل في زيادة الكفاءة التشغيلية، فخفض الرسوم بمقدار 30 في المائة خلال السنوات الماضية، سيجبر الصناديق على إعادة النظر في استراتيجياتها المتعلقة بالإيرادات والتكاليف، ونموذج التشغيل، والأهم من ذلك، البنية التحتية اللازمة لإدارة المخاطر، لكي تتمكن من تحقيق نمو مستديم.

وأضاف أشعر ناظم: «تعتبر عملية تحقيق التوازن أمرا بالغ الأهمية لضمان النمو المستديم على المدى الطويل، وإن أكثر من 70 في المائة من الصناديق تقع تحت مستوى نقطة التعادل التقديرية للأصول المدارة للصناديق والبالغة مائة مليون دولار، بينما يستحوذ أفضل 10 صناديق على 80 في المائة من الحصة السوقية، وعليه، فإن الصناديق الكبرى ستصبح أكبر حجما في الوقت الذي تزداد فيه الظروف صعوبة لكسب ثقة المستثمرين، كما سيكون من الصعب تكرار النمو في الأداء خلال هذا العام، نظرا لكون قطاع الصناديق الإسلامية قد استفاد كثيرا من الأسواق عالية الأداء في عام 2010، التي من الممكن أن تعيق تقدمها مخاطر حالة عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي».

واستطرد رئيس مجموعة الخدمات المالية الإسلامية في «إرنست ويونغ» - الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالقول: «على الرغم من وصول أسعار الأسهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم إلى مستويات مقاربة لتلك التي تم تسجيلها في عام 2004، لا يزال المستثمرون غير واثقين من ارتفاعها حتى في عام 2012، فهم يدركون جيدا أن أسواق الأسهم بقيت مستقرة لسنوات عديدة قبل أن تعاود الارتفاع في عام 2005». وأوضح أن المشهد الاقتصادي العالمي، وعزوف المستثمرين عن المخاطر، وتداعيات الربيع العربي، تمثل المخاطر الثلاثة الأكبر التي تقف في طريق مديري صناديق الاستثمار الإسلامية، ويشكل الوضع الاقتصادي في أوروبا وأميركا الشاغل الوحيد في ما يتعلق بأداء الأسواق في المستقبل، حيث لن تكون أي منطقة أو سوق في منأى عن ركود اقتصادي مزدوج.