هل الاستثمار في صكوك متوافقة هيكليا مع الشريعة يجوز لتمويل بنك ينشط في سوق المشتقات التقليدية؟

تقرير: أسواق العالم تتعطش لاصطياد 1.8 تريليون دولار من الثروات الإسلامية

التقشف وجفاف الائتمان وغياب الثقة بالأسواق الغربية تحول المصرفية الإسلامية إلى قوة عالمية ضاربة
TT

في ظل اهتمام عالمي بصناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي الذي أخذ ينمو نموا مضطردا كبديل لنظيره التقليدي يحتمه واقع الدول الغربية المنهارة أو المتأثرة بالأزمة المالية العالمية، طفحت إلى السطح أسئلة ملحة تفرض نفسها وأولها: هل يجوز الاستثمار في صكوك متوافقة هيكليا مع الشريعة لتمويل بنك ينشط في سوق المشتقات المحرمة شرعا أو يتعامل معها بطرق غير شرعية؟

وقال خبراء مصرفيون وشرعيون لـ«الشرق الأوسط»: «من المتوقع أن تبرز حاجة عالمية ماسة على مستوى الدول الغربية، لاستقطاب الثروات الإسلامية الهائلة بشتى الطرق؛ ومن ضمنها التمويل الإسلامي، وذلك محاولة منها لمعالجة ما تعانيه من جفاف في منابع الائتمان الغربي من خلال إعادة رسملة كثير من البنوك الأوروبية بهذه السيولة الإسلامية التي تشهد نموا متزايدا».

وتوقعوا كذلك، أن يركز الغرب على الصكوك بحكم أنها أنجع الطرق لامتصاص أكبر كم من السيولة، وأن من شأنها أن يدفع بالعديد من الشركات التي تعثرت أو على وشك التعثر إلى تصدر صكوك إسلامية.

وفي هذا السياق، أكد خبير التمويل الإسلامي ناصر الزيادات الباحث بجامعة درم بالمملكة المتحدة، أن التمويل الإسلامي في حالة نمو مضطرد حتى وإن كان قد أصاب نموه بعض الخمول خلال السنوات الثلاث الماضية، متمثلا في تخصيص كميات كبيرة من صافي الأرباح لخسائر الائتمان أو انخفاض القيمة السوقية للاستثمارات المالية أو العقارية، مستدركا بأن نمو صناعة التمويل الإسلامي يرافقه نمو متزايد لمنتجات مثيرة للجدل مثل التورق والوكالة بالاستثمار، متسائلا: «هل هذا هو التمويل الإسلامي الذي نسعى إلى أن ننشره في أقطار العالم كافة؟».

وأوضح الزيادات أنه من وجهة النظر الغربية، فهناك ملاحظتان مهمتان؛ هما أن هناك جفافا في منابع الائتمان الغربي، وإعادة رسملة الكثير من البنوك الأوروبية بما يتجاوز 100 مليار دولار، مبينا أن هذه المعلومة مرتبطة بالمعلومة الثانية، وهي أن الثروات في الدول الإسلامية في ازدياد، مما يعني أن هناك حاجة لاستقطاب السيولة من الدول الإسلامية أو من المسلمين بشتى الطرق ومن ضمنها التمويل الإسلامي.

وعليه، وفق الزيادات، فإن التركيز الغربي في هذه الأيام ينصب على الصكوك بحكم أنها أنجع الطرق لامتصاص أكبر كم من السيولة، ولا غرابة أن نجد العديد من الشركات التي تعثرت أو على وشك التعثر تصدر صكوكا إسلامية مثل «جنرال إلكتريك» و«غولدمان ساكس».

وعلى ذكر الصكوك، هناك بعض الملاحظات التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، ومنها أن هناك العديد من مستثمري الصكوك هم غير مسلمين، مما يعني أن إصدار الصكوك يسهم في جذب المستثمر الإسلامي وغير الإسلامي على حد سواء.

كما أن هناك بعض الأمور التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار من قبل المستثمر المسلم عند التفكير في الاستثمار في الصكوك التي تصدر عن شركات أجنبية مثل «غولدمان ساكس» على سبيل المثال، فهذا البنك برأي الزيادات، كان له إسهام في الأزمة المالية العالمية، وهو مقامر في سوق المشتقات.

وهنا طرح الزيات سؤالا للمشايخ: «هل يجوز أن نستثمر في صكوك متوافقة هيكليا مع الشريعة لكي نمول بنكا على أغلب الظن سيعمل بأموالنا في سوق المشتقات المحرمة شرعا أو إنه سيقوم بالتعامل معها بطرق غير إسلامية أو غير شرعية؟».

من جهة أخرى، يعتقد الزيادات أن نموذج الصكوك المنتشر حاليا في الأسواق هو على غرار صكوك «نخيل - دبي» التي كشفت الأزمة عوارت هيكلتها وتبين أن مستثمريها ما هم إلا دائنون وفقا للعقد وليسوا مستأجرين!! وقال الزيادات: «خلاصة الأمر؛ إننا لا بد لنا من أن نفرح أن يكون هناك انتشار واسع لصناعة التمويل الإسلامي على الصعيد العالمي، ولكن علينا أن نركز على التمويل الإسلامي المفيد الذي يحقق أهداف الشريعة ومقاصدها في إطار المصالح العائدة على البشرية جمعاء ومن ضمنهم المسلمون».

من جانبه، أوضح الخبير الشرعي والمصرفي عثمان بن ظهير، أنه مما لا يخفى على أحد، أن التقارير المالية منذ فترة ليست بالوجيزة تشير إلى تضاعف المصرفية الإسلامية خلال السنوات المقبلة سواء على مستوى انتشارها الجغرافي في دول العالم أو انتشارها النوعي أو انتشارها في المؤسسات المالية الإسلامية، لكن من المهم هنا الإشارة إلى ضرورة، أن لا يكون هذا الانتشار يركز على الكم دون الكيف، مشددا على ضرورة أن تركز المصرفية الإسلامية في هذا الفترة على التطوير وليس الانتشار فقط حتى تكون التجربة التي نصدرها للعالم قابلة لتحقيق المرجو منها، ذلك أنه لو اقتصر الأمر على الانتشار الكيفي دون الكمي فقد تكون النتائج عكسية على المصرفية الإسلامية.

وفي ما يتعلق بمستقبل الصناعة المصرفية الإسلامية بحيث تكون على مشارف نقلة نوعية ستتحول من خلالها إلى قوة عالمية مستفيدة من بيئة التقشف المالي وجفاف الائتمان وغياب الثقة بأسواق الدين التقليدية، يعتقد بن ظهير أن انتشارها جغرافيا، مبينا أن نقلة نوعية بانتظار المصرفية الإسلامية من ناحية انتشارها في بلدان لم تكن في السابق لتؤمن بها، موضحا أنها تؤثر على الاقتصاد العالمي، من خلال مساهمتها في التوزيع العادل للثروات بدلا من تضخمها في أيدي فئات معينة، مستدركا في الوقت نفسه أن مثل تلك الأمور تحتاج من القائمين عليها العودة إلى المنتجات الإسلامية الحقيقية التي تقوم على فلسفة المشاركة وتبتعد عن البيوع قصيرة الأجل قدر الإمكان.

وبرأيه، فإن مسألة التركيز العالمي على التمويل الإسلامي، تأتي في وقت تعاني فيه الشعوب والمؤسسات والحكومات من التقشف المالي وغياب الائتمان والثقة في المؤسسات، مؤكدا أن الأصل في المصرفية الإسلامية التميز بتوزيع المخاطر، مما يعني أن تهيئ العالم لاستقبالها بشدة، مشيرا إلى أن العالم أخذ يستشعر الفرق بين المصرفية التقليدية والإسلامية من خلال تطبيقات ومنتجات تثبت وتبرز الجانب الإيجابي للمصرفية الإسلامية.

ويعتقد بن ظهير أن الصكوك مقبلة في هذا الواقع الجديد، على انتعاش كبير، متوقعا أن يشهد العام المقبل انتعاشا جيدا نظرا للظروف الراهنة، مؤكدا أن الصكوك أثبتت قلة مخاطرها أيام الأزمة مقارنة بالسندات، إضافة إلى إقبال المستثمرين عليها، لكن من المهم مراعاة الجوانب القانونية والشرعية عند إصدار الصكوك حتى لا تشهد التجربة تكرار أخطاء وقعت في السابق.

وكان بنك «دويتشه» أصدر مؤخرا تقريرا أكد فيه أن أصول المصرفية الإسلامية ستتضاعف إلى 1.8 تريليون دولار خلال خمس سنوات، وأن الصناعة على مشارف نقلة نوعية ستتحول من خلالها إلى قوة عالمية، مستفيدة من بيئة التقشف المالي وجفاف الائتمان وغياب الثقة بأسواق الدين التقليدية.

وتوقع التقرير الذي نشرته «رويترز» أن يصعد التمويل الإسلامي والمصرفية الإسلامية على عتبة نقلة نوعية ستحولها من مجموعة أنشطة محلية إلى قوة عالمية متسقة وموحدة، عازيا ذلك إلى التقدم التنظيمي الذي أحرزته الصناعة وازدياد الوعي بالتمويل الإسلامي، الذي أصبح متاحا في 39 دولة وارتفاع معدلات الثروة بالأسواق الناشئة التي يعيش بها أعداد كبيرة من المسلمين.

كما توقع التقرير أن يتم تقليص عمليات الائتمان في الولايات المتحدة وأوروبا بأكثر من تريليوني دولار، مبينا أن احتياجات إعادة رسملة البنوك التي تم تحديدها في أوروبا تتجاوز 100 مليار دولار، مشيرا إلى أن الشعوب والمؤسسات والحكومات تعاني من التقشف المالي وغياب الائتمان والثقة في المؤسسات، مما يعني حاجة العالم إلى البدائل من خلال التركيز على الاهتمام بالتمويل الإسلامي.

وأوضح التقرير أن صناعة السندات الإسلامية لا تمثل أكثر من واحد في المائة من سوق إصدارات الديون العالمية حاليا، إلا أنه توقع لها ارتفاعا ملحوظا بسبب اضطرابات الأسواق وحاجة الكثير من الحكومات والمؤسسات الكبيرة إلى التمويل، مشيرا إلى أن هناك أسماء كبرى من خارج الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا أصدرت صكوكا في الفترة الأخيرة من أبرزها «جنرال إلكتريك» التي أصدرت صكوكا بقيمة 500 مليون دولار في أواخر 2009.

كما كشف أن مجموعة «غولدمان ساكس» تنوي إصدار برنامج تمويل إسلامي بقيمة ملياري دولار لم يخرج للنور بعد، مبينا أن نصف إصدارات الصكوك في العام الماضي والبالغة قيمتها 50 مليار دولار كانت من نصيب الجهات السيادية وأبرزها حكومات ماليزيا وإندونيسيا والبحرين، طارحا مزيدا من الأسئلة عن حقيقة التنبؤات بما ستؤول إليه مصائر الثروات الإسلامية في حال عجز الأدوات المصرفية والتمويلية الإسلامية عن استيعابها.