بوادر تعثر مرتقبة لبعض صكوك الخردة بينما تتعافى سوق الدين الإسلامية

خبراء ماليون: تأميم بعض البنوك الأوروبية يؤدي إلى نشوب أزمة انقباض ائتماني

TT

مع استمرارية تعافي سوق الدين الإسلامية، بدأ المراقبون يشاهدون بوادر تعثر مرتقبة لبعض صكوك الخردة، على أن أحد الدوافع لذلك هو أن أزمة الديون الأوروبية، في ظل طوق النجاة المقترح في الوقت الحالي للخروج من الأزمة، سيؤدي إلى نشوب أزمة «انقباض ائتماني» ثانية من جراء احتمالية تأميم بعض البنوك الأوروبية.

ومن المتوقع أن تساهم تلك المخاوف في إنقاص السيولة المتداولة في الأسواق العالمية، مما يعني أن المستثمرين سيبتعدون عن الشركات الخليجية التي تنوي إعادة تمويل صكوكها أو قروضها الإسلامية.

من ناحيته أكد جون سنادويك خبير إدارة الثروات الإسلامية بسويسرا، أنه منذ تقريبا ثلاث سنوات لم يعر بعض المصرفيين الاستثماريين بالا لحالات التعثر الصغيرة التي ضربت السوق الماليزية، معزيا سبب تلك الزيادة الصارخة في حالات التعثر لظاهرة وجود بنوك استثمارية صغيرة متخصصة في مساعدة شركات القطاع الخاص، ولا سيما ذات التصنيف الائتماني المنخفض، من أجل النفاذ إلى سوق السندات الإسلامية.

أما في الخليج وفق ساندويك، كانت شركة «نخيل» الباكورة الأولى التي جعلت المراقبين يأخذون مسائل التعثر وإعادة هيكلة الدين الإسلامي بطريقة جدية نظرا لضخامة إصدارها، ففي حالة «نخيل» تم تسليم حملة الصكوك 40 في المائة من قيمة سنداتهم بشكل نقدي، في حين سيتم تعويضهم عن النسبة المتبقية وهي 60 في المائة عبر جعلهم يصبحون حملة صكوك في إصدار «نخيل» الثاني.

ويتوقع أن تقوم الشركات التابعة لحكومة دبي، بحسب بنك جي بي مورجان، بإعادة تمويل ما يقارب من 14 مليار دولار في السنة المقبلة، مبينا أن هذه أخبار مبهجة لشركات المحاماة وبيوت الاستثمار الدولية المتخصصة في إعادة هيكلة السندات والقروض، إلا أنه عاد فقال إن من أكثر المعضلات التي تواجههم هو اضمحلال معرفة تفاصيل آليات إعادة الهيكلة بطريقة متوافقة مع الشريعة.

وفي هذا السياق خبير المالية الإسلامية لمجموعة «أدكوم آكادمي» المصرفية في أميركا، ربط هذا الوضع بالإشارة إلى سوق صغيرة بدأت في النشوء والتطور، تعرف بـ«إعادة هيكلة الدين بطريقة متوافقة مع الشريعة»، مقدما الآليات الثلاث المستخدمة في الوقت الحالي لإعادة هيكلة الصكوك، علما بأن إحدى هذه الآليات قرب استخدامه مع السندات اليونانية.

وأوضح الخنيفر أن هناك ثلاث آليات تم الإجماع على إمكانية استخدام أي واحد منها، أولها خيار الـ«هير كوت» أو الخصم وهو أن يتسلم حملة الصكوك ما يقارب 80 في المائة من قيمتها الاسمية عند دنو أجل إطفائها، وثانيهما أنه لا بد من تمديد فترة استحقاق الصكوك بزيادة سنة إلى السنتين، وثالثها طرح خيار مبادلة الدين بالأسهم بحيث تحول ملكية أصول الصكوك إلى أسهم ملكية في الشركة التي طرحت هذه السندات.

وبعد مراجعة دقيقة لهذه الخيارات، فإن الخنيفر يرى أن الخيار الأول في أفضل حالته لا يضمن استرجاع رأس المال الأصلي الذي تم استثماره في هذه الصكوك، أما بالنسبة للخيار الثاني والثالث فإن هناك نسبة كبيرة باسترجاع رأس المال الأصلي، وهذا يعتمد برأيه في المقام الأول على مرونة العقد الجديد الثاني الذي تم الاتفاق عليه.

وشرح كيفية تكييف تلك الخيارات الثلاثة بطريقة تتواءم فيها هندستها مع الشريعة الإسلامية، مبينا أن الخيار الأول (الهير كوت) يتم تداوله بشكل واسع مع قضية الديون اليونانية، إلا أن ما أفجع المستثمرين الأجانب الذين لديهم انكشاف على هذه السندات أن الخصم المقترح على رأس المال المستثمر يبلغ 60 إلى 50 في المائة، وهذه الحالة برأيه غير مسبوقة على الإطلاق في تاريخ صناعة المال العالمية.

وفيما يتعلق بالـ«هير كوت» أوضح الخنيفر أنه حينما يقوم حملة الصكوك بالموافقة على استرداد ما يصل من 80 في المائة من رأس المال، وعملية التنازل هذه يشترط فيها موافقة جميع حملة الصكوك عليها، وذلك بحسب ما ترى هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

وغالبا والحديث للخنيفر، ما يرغم حملة الصكوك أو السندات على تفضيل هذا الخيار عندما تدخل الشركة المصدرة للأوراق المالية مرحلة «الوضع المالي المتعثر»، بمعنى أنه لا يوجد «تدفق نقدي» من الأصول التي ارتكزت عليها إصدارات الصكوك.

وأعطى مثال على ذلك، يتداول الآن اقتراح بأن يوافق حملة السندات اليونانية على طلب شطب 50 في المائة من تلك الديون في حالة رغبتهم في استرجاع رؤوس أموالهم بطريقة سريعة.

ويتمحور الخيار الثاني في «تمديد» فترة استحقاق الصك وفق الخنيفر بزيادة سنتين على إجمالي المدة الأصلية وهي خمس سنوات. ويجلب هذا الخيار معه مصطلح «تكلفة الفرص الاستثمارية الضائعة». بمعنى أنه لولا قبول عرض التمديد لقام المستثمرون بإعادة استثمار هذه الأموال بدلا من جعلها متعلقة بالصكوك.

وفي الصرافة التقليدية يتم تعويض حملة السندات التقليدية عن الفرص الاستثمارية الضائعة عبر زيادة نسبة الفائدة على الدفعات الدورية المتعلقة بهذه الأوراق المالية. أما في الصرافة الإسلامية فإن ذلك يعتمد على طبيعة هيكلة الصك.

وقال الخنيفر: «إذا كنا نتحدث عن صكوك الإجارة، فإن التكييف الشرعي يقوم عبر تمديد عقد الإيجار بحيث يكون تحت شروط جديدة (تشتمل على إيجار مرتفع). أما إذا كانت صكوك المشاركة، فإنه يتم تمديد العقد مع تعديل نسبة المشاركة في الربح (بين الطرفين). وهذا هو الخيار الذي مالت إليه شركة (نخيل) مع الصكوك الثانية التي أصدرتها مؤخرا مع دفعات دورية تصل إلى 10 في المائة».

أما الخيار الثالث فيتعلق بمبادلة الدين بالأسهم، حيث إنه في حالة المصرفية التقليدية يوافق الدائنون على إلغاء العقد السابق (الخاص بالسندات) شريطة دخولهم كمساهمين في الشركة التي أصدرت تلك الأوراق المالية، وهذا الخيار برأيه تم طرحه على الطاولة من قبل إحدى الشركات السعودية المتعثرة عندما اقترحت على دائنيها من البنوك العالمية أن يبادلوا ديونهم بأسهم في الشركة.

وأكد أن أمر كيفية تكييف الخيار الثالث بطريقة تتواكب مع الشريعة، لا يخلو من التعقيد نوعا ما، حيث إن عقود الصكوك تنقسم إلى نوعين، أولهما القائم على الملكية، وهنا يسهل مبادلة «ملكية» الصكوك بنسبة مماثلة بملكية الشركة، وثانيهما القائم على الدين، وهنا يعتقد الخنيفر أنه قد يكون من المخالف عمل مبادلة للدين مقابل أسهم ملكية في الشركة المصدرة، وذلك لأن الشريعة لا تجيز بيع الدين إلا في مواضع محدودة لا تكفي هذه المساحة للتطرق إليها.

واختتم الخنيفر حديثه بأن صناعة الصكوك في طريقها إلى النضوج ومع هذا، فهناك حاجة ماسة لتثقيف ليس فقط المستثمرين، بل حتى المصرفيين حول هذه الأدوات الاستثمارية البالغة التعقيد.