د. لال الدين: غياب الرؤية الاستراتيجية يضيع فرصة استثمار الأزمة لصالح المصرفية الإسلامية

مدير «إسرا» لـ«الشرق الأوسط»: ترجمنا أكثر من 1000 فتوى وأعددنا آلاف الأبحاث الشرعية

د. محمد أكرم لال الدين
TT

على الرغم من أن ماليزيا تتعامل بنظامين، مالي إسلامي بجانب النظام المالي التقليدي، حيث يوجد بها 17 بنكا إسلاميا ماليزيا محليا و4 بنوك إسلامية دولية، أمام عدد كبير من البنوك التقليدية، فإن حصة المالية الإسلامية في السوق الماليزية، تساوي 21 في المائة من إجمالي سوق المصرفية الماليزية بشكل عام، وفي طريقها للمزيد. وأوضح مسؤول ماليزي بارز أن نسبة نمو المصرفية الإسلامية في ماليزيا تتراوح بين 20 إلى 25 في المائة سنويا، وأما فيما يتعلق بالأسواق المالية فإصدارات الصكوك تتجاوز الـ60 في المائة من إجمالي إصدارات الصكوك والسندات التقليدية في ماليزيا.

وقال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد أكرم لال الدين، المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية (إسرا)، التي تتخذ من ماليزيا مقرا لها: «إن العالم الإسلامي لم يستطع أن يستثمر الفرصة التي سنحت له بسبب الأزمة المالية العالمية لإبراز كفاءة المصرفية الإسلامية؛ سواء كان ذلك في ماليزيا أو غيرها من البلاد الإسلامية».

وعلى صعيد «إسرا»، أكد لال الدين أنه تم إنجاز أكثر من 1000 فتوى تم ترجمتها للغة الإنجليزية، بجانب إعداد آلاف من البحوث الخاصة بالمرجعية الشرعية.فإلى الحوار التالي:

* ما منجزات الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية (إسرا) فيما يتعلق بالمرجعية الشرعية حتى الآن؟

- طبعا تم تأسيس الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية (إسرا) في 2008 وبدعم من البنك المركزي الماليزي، وكنا في البداية مشغولين بالإعداد الإداري لها، ولكن استطعنا بعد ذلك أن ننجز حتى الآن أكثر من 60 بحثا، كما قمنا بترجمة الكثير من الفتاوى، إذ ترجمنا حتى الآن ما يعادل الألف فتوى تتعلق بعمل الصيرفة والمصارف الإسلامية، وآخر فتاوى ترجمناها كانت من نصيب بيت التمويل الكويتي في 4 مجلدات، وها نحن نضعها على موقع «إسرا» للذين يودون الاستفادة منها في هذا المجال.

وكذلك قمنا بترجمة الكثير من الأوراق التي قدمت؛ سواء كان ذلك خلال مؤتمرات عقدتها «أيوفي»، أو تلك التي نظمتها «ندوة البركة»، كذلك ترجمنا أوراقا أخرى لمجامع الفقه، منها مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي، أو مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

من الناحية الإعلامية، وقعنا الاتفاقيات مع الشركة العالمية للإعلام بحيث تقوم الأخيرة بوضع المواد الموجودة في موقع «إسرا» في مواقع تابعة لها حتى تتم الفائدة من الاستفادة بالفتاوى والأبحاث الموجودة لدينا والتي قمنا بترجمتها.

وقبل فترة قصيرة من الآن، بعد أن عقدنا المؤتمر السنوي لعلماء الشريعة في كوالالامبور، قمنا بتوقيع اتفاقية مع «بولمبك»، التي سعت إلينا لتوقيع هذه الاتفاقية، حيث طلبت منا السماح لهم بالاستفادة من الفتاوى والأبحاث الموجودة في موقع «إسرا» لتضعها بدورها في موقعها، وكذلك الحال قمنا بتوقيع اتفاقية مع «تومسون رويترز».

وبالطبع نحن حريصون على حضور الندوات والمؤتمرات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية والتأمين الإسلامية والتمويل الإسلامي، وتختلف مشاركتنا فيها من حين لآخر، حيث تتراوح ما بين ورقة إلى مناقشة إلى ما غير ذلك.

ومن ناحية التنمية البشرية، نحن في كل سنة نعطي 15 منحة دراسية تتوزع بمعدل خمس لكل من درجات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس، وحتى الآن لدينا عدد من الطلبة في هذا المجال، كما أننا نقوم بعقد ورش عمل تدريب؛ سواء كان ذلك من إسراء فقط، أو من خلال شراكة تعاونية مع جهات أخرى، حيث لدينا اتفاقيات مع المجلس المالي البريطاني، نقوم من خلالها بعقد ورش تدريب للإخوة الذين يتمتعون بعضوية اللجان الشرعية في المصارف الإسلامية.

وهذه المبادرة مستمرة، وفي نفس الوقت نقوم بتدريبات للمدققين الشرعيين، وكذلك الذين للعاملين في قسم الشريعة بالبنوك الإسلامية مع التركيز على منهجة البحث، لتقديم أبحاثهم وللهيئة الشرعية مع الأمور ذات العلاقة، مع أهمية متابعة الطريقة العلمية في البحوث، وذلك لخدمة هدف تسهيل اتخاذ القرار الشرعي لعلماء الشريعة للجهات المعنية بذلك. كما نقوم بإعداد تقرير سنوي باللغة الإنجليزية.

* هلا حدثتنا باختصار عن طبيعة الاتفاقيات التي وقعتموها مع كل من «بولمبك» و«تومسون رويترز»؟

- بالنسبة لـ«تومسون رويترز»، فإن لهم أبحاثا فيما يسمى بـ«بوابة الطريق إلى المالية الإسلامية»، وهم في ذلك وقعوا معنا اتفاقات بشأن تقديم فرص تعليم مجانية في الجامعات؛ سواء من قبل طلبة أو موظفين لديهم، ونحن نزودهم بالمعلومات والأبحاث والفتاوى الموجودة لدينا، ويشمل الصكوك والسوق، كما أن هناك جانبا يتعلق بالأبحاث المتعلقة بالعلوم الشرعية؛ سواء بالبنوك أو الأسواق المالية، والشيء نفسه فعلناه مع «بملبك».

ويحضرني في هذا المقام أن أوضح أن «إسرا»، استطاعت أن تعد أكثر من ثلاثين بحثا وأعمال الترجمة للأبحاث في هذه السنة، كذلك أنجزنا أكثر من مائة بحث أو ما يتعلق بذلك، بما فيها قرارا المجامع وغيرهما، أما على صعيد الفتاوى، فقد قمنا بترجمة أكثر من 500 فتوى، وهي موجودة في موقع «إسرا»، التي بلغت في مجملها 1000 فتوى.

* هناك اختلافات في بعض الجزئيات فيما يتعلق بالمصرفية الإسلامية.. كيف ترون هذا الاختلاف وحجمه؟ وما رؤيتكم لمعالجته؟

- طبعا هناك بعض الاختلافات؛ سواء كانت في الفتاوى أو في بعض الآراء التي مصدرها بعض المشايخ في المالية الإسلامية، ولكن الشيء الوحيد الذي ينبغي أن نعرفه أن هذه الاختلافات كلها في الفروع والجزئيات، أما في الأساسيات، فليس هناك اختلافات، فمثلا لا أحد يجوز التعامل بالفائدة غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بأي حال من الأحوال، حيث إن هناك بعض الآراء، ولكن في العادة جمهور العلماء يتفقون على أساسيات أي مسألة شرعية فيما يتعلق بالمعاملات، كالغرر والجهالة، غير أنه قد يكون هناك بعض الاختلافات في جزئيات مثل بعض العقود، التي يجوز بعضها والبعض الآخر لا يجوّزها، وكذلك نجد الحال في بعض الآراء من المجامع الفقهية.

ثانيا، أؤكد أن الفقه الإسلامي منذ عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يسمح باختلافات في الآراء، حيث كان بعض الصحابة يختلفون، ولكن كانت مرجعيتهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الأمور الفقهية، وكان يعطي الآراء الصائبة ويحسم المسألة، ولذلك لا نتصور أن في جميع الآراء الفقهية رأيا واحدا، وهذا يدل على مرونة الفقه، بمعنى أن الاختلاف وراد وسيبقى إلى يوم القيامة.

ومع كل ذلك، لا بد من الاحترام للآراء، طالما كانت مستندة إلى السنة والقرآن، وبالدليل بقرائن الأحوال، ما يعني أنه علينا أن نقرب بين هذه الآراء، فمثلا نحن لدينا المعايير الشرعية التي جاء بها «الأيوفي»، وهذا يعني علينا أن نتخذ المعيار كمرجع في تقرير عن الآراء الفقهية في الهيئات الشرعية وتلك التي تصدرها المجامع الفقهية، وأن نأخذ هذا بعين الاعتبار حتى نقرب بين هذه الاختلافات.

وطبعا إذا كان الاختلاف كبيرا، فإن هذا ليس في صالح صناعة المصرفية الإسلامية، لأنه من الناحية التجارية، فإن التجارة لا تكون في دولة واحدة فقط وإنما تكون هناك عمليات تبادل تجاري بين الدول، مما يعني أنه في حالة أن هناك منتجا يصنع في دولة معينة ولا يصنع في دولة أخرى أو من قبل هيئات أخرى، قد يكون له أثر سلبي في التجارة البينية.

وهذا يحدث حتى في البلد الواحد، حيث تجد في منطقة ما هيئة شرعية لا تجيز منتجا معينا، بينما تجيزه هيئة شرعية أخرى في منطقة أخرى في نفس البلد، فمثل هذه الأمور لا يتم حسمها إلا من خلال الندوات والدورات، التي تتيح فرصة التحاور حولها والوصول إلى نقطة التقاء بشأنها، ما يعني تقريب الآراء بين الفقهاء، وفي نفس الوقت في الأمور الأخرى في المنتجات الإسلامية، التي تجد لها أمورا شرعية خاصة، بها وتوجب الالتزام بها.

وبجانب الأمور الفقهية، هناك القانون، الذي يتطلب هو الآخر الاتفاق حوله بالإضافة إلى بعض المتطلبات من البنوك المركزية، التي تتصل بالتشريعات والنظم والتوصيات والمقررات، التي توجب الالتزام بها، وهذا يحتاج إلى احتكاك بين الفقهاء والممارسين والأكاديميين في كيفية إيجاد الحلول دون أن نتجاوز أنفسنا، خاصة في تعاليم القرآن والسنة النبوية.

* فكرة عن الأكاديمية؛ ما مرجعيتها الشرعية هل هي علماء وفقهاء وخبراء من الماليزيين فقط أم من عامة العالم الإسلامي؟

- إذا نظرت في الهيكل التنظيمي لـ«إسرا» لوجدت أن هناك مجلسا يسمى مجلس علماء «إسرا»، وهو يتكون من العلماء من شتى أنحاء العالم، سواء كان ذلك من الشرق الأوسط، مثل عبد الستار أبو غدة أو الشيخ نظام يعقوبي أو الشيخ محمد على قري أو يوسف طلال دوليرينزو، بالإضافة إلى عدد علماء آخرين من إندونيسيا وماليزيا، التي منها داوود باكار وغيره.

وهؤلاء العلماء هم الذين يوجهون «إسرا» فيما يتعلق بالبحوث، بجانب إكساب خبرات كمرجعية فيما نقوم به من أبحاث، وحقيقة، لا نقف عند هؤلاء فقط وإنما أحيانا نستشير علماء آخرين، كما نتحاور مع علماء في جوانب أخرى في مجال الشريعة، وكنا قد قمنا قبل أيام بما يسمى بحوار علماء الشريعة من مختلف بلدان العالم في ماليزيا، وكان باللغة العربية بالتعاون مع المعهد التابع للبنك الإسلامي للتنمية، ونحن بذلك نجمع الأبحاث، ومن ثم بعد ذلك نحاول تقريب الآراء ونقيم ورش الأعمال.

وأميز ما عندنا في «إسرا» أن الأبحاث التي نقوم بها ليست أكاديمية بحتة، وإنما أيضا تطبيقية، ولذلك في العادة يكون فريق العمل البحثي مكونا من الأكاديميين والممارسين في السوق، بالإضافة إلى الشرعيين، ولذلك نعتقد أن هذه الأبحاث ليست مجرد مجهود بحثي علمي فحسب، وإنما أيضا معلومات تطبيقية في شكل بحث علمي يمكن تطبيقه على أرض الواقع.

* ما الآلية التي تعملون بها لتطبيق وتنفيذ هذه الأبحاث؟

- قبل أن نبدأ في تنفيذ أو إجراء بحث معين أولا نقوم بالتشاور مع من في السوق خاصة، شريطة أن يكون التنفيذ عن طريق من هم في الصناعة المصرفية أو نقوم بالاستشارة مع البنك المركزي الماليزي، حيث لدينا معه علاقة وثيقة ونتشاور معه، وهناك بعض الأبحاث التي نعرضها عليه، ومن ثم يتم تطبيقها من خلاله؛ سواء كان في قسم البنوك الإسلامية والتكافل، أو فيما يتعلق ببعض الأبحاث للهيئة الشرعية العليا في ماليزيا، التي هي تابعة للبنك المركزي.

وطبعا الهيئة تعتمد على الأبحاث الصادرة عن «إسرا»، حتى يخرج البنك بقرار يطبق على أرض الواقع، وهذه من الآليات التي نمتلكها ونعمل وفقها، بجانب ذلك، فإننا نتعاون مع مجلس الخدمات المالية الإسلامية، حيث لدينا معهم تعاون وثيق فيما نقدم لهم من أبحاث وأعمال يقوم هو بدوره على معايرتها وقياسها وفق ما يشتمل عليه معايير المجلس في مركب مالي إسلامي أو ما شابه ذلك، وهذه أيضا تعتبر من الآليات التي نستخدمها، وكما ذكرت لك سابقا؛ فإن «تومسون رويترز» و«بولمبك» تتعاونان معنا في معايرة أبحاثنا، حيث نقف على أكثر من 100 ألف بحث في الشهر يتم تحميل أكثر من 30 ألفا منها شهريا، هذا من الآليات التي نستخدمها في الاستفادة من الأبحاث لدى عدد من الجهات المهتمة بذلك.

* هل تعمل كل بنوك ماليزيا عن طريق النظام المالي الإسلامي أم التقليدي؟

- حاليا، هناك نظامان، إسلامي وتقليدي، حيث يوجد الآن تقريبا 17 بنكا إسلاميا ماليزيا محليا و4 بنوك إسلامية دولية، أما عدد البنوك التقليدية يزيد على عدد نظيرتها الإسلامية، ولكن حصة المالية الإسلامية في السوق الماليزية تساوي 21 في المائة من إجمالي سوق المصرفية الماليزية بشكل عام، وفي طريقها للمزيد، بينما يتراوح نمو المصرفية الإسلامية في ماليزيا ما بين 20 إلى 25 في المائة سنويا، وأما فيما يتعلق بالأسواق المالية، فإصدارات الصكوك مثلا قد تتجاوز الـ60 في المائة من إجمالي إصدارات الصكوك والسندات التقليدية في ماليزيا.

* في رأيك؛ إلى أي مدى استفادت ماليزيا من المصرفية الإسلامية في معالجة بعض آثار الأزمة المالية العالمية مقارنة بنظيرتها التقليدية؟

- أولا، أعتقد أن هذا الجانب تحديدا قصرنا فيه، وذلك لأن المصرفية الإسلامية جديدة. إن عمرها يتراوح من 30 إلى 35 سنة فقط، فهي برأيي ما زالت في مرحلة الطفولة، مما يعني أنه ما زالت هناك حاجة ماسة إلى تطوير وإلى المزيد من التطورات، وثانيا أننا دائما انطباعيون، حيث إننا نتفاءل بالأمور التي تحدث أمامنا في الوقت الذي لا نملك فيه أي رؤية استراتيجية أو مشروع تخطيطي مستقبلي للسنوات المقبلة، سوى 5 أو 10 أو تزيد على ذلك.

وهذا من العوامل التي تبين أننا لم نستطع أن ننتهز هذه الفرصة التي صنعتها الأزمة المالية العالمية حتى نبرز للعالم مميزات وكفاءة المصرفية الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالتدهور الاقتصادي العالمي في أوروبا وأميركا، لنثبت للعالم أن الحل يكمن في النظام المالي الإسلامي.

وثالثا فإننا نعاني من قلة التعاون فيما بيننا، حيث إن كل واحد منا على مستوى الدولة أو مستوى الهيئات والمؤسسات، يبحث عن أن يكون مركزا لصناعة المصرفية الإسلامية، بمعنى أننا نتحارب على مركزية المصرفية الإسلامية دون الالتفات إلى أهمية تأسيسها وإبرازها للعالم كعمل مكتمل جدير بالاهتمام والأخذ به.

وحقيقة أنا شخصيا لا أرى غبارا في أن نتفق على أن نسمي بلدا معينا، لأن يكون مركزا للمصارف الإسلامية وصناعة المصرفية الإسلامية، وبلدا آخر يأخذ مركزية الأسواق المالية وهكذا دوليك، وهذا نفقده حقيقة، حيث إنه من الواضح أننا نحتاج إلى تنظيم أكثر ونحتاج إلى التعاون المستمر، خاصة نحن في البلاد الإسلامية، خاصة أن لنا كيانات قائمة كمنظمة المؤتمر الإسلامية، وغيرها من الملتقيات الإسلامية، والكثير من المنظمات التي يمكن أن تدخل دائرة التعاون المستمر، التي من شأنها المساهمة في تحقيق مزيد من النجاحات لصالح صناعة المصرفية الإسلامية.