خبير مصرفي وشرعي لـ«الشرق الأوسط»: النظام الرأسمالي يلوث المال الإسلامي المهاجر

قال إن مسألة تأثير المال الملوث على المال العام محل خلاف بين أهل العلم

TT

مع التأكيد على نجاح المصرفية الإسلامية وانتشارها في غرب العالم، إلا أن خبيرا مصرفيا وشرعيا ما زال يعتقد أن النظام الرأسمالي هو المسيطر على اقتصادات العالم، بشكل قد يتسبب في تلوث العمليات الإسلامية في المصارف الغربية التي تحاول الاستعانة بالمصرفية الإسلامية، بما يخرجها من دائرة التوافق مع الشريعة الإسلامية، مما يجعل ما يخالطها من أموال إسلامية ضمن الأموال غير الشرعية.

وأكد الخبير المصرفي والشرعي عثمان بن ظهير لـ«الشرق الأوسط»، أن الأموال غير المشروعة تدخل إلى المصارف الإسلامية من عدة جهات منها على سبيل المثال الودائع التقليدية التي قد يكون المصرف ملزما بها مع البنك المركزي، كذلك غرامات التأخير التي تدخل في عقود التمويل، مبينا أنها غرامات أجيزت من قبل بعض الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية لإلزام العملاء بالسداد ولها شروط معينة، من أهمها ألا تكون على معسر بل تختص بالمماطل المليء، ومنها ألا يستفيد منها المصرف ماديا ولا معنويا وقد أجازت بعض الهيئات استقطاع تكاليف التحصيل منها.

كما يعتقد بن ظهير أن هناك أخطاء في التطبيق تفقد المنتج الإسلامي شرعيته، مثل عدم وجود إيجاب وقبول مثلا، إذ يعتبر دخل تلك العملية في هذه الحالة دخلا غير شرعي، مضيفا أن هناك شركات استثمار إسلامية قد تستثمر في أسهم شركات مختلطة، فيدخل فيها جزء من أموال غير شرعية تستوجب التطهير.

أما الشركات غير المالية فيمكن أن يدخل المال الملوث إلى إيراداتها أموالا غير شرعية، إما بسبب أنشطة غير شرعية كبيع منتجات أو استثمارات غير شرعية في الأوراق النقدية، موضحا في الوقت نفسه أن مسألة تأثير المال الملوث على المال العام محل خلاف بين أهل العلم، إلا أن الكثير منهم يرى أن اليسير غير الشرعي - مع اختلافهم في مقدار اليسير - لا يؤثر على المال استدلالا بقواعد فقهية عديدة كاليسير مغتفر، ويثبت للكل حكم الأكثر، وغيرهما مع الاتفاق في الجملة على التخلص من المال الملوث.

بالنسبة للمصارف الإسلامية فإن الفتوى في العديد من الهيئات الشرعية وفق بن ظهير، على وجوب التخلص من مثل هذا المال دون الاستفادة منه ماديا ولا معنويا، مبينا إجازة بعض الهيئات الشرعية باستقطاع تكاليف التحصيل من مثل هذه الأموال أو جزء منها.

ويرى أنه من المفضل أن تشرف المصارف المركزية على تصرفات البنوك في مثل هذه الأموال وتوجيهها إلى خدمة المجتمع من مثل أعمال الإغاثة الإسلامية العامة في جميع أنحاء العالم، والمساعدات العلمية والفنية للدول الإسلامية الفقيرة، ودعم المؤسسات التعليمية والاجتماعية الإسلامية، والدفاع عن الأسرى والمعتقلين المسلمين ورفع الظلم عنهم وتحريرهم، ورعاية وكفالة اليتامى الفقراء ومن في حكمهم، وتشييد المرافق ذات المصلحة العامة للناس، ودعم المراكز والمؤسسات الطبية الخيرية ذات الاهتمام بالفقراء، مشيرا إلى أن إشراف البنك المركزي مهم على صرف مثل هذه العمليات حتى لا تكون عرضة لغسل الأموال.

وقال بن ظهير: «في الواقع الحالي فإن بعض المصارف تصرف مثل هذه الأموال إلى حساب الجمعيات الخيرية والجهات اللاربحية بشكل مباشر بحيث يتم التحويل التلقائي للأموال المجمعة من حساب غرامات التأخير إلى حساب الجمعيات الخيرية».

كما أن بعض المصارف وفق بن ظهير، يقوم بتحويل هذه الأموال إلى حساب خدمة المجتمع الموجود لدى البنك، إلا أن المهم هنا هو ضرورة إخضاع تحصيل وصرف هذه الأموال للرقابة الشرعية من عدة جهات، وذلك لخدمة عدد من الأهداف منها التأكد من صحة احتساب مبالغ التطهير في صناديق الاستثمار الإسلامية، والتأكد من صحة احتساب غرامات التأخير في عمليات التمويل وموافقتها للضوابط المعتمدة من الهيئة الشرعية، والإشراف على صرف هذه الأموال للجهات الخيرية والتأكد من عدم استفادة المصرف منها ماديا أو معنويا، وأخيرا التأكد من صحة احتساب واستقطاع تكاليف التحصيل في حال كونها مجازة من الهيئة الشرعية.

وقال: «ومن الممكن أن تعرض على الهيئات الشرعية مسألة استثمار هذه الأموال من أجل تنميتها ليعود ريعها على المصالح العامة للمسلمين، لكون مثل هذه الأموال إذا وجهت بالشكل الصحيح فإنها يمكن أن تعود بريع جيد للمجتمع وتساهم في دعم صناديق مكافحة الفقر ونشر التعليم ومحاربة الجهل بشكل كبير».