بروناي: التكافل مكون رئيسي من مكونات النظام المالي الإسلامي

د. بشير: عمل شركات التكافل في بروناي توسع وشمل مجالات المخاطر

قصر سلطان بروناي
TT

تزايد الاهتمام بصناعة التأمين التكافلي في سلطنة بروناي دار السلام خلال السنوات القليلة الماضية، حيث بذلت الدولة جهودا حثيثة من أجل تعزيزه بوصفه مكونا مهما من مكونات النظام المالي الإسلامي، من خلال إصدار تشريع جديد لتنظيم أعمال التأمين التكافلي في عام 2008م.

ويلاحظ زيادة وتيرة النمو المتسارع للتأمين التكافلي في بروناي، الأمر الذي يعكس حجم الإقبال الكبير من جانب الجمهور، كبديل عن التأمين التقليدي، وذلك بسبب إسهامه في تلبية احتياجاتهم التأمينية بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وفي هذا السياق، أكد الباحث الدكتور محمد شريف بشير، أستاذ الاقتصاد والتمويل الإسلامي بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية في بروناي دار السلام، أن صناعة التأمين التكافلي نمت بسرعة في سلطنة بروناي دار السلام، منذ تأسيسها في أوائل التسعينات.

وبرزت صناعة التكافل في سنوات قليلة مكونا رئيسا من مكونات النظام المالي الإسلامي في سلطنة بروناي، وأصبحت شركات التأمين التكافلي في وضع تنافسي جيد في مقابل شركات التأمين التقليدية.

وتدل الزيادة السنوية في إجمالي الموجودات، وإجمالي مساهمات المشتركين لدى شركات التأمين التكافلي على ازدياد وعي الجمهور بالتأمين التكافلي، وجاذبية منتجاته القائمة على أساس المشاركة في الربح والخسارة، وهو ما لا يجده الجمهور عند شركات التأمين التقليدي.

وأوضح بشير أن قطاع التأمين في بروناي دار السلام، بدأ منذ ثلاثة عقود، بينما بدأ نظام التأمين الإسلامي بالتأسيس مع قيام شركة «تكافل بروناي» وشركة «طيب» للتأمين الإسلامي في عام 1993م، بينما تمارس التأمين حاليا شركتان إسلاميتان، و9 شركات تقليدية من بينها 5 شركات أجنبية.

والشركتان الإسلاميتان هما، شركة «طيب» للتأمين الإسلامي، وشركة «تكافل بروناي دار السلام». وتشرف إدارة التأمين بوزارة المالية على صناعة التأمين التقليدي والإسلامي حيث ينظم قطاع التأمين التقليدي، قانون التأمين لعام 2006م، أما قطاع التأمين الإسلامي فيحكمه قانون التكافل لسنة 2008م.

ووفق بشير، فإن من أهم التطورات في صناعة الخدمات المالية الإسلامية في سلطنة بروناي، تأسيس صندوق «طيب» الادخاري، كأول مؤسسة مالية إسلامية لتوظيف مدخرات الراغبين في أداء الحج والعمرة، ومساعدتهم في أدائهما، وذلك في سبتمبر 1991، كما تم أسس البنك الإسلامي بروناي في يناير 1993.

كذلك تم تأسيس شركة طيب للتكافل في مارس 1993، بجانب هيكلة شركة طيب للتكافل وزيادة رأسمالها لتصبح طيب للتأمين الإسلامي في يونيو 1997، فيما أسست شركة تكافل البنك الإسلامي بروناي في مارس 2001، مع إعادة هيكلة شركة تكافل في أكتوبر، في الوقت الذي تم فيه 2003 اندماج البنك الإسلامي بروناي وبنك التنمية الإسلامية بروناي، وتكوين البنك الإسلامي بروناي دار السلام في يوليو 2006.

وفي أكتوبر 2008 صدر أول قانون لتنظيم التأمين التكافلي في بروناي، فيما تم إعلان علامة الأغذية الحلال أي الموافقة لأحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم السماح للمؤسسات المالية الإسلامية، بتمويل تجارة الصناعات الغذائية الحاصلة عليها، وذلك في 2009.

وتم إعلان الدمج بين شركتي تكافل وتكافل وتكوين شركة تكافل بروناي دار السلام القابضة في 2010، في الوقت الذي أسست فيه إدارة السلطة النقدية لبروناي دار السلام، وينضوي تحت إشرافها أعمال التأمين بنوعيه التقليدي والإسلامي بدلا عن قسم التأمين بوزارة المالية.

ورصد بشير، أهم التطورات في قطاع التأمين التكافلي في سلطنة بروناي في حزمة من الإجراءات منها التطور القانوني، من خلال صدور أول قانون لتنظيم أعمال التأمين التكافلي في أكتوبر 2008م، لاستيعاب التطورات في قطاع التأمين التكافلي، وإفساح الطريق أمام نموه وتقوية بنيته، بالإضافة إلى زيادة حجم التغطية، حيث اتسع نطاق عمل شركات التكافل ليشمل الكثير من مجالات المخاطر، وبالتالي توفير منتجات متنوعة للتأمين التكافلي بحيث تغطى المخاطر الشخصية في الحياة، ومخاطر الممتلكات، والمخاطر الخاصة في الأجلين القصير والطويل.

وأشار بشير إلى إزدهار نماذج العلاقة التعاقدية، حيث تبنت شركات التكافل بروناي نماذج المضاربة والوكالة في العلاقة التعاقدية بين المشتركين (حملة وثائق التأمين التكافلي)، وبين حملة الأسهم، وكذلك في العلاقة بين حملة الوثائق وبين مديري الشركة (الممارسون لتجارة التأمين التكافلي).

ويقوم كل من النموذجين على عدد من العناصر، منها المشاركة الجماعية في المخاطر لحماية المشتركين، حيث أن حملة وثائق التكافل يتعاونون مع بعضهم البعض من أجل مصلحتهم، فكل حامل وثيقة تكافل يدفع اشتراك (قسط) لمساعدة من يحتاج من المشاركين الآخرين في صندوق التكافل، ذلك أن العلاقة تكافلية هدفها التعاون بين المشتركين لجبر الضرر حال وقوعه على المشتركين فهي لا تنتج ربحا وغنما، وإنما تنتج فوائض تأمينية لصالح المشتركين بعد حسم المصروفات الإدارية وتكاليف عمليات التشغيل.

كذلك تم تحديد نسب واضحة لمساهمات المشتركين، وتقسيم الأنصبة في توزيع الأرباح بين المشتركين وحملة الأسهم، حيث تعود ملكية صندوق التكافل إلى حملة وثائق التكافل أنفسهم، وهم بهذه الصفة يستحقون عوائده دون غيرهم، وتعود الأموال المتبقية في هذا الصندوق في نهاية المدة (الفائض التأميني) لهم وتوزع عليهم.

ومن العناصر كذلك، تضمين عنصر التبرع بجزء من المساهمات من جانب المشتركين بغرض إزالة شبهات الغرر والجهالة، وبالتالي فإن المسؤولية عن الخسائر يتحملها كافة المشتركين في صندوق التكافل دون استثناء، فتدفع قيمة الخسارة من الصندوق المشترك الذي يضم تبرعات حملة وثائق التكافل بحيث تتوزع المسؤولية على حملة وثائق التكافل، ويشترك الجميع في دفع الخسائر، وبالتالي يكون حملة الوثائق هم الضامنون والمؤمّن لهم في وقت واحد.

وأضاف بشير إلى ذلك، أن تكون شركة التأمين التكافلي مسؤولة عن إدارة عمليات التأمين التكافلي لمصلحة كافة المشاركين سواء عن طريق المضاربة أو الوكالة أو النظام المختلط، مع ضرورة منع التعامل بالربا والقمار مصدر الأموال الموجودة في صندوق التكافل هو تبرعات قام بدفعها حملة وثائق التكافل عن طيب خاطر بغرض مساعدة بعضهم، الذين قد يتعرضون لخسارة مادية نتيجة ممارسة أعمالهم المتنوعة.

وشدد على ضرورة توافق جميع العمليات الاستثمارية مع الشريعة الإسلامية، وأن تبتعد بشكل كامل عن المعاملات والمقامرة وسائر البيوع التي تتم بفائدة غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مبينا أن رأسمال المؤمّن أو شركة التأمين التكافلي، من الضرورة أن يستثمر بطرق شرعية تتجنب الوقوع في المعاملات الغير متوافقة مع الشريعة، مع أهمية وجود هيئة للرقابة الشرعية تضم علماء الشريعة وخبراء التأمين والممارسين له، وذلك لتقديم النصح والمشورة، وإجازة المنتجات من الناحية الشرعية، والتحقق من مدى توافق عمليات الشركة التأمينية والاستثمارية مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وأشار إلى أن الوسائل العملية في أنشطة التكافل العام والتكافل العائلي، تحكم أسس التغطية التأمينية تعاليم الشريعة الإسلامية، وبالتالي لا يمكن أن تشمل التغطية التأمين على الديون غير الإسلامية، وكافة الأعمال التجارية القائمة على الربا والأنشطة التجارية والصناعية في النشاطات غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

ووفق بشير، فإن قانون التكافل لسنة 2008، جاء ليغطي الفجوة الكبيرة بين الممارسة العملية للتأمين التكافلي في بروناي وبين الموجهات والأطر القانونية الحاكمة لعمل شركات التكافل، وطبيعة العلاقة التعاقدية فيها، والمتطلبات الضرورية لممارسة التكافل، حيث اشترط القانون الجديد زيادة رأسمال شركات التأمين التكافلي بما لا يقل عن 6.19 دولار.

وهذا وفق بشير، أدى إلى الاندماج بين شركة تكافل بروناي التابعة للبنك الإسلامي بروناي، وشركة التكافل لبنك التنمية الإسلامية في عام 2010م، حيث فرض قانون التكافل لسنة 2008م على شركات التأمين التكافلي أن يكون لديها هيئة للرقابة الشرعية، وذلك للتأكد من مدى مطابقة عملياتها وأنشطتها لأحكام الشريعة الإسلامية.

كما اشترط على شركات التكافل والوكالات والفروع التابعة لها أن تكون مسجلة تحت قانون الشركات أو شركة مرخص لها بالعمل في بروناي دار السلام. وألا تكون أعمالها مخالفة للشريعة الإسلامية.

وشدد على أن تنضبط علمياتها والإجراءات المالية والمحاسبية لديها بالمعايير الدولية، ومعايير المحاسبة والمراجعة الإسلامية التي أصدرتها هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية.

وعرّف قانون التكافل لسنة 2008م التأمين التكافل العائلي بأنه التكافل الذي يهدف إلى المساعدة المالية وعون المشترك وأسرته في حالات حوادث الوفاة والإعاقة.

كما عرّف القانون حكم الشريعة الإسلامية ليشمل كل حكم شرعي وفقا لأي من المذاهب الفقهية الأربعة: الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي، وهذا ما يفسح المجال أمام تعدد الاختيارات الفقهية دون التمسك بمذهب الدولة الرسمي الذي هو المذهب الشافعي.

يشار إلى أن سلطنة بروناي دار السلام تقع في جزيرة بورنيو بمنطقة جنوب شرقي آسيا، وتحيط بها كل من ولاية صباح وولاية سرواك الماليزيتين، ويحدها من الشمال بحر الصين الجنوبي، حيث كانت السلطنة محمية بريطانية، وأخذت استقلالها في عام 1984م لتصبح مملكة دستورية إسلامية. يعتمد اقتصادها على إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي بما يمثل 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، و90 في المائة من إجمالي الصادرات، و80 في المائة من إيرادات الحكومة.

ويقدر عدد سكانها بنحو 400 ألف نسمة، يتوزعون بين قوميات، الملايو والسكان المحليين (75 في المائة)، والصينيين (11 في المائة)، وبقية السكان من قوميات مختلطة. ويصل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 31 ألف دولار أميركي.