تداول صكوك المرابحة.. اختلاف في التقييم واتفاق في المبدأ

توجه البنوك والمؤسسات المالية نحو الاستثمار في الصكوك

TT

اختلف بعض الخبراء المصرفيون والشرعيون، حول تقييمهم لتوجه استثمارات البنوك والمؤسسات المالية بشكل واضح، للبحث عن فرص استثمارية في الصكوك التي تقوم مقام البديل الإسلامي للسندات التقليدية، بهدف إقراض مصدر السند، مقابل إصدار سندات يحصل بموجبها حملة السندات على فائدة في آخر المدة.

وتحفظ الخبراء على بعض هياكل الصكوك التي تم تصميمها لتؤدي أغراضا شبيهة بهذه الصورة، في محاولة لتكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال وضعها في شكل أصول أو مشاريع بنية تحتية في شتى المجالات التنموية.

وفي هذا السياق، أوضح محمد بيانوني، المستشار الشرعي ومطور منتجات مالية إسلامية، أنه بالفعل توجهت استثمارات البنوك والمؤسسات المالية بشكل واضح للبحث عن فرص استثمارية في الصكوك، مبينا أنها البديل الإسلامي للسندات التقليدية، مؤكدا أن الهدف من السندات، هو إقراض مصدر السند قرضا مقابل إصدار سندات يحصل بموجبها حملة السندات على فائدة في آخر المدة بالإضافة إلى رأسمالهم الأصلي.

وأضاف أن أكثر هياكل الصكوك تم تصميمها، حتى تتمكن من أداء أغراض شبيهة بهذه الصورة، ولكن بطرق إسلامية، مشيرا إلى أن ذلك يكون من خلال وضع أصول أو مشاريع بنية تحتية تكون هي محل الصكوك.

ووفق بيانوني، فإن هذا التوجه يؤكد أن تداول الصكوك بهذه الطريقة أصبح ممكنا شرعا، مبينا أن أرباح حملة الصكوك تكون ناتجة عن تلك الأصول، مشيرا إلى أن مثل هذه الصكوك تهيكل غالبا على أساس المشاركة أو المضاربة أو الإجارة.

وبما أن محور الحديث سيكون هنا عن صكوك المرابحة وإمكانية تداولها، فلا بد من إعطاء تصور بسيط عنها، إذ إن صكوك المرابحة لا تكون مبنية على أصول أو مشاريع، بل يكون محل الصكوك هو الدَّين.

وتتلخص فكرة صكوك المرابحة وفق بيانوني، في أن يقوم حملة الصكوك من خلال وكيل حملة الصكوك، الذي يكون بنكا في العادة، بشراء سلع من موردين مثل سوق لندن للمعادن أو بورصة سوق السلع الماليزية، وذلك بثمن حال، وأن يبيع حملة الصكوك هذه السلعة على مصدر الصكوك بثمن مؤجل وربح محدد لمدة 7 سنوات مثلا، وأن يصدر مصدر الصكوك صكوكا لصالح حملة الصكوك تثبت مديونية مصدر الصكوك لحملة الصكوك، ويذكر في الشهادة قيمة الدين الذي سيتم سداده ومدة ذلك، وأن يبيع مصدر الصكوك السلعة على مورد آخر، أو في حال كانت السلعة من بورصة سوق السلع الماليزية فتباع في نظام البورصة بحسب الطلب والعرض، وذلك بثمن حال، ويستخدم مصدر الصكوك هذا المال في مشاريعه.

وكما يرى بيانوني، فإن صكوك المرابحة لا يمثلها إلا دين، وحيث إن الرأي الأغلب يقف على تحريم بيع الدين بسعر حال أقل عنه، فإن هذا يؤدي إلى عدم قابلية تداول الصك بين الأفراد، مبينا أن أشبه أمر لهذا المثال هو ما ورد عن «بيع الجامكية»، مشيرا إلى أن الجامكية هي صك بمبلغ معلوم وأجل معين تقرره الدولة للرجل عطاء من بيت المال، فهو كالدين في الذمة.

ولكن بيانوني، قال: «نلاحظ تجنب الجهات المعنية هيكلة الصكوك على أساس المرابحة، لرفض الهيئات الشرعية لمثل هذه الصكوك، كما أصبحت بعض الجهات تضم منافع غير مقصودة بذاتها إلى دين المرابحة حين إنشاء الصك مع تغليب هذه المنافع على الدين، بحيث تجعل نسبة المرابحة 49 في المائة من نسبة الصكوك، وتكون 51 في المائة من نسبة الصكوك المتبقية أصولا ومنافع، وذلك ليقبل تداولها شرعا».

غير أنه عاد فأشار إلى أن بعض الهيئات الشرعية تجيز ذلك، مستدركا بأن أغلب الهيئات الشرعية لا ترى جواز هيكلة صكوك على هذا الأساس، لما تتضمن عليه صورة هذه الصكوك في العادة من ضمان عوائد الصكوك ككل، بما ينتج عن المرابحة فقط التي تمثل 49 في المائة فقط، سواء أكانت هذه الأعيان التي تمثل 51 في المائة من قيمة الصكوك تدر ربحا أو تجلب خسارة.

والحل المقترح لتداول صكوك المرابحة التي تمثل دينا بنسبة 100 في المائة، وفق بيانوني، هو تضمين سلعة في الوسط، وذلك من خلال حزمة من الإجراءات، أولها التنسيق مع وكيل حملة الصكوك ليقوم بالإجراءات أدناه وكالة عن المستثمر وحامل الصك، وذلك لعدم تمكنهما من مباشرة ذلك العمل بنفسيهما.

وثانيها أن يشتري المستثمر الراغب في تملك الصك، سلعا من بورصة سوق السلع الماليزية بثمن حال، ويقوم المستثمر ببيع السلعة على حامل الصك بثمن مؤجل بنفس المدة والقيمة المؤجلة المدفوعة في الصك، بينما يقوم حامل الصك بإحالة المستثمر إلى مصدر الصكوك ليستوفي دينه، وذلك بتمليك المستثمر الصك ليستوفي منه مبلغ دينه القائم على حامل الصك، وثالثها أن يصبح الصك ملكا للمستثمر، ويقوم حامل الصك القديم ببيع السلعة بالسوق بثمن حال ليحصل على النقد.

تم اختيار بورصة سوق السلع الماليزية في المثال أعلاه، لأنها تتيح إجراء عمليات بأسعار قليلة قريبة من أسعار الصكوك عادة، كما أن إجراءات البيع والشراء في هذه البورصة تعد سهلة ويسيرة أيضا، وبهذا يكون ذلك حلا أفضل من استخدام أدوات أخرى كالأسهم أو غيرها، التي يصعب تطبيقها مع زيادة حجم المخاطرة في التعامل من خلالها.

أما الخبير المصرفي والشرعي عثمان بن ظهير، فأوضح أن الموضوع المشار إليه هو بيع الديون، مبينا أن بيع الدين بالنقد ممنوع في الشريعة الإسلامية بلا شك، مضيفا أن العلماء بحثوا منذ القدم، بدائل لتلك الصيغة، وأشار الكثير منهم إلى أن الصيغة الشرعية الصحيحة هو شراء الدين بالسلع، «كما حرر ذلك الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى، وبه أفتى مجمع الفقه الإسلامي».

وصورته في المعاملات المالية المعاصرة التي يطرحها الكثير من المتخصصين، أن يقوم البنك بعرض سلعة بقيمة أقل من قيمة الدين على العميل ثم يبيع العميل هذه السلعة لطرف ثالث ويحصل على النقد وعند استحقاق الدين يتحصل البنك على كامل مبلغ الدين.

لكن هذه الصيغة من ناحية التطبيق المصرفي، وفق بن ظهير، يمكن تطبيقها على حالات فردية، أما أن يقوم المصرف بطرحها كمنتج مصرفي يقوم بدل منتج خصم الكمبيالات «شراء الديون» التقليدي، فهو كما يرى أمر في غاية الصعوبة نظرا لأسباب كثيرة، لعل من أهم تلك الأسباب، وفق بن ظيهر، هو أن المصرف عندما يشتري دين عميله على طرف ثالث «في الغالب ليس هذا الطرف عميلا لدى البنك»، مبينا أنه عند تاريخ الاستحقاق، إذا لم يستطع الطرف الثالث السداد تظهر خسارة البنك.

ويعتقد أنه هنا يبرز سؤال في هذه الحال، وهو: هل يجوز للبنك أن يطلب من عميله ضمان دائنيه؟ مبينا أن الإجابة هنا، محل خلاف كبير بين الفقهاء، مردفا حتى في حالة القول بالجواز سؤالا آخرا وهو: ماذا لو كان العميل معسرا في تلك الفترة؟ هل يجوز قلب الدين عليه؟ إضافة إلى مشاكل تقنية المعلومات في مثل هذه المنتجات.

وقال بن ظهير: «كل تلك الأمور تجعلنا نقول إن المنتج بصيغته المطروحة، أعني صيغة شراء الدين بالعين أو بالسلع، لا يمكن أن يكون منتجا مصرفيا إسلاميا ينافس منتجات شراء الديون التقليدية».

ويرى أن أقرب الحلول الموجودة في الوقت الحاضر، هو التوجه نحو التمويل بضمان المستخلص أو الصك، حيث يقوم البنك بتمويل العميل عن طريق التورق أو المرابحة مبلغا أقل من مبلغ الدين ويطلب منه أن يحصّل له الدين عند تاريخ استحقاقه، فإذا لم يستطع، يكون كما يعتقد بن ظهير، هو المديون للبنك، وهو عميل البنك، الذي يعرف البنك طريقة التعامل والتواصل معه وتحصيل الدين منه.

ولكن التوجه إلى مثل هذه الصيغة، أي التمويل مقابل ضمان صك الدين، برأي بن ظهير، هو وقوف أمام تطوير المنتجات المالية الإسلامية وبحث عن أسهل وأقرب الحلول، مما يعني ضرورة أن يولي مسؤولو تطوير المنتجات المالية في المصارف الإسلامية، هذه الصيغة اهتماما كبيرا، خاصة أن الحاجة لها شديدة بالذات في عمليات تمويل التجارة كالاعتمادات المستندية مثلا.

وشدد على ضرورة أن ينتبه المسؤولون عن تطوير تقنية المعلومات وأنظمة البنوك الإسلامية، بأن يكونوا ملمين ومدركين لحجم أهمية الوعي بالمصرفية الإسلامية، وأن تهتم شركات التقنية برفع مستوى الوعي بالمصرفية الإسلامية لدى موظفيها حتى يتم الوصول إلى أنظمة معلومات مرنة يسهل تكييفها مع المتطلبات الشرعية للمنتجات المالية الإسلامية، وهو أمر كما يعتقد بن ظهير، سيعود عليها وعلى المصارف الإسلامية بالنفع الكبير.