خبراء ماليون: ظاهرة انتشار أسهم شركات عالمية غير إسلامية في منتجات إسلامية تستدعي فتوى صريحة

1.8 تريليون دولار من الثروات الإسلامية تنتظر مرجعية شرعية موحدة

TT

ينتظر خبراء مصرفيون في مجال الصيرفة الإسلامية، فتوى صريحة تزيل اللبس الذي اكتنف زعم بنك «غولدمان» بيع صكوك قدرت بملياري دولار، حيث كانت «الشرق الأوسط» قد اكتشفته سابقا، خاصة بعد أن وصف بنك «أبوظبي الإسلامي» هذه الصكوك بأنها باطلة، وذلك لإيجاد إجابات واضحة وصريحة تتعلق بجواز الاستثمار في صكوك متوافقة هيكليا مع الشريعة لتمويل بنك ينشط في سوق المشتقات المحرمة شرعا أو يتعامل معها بطرق غير شرعية من عدم جوازه.

ولفت الخبراء إلى ضرورة انتباه القائمين على أمر صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، خاصة مجلس الخدمات المالية الإسلامي، والهيئات الفقهية والشرعية في مختلف البلاد الإسلامية ومصارفها لمثل هذه التوصيفات والتي تحتاج إلى بت شرعي فيها متفق عليه من جميع بلاد تلك الكيانات الشرعية.

ويعتقد الخبراء أن الوضع الاقتصادي والمصرفي الذي تعيشه البلاد الغربية وأميركا، فرض عليها محاولة ممارسة نوع من استقطاب الثروات الإسلامية الضخمة بشتى الطرق ومن ضمنها التمويل الإسلامي، حتى تعالج مسألة جفاف في منابع الائتمان من خلال إعادة رسملة العديد من البنوك الأوروبية بهذه السيولة الإسلامية والتي تشهد نموا مطردا، في غياب استراتيجية مرجعية لاستثمارها في البلاد الإسلامية.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور عبد الرحمن باعشن، أن هناك العديد من مستثمري الصكوك غير مسلمين، مما يعني أن إصدار الصكوك يسهم في جذب المستثمر الإسلامي وغير الإسلامي على حد سواء، الأمر الذي يزرع الأمل في بعض البلاد غير الإسلامية وفي مقدمتها إسرائيل بأن تشتري حصة من أسهم الشركات المالية العالمية والتي تدير أمورها وفق الشريعة الإسلامية، خاصة تلك التي لها أذرع في البلاد العربية مثل الإمارات العربية المتحدة. ويعتقد أن نموذج الصكوك المنتشر حاليا في الأسواق الأوروبية، كشف أزمة عورات هيكلتها وتبين أن مستثمريها ما هم إلا دائنون وفقا للعقد وليسوا مستأجرين، مشددا على ضرورة ضبط مسألة الانتشار الواسع لصناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي على الصعيد العالمي، من حيث مطابقته للقوانين الإسلامية، ومدى تحقيقه لأهداف الشريعة ومقاصدها في إطار المصالح العائدة على مستوى العالم الغربي والعالم الإسلامي.

الخبير الشرعي والمصرفي عثمان بن ظهير، أوضح أن التقارير المالية منذ فترة ليست بالوجيزة تشير إلى تضاعف المصرفية الإسلامية خلال السنوات القادمة سواء على مستوى انتشارها الجغرافي في دول العالم أو انتشارها النوعي أو انتشارها في المؤسسات المالية الإسلامية، لكن من المهم هنا هو الإشارة إلى ضرورة ألا يكون هذا الانتشار يركز على الكم دون الكيف.

وشدد على ضرورة أن تركز المصرفية الإسلامية في هذه الفترة على التطوير وليس الانتشار فقط حتى تكون التجربة التي نصدرها للعالم قابلة لتحقيق المرجو منها، ذلك أنه لو اقتصر الأمر على الانتشار الكيفي دون الكمي فقد تكون النتائج عكسية على المصرفية الإسلامية، مما يعني زيادة الحاجة للتوجه الجاد لدى المرجعيات التي تقوم عليها تطبيقات المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي حتى تجد خارطة طريق توحد من خلالها المرجعية التي يستند إليها الكل في البلاد الإسلامية مع مراعاة الفروقات الشرعية التي تضيف لها ولا تحسب عليها. من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي محمد الحمادي أن اتساع رقعة الطلب على المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي على مستوى العالم، أصبح واقعا يستدعي الانتباه والضبط الذي يحكم سيرها ويحقق أهدافها ومقاصد الشريعة الإسلامية.

ويرى أن استعانة الاقتصاد العالمي بالمصرفية والتمويل الإسلامي، تعني ضرورة تأسيس مرجعية شرعية تتابع استناد التوزيع العادل للثروات بدلا من تضخمها في أيدي فئات معينة، ومن ثم انتشارها في جميع بلاد العالم، حتى لا تستغل البلاد غير الإسلامية غياب جسم مرجعي شرعي موحد، في معالجة ما تعانيه من تقشف مالي في ظل غياب الائتمان والثقة التي أصابت المؤسسات المالية العالمية.

ودعا الحمادي إلى ضرورة تبيان الفرق بين المصرفية التقليدية والإسلامية من خلال تطبيقات ومنتجات تثبت وتبرز الجانب الإيجابي للمصرفية الإسلامية، لتهيئة بيئة حاضنة للصكوك المقبلة في هذا الواقع الجديد، مؤكدا أن الصكوك أثبتت قلة مخاطرها أيام الأزمة المالية العالمية، مقارنة بالسندات إضافة إلى إقبال المستثمرين عليها، لكن من المهم مراعاة الجوانب القانونية والشرعية عند إصدار الصكوك حتى لا تشهد التجربة تكرار أخطاء وقعت في وقت سابق.

وكان قد أصدر بنك «دويتشه» مؤخرا تقريرا حديثا أكد فيه أن أصول المصرفية الإسلامية ستتضاعف إلى 1.8 تريليون دولار خلال خمس سنوات، وأن الصناعة على مشارف نقلة نوعية ستتحول من خلالها إلى قوة عالمية مستفيدة من بيئة التقشف المالي وجفاف الائتمان وغياب الثقة بأسواق الدين التقليدية، في ظل التقدم التنظيمي الذي أحرزته الصناعة وتزايد الوعي بالتمويل الإسلامي الذي أصبح متاحا في 39 دولة وارتفاع معدلات الثروة بالأسواق الناشئة التي يعيش بها أعداد كبيرة من المسلمين.

كما توقع التقرير أن يتم تقليص عمليات الائتمان في الولايات المتحدة وأوروبا بأكثر من تريليوني دولار، مبينا أن احتياجات إعادة رسملة البنوك التي تم تحديدها في أوروبا تتجاوز 100 مليار دولار، مشيرا إلى أن الشعوب والمؤسسات والحكومات تعاني من التقشف المالي وغياب الائتمان والثقة في المؤسسات، مما يعني حاجة العالم إلى البدائل من خلال التركيز على الاهتمام بالتمويل الإسلامي.

وكانت قد كشفت مجموعة «غولدمان ساكس» في وقت سابق، عن إصدار برنامج تمويل إسلامي بقيمة ملياري دولار لم يخرج للنور بعد، ووصفه بنك «أبوظبي الإسلامي» بأنه باطل، مخلفا وراءه عددا من الأسئلة عن حقيقة التنبؤات بما ستؤول إليه مصائر الثروات الإسلامية في حال عجز الأدوات المصرفية والتمويلية الإسلامية عن استيعابها، في ظل غياب جسم مرجعي شرعي على مستوى العالم.