د. الصيفي لـ «الشرق الأوسط»: إخضاع البنوك المركزية العربية لقواعد «بازل 3» أضر بصناعة المصرفية الإسلامية

باحث مصرفي يناشد بنك قطر المركزي عدم تطبيق معايير البنوك التقليدية في نظيرتها الإسلامية

TT

توقع باحث مصرفي حدوث كارثة، يتحول بسببها بعض البلاد الغربية إلى مراكز عالمية للتمويل الإسلامي؛ شكلا لا جوهرا، محملا المسؤولية للقائمين على أمر التعليم الجامعي والشرعي والمصرفي في البلاد العربية، مبينا أن عواقب هذه الكارثة، توقع المنتج الإسلامي في فخ الزيف والتضليل المقنن.

وقال الدكتور سيد الصيفي، أستاذ التمويل الإسلامي بكلية الدراسات الإسلامية في قطر، لـ«الشرق الأوسط»: «البلاد الغربية أخذت تنظر إلى المبادئ الإسلامية على أنها مبادئ رائعة، وأنه في حال تطبيقها، يمكنها النجاة بالاقتصاد العالمي، حيث إن حجم الاقتصاد العالمي الفعلي يبلغ 60 تريليون دولار، في حين أن حجم الاقتصاد العالمي الورقي الحالي يبلغ 600 تريليون دولار، أي إن الاقتصاد الورقي يعادل 10 أضعاف الاقتصاد الفعلي».

وفي ظل هذا الواقع الغربي، توقع الصيفي، حدوث مزيد من الانهيارات الاقتصادية، وأنها لن تتوقف عند اليونان أو إيطاليا أو آيرلندا أو إسبانيا، بل تتجاوزها إلى أكبر الاقتصادات العالمية، مبينا أن 90 في المائة من أموال البنوك في بعض البلاد، تستخدم في مرابحات لا تزيد على أنها بيع بالآجل؛ بأن يتم شراء السلعة بواسطة البنك بمبلغ معين، ثم يقوم البنك بإعادة بيعها لهذا العميل بمبلغ أكبر على أقساط، وبالتالي ليس فيه أي إضافة للاقتصاد الحقيقي، داعيا البنوك الإسلامية إلى السعي لتوفير منافذ استثمارية مطمئنة.

وأكد الصيفي، أن إخضاع البنوك المركزية في البلاد العربية والإسلامية لقواعد «بازل 3» العالمية، ألقى عليها أعباء في كيفية تحقيق حالة توازن بين ما له وما عليه من اشتراطات ومتطلبات؛ إذ لا بد أن تحقق حالة توازن بين هذه المتطلبات العالمية وبين مستحقات البنوك الإسلامية، يمكنها من خدمة المصرفية الإسلامية، شريطة أن توفر هذه الأدوات طرقا لتجنيب تجميد جزء من السيولة في البنوك الإسلامية لدى البنوك المركزية، واستثمارها في مجالات غير فعالة.

في ما يلي نص الحوار:

* كيف تقيم واقع صناعة المصرفية الإسلامية في قطر مقارنة بالنظام المالي التقليدي؟

- المصرفية الإسلامية، ليس في قطر فقط وإنما في العالم كله، بدأت تكتسب ثقة وأريحية من قبل المستثمرين، وذلك بعد الأزمة المالية العالمية، التي أدت إلى إفلاس عدد من البنوك التقليدية، في الوقت الذي صمدت فيه صناعة المصرفية الإسلامية أمام هذه الأزمة، بما حققته من معدلات نمو مرتفعة؛ سواء كان ذلك في الأصول أو في الربحية، التي لم تضار كثيرا بهذه الأزمة؛ الأمر الذي حفز العديد من الدول للتنادي بإدخال فكر التمويل الإسلامي، وعلى رأسها إنجلترا التي بها أكثر من 120 مصرفا إسلاميا، تليها فرنسا، ثم ألمانيا، فأميركا، حيث إن جميع الدول الغربية الآن في حالة سباق للفوز بتبني صناعة التمويل الإسلامي.

* ولكن كيف تقيم الوضع في قطر تحديدا؟

- لو قسمنا التاريخ في قطر قبل الأزمة المالية العالمية وبعدها، نجد أن هناك تفوقا كبيرا جدا في البنوك الإسلامية من حيث السيولة والربحية، مقارنة بالبنوك التقليدية، ومقارنة برأس المال، لأن البنك المركزي القطري يتمتع برأسمال كبير جدا، وبالتالي، حقق أرباحا قدرها 2.6 مليار دولار، بمعدل يصل إلى 32 في المائة، مقارنة بالوضع الذي كان عليه العام الماضي الذي كان معدل النمو فيه 1.37 مليار دولار.

وهذا البنك يعتبر بنكا مميزا جدا، لأنه يعد بنك الدولة، وبالتالي، فإن جميع إيرادات هذا البنك تودع فيه بتكلفة مخفضة جدا، فلا يمكن مقارنة هذا البنك بهذا الحجم ببقية البنوك الإسلامية، على الرغم من أن البنوك الإسلامية عندما نقيّم بنسبة أرباحها التي بلغت في مصرف قطر الإسلامي هذا العام 1.9 مليار ريال قطري (521 مليون دولار)، فهي من حيث القيمة أقل كثيرا من البنك الوطني، ولكن نسبة لرأس المال، نجد أن معدل الربحية في المصرف الإسلامي مرتفع، وكان هذا واضحا في سياسة التوزيعات السخية التي أجراها المصرف الإسلامي على مودعيه هذا العام مقارنة ببنك قطر الوطني.

* كيف لنا أن نفهم الهدف من إغلاق النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية بقطر؟

- في الحقيقة، كان هذا قرار البنك المركزي بقطر، وكانت له وجهة نظر مبررة لذلك، بأن إقدام البنوك التقليدية للعمل بنافذتين، يخلق نوعا من التضارب، لأن البنوك التقليدية كانت تقوم بخلط الأموال والأرباح الخاصة بالنوافذ الإسلامية مع أموال نظيراتها التقليدية، كما أن عملية الرقابة على أداء البنك التقليدي ككل، من قبل البنك المركزي تواجهه الكثير من التحديات، لأن الآلية التي تستخدم للرقابة على بنك تقليدي كانت تختلف تماما عن آلية الرقابة التي تستخدم في حالة الرقابة على بنك إسلامي، إضافة إلى ذلك، فإن العاملين في النوافذ الإسلامية لم يكونوا مؤهلين في مجال النواحي الشرعية بالقدر الكافي، فكان التفريق بين ما هو منتج إسلامي وما هو منتج تقليدي تكاد تكون منعدمة تماما لديه.

ولذلك اتخذ البنك المركزي القطري قرارا يمنع بموجبه العمل بنافذتين إحداهما إسلامية والأخرى تقليدية، مع السماح في الوقت نفسه للبنوك التقليدية بتأسيس بنوك إسلامية خالصة ومستقلة تماما من حيث الإيداعات ولها حسابات مستقلة تماما.

* وهل تم تنفيذ هذا القرار بإنشاء بنوك إسلامية صرفة من قبل البنوك التقليدية؟

- هناك بعض المحاولات الجادة في ذلك، حيث إن البنك الوطني القطري في طريقه لإنشاء بنك إسلامي منفصل.

* كيف تنظر في تعاطي البنك المركزي القطري مع آلية الرقابة والمعايير؟

- إننا نناشد البنك المركزي القطري بأن المعايير التي تطبق في البنوك التقليدية ينبغي أن لا تطبق كما هي على البنوك الإسلامية، ذلك أن البنوك التقليدية يحق لها أن تلجأ للبنك المركزي بصفته ملاذا أخيرا عندما تحتاج إلى سيولة ولا تجد، لأن البنك المركزي يمكنه إقراض البنوك التجارية لفترة قصيرة جدا، ويأخذ على ذلك فوائد، وبالطبع هذا السلوك غير مقبول في البنوك الإسلامية، وبالتالي تواجه البنوك الإسلامية مشكلة في أن تلجأ للبنك المركزي بصفته الملاذ الأخير للتمويل، لأنها تعلم أنها لو فعلت ذلك حتى لو لأجل قصير، فإن يطالبها بفائدة على التمويل.

وحتى تحل البنوك الإسلامية هذه المشكلة، تضطر لوضع سيولة لدى البنك المركزي، ولا تحصل على فوائد في المقابل، على أنه عندما تحتاج إلى أموال إضافية من البنك المركزي، لا بد أن تحصل عليها دون أن تدفع فوائد عليها، ولكن في حقيقة الأمر، فإن البنك المركزي يقوم بعملية «مقص»، فإذا وجد أنه يستحق فوائد أكثر من تلك التي حصل عليها من البنك الإسلامي، فإنه يقوم بتغريم البنك الإسلامي ولا محالة من ذلك.

ولكن في الوقت نفسه، أصبح البنك الإسلامي مضطرا لتجميد جزء من سيولته لدى البنك المركزي ليتجنب دفع فوائد على الأموال التي يحصل عليها لفترة قصيرة، وفي ذلك ضرر كبير للبنوك الإسلامية، ذلك أن تجميد هذه الأموال يعوقها عن أن تستخدم هذه الأموال في عملية الاستثمار.

ولذلك لا بد للبنك المركزي من التفكير في آلية معينة لحل هذه الإشكالية والعمل على إيجاد أدوات جديدة يمكن من خلالها حل هذه المشكلات؛ خاصة أن البنك المركزي يعرف عنه أنه «أبو البنوك»، أو «بنك الملاذ الأخير» عندما تحتاج إليه البنوك في تمويلات؛ سواء كانت تقليدية أم إسلامية.

* ما تقييمك لدور البنوك الإسلامية في التنمية من جهة، وفي مسيرة صناعة المصرفية الإسلامية، وما التحديات التي تواجهها في هذا الصدد؟

- البنوك الإسلامية عليها دور في قيادة عجلة التنمية في البلاد الإسلامية، ولكن الفكرة في أنها تعمل بصفتها بنوكا تتلقى ودائع وعليها أن تكون لديها جاهزية عالية عندما تطلب منها هذه الودائع بأن تقوم بدفعها على الفور وإلا فقدت سمعتها، لذا، فإن البنك يرغب في القيام بعملية المشاركة رغم أنه في حالة إيداع أموال العملاء في حساب توفير لدى البنك الإسلامي، لا بد من القيام بكتابة عقد يوضح ذلك، لأن هذا المال يحتمل الربح كما يحتمل الخسارة؛ حيث إنه لا يكون هناك قبول لدى المودعين لتحمل أي نوع من أنواع الخسارة.

وهذا الوضع يخلق تحديات أم البنك الإسلامي في أنه لا يمكنه أن يقوم بعمل مشاركات حقيقية، وثبت علميا أن 90 في المائة من أموال البنوك في بعض البلاد، تستخدم في مرابحات لا تزيد عن أنها بيع بالآجل، بأن يتم شراء السلعة بواسطة البنك بمبلغ معين ثم يقوم البنك بإعادة بيعها لهذا العميل بمبلغ أكبر على أقساط، وبالتالي، ليس فيه أي إضافة للاقتصاد الحقيقي، لأن هذه السلعة موجودة في الأصل، ولذلك، فإنه من المهم تغيير ثقافة المجتمع، وأن تسعى البنوك الإسلامية في سبيل توفير منافذ استثمارية، تكون قد أعدت لها دراسات جدوى عالية جدا بحيث لا تقبل فيها الخسارة.

ومع أن هذا النوع من الاستثمارات يكون عائده قليلا خاصة في المراحل الأولى، إلا أنه ومع مرور الزمن سيحقق في المراحل التالية المزيد من النجاح، حيث يكون المجتمع قد تقبل ثقافة الشراكة والتعاطي معها ولو بالتدريج، وعندها تبدأ البنوك الإسلامية في قيادة عجلة التنمية والتوسع في مشروعات كبيرة، خاصة أن البلاد العربية والإسلامية منطقة جاذبة للاستثمارات في الفترة الحالية ولديها أكبر حجم من السيولة على مستوى العالم، ذلك أن السيولة موجودة فقط في البلاد الإسلامية؛ الأمر الذي يلقي على البنوك الإسلامية عبء ومسؤولية الاستفادة من هذه السيولة والاستثمار فيها والاستفادة من تدني أسعار معظم المنتجات حول العالم.

ولذلك ينبغي للبنوك الإسلامية الخروج عن طور التحفظ وأن تذهب بعيدا في عمليات الاستثمار.

* ولكنك لم تتحدث عن دور البنوك المركزية في الدفع نحو تحقيق حضور عالمي كبير يخدم المصرفية الإسلامية؟

- هنا لا بد أن نجد مبررا للبنوك المركزية مع الأسف، وذلك لأنها تخضع لقواعد عالمية مثل «بازل 3»، وهذه القواعد لها اشتراطات معينة، مثل أنه لا بد لها أن تحقق درجة معينة من الملاءة ودرجة معينة من الربح، ولا بد أن لا يقل رأسمال البنك بالنسبة لمجموع أموال المودعين عن نسبة معينة؛ إذ إن هذه الاشتراطات عالمية، في الوقت الذي يخضع فيه البنك المركزي لتصنيف من فترة إلى أخرى من قبل مؤسسات عالمية، وبالتالي، تقع على البنوك المركزية أعباء في كيفية تحقيق حالة توازن بين ما لها وما عليها من اشتراطات ومتطلبات؛ إذ لا بد أن يحقق البنك المركزي حالة توازن بين هذه المتطلبات العالمية، وفي الوقت نفسه يكون لديه مركز بحوث خاصة بالبنوك الإسلامية، وتكون لديه القدرة على إنشاء أدوات معينة تمكنه من خدمة العلاقة بين البنوك المركزية والبنوك الإسلامية، شريطة أن توفر هذه الأدوات طرقا لتجنيب تجميد جزء من سيولة البنوك الإسلامية لدى البنوك المركزية، دون الحاجة لذلك، وأيضا المحافظة على أموال البنك المركزي من أن تستثمر في مجالات غير فعالة من قبل البنوك الإسلامية.

* وما الأدوات التي يمكن أن تنتجها هذه المراكز البحثية لتحقيق هذه التوازنات؟

- من هذه الأدوات عملية إصدار صكوك إسلامية، يستثمر فيها كل من البنوك المركزية والبنوك الإسلامية، على أن تتمكن البنوك الإسلامية من بيعها بصورة سريعة جدا إلى البنوك المركزية في حالة حاجتها للسيولة لتغطية أي عجز فيها، وفي هذه الحالة، ليس مطلوبا منها أن تدفع فوائد على الاقتراض الذي أخذته من البنك المركزي، غير أن آلية عمل هذه الصكوك ينبغي أن تتم وفق دراسات كثيرة حتى لا نقع في فخ بيع الدين، وما إلى ذلك مما له صلة، مثل التورق.

* في رأيك، ما التحديات المستجدة التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية وكيف يمكن معالجتها؟

- أعتقد أن ازدياد الطلب المضطرد على المنتجات المصرفية الإسلامية جاء في ظل الأزمة المالية العالمية التي كانت أسبابها تتنافى تماما مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والتي هي نتيجة بيع الدين بالدين، وكذلك البيع على المكشوف الذي كان يقوم به العديد من المؤسسات المالية بأن تقوم باقتراض أسهم معينة ثم تقوم ببيعها بسعر مرتفع على أن تعود وتشتري هذه الأسهم مرة أخرى عندما ينخفض سعرها، وطبعا هذا غير مقبول في الشريعة الإسلامية، وينبغي أن لا يوجد في البنوك الإسلامية لأن هذا يعرف بـ«بيع ما لا تملك».

ولذلك وجدت أن مسببات الأزمة المالية العالمية لا تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ولذلك أخذ العالم الغربي ينظر إلى هذه المبادئ على أنها مبادئ رائعة، وأنه في حالة تطبيقها، يمكنه النجاة بالاقتصاد العالمي، حيث إن حجم الاقتصاد العالمي الحقيقي يبلغ 60 تريليون دولار، في حين أن حجم الاقتصاد العالمي الورقي الحالي يبلغ 600 تريليون دولار، أي إن الاقتصاد الورقي يعادل 10 أضعاف الاقتصاد الحقيقي، ولذلك ما زلنا نتوقع مزيدا من الانهيارات الاقتصادية، ولن تتوقف عند اليونان أو إيطاليا أو آيرلندا أو إسبانيا؛ إذ من المتوقع أن تحدث في كثير من الاقتصادات العالمية. ونتيجة لذلك، فإن الصناعة الإسلامية هي صناعة متحفظة تقبل عائدا قليلا ولكن بلا مخاطر، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الطلب على المصرفية الإسلامية.

وعليه، يمكنني القول إن الصناعة الإسلامية حان وقتها لأنه ثبت بالفعل أنها صناعة تزدهر في خضم الأزمات، وصناعة يكون أداؤها أفضل في حالة الركود الاقتصادي، بحكم أنها ليس لديها مبدأ الرفع المالي المتوافر في فكر البنوك التقليدية، في ظل أن العالم يسوده الركود.

وهنا يكمن التحدي، ذلك أن الطلب على الصناعة الإسلامية يزيد في البلاد الغربية، ولكن الأخيرة ترغب في الاستفادة من السيولة المتوافرة في البلاد العربية، الأمر الذي يجعلها تقوم بإنتاج منتجات في مظهرها إسلامية غير أنها في جوهرها غير إسلامية، بهدف امتصاص السيولة العربية.

ومع أن الناحية العلمية تتطلب منا أن يكون لدينا تحضير نظري أولا، ونقوم بوضع الأطر الأساسية لكل معاملة بما ينبغي، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التطبيق العملي، غير أن الأمر مقلوب الآن، وذلك نتيجة للإسراع والتسرع، بالتطبيق أولا ثم يتم بعد ذلك التنظير فيه.. هذا أكبر التحديات، في ظل وجود بعض ضعاف النفوس الذين يمكن أن يحللوا ما لم تحلله الشريعة الإسلامية، وهذا موجود في كثير من الأدوات الإسلامية، ومنها التورق؛ سواء كان منظما أم غير منظم، وكثير من الصكوك التي يستخدمها البعض بديلا للسندات التقليدية، حيث نجد فيه الكثير من التحورات التي تخرجها عن النطاق الشرعي.

* هناك ثلاثة عناصر تشتغل على المنتجات الإسلامية؛ أولها الجانب النظري، وثانيها الجانب التطبيقي، وثالثها عنصر توافر الخبرة الشرعية مع الخبرة الاقتصادية.. ما أهمية أن تجمع هذه العناصر في توليفة واحدة تخرج بالمنتج الإسلامي من الأخطاء الفردية؟

- هذا سؤال مهم جدا، وينبغي دراسته بجدية، للخروج بخبير في مجال المصرفية الإسلامية قادر على أن يقيم المنتج الإسلامي من كل هذه الجوانب.

وهذا يعني أن التحديات الحقيقية للبنوك الإسلامية وتلك التي تواجه القائمين على صناعة المصرفية الإسلامية، هي نقص الكوادر؛ إذ لا توجد في البلاد العربية كوادر كافية في هذا المجال، تراقب النمو في هذه الصناعة. والمقصود بالكوادر، تلك الفئة المؤهلة من الناحية المالية والناحية الشرعية، ولديها القبول للتعاطي مع أي منتج جديد، ودراسته لمعرفة الفرق بينه وبين المنتج التقليدي، وهذا هو الدور الذي تلعبه كلية الدراسات الإسلامية؛ إذ لدينا ماجستير تمويل إسلامي، يجمع طلبة من تخصصات مختلفة، ويتم تدريس منتجات الفكر التقليدي كما هو، ثم مبادئ الشريعة، ثم التمويل الإسلامي، وبالتالي، فإن الطالب الذي يتخرج من هذا القسم لا بد له أن يكون على دراية كافية، بمحتويات الفكر التقليدي ومبادئ الشريعة، إضافة إلى خلفيته التعليمية.. وحينها يصبح كادرا ليس من السهل خداعه؛ بل ومن الممكن أن يكون منظرا جيدا لهذه الأداة إذا ما كانت تصلح من الناحية الشرعية أم لا.

ولكن للأسف، نوصف في بلادنا أننا متقاعسون جدا في فتح أو تدريس منهج التمويل الإسلامي حتى في كليات إدارة الأعمال الخاصة بنا، وعليه، فقد حان وقت تدريس مثل هذه المناهج في الجامعات العربية بكاملها، ولا بد من توفير تخصصات في فكر التمويل الإسلامي، لأن الدول الغربية بدأت هي الأخرى تفتتح أقساما تدرس فيها فكر التمويل الإسلامي، كما بدأت تأخذ الأمر بوصفه عملية تجارية.. بمعنى أنه يتم إصدار شهادات اعترافية في معظم البلاد الغربية، تنص على أن الدارس لو حضر عددا معينا من الدورات في مجالات محددة، فإن في كل دورة شهادة بأن حاملها محترف معترف به، ويجيد التعامل في التخصص الذي تحمله هذه الشهادة، وإذ حضر 5 إلى 6 دورات في التمويل الإسلامي، يمكنه الحصول على «دبلوم عالي» في التخصص نفسه، في الوقت الذي لا تزيد فيه فترة الدورة على ستة أسابيع، فهذه تعد كارثة، ولا بد من التنبه لها.. هذا السلوك من شأنه أن يجعل البلاد الغربية مركزا للتمويل الإسلامي الشكلي لا الجوهري.