باحث اقتصادي يحذر البنوك من مغبة الائتمان في التمويل المصرفي دون التحوطات المطلوبة

رأى ضرورة توحيد عقد للقروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان

نسبة الاستثمار في القطاع التجاري زادت 54 في المائة عام 2007 بينما زادت 92 في المائة عام 2008 وفي الإطار الباحث الصادق إدريس («الشرق الأوسط»)
TT

أوصت دراسة حديثة البنوك السعودية بضرورة مراعاة المخاطر الناجمة عن التوسع في القروض الشخصية، وضرورة تناسبها مع الضمانات المقدمة، وتوزيع الاستثمارات على القطاعات المختلفة، وخاصة القطاع الصناعي والخدمات.

ورأت الدراسة ضرورة أن تعمل مؤسسة النقد العربي السعودي على إلزام البنوك السعودية بوضع عقد موحد للقروض الشخصية الاستهلاكية، وقروض بطاقات الائتمان، وتحديد واضح للفوائد المركبة في حالة التعثر بالسداد، حتى لا تؤثر القروض الشخصية طويلة الأجل على القوة الشرائية للمستهلك.

وتوصل الباحث الاقتصادي، الصادق إدريس، معد الدراسة، إلى ضرورة إيجاد جهات محلية وإقليمية لتطوير سوق مالية إقليمية للشركات الصغيرة والمتوسطة، عبر توفير التمويل لها في ظل تشدّد المصارف في الإقراض، على اعتبار أن هذا النوع من البورصات، كان لها دور بارز في تطوير أعمال الشركات وتوسعها خارج حدود بلدها الأصلي في عدد من الدول.

وتناول الباحث الاقتصادي الصادق إدريس، في هذه الدراسة أثر التحليل الائتماني، أي التحليل المالي بغرض منح الائتمان، في التمويل المصرفي في مجال منح القروض والتسهيلات الائتمانية، وما قد يعترض ذلك من مشكلات تتمثل في التعثر في السداد.

وأوضح من خلال هذه الدراسة التي جاءت تحت عنوان «أثر التحليل الائتماني في التمويل المصرفي»، أن نسبة الاستثمار في القطاع التجاري زادت بنسبة 54 في المائة عام 2007، بينما زادت بنسبة 92 في المائة عام 2008، مدللا على الفارق الشاسع في زيادة نسبة الاستثمار بين العامين المشار إليهما.

كما أكدت أنه على الرغم من أن الاستثمار في القطاع الصناعي زاد بنسبة 69 في المائة عام 2007 وبنسبة 57 في المائة عام 2008، فإن المبالغ المستثمرة مقارنة بالقطاعات الأخرى قليلة، في الوقت الذي زادت فيه نسبة الاستثمار في القطاع الحكومي بـ27 في المائة عام 2007 و18 في المائة عام 2008، فيما زادت نسبة الاستثمار في قطاع الخدمات بـ31 في المائة عام 2007 و41 في المائة عام 2008.

وفي الوقت الذي أكد فيه الباحث تراجع الاستثمار في قطاع الزراعة والأسماك بنسبة 77 في المائة عام 2007، زاد بنسبة 93 في المائة عام 2008، كما زادت نسبة الاستثمار في قطاع البناء والإنشاءات بنسبة 94 في المائة عام 2007 وبنسبة 22 في المائة عام 2008، وزادت الاستثمارات الشخصية بنسبة 66 في المائة عام 2007 وبنسبة 67 في المائة عام 2008.

وأوضح إدريس، أن الاستثمارات الشخصية تحتل أعلى مرتبة من حيث المبالغ المخصصة لها، في حين تحصل قطاعات الخدمات والصناعي والزراعة والأسماك على قيم منخفضة من حيث المبالغ المخصصة.

ولخص إدريس أهمية وخطورة اتخاذ قرار منح الائتمان، في أنه يتعلق عادة باستخدام الودائع، في حين يهم إدارة المصرف، استرداد هذه الأموال لمواجهة التزاماته تجاه المودعين، بالإضافة إلى ضرورة المواءمة بين توقيت استرداد القروض وآجال استحقاق الودائع المختلفة.

وأضاف أن زيادة القروض يستلزم زيادة الودائع، الأمر الذي يعني الحاجة لمزيد من الحرص على تأمين النشاط المصرفي ضد مخاطر الإقراض، وضد مخاطر السحب من الودائع، إذ إن ذلك يتطلب العمل على زيادة رأسمال المصرف واحتياطياته الحرة، التي تمثل خط الأمان الأول للمودعين، وخط الدفاع الأول ضد مخاطر الإقراض.

وأشار إدريس إلى أن كل مصرف تجاري، يمارس نشاطه المصرفي من خلال الكثير من القيودات والمحددات، مثل القيودات والمحددات التي يضعها المصرف المركزي على نشاط المصارف التجارية، ونسب الاحتياطي والسيولة، وقيود مفروضة على الاستثمار في الأوراق المالية.

ونوه بأن قيود ومحددات السوق، تتمثل في الاتجاهات التضخمية والانكماشية، وتقلبات أسعار الفائدة وأسعار العملات الأجنبية، تخدم الأهداف العامة للمصارف، إلا أن ذلك يتطلب تحديد معدلات الزيادة السنوية في الأرباح، ودرجة المخاطر التي يمكن للمصرف تحملها وقبولها، بالإضافة إلى النسب من الودائع والقروض.

ووفق الباحث، فإن للتسهيلات الائتمانية نتائج اقتصادية مهمة، منها أنها توفر احتياجات الأنشطة الاقتصادية، من السيولة اللازمة لتغطية عملياتها الداخلية والخارجية المختلفة، غير أن حجم الائتمان قد يؤدي إلى آثار تضخم ضارة، كما أن الانكماش في منح الائتمان قد يؤدي إلى صعوبة مواصلة المشاريع لنشاطها وبالتالي الحد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ولذلك لا بد للائتمان أن يكون متوازنا وملبيا للاحتياجات التمويلية الفعلية للاقتصاد القومي بما يؤدي إلى زيادة معدلات التنمية المنشودة، من خلال البنوك المركزية، بحيث لا يخرج قرار الائتمان عن السياسة الائتمانية للمصرف، من خلال تمويل خطة التنمية الاقتصادية القومية، وتمويل التجارة الدولية سواء بالنسبة لاعتمادات الاستيراد أو التصدير، وإصدار خطابات الضمان المحلية والخارجية، بالإضافة إلى المساهمة في مشاريع أخرى مثل المساهمة في مصارف، وشركات تابعة وذات مصلحة مشتركة.

وقال إدريس: «إن التطورات الائتمانية الحديثة جعلت من الائتمان المصرفي أداة اقتصادية أكثر أهمية من أي وقت مضي، ويمكن أن يؤدي الاهتمام بالائتمان وممارسته بعقلانية وتخطيط إلى تطور اقتصادي أفضل، وبعكس ذلك فإن إهماله يجلب الخسائر والضرر على مستوى النشاط المصرفي والاقتصادي».

وأضاف أن التطورات التكنولوجية والاقتصادية، أعطت الائتمان أهمية كبيرة، من خلال قدرته على توفير الأموال اللازمة، وتعبئتها للقيام بممارسة الأنشطة الإنتاجية والاستهلاكية، وأنشطة التداول والتوزيع لدفع النشاط الاقتصادي نحو العمالة الكاملة.

ولخص الباحث أهمية منح الائتمان، في دوره بعملية زيادة الإنتاج، وتوزيع الموارد المالية والائتمانية على مختلف الأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى تسوية المبادلات، وتشغيل الموارد العاطلة، مبينا إمكانية الاستفادة من الأموال العاطلة من تشغيلها بصورة مؤقتة، من خلال التمويلات قصيرة الأجل.

ويعتقد إدريس أن مسؤولية البنك فيما يتعلق بعمليات الائتمان، تنبع من أن الجانب الثاني من حيث الأهمية بعد الإيداع، لما له من دور في الحياة الاقتصادية، ولما له من مخاطر كثيرة تحيط به، فإنه يقتضي حرص الدولة ومراقبتها له، كما يفترض الثقة بالعميل ومعرفة وضعه المالي وخططه المستقبلية.

وعلى الرغم من كل الاحتياطات والإجراءات والتحفظات التي تتخذها البنوك، فقد تجد نفسها متورطة في معاملة تنتهي بعدم تسديد مبلغ القرض، لذلك، وبالإضافة إلى الإجراءات التي يتطلبها منح القرض، والتي تمثل أساسا في دراسة البيانات والمستندات التي يقدمها طالب القرض، فإن البنوك تطلب من العميل تقديم ضمانات عينية أو شخصية، وبعد القيام بكل هذه الإجراءات، يتخذ البنك القرار المتعلق بطلب الائتمان، ويبرم العقد بين طرفين.

إلا أن مسؤولية البنك، وفق الباحث، لا تقتصر على العلاقة القائمة بينه وبين العميل، بل تتعداها لتشمل مسؤولية البنك قبل الغير، في حالة منح ائتمان لعملية دون الدراسات والتحفظات اللازمة، أو في حالة إنهاء ائتمان سبق أن منحه للعميل وذلك قبل الأجل المتفق عليه أو في وقت غير مناسب.

وتثير هذه المسؤولية، قبل الغير، بعض الاستغراب لعدم وجود أي علاقة تربط البنك بالغير، إذا سلمنا بعدم وجود العلاقة المباشرة بين البنك والغير، فيمكن الأخذ بعلاقة غير مباشرة، فعادة يكون الغير دائن المستفيد من الائتمان، وخطأ البنك المتمثل في عدم التحقق من وضع العميل أو في إنهاء الائتمان قبل انقضاء أجله، يسبب للغير ضررا تترتب عليه مسؤولية البنك قبل الغير، ودائن المستفيد، حيث أخذ الفقه والاجتهاد في بعض البلدان بهذه المسؤولية وحددا مجالها وأساسها.

وخلص إدريس، إلى أن العمل بقاعدة مسؤولية البنك قبل دائني المستفيد من الائتمان، يقتضي تطور الحياة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، من خلال تنوع الائتمان وكثرة عدده، الأمر الذي شكل خطرا على مختلف القطاعات الاقتصادية خاصة في حالة منح هذه القروض من قبل البنوك دون اتخاذ التحفظات اللازمة ودون اتباع الدراسات المسبقة للوضع الاقتصادي والمالي لطالب الائتمان.