مستشار مالي سعودي: آن الأوان لتأسيس مرجعية إسلامية عالمية تختص بالهندسة المالية

الحمادي يؤكد وجود توجه نحو هندسة منتجات المصرفية الإسلامية

محمد بن فهد الحمادي
TT

نادى مستشار مالي في مجال المصرفية الإسلامية بضرورة تأسيس مرجعية إسلامية عالمية تختص بتطوير الهندسة المالية في صناعة المصرفية الإسلامية، تتألف من كل الكيانات والجمعيات والمؤسسات التي تولي هذه الصناعة وقتا وجهدا لتسويقها ونشرها، وفي أولها مجلس الخدمات المالية والإسلامية، والهيئة العمالية الإسلامية للاقتصاد والتمويل، والجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي.

وقال المستشار المالي للمصرفية الإسلامية محمد فهد الحمادي في حوار مع «الشرق الأوسط»: «هناك فرصة لمجلس الخدمات المالية الإسلامية بأن يتبنى دعوة شاملة لكل تلك هذه الجهات وغيرها، لبحث أسس هندسة المال الإسلامي واختيار الآلية المناسبة لتصميمها وتقييمها وكيفية إنزالها على أرض الواقع»، فإلى نص الحوار:

* برأيك، ما أهم الصيغ الاستثمارية التي بدأت تأخذ رواجا في الصيرفة الإسلامية، وإلامَ تعزون رواجها في السوق؟

- هناك صيغ تمويلية استثمارية في مجال الصيرفة الإسلامية على درجة عالية من الأهمية والفعالية، وقد ساهمت بشكل أو بآخر في سد بعض الحاجة لدى عملاء المصرفية الإسلامية، منها على سبيل المثال صيغة الاستثمار المباشر، وصيغة التمويل بالمرابحة، وصيغة التمويل بالمشاركة، وصيغة التمويل بالمضاربة، وصيغة التمويل بالسلم، وصيغة التمويل بالاستصناع، وصيغة التمويل بالإجارة، وصيغة التمويل بالتورق، وصيغة التمويل بالبيع الآجل... وغيرها الكثير.

ولكن للأسف بعض هذه المنتجات والأدوات المالية الإسلامية حدث لها بعض التشويه والخلط والتشبه بالشكل الذي عليه في المنتجات المالية والمصرفية التقليدية، حيث تحدث في بعض المنتجات المصرفية أخطاء في التطبيق تفقد المنتج الإسلامي شرعيته، مثل عدم وجود إيجاب مثلا.

ويعتبر دخل تلك العملية في هذه الحالة دخلا غير شرعي، حيث إن هناك شركات استثمار إسلامية قد تستثمر في أسهم شركات مختلطة، فيدخل فيها جزء من أموال غير شرعية تستوجب التطهير، وهذا يحدث عادة في المنافذ الإسلامية لبعض المصارف التقليدية، لأن التمرس على التعامل بالشكل التقليدي غالبا يغلب عليها ويصيغها بشكل أقرب للتقليدية.

* كيف تنظر إلى حجم المسؤولية التي تقع على القائمين على تلك المنتجات المالية الإسلامية، وما طبيعتها؟

- بالطبع المسؤولية كبيرة وتتمثل في عدم قدرة القائمين على صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي على إنجاز الكثير في مسألة تحقيق القدر المطلوب من الكفاءة الاقتصادية والمصرفية المتسمة بالشفافية المرتبطة بمطابقتها للقوانين الإسلامية، التي ينبغي أن تكون عليها، في الوقت الذي تحاول فيه المهنية والاحترافية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الانهيارات التي تصيب المصرفية التقليدية، بسبب تعرية الأزمة المالية العالمية لسوءتها. وهذا يعني أنه لا بد للبديل الإسلامي في المعاملات المالية والوظائف المصرفية أن يوائم بين الإطار العام القائم للمؤسسات المالية والنقدية وبين المميزات الإسلامية التي يدخلها عليها، ولا تتوقف هذه الميزات عند الأطر الشكلية، بل لا بد أن تمتد إلى ممارسة عملية وسمات واقعية، كالمشاركة في تحمل المخاطر، والتركيز على الاستثمار الحقيقي بتحريك الأموال النقدية في تمويل المشروعات وتنمية الأصول العينية، وتسويق السلع والخدمات، مع التقيد في المعاملات المالية والاقتصادية بما يوجه إليه الإسلام من الصدق والأمانة والوفاء بالوعود والعقود، وتجنب الغش.

* وما قولك في بعض المصارف الأجنبية التي حاولت تحقيق صيغة شرعية تعمل وفقها؟

- صحيح، بعض المصارف في البلاد الغربية خاصة أخذت تشهد تحولا في تعاملها بإنشاء بعض الفروع للمعاملات المتوافقة مع الصيغ الإسلامية، كالمضاربة والمرابحة والمشاركة، وهي صيغ تحمل معاني العدالة في التنمية والاستثمار، فضلا عن أنها تساهم في نشر الوعي بأهمية المصرفية الإسلامية. ويجب أن لا ننسى أنه كان لظهور البنوك الإسلامية تأثير كبير في نشر الوعي الإسلامي، حيث تنبه الكثير من المسلمين إلى أهمية معرفة الحلال من الحرام في المعاملات المالية، وأصبحت دائرة الفتاوى تتوسع باستمرار، وتطلب في كل مكان، كما نشأت أقسام خاصة لتدريس الاقتصاد الإسلامي في بعض الجامعات.

* لكن ألا تعتقد أن ذلك دفع المصارف إلى نوعين من المصرفية الإسلامية وهما المقايضة والمبادلة؟

- دعني أوضح لك شيئا، وهو أن المقايضة أول شكل من أشكال المبادلة، وهي تعني مبادلة سلعة بسلعة أو خدمة بخدمة أو سلعة بخدمة، وذلك دون استخدام النقود، كما أن المبادلة تعني التنازل عن شيء مقابل الحصول على شيء آخر، وهي بمثابة حلقة من حلقات الوصل بين منتج السلعة ومستهلكها في نفس الوقت.

ومن عيوب المقايضة صعوبة توافر التوافق للمبادلة بين الطرفين، وبمعنى آخر وجود شخصين يرغب كل منهما في سلعة الآخر، كذلك صعوبة تجزئة بعض السلع التي لا تقبل التجزئة من حيث طبيعتها أو حجمها كما هو الحال في الماشية، أيضا صعوبة وجود معدل موحد للتبادل بين سلعة وأخرى، بالإضافة إلى صعوبة مقايضة بعض الخدمات بالسلع، علما بأن المقايضة لا تسمح بالادخار، وذلك لأن المخزون من السلع يتطلب تكلفة لتخزينه من جهة، وهو معرض للتلف والضياع من جهة أخرى.

* بدأ ينتشر مصطلح الهندسة المالية في المصرفية الإسلامية.. هل يعد ذلك ترويجا أو أحد الأسس الشرعية التي تقوم عليها المصرفية؟

- نعم، الهندسة المالية مفهوم قديم قدم التعاملات المالية، لكنه يبدو حديثا نسبيا من حيث المصطلح والتخصص، غير أنه يلاحظ أن معظم تعريفات الهندسة المالية مستخلصة من وجهات نظر الباحثين الذين يطورون النماذج والنظريات، أو مصممي المنتجات المالية في المؤسسات المالية أو بالأسواق المالية.

وهناك مجموعة من التعريفات للهندسة المالية، منها تعريف فينرتي، الذي يشير إلى أن الهندسة المالية تهتم بتصميم وتطوير وتطبيق عمليات وأدوات مالية مستحدثة وتقديم حلول خلاقة ومبدعة للمشكلات المالية، بينما جاء تعريف الجمعية الدولية للمهندسين الماليين بأن الهندسة المالية تتضمن التطوير والتطبيق المبتكر للنظرية المالية والأدوات المالية لإيجاد حلول للمشكلات المالية المعقدة ولاستغلال الفرص المالية.

عموما، الهندسة المالية ليست أداة، بل هي المهنة التي تستعمل الأدوات، علما بأن الهندسة المالية تختلف عن التحليل المالي، فمصطلح «تحليل» وبمعنى آخر يعني «تشتيت الشيء لفهمه»، أما مصطلح «هندسة» فيقصد به «بنية».

وانطلاقا مما سبق فإن تعريف الهندسة المالية هو أنها «التصميم، والتطوير، والتنفيذ، لأدوات وآليات مالية مبتكرة، والصياغة لحلول إبداعية لمشكلات التمويل».

* وما العناصر التي يتألف منها ويبحث فيها مصطلح الهندسة المالية؟

- المصطلح يشير إلى أن الهندسة المالية تتضمن ثلاثة أنواع من الأنشطة، أولها ابتكار أدوات مالية جديدة، مثل بطاقات الائتمان، وثانيها ابتكار آليات تمويلية جديدة من شأنها تخفيض التكاليف الإجرائية لأعمال قائمة، مثل التبادل من خلال الشبكة العالمية، وثالثها ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية، مثل إدارة السيولة أو الديون، أو إعداد صيغ تمويلية لمشاريع معينة تلائم الظروف المحيطة بالمشروع.

والابتكار المقصود ليس مجرد الاختلاف عن السائد، بل لا بد أن يكون هذا الاختلاف متميزا إلى درجة تحقيقه لمستوى أفضل من الكفاءة والمثالية. ولذا فلا بد أن تكون الأداة أو الآلية التمويلية المبتكرة تحقق ما لا تستطيع الأدوات والآليات السائدة تحقيقه. وعليه، يمكن إجمال مفهوم الصناعة المالية بأنها ابتكار لحلول مالية، فهي تركز على عنصر الابتكار والتجديد، كما أنها تقدم حلولا، فهي بذلك تلبي احتياجات قائمة أو تستغل فرصا أو موارد معطلة. وكونها مالية يحدد مجال الابتكار في الأنشطة الاقتصادية، سواء في التبادل أو التمويل. وبالتالي يمكن القول إن عناصر الهندسة المالية تشمل مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، إضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشكلات التمويل، وكل ذلك في إطار توجيهات الشرع الإسلامي.

* وما أهمية تطبيقات الهندسة المالية في المصرفية الإسلامية، ومن المسؤول عن ذلك؟

- إذا استطاع الخبراء والقائمون على أمر صناعة المصرفية الإسلامية أن يصمموا هندسة مالية ذات كفاءة عالية وبمهنية عالية، فهذا سيدفع نحو تفعيل وتنشيط المنتجات والأدوات المالية الإسلامية، التي بدورها تنعكس إيجابا على صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، وذلك من خلال تحقيق القدر المطلوب من الكفاءة الاقتصادية والمصرفية المتسمة بالشفافية المرتبطة بمطابقتها للقوانين الإسلامية، والتي ينبغي أن تكون عليها، ومن ثم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الانهيارات التي تصيب المصرفية التي تتعرض لتعرية الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية.

أما في ما يتعلق بالمسؤولية فإنها تقع على القائمين على أمر صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، وكل المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية، بالإضافة إلى مجلس الخدمات المالية الإسلامية والبنوك المركزية والهيئات والجمعيات التي تنشط في هذا المجال، وذلك لأجل تفعيل دورهم المطلوب في الاهتمام بالرؤية الهندسية المالية التي من شأنها إنقاذ التمويل الإسلامي من مشكلاته التي ما زال يعاني منها، في الوقت الذي تروج فيه مؤسسات مالية كثيرة لمنتجات تقليدية على أنها إسلامية، في ظل غياب المصداقية والشفافية وعدم الكفاءة في المؤسسات المالية الإسلامية.

* ولكن كيف يمكن تدارك هذا الأمر؟

- هناك حاجة لتأسيس مرجعية لصناعة المصرفية الإسلامية تتألف من كل الكيانات والجمعيات والمؤسسات التي تولي هذه الصناعة وقتا وجهدا لتسويقها ونشرها، وفي أولها مجلس الخدمات المالية والإسلامية، والهيئة العمالية الإسلامية للاقتصاد والتمويل، والجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي.

كما أن هناك فرصة لمجلس الخدمات المالية الإسلامية بأن يتبنى دعوة شاملة لكل هذه الجهات وغيرها، لبحث أسس هندسة المال الإسلامي واختيار الآلية المناسبة لتصميمها وتقييمها وكيفية إنزالها على أرض الواقع، وذلك للعمل على تطوير منتجات مالية إسلامية جديدة تتمتع بقدر كبير من المرونة والاستمرارية بفاعلية، مع ضرورة ابتكار الحلول المالية الكفؤة التي تواكب حاجة العصر وتتوافق مع الشريعة في نفس الوقت، مع قدرتها على استيعاب المستجدات في عالم التقنية والتكنولوجية في كل المجالات.