أصول الوقف تفتح جدلية اعتبارها عقارا أو محفظة استثمارية مكونة من عدة صيغ استثمارية

كرسي بحثي يوصي بضرورة الاهتمام بالصيغ الوقفية فقهيا ونظاميا واقتصاديا واجتماعيا

د. عبد الله العمراني أستاذ كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
TT

انتهى كرسي بحثي في العاصمة السعودية الرياض، مؤخرا، إلى رسم عدد من الصيغ الكفيلة بتمهيد الطريق أمام الأوقاف وصناعتها، للانطلاق بمهنية وحرفية تجمع بين العالمية والشرعية في آن واحد، متوقفا عند السؤال الجوهري: هل أصول الوقف، في الأساس، عقار أو محفظة استثمارية مكونة من عدد من صيغ استثمارية؟

وحدد الكرسي عددا من المشاريع واعتمادها وتمويلها، ومنها: تطوير صيغة الوقف من خلال عقد «بي أو تي»، وعقد «البناء والتشغيل والتحويل»، وتطوير صيغة «الوقف من خلال المشاركة المتناقصة»، بالإضافة إلى صيغ وثائق الأوقاف، وخارطة أبحاث الأوقاف، والمحافظ الوقفية، والمؤسسات الوقفية، والمنتجات الوقفية التعليمية.

وأوضح خبير في الوقف لـ«الشرق الأوسط» أن هناك حاجة ماسة إلى عدة صيغ وقفية، مبينا أن هناك صيغا تناسب الأوقاف الكبيرة وأخرى تناسب الأوقاف الصغيرة، وكذلك الأوقاف الخيرية والأوقاف الذرية، في الوقت الذي تفرض فيه المتغيرات في الساحة التحوط، بابتكار ما يناسب هذه المتغيرات.

ودار نقاش الكرسي حول العناصر المكونة لوثيقة الوقف، مشددا على ضرورة أهمية تضمين وثيقة الوقف للتنوع في مصارف الوقف والمرونة في ذلك، بحيث تلائم الاحتياجات المتغيرة، ومؤكدا على ضرورة إيجاد ما يسمى بـ«ناظر الوقف» أو مجلس النظارة، وتعيينه والإشراف عليه، مع أهمية الإشارة إلى صيغ استثمار الأوقاف وغيرها من العناصر المهمة التي لا بد أن تحويها وثيقة الوقف.

وكان قد عقد كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالعاصمة السعودية الرياض مؤخرا، حلقة نقاش تحضيرية للمشروع البحثي تحت عنوان «صيغ وثائق الأوقاف».

وأوضح الخبير المصرفي والشرعي، الدكتور عبد الله بن محمد العمراني أستاذ الكرسي، أن هذه الحلقة تأتي ضمن الخطة التشغيلية للكرسي لعام 1433 - 1434هـ/ 2012م، والمعتمدة من مجلس كراسي البحث في الجامعة برئاسة الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل.

وأشار إلى أن الكرسي درج على إقامة ورشة تحضيرية في بداية كل مشروع بحثي قبل البدء فيه، والهدف من ذلك ضبط مسار البحث وضبط منهجيته، وإثراء البحث من قبل المختصين والممارسين بالعناصر المهمة والتطبيقية في الموضوع.

وناقشت الحلقة التي حظيت بنقاش مستفيض وحضرها عدد من المختصين، بحضور أعضاء الهيئة العلمية للكرسي، عددا من المحاور المهمة، تمثلت في مراحل المشروع المختلفة وآلية تنفيذه.

كما دار النقاش حول مكانة نصوص الواقف وما تحمل عليه، بجانب طرح نماذج من صيغ وثائق الأوقاف القديمة والحديثة، وصولا إلى صيغ نموذجية.

وهذا المحور الأخير، وفق العمراني، دار حوله نقاش مستفيض، وهو «أننا بحاجة إلى عدة صيغ؛ لأن هناك صيغا تناسب الأوقاف الكبيرة، وصيغا تناسب الأوقاف الصغيرة، وكذلك الأوقاف الخيرية والأوقاف الذرية، الأمر الذي جعل هناك سؤالا مطروحا: هل أصول الوقف عقار أو محفظة استثمارية مكونة من عدد من الصيغ الاستثمارية؟».

كما تمت مناقشة صيغ نموذجية للوقف، والآلية التي يمكن أن يتبناها مشروع البحث للوصول إلى الصيغ النموذجية، بجانب المنهجية التي سيتبعها المشروع، التي قد تحوي الخلاف الفقهي في بعض القضايا، مع الإشارة إلى أهمية الإفادة من النماذج التي تم التوصل إليها مؤخرا، بالإضافة إلى الإفادة من الصيغ التي تم تطويرها، مثل صيغة الإرصاد وصيغة الترست وغيرهما.

وأوصى المختصون في الحلقة بضرورة الاهتمام بالصيغ الوقفية من الناحية الفقهية والنظامية والاقتصادية والاجتماعية.

ويأمل كرسي الشيخ راشد بن دايل التمكن من إعداد صيغ تكون معينة للواقفين على تنمية الوقف وتطويره، وتكون سالمة من الأسباب التي تؤدي إلى تلفه أو الإضرار به أو بالموقوف عليهم، كما تلبي حاجة المجتمع في الإفادة من مصارف الوقف الحديثة، وذلك من خلال الكفاءات العلمية المؤهلة مع توفير البيئة البحثية عالية الجودة.

ولفت إلى أن هذه الورشة توفر بيئة بحثية عالية الجودة، تستقطب أفضل الكفاءات للقيام بإعداد الدراسات، وتطوير المنتجات، وإثراء المعرفة المتخصصة في مجال الأوقاف، بما يتيح للجهات والمؤسسات والأفراد، محليا ودوليا، الإفادة من الحلول المتقدمة.

وأوضح أن الأوقاف لها دور كبير عبر التاريخ في البناء الحضاري والتنموي، وتلبية حاجات المجتمع المتنوعة، ودعم البرامج النافعة لعموم الناس، والتاريخ الإسلامي حافل بالأوقاف التي حققت مصالح المسلمين منذ عهد النبوة إلى عصرنا الحاضر، تشهد لذلك الأدلة الشرعية، والتاريخ الإسلامي، والسجلات والوثائق الخاصة بالأوقاف التي شيدت لدعم البر والخير والتنمية، كبناء المساجد والمدارس والمكتبات، ورعاية الأيتام والفقراء، وحفر الآبار، والخدمات الصحية، وغيرها.

وأبدى العمراني أسفه على تخلف الوقف في البلاد العربية والإسلامية، في الوقت الذي يتطور في الغرب وينمو بشكل مستمر، مبينا أن الأرقام تبين أن حجم الوقف العالمي تجاوز الـ105 مليارات دولار، مشددا على ضرورة الاهتمام بنشر ثقافة الوقف في المجتمع، كما كان في عهد الصحابة حيث كان من لديه القدرة يسهم في الوقف.

وأشار إلى أن من أهداف الكرسي العامة، توفير البيئة الملائمة للبحث والتطوير بما يدعم التنمية المستدامة في المملكة، وتعزيز فرص نمو الاقتصاد القائم على المعرفة، مع ربط مخرجات البحث العلمي في الجامعة بحاجات المجتمع، من خلال إيجاد بيئة تقوم على الشراكة بين الجامعة والجهات الحكومية والأهلية وغير الربحية المحلية والدولية، بالإضافة إلى دعم المعرفة المتخصصة في مجال الأوقاف، وتسديد الممارسات التطبيقية في المجال نفسه.

وكذلك من أهداف الكرسي، وفق العمراني، تحقيق التكامل في مجال البحث العلمي بين الكرسي والمؤسسات البحثية داخل الجامعة وخارجها، والمراكز والجهات ذات العلاقة، وتوفير السبل الداعمة لاستقطاب وتدريب العقول المبدعة، والكفاءات المتميزة في مجال الأوقاف، محليا ودوليا، بالإضافة إلى إثراء المكانة العلمية والبحثية للمملكة على المستوى العالمي، وتشجيع العلماء والباحثين السعوديين على الإسهام في الحضارة الإنسانية.

وأضاف العمراني أن الكرسي يسعى لتطوير المنتجات الوقفية في إنشاء الأوقاف، وتطوير المنتجات في استثمار أموال الأوقاف، وابتكار صيغ استثمارية وقفية، وتطوير مفاهيم وقفية حديثة، والمساعدة في تطوير مصارف حديثة للأوقاف تتسق مع الضوابط الشرعية وتستجيب لحاجات المجتمع في الداخل والخارج، بالإضافة إلى دعم المبدعين والمبتكرين في مجال الأوقاف.

كما أن للكرسي دورا كبيرا يفي بمسألة التوعية والمعلومات والاستشارات في مجال الأوقاف، بجانب تطوير برامج التوعية نفسها، مع تحفيز الاهتمام المجتمعي للعناية بدراسات الأوقاف، بالإضافة إلى إعداد التقارير وقواعد المعلومات في مجال الأوقاف، ومن ثم تقديم الاستشارات المتخصصة في مجال الأوقاف.

يشار إلى أن الكرسي يقوم بإعداد البحوث والدراسات التأصيلية والتطبيقية في مجال الأوقاف، من خلال رسم خارطة أبحاث الأوقاف، والتخطيط الاستراتيجي للأوقاف، وتأصيل أحكام الوقف، والإسهام في توجيه المبادرات الوقفية لأهدافها الشرعية والمجتمعية، بالإضافة إلى حصر مشكلات الأوقاف الشرعية والنظامية والاقتصادية وإيجاد الحلول الملائمة.

كما يعمل على تقويم المبادرات الوقفية في المجتمع السعودي، وتقديم التوصيات الكفيلة بتطويرها وبالتغلب على ما يعترضها من معوقات، بجانب الإسهام في نقل التجارب العربية والدولية في مجال الأوقاف للمعنيين بهذا المجال في السعودية، وذلك لدعم المنح البحثية، ودعم طلاب الدراسات العليا، بالإضافة إلى دعم المعرفة، ونشر البحوث والدراسات.