مستقبل المصارف الإسلامية مرهون ببرنامج إسعاف عاجل

خبراء أقروا بأن تباطؤ النمو يجعله غامضا

TT

على الرغم من التنافسية التي حظيت بها المصارف الإسلامية أمام المصارف التقليدية في بعض الجوانب، وقدرتها على الانتشار حتى في بعض البلاد الغربية، فإن خبراء مصرفيين يعتقدون أن المستقبل أمامها ما زال غامضا وتكتنفه بعض التكنهات غير المطمئنة، على الرغم من النجاحات والإنجازات التي حققتها طوال العقود الأربعة الماضية.

وقال خبير مصرفي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية هي الأسباب ذاتها التي تجعل من قراءة مستقبل المصارف الإسلامية غامضا، وفقا لبعض التوقعات التي تشير إلى ظهور بوادر تغير في ديناميكيات السوق وتشكل اتجاه جديد قد يتسبب في تباطؤ معدلات النمو، وتآكل الربحية، مما من شأنه صنع ضبابية حول حقيقة مستقبلها».

ويحتم هذا الوضع المتغير، على المؤسسات المالية الإسلامية، بذل بعض الجهد لتحقيق قدر وافر، من متطلبات تحديد الوضع الاستراتيجي والكفاءة التشغيلية، من أجل صناعة مستقبل زاهر، بمقدوره كسب مناعة كافية، ليس فقط للتصدي للديناميات المتغيرة وإنما السيطرة عليها أيضا.

وفي هذا السياق، أوضح المحلل المالي عبد الرحمن بخيت العطا، أن الحديث عن مستقبل المصارف الإسلامية، يعني الحديث عن واقع ومستقبل المنتجات المصرفية الإسلامية، مبينا أن بعض المنتجات والأدوات المالية الإسلامية أصابها بعض التشويه والخلط والتشبه بالشكل الذي عليه في المنتجات المالية والمصرفية التقليدية، بوصفها نتيجة حتمية للأخطاء التي تقع عند التطبيق، الأمر الذي يفقد المنتج الإسلامي شرعيته.

وأفاد أن هناك شركات استثمار إسلامية تستثمر في أسهم شركات مختلطة، فيدخل فيها جزء من أموال غير شرعية تستوجب التطهير، وهذا يحدث عادة في المنافذ الإسلامية لبعض المصارف التقليدية، لأن التمرس على التعامل بالشكل التقليدي غالبا يغلب عليها ويصوغها بشكل أقرب للتقليدية، وهذا يحد من انطلاق المصرفية الإسلامية بالشكل المطلوب، وبالتالي ضبابية مستقبل الصيرفة والمصارف الإسلامية.

وأكد أن هذه الصيغ تحتاج في مجملها إلى مراجعة وتدقيق، في وقت تتمتع فيه صيغ تمويلية استثمارية في مجال الصيرفة الإسلامية بدرجة عالية من الأهمية والفعالية، مبينا أنها ساهمت بشكل أو بآخر في سد بعض الحاجة لدى عملاء المصرفية الإسلامية. وأقر بما حققته صيغ الاستثمار المباشر والتمويل بالمرابحة أو التمويل بالمضاربة، والتمويل بالإجارة، وصيغة التمويل بالتورق، وصيغة التمويل بالبيع الآجل، وصيغة التمويل بالسلم والتمويل بالاستصناع، مبينا أنها صيغ تحمل معاني العدالة في التنمية والاستثمار، فضلا عن أنها تساهم في نشر الوعي بأهمية المصرفية الإسلامية.

الخبير المصرفي عبد الرحمن الجدعان، أوضح أن مستقبل المصارف الإسلامية يرتبط بالضرورة بمستقبل المصرفية الإسلامية وصناعتها، من حيث جودة وكفاءة المنتجات الإسلامية بشكل عام، ومدى قدرتها على تحقيق شرطي المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية، مع تحقق شروط الهندسة المالية للمنتجات والأدوات الإسلامية في الوقت نفسه.

وعليه، أقر أن هناك ضعفا علمي وعمليا لصناعة المصرفية الإسلامية، في ظل وجود بعض التحديات التي تتمثل في كيفية بيع الفرص الاستثمارية في مشاركة المخاطر، وتخفيض تكاليف الحصول على معلومات وعمولات الوساطة والسمسرة، مع ضرورة مواكبة متغيرات العصر.

ويرى أن انتشار المصارف الإسلامية يعني نجاحها، مبينا أن ذلك يتحقق أيضا من استخدام آلية فعالة، تجيد المزواجة بين الكفاءة الاقتصادية والكفاءة الشرعية في كل المجالات مثل الحلول المشروعة في البيع بالمرابحة، وفي المساومة، والتأكد من عدم جواز البيع قبل القبض الفعلي أو الحكمي، وكذلك تحميل العميل المخاطر قبل البيع وغرامات التأخير بالنسبة للمدين المماطل، ومدى جواز حلول الأقساط قبل مواعيدها.

واشترط لدخول المصارف الإسلامية حلبة التنافس أمام المصارف التقليدية، تحقيق حزمة واسعة من احتياجات العملاء، من حيث العروض وكفاءة الخدمة، خاصة أنها لا تتمتع بأفضلية في الحجم، وفي ذلك تحد لقدرتها على البقاء على قدم المساواة مع نظيراتها التقليدية والتنافس بشكل مربح.

من ناحيته، رمى المستشار الاقتصادي محمد الحمادي، بالمسؤولية على عاتق القائمين على أمر المنتجات المالية الإسلامية، وذلك بعدم قدرتهم على إنجاز الكثير في مسألة تحقيق القدر المطلوب من الكفاءة الاقتصادية والمصرفية المتسمة بالشفافية المرتبطة بمطابقتها للقوانين الإسلامية، والتي ينبغي أن تكون عليها، في الوقت الذي تحاول فيها المهنية والاحترافية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الانهيارات التي تصيب المصرفية التقليدية، بسبب تعرية الأزمة المالية العالمية سوءتها.

وحمل القائمين على المصرفية الإسلامية مسؤولية جعل البديل الإسلامي في المعاملات المالية والوظائف المصرفية متوائما بين الإطار العام القائم للمؤسسات المالية والنقدية وبين المميزات الإسلامية التي يدخلها عليها، مع ضرورة ممارسة عملية واقعية، كالمشاركة في تحمل المخاطر، بجانب التقيد بما يوجه به الإسلام من الصدق والأمانة والوفاء بالوعود والعقود، وتجنب الغش في المعاملات المالية والاقتصادية، فضلا عن التركيز على الاستثمار الحقيقي، بتحريك الأموال النقدية في تمويل المشروعات وتنمية الأصول العينية، وتسويق السلع والخدمات.

ويعتقد أن المؤسسات المالية الإسلامية، لم تستطع الاستفادة من الوضع الذي خلقته الأزمة المالية، لعدم قدرتها على طرح النظام المالي الإسلامي بشكل يقيه التحديات ومسببات الأزمات المالية، مرجعا ذلك إلى غياب رؤية علمية عملية لصناعة مصرفية إسلامية استراتيجية الأبعاد وتراعي ضرورة التوازن بين العرض والطلب من جهة؛ وتحقق الميزة التنافسية بشكل مقنع لدى عملاء نظيرتها التقليدية من جهة أخرى، مبينا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه الصناعة ومنتجاتها الأخلاقية المعروفة، تماما كالتحديات التي تواجه التمويل الإسلامي.

ودعا الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية إلى ضرورة تبنيها خارطة طريق لتطوير منتجات مالية إسلامية جديدة تتمتع بقدر كبير من المرونة والاستمرارية بفاعلية، مع ضرورة ابتكار الحلول المالية ذات الكفاءة التي تواكب حاجة العصر وتتوافق مع الشريعة في الوقت نفسه، مع قدرتها على استيعاب المستجدات في عالم التقنية والتكنولوجية في كل المجالات ذات الصلة.

وكان تقرير صدر عن «إيه تي كيرني» مؤخرا، أشار إلى تراجع معدلات النمو في مناطق جغرافية رئيسية؛ من بينها السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، انخفضت فيها إلى ما بين 3 و8 في المائة بعد أن كانت في خانة العشرات، وصاحب ذلك ارتفاع في نسبة التكلفة إلى الدخل في معظم الأسواق، مما شكل ضغوطا على الربحية.

ولفت إلى أن المصارف الإسلامية أخذت تتآكل فيها الأرباح، مما يوحي بأن الوقت قد حان لاتباع نهج جديد، مشددا على ضرورة توظيف خدمات مصرفية إسلامية أكثر تطويرا، وإعادة النظر في مواقعها الحالية من حيث القيام باستغلال كامل للنمط المعين للخدمات المصرفية الإسلامية أو المنافسة وجها لوجه مع البنوك التقليدية، بجانب حاجتها إلى تقصي المزيد من الكفاءة عبر سلسلة القيمة، بهدف الحفاظ على نمو المطلوب في الربحية.

وقال سيريل غاربوا، الشريك في «إيه تي كيرني» لـ«الشرق الأوسط»: «في حين أن المنتجات المصرفية الإسلامية تزدهر حول بطاقات الائتمان وتمويل المركبات، فإن هناك فرصا لتقديم منتجات محددة متاحة في قطاعات أكثر تطورا؛ مثل إدارة الأصول وإدارة الثروات. بالإضافة إلى أن المنتجات المصممة خصيصا لاحتياجات العميل المسلم تعد منصة حقيقية للتميز».

ومع كل ذلك، يرى التقرير أن المصارف الإسلامية المستعدة لاستكشاف نماذج عمل مختلفة، فضلا عن قنوات بديلة مثل الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهاتف، تتصف بأنها في وضع أفضل لمواجهة هذا التحدي، مما يعني أهمية استغلال هذا الجانب ليكمل القصور في جوانب أخرى ذات صلة.