سليمان الراجحي لـ «الشرق الأوسط»: استثمار الوقف يحتاج لآلية تطويرية أكثر عصرية وجدوى

قال: وضعت نظاما لأوقافي بصك شرعي من المحكمة

من أوقاف الراجحي
TT

شدد رجل الأعمال السعودي سليمان الراجحي على الحاجة الحقيقية لاستثمار الوقف بغير الطريقة التقليدية، كما هي الحال الآن، ليتمكن المشتغلون عليه من دعم البر والخير والتنمية كبناء المساجد، والمدارس، والمكتبات، ورعاية الأيتام والفقراء، وحفر الآبار، والخدمات الصحية وغيرها من أعمال البر، بشكل أكثر عصرية وجدوى.

وقال سليمان بن عبد العزيز الراجحي في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أنه من الضروري أن تجتهد الجهات المعنية بالأوقاف لتفعيل الأوقاف، ودعم الاستمرارية في تنمية موارد الأعمال الخيرية لرجال الأعمال. كما أن على هذه الجهات الإسهام في تطوير البيئة التشريعية والتنظيمية الوقفية، ومن ثم تأهيل الكوادر في مجال الأوقاف تعليما وتدريبا، مع أهمية خلق نوع من التكامل والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالأوقاف، من خلال الخطط والآليات التي تساعد على تطوير وتنمية الأوقاف».

> كيف تنظرون للوقف بوصفه منتجا إسلاميا له أهميته في حياة الناس؟

- التاريخ الإسلامي حافل بالأوقاف التي حققت مصالح المسلمين، منذ عهد النبوة إلى عصرنا الحاضر، تشهد لذلك الأدلة الشرعية، والتاريخ الإسلامي، والسجلات والوثائق الخاصة بالأوقاف، التي شيدت لدعم البر والخير والتنمية كبناء المساجد، والمدارس، والمكتبات، ورعاية الأيتام والفقراء، وحفر الآبار، والخدمات الصحية وغيرها.. ولذلك، اهتم الأوائل من المسلمين بالأوقاف ووظفوها في العديد من المجالات ذات العلاقة المباشرة بحياة الناس، حيث كان للأوقاف دور كبير عبر التاريخ في البناء الحضاري والتنموي، وتلبية حاجات المجتمع المتنوعة، ودعم البرامج النافعة لعموم الناس.

> كان قد انعقد بالرياض مؤخرا «تنظيم الأوقاف»، كيف تنظرون إلى هذا الملتقى ونتائجه والإسهام في ما ينمي الأوقاف ويطورها؟

- أعتقد أن الملتقى محاولة جادة لرسم خارطة طريق، لبحث كل ما يتعلق بالأوقاف؛ ابتداء من تحديد معوقات تطوير الأوقاف وتضمينها في توصيات التخطيط الاستراتيجي لدراسات الأوقاف، واستشراف مستقبل الوقف، حيث إنه أبرز ضرورة التركيز على البحوث التطبيقية والعملية في المرحلة المقبلة، لأن البحوث النظرية غطت جانبا كبيرا من دراسات الأوقاف، من أجل تطوير المنتجات الوقفية سواء كان في منتجات إنشاء الأوقاف أو تمويلها، والتحفيز المجتمعي للعناية بالأوقاف ودراساتها.. غير أنني أرى من الأهمية بمكان أن نتجاوز الحديث عن تاريخ الوقف إلى كيفية تفعيل دوره، وتأصيل أحكامه وتطوير مجالاته وإجراءاته وحسن إدارته، وكيفية استثماره، مع ضرورة الخروج بآلية تعمل على صناعة نوع من التعاون في هذا المجال، وذلك بين المؤسسات الوقفية، ووزارات الأوقاف، في مجال أسس الإدارة والتخطيط والتطوير، والتجارب المعاصرة في إدارة الوقف، وتحسين قوانينه، كما أعتقد أن هناك بالضرورة، حاجة للخروج بتصور حول الموضوعات التي وصلت إلى حد الكفاية، والموضوعات التي ما زالت بحاجة إلى مزيد من الدراسات، والموضوعات التي لم يتطرق لها الباحثون، ولعل الملتقى في دورته المقبلة، في وجود هؤلاء النخبة من العلماء والخبراء فضلا عن الوزراء والمسؤولين والقضاة الذين يهتمون ويولون الأوقاف اهتماما مباشرا، يتيح فرصة كبيرة للوقوف على واقع الأوقاف في بلادنا بصفة خاصة وفي بلاد المسلمين بشكل عام.

> برأيكم، كيف يمكن أن يكون الاستثمار في مجال الأوقاف، وما أهمية ذلك؟

- بالطبع الاستثمار في مجال الأوقاف، كغيره من مجالات الاستثمارات الأخرى، ويتشابه معها في أسباب نجاحها وأسباب فشلها أو كسادها، وبالتالي عند تقييم مجال الأوقاف بوصفه حقلا للاستثمار، لا بد من الوقوف على واقعه وتشخيصه بدقة، والشاهد أن الأوقاف بوصفها مجالا للاستثمار، تعاني من التراجع في البلاد الإسلامية في الوقت الذي يتم فيه الاهتمام به في البلاد الغربية، الأمر الذي جعله متقدما فيها أكثر مما هي عليه الحال في بلادنا الإسلامية، وهذا سبب يفسر نجاح الاستثمار الوقفي في الغرب.

> ما تقييمكم لواقع الأوقاف وما التحديات التي تواجهه؟

- للأسف لم يتم تطوير مفهوم الأوقاف والانطلاق به بالشكل الذي يتناسب مع رسالته، ويجعل منه حقلا جاذبا للاستثمار، وذلك بسبب عدم الاحترافية والمهنية اللتين تعتبران أهم التحديات التي تقف حجر عثرة أمام تطوره بوصفه قطاعا مهما في حياة الناس، فضلا عن ذلك، فندرة الأبحاث المتعمقة في إدارة الأوقاف، أضاعت عليها فرصة الشيوع في كل المجالات التي كان بالإمكان توظيفها لجني الكثير من العوائد، بحسب عدد من الخبراء والمهتمين بهذا المجال من المسلمين ومن غير المسلمين. أما الوقف في الغرب، فهو يعيش حالة من التطور والنمو المستمر، الأمر الذي انعكس إيجابا على مساهمته بشكل كبير في دفع الحياة العملية والاقتصادية والبحثية نحو التقدم، حيث تشير بعض الدراسات التي صدرت في هذا الشأن إلى أن حجم الوقف العالمي تجاوز الـ*05 مليارات دولار، في الوقت الذي ينكشف فيه ضعف الوقف في الدول الإسلامية مقارنة بما هو عليه في البلاد الغربية، ولذلك، فإن قطاع الأوقاف أكثر القطاعات المهملة التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، سيما، مما يأمر به ديننا الإسلامي بشكل ينافس الوضع الذي عليه في البلاد الغربية التي قطعت شوطا كبيرا في مجال الأوقاف.

> يلاحظ ضعف الوقف بالدول الإسلامية في الوقت الذي يتطور فيه في الغرب بشكل واضح.. ما تعليقك؟

- للأسف، هذه حقيقة، مع أن الأوقاف لها دور كبير عبر التاريخ في البناء الحضاري والتنموي، وتلبية حاجات المجتمع المتنوعة، ودعم البرامج النافعة لعموم الناس، والتاريخ الإسلامي حافل بالأوقاف التي حققت مصالح المسلمين منذ عهد النبوة إلى عصرنا الحاضر، تشهد لذلك الأدلة الشرعية، والتاريخ الإسلامي، والسجلات والوثائق الخاصة بالأوقاف التي شيدت لدعم البر والخير والتنمية كبناء المساجد، والمدارس، والمكتبات، ورعاية الأيتام والفقراء، وحفر الآبار، والخدمات الصحية وغيرها، ولذلك أرى ضرورة نشر سنة الوقف في المجتمع كما كان في عهد الصحابة الذين كان كل من لديه قدره يسهم في الوقف لينفع المسلمين وينفع نفسه بعد مماته.

> دعنا الآن ندخل رحابكم الشخصي ونسألك عن تجربتك مع الوقف.. ماذا تقول؟

- أعتقد أنني تحدثت عن تجربتي مع الوقف ضمن حديثي عن تجربتي مع المال والأعمال في محاضرة لي، كانت قد نظمتها لجنة شباب الأعمال بالغرفة التجارية الصناعية.. على كل حال، لا بأس أن نكرر بعضا مما قلته عن تجربتي مع الوقف؛ فأنا بحمد الله أعتبر نفسي ضمن الوقف، وأؤكد كما قلت سابقا أن ملابسي ستكفيني حتى الموت، علما بأنني لا أملك ريالا واحدا بعد أن وهبت مالي لأبنائي وبناتي وزوجاتي وللوقف. بحمد الله قد بلغ عمري 84 عاما وما زلت أعمل *5 ساعة يوميا، وذاكرتي قوية بذكر الله وقراءة القرآن، وقد وضعت للوقف نظامه بصك شرعي من المحكمة، يصرف 50 في المائة من دخله السنوي على أوجه الخير، والنصف المتبقي يضاف إلى استثمارات الوقف لضمان نموه واستمراريته، وأشير هنا إلى أن الوقف يشمل «جامعة سليمان الراجحي» التي هي على مساحة مليون متر مربع، وتضم مستشفى بسعة 300 سرير مرحلة أولى، وقطاعا مستقلا للجوامع يعنى بتشييد جوامع في مدن ومحافظات المملكة مماثلة لجامع سليمان الراجحي في الرياض، والعناية بالأسر الفقيرة وبموتى المسلمين ومقابرهم، وكفالة الأيتام، ودعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، والبرامج الدعوية وغيرها من أوجه الخير، كما أنني أنوي أن يوجه جانب من أعمال الوقف، لترميم المساجد ودورات المياه في محطات الطرق السريعة للراحة والصلاة، خصوصا أن السعودية مقصد للحجاج والمعتمرين.

> كانت لـ«أوقاف سليمان الراجحي» مشاركة في ملتقى «تنظيم الأوقاف» الذي نظمته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف مؤخرا في الرياض.. ماذا عنها؟

- شاركت «أوقاف سليمان الراجحي» في ملتقى «تنظيم الأوقاف» بوصفها شريكا استراتيجيا دعما منها للجهود المبذولة تجاه مناقشة أهمية دور الوقف وسبل إعادة إحيائه وتقويته.. وفي اعتقادي، فإن هذه الأوقاف، تعد تجربة وطنية خالصة، تسعى إلى التطوير المستمر لإدارة مؤسسات ومنشآت الأوقاف الخيرية، وتعزيز مكانتها وتوسيع مجالات عملها في بلادنا وتحويل المشاريع التي تقوم بها إلى نماذج يقتدى بها في العمل الخيري، ولذلك تأتي أهمية المشاركة أيضا، باعتبار ما تحمله الأوقاف من فكر استثماري، يعكس طبيعة وكيفية مشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمات والمساعدات، بما له من دور أساسي ومساند لما تقدمه الدولة في هذا المجال، كما تعكس المشاركة ضرورة المساهمة في دعم المبادرات التي تؤصل للرؤية الشرعية والقانونية لتنظيم مشاريع الأوقاف في السعودية، مما يؤمل منه تتحقق أهداف الملتقى، ولعل من أبرزها تفعيل مبدأ المشاركة بين القطاعات والجهات المعنية في مجال الأوقاف، وتقديم المقترحات لتطوير البنية الشرعية والقانونية لمشاريع الأوقاف، وطرح مبادرات بحلول عملية للمشكلات التي تواجه مشاريع الأوقاف.

> في ختام هذا اللقاء، ما نصيحتكم للجهات التي تقوم على أمر من الأوقاف؟

- أعتقد أنه من الضروري أن تجتهد الجهات المعنية بالأوقاف على اختلاف توجهاتها، في أن تقوم بنشر الوعي بأهمية تأسيس الأوقاف، وتشجيع الأوقاف، دعما للاستمرارية في تنمية موارد الأعمال الخيرية لرجال الأعمال، كما أرى بالضرورة أن تحاول هذه الجهات الإسهام في تطوير البيئة التشريعية والتنظيمية الوقفية، ومن ثم تأهيل الكوادر في مجال الأوقاف تعليما وتدريبا، بالإضافة إلى خدمة الراغبين في الوقف ممن يطالبون بتقديم استشارات وغيرها، كما أرى أن التكامل والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالأوقاف، إحدى أهم الخطط والآليات التي تساعد على تطوير وتنمية