مدير عام بنك السلام الجزائري: لدينا مقومات الريادة في مجال الصناعة المالية الإسلامية

إبراهيم فنيك أكد أن مستقبل المصرفية الإسلامية في بلاده مبشر

جانب من واجهة بنك السلام بالجزائر («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن مصرف السلام - الجزائر يخضع كغيره من المصارف العاملة في السوق الجزائرية للقوانين الجزائرية، فإنه يمثل قيمة مضافة للساحة المصرفية الجزائرية، في الوقت الذي تخضع فيه عقوده لصيغة التعاقد بين المصرف وعملائه ومبادئ المصرف، التي يعمل وفقها، حيث بدأ برأسمال يبلغ قدره 100 مليون دولار، تم رفعه إلى 140 مليون دولار نهاية سنة 2009 استجابة لمتطلبات السلطات النقدية الجزائرية، التي ألزمت كل البنوك بضرورة رفع رؤوس أموالها إلى 140 مليون دولار كحد أدنى.

وقال إبراهيم فنيك مدير عام بنك السلام بالجزائر لـ«الشرق الأوسط»: «لمسنا تجاوبا كبيرا من قبل السلطات الجزائرية في التعامل مع هذا المصرف، وبطبيعة الحال ينفذ المصرف عملياته بعد الرجوع إلى السلطات النقدية والمالية بهذا البلد. أعتقد أن القانون لا يمنع إمكانية تقديم البنوك لمنتجات التمويل الإسلامي، حيث تقوم الحكومة بين الفينة والأخرى بالاستجابة لبعض المطالب من خلال بعض التعديلات الجزئية، في محاولة للتوفيق بين النظام المالي الجزائري الحالي وتقريبه من قواعد المعاملات الإسلامية». وإلى تفاصيل الحوار:

* متى وكيف تأسس بنك السلام – الجزائر، وما أهدافه، وأين فرعه الرئيسي، وكم يبلغ رأسماله؟

- تم تأسيس مصرف السلام - الجزائر سنة 2006، حيث تم اعتماده من قبل السلطات النقدية الجزائرية نهاية شهر سبتمبر (أيلول) 2008، بينما باشر أعماله بشكل رسمي في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2008، وكان قد بدأ مصرف السلام - الجزائر برأسمال يبلغ قدره 100 مليون دولار، ثم تم رفعه إلى 140 مليون دولار نهاية سنة 2009 استجابة لمتطلبات السلطات النقدية الجزائرية، التي ألزمت كل البنوك بضرورة رفع رؤوس أموالها إلى 140 مليون دولار كحد أدنى، وعموما يتولى محمد بن عمير يوسف المهيري من دولة الإمارات العربية المتحدة رئاسة مجلس إدارة المصرف، حيث يشهد تمددا كبيرا في المنطقة العربية.

* كيف تقيم تجربة بنك السلام - الجزائر حول المنتجات المصرفية وتوافقها مع الشريعة الإسلامية، خصوصا وأن النظام المصرفي في الجزائر تقليدي؟

- يخضع مصرف السلام - الجزائر كغيره من المصارف العاملة في السوق الجزائرية للقوانين الجزائرية، ولكن يعتبر بنك السلام - الجزائر ذا قيمة مضافة للساحة المصرفية الجزائرية، في الوقت الذي تخضع فيه عقوده لصيغة التعاقد بين المصرف وعملائه ومبادئ المصرف التي يعمل وفقها.

* ما أهم المنتجات المالية والمصرفية الإسلامية التي تتعاطون معها؟

- بالطبع يتعامل مصرف السلام - الجزائر مع الكثير من المنتجات الإسلامية، ومن بينها منتجات المرابحات والإيجارة والاستصناع وعقود السلم والمشاركات، بالإضافة إلى بقية العقود المتعارف عليها لدى البنوك المشابهة في التعاطي مع مثل هذه المنتجات، وأشير هنا إلى ما حققته صيغ الاستثمار المباشر والتمويل بالمرابحة أو التمويل بالمضاربة، والتمويل بالإجارة، وصيغة التمويل بالتورق، وصيغة التمويل بالبيع الآجل، وصيغة التمويل بالسلم والتمويل بالاستصناع، ذلك لأنها صيغ تحمل معاني العدالة في التنمية والاستثمار، فضلا عن أنها تساهم في نشر الوعي بأهمية المصرفية الإسلامية، وقدرتها على خدمة العملاء.

* برأيك، هل هناك سياسة مصرفية في الجزائر تساعد على ممارسة النشاط المصرفي الإسلامي بشكل حر، وما أثرها في الواقع؟

- لمسنا تجاوبا كبيرا من قبل السلطات الجزائرية في التعامل مع هذا المصرف، وبطبيعة الحال ينفذ المصرف عملياته بعد الرجوع إلى السلطات النقدية والمالية بهذا البلد. وأعتقد، بل أجزم أن القانون لا يمنع إمكانية تقديم البنوك لمنتجات التمويل الإسلامي لعملائها، حيث تقوم الحكومة بين الفينة والأخرى بالاستجابة لبعض المطالب، من خلال بعض التعديلات الجزئية، في محاولة للتوفيق بين النظام المالي الجزائري الحالي وتقريبه من قواعد المعاملات الإسلامية، وعموما أنظر إلى مستقبل المصرفية الإسلامية في الجزائر بنوع من التفاؤل، ذلك لأن الجزائر تمتلك كل المؤهلات لكي تكون رائدة في مجال الصناعة المالية الإسلامية، في ظل توفر موارد بشرية هائلة، بجانب وجود باحثين كثيرين في مجال الاقتصاد والتمويل الإسلامي، حيث إن قطاع التعليم، وخصوصا الجامعات، تمنح شهادات في تخصصات الاقتصاد والتمويل الإسلامي، كما أن هناك الكثير من الملتقيات والمؤتمرات التي تعقد بهدف نشر الوعي المصرفي الإسلامي، وأيضا هناك قاعدة عملاء واسعة جدا ونسبة معتبرة منهم تتوخى الالتزام بالضوابط الشرعية في تعاملاتها المالية، وفي ما يتعلق بموقف البنك المركزي الجزائري بالنسبة للمصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامية وكل الخدمات والمنتجات الإسلامية، فإن البنك يعمل وفق قانون 10 - 90، وهو في ذلك لا يمانع من انطلاق مثل هذه الخدمات في الجزائر سواء كانت من الداخل أو الخارج، بدليل دخول بعض الشركات والمؤسسات والمصارف الإسلامية، التي تنشط في الجزائر في الآونة الأخيرة.

* هل تعتقد أن السوق الجزائرية مؤهلة لقبول المصرفية الإسلامية؟

- أستطيع أن أؤكد أن السوق الجزائرية كبيرة، وبإمكانها أن تكون بيئة جيدة لنمو القطاع المالي الإسلامي، ومن المؤكد أن إدخال التمويل الإسلامي بالجزائر سيدخل فئات كثيرة من المجتمع، كما أن تنوع عقود التمويل الإسلامي يبرز مستقبلا إمكانيات هائلة لمسألة التمويل في الجزائر، إذ يمكن استخدام السلم والمشاركة في تمويل القطاع الزراعي، وهو قطاع برأيي مهم في الجزائر، ويمكن استخدام أساليب الإجارة التمويلية والمشاركة والاستصناع لتمويل السكنات، كما أن هناك قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي أولته الدولة اهتماما ورعاية كبيرين في الفترة الأخيرة، حيث إنه أسلوب مهم لمنح التمويل لهذا النوع من المؤسسات هو المشاركة أو المضاربة أو الاستصناع.

* وماذا تقول عن الاقتصاد الجزائري عموما؟

- أعتقد أن الاقتصاد الجزائري بخير وينمو بشكل مضطرد ويتحسن تحسنا ملحوظا، خصوصا بعد الإصلاحات التي تتجه بالاقتصاد نحو النمو المفتوح، وأعتقد أن هذا النمو الاقتصادي يعود بشكل أساسي إلى حزمة من الإجراءات التي قامت بها الحكومة الجزائرية مؤخرا، خصوصا أن مشروع الإنعاش الاقتصادي وصل إلى 6 في المائة، كما أنه لم يتأثر كثيرا بالأزمة المالية العالمية، ذلك لأن الاستثمار في الجزائر لم يكن إلا في مجال الأصول المربحة فقط، كما أن النمو الاقتصادي أدى بدوره إلى تطور البنية التحتية للاقتصاد ككل، وعموما فإن السوق الجزائرية واعدة وتمتلك درجة عالية من التنافسية، خصوصا في المجال المالي والمصرفية.

* ما حجم القرض العقاري الذي يقدمه البنك للعملاء مقارنة بحجم الطلب عليه، وهل تتوافق صيغ التمويل الخاصة به مع الشريعة الإسلامية أم أنه يعمل بنافذتين؟ وما شروط الاستفادة من القروض البنكية وتحدياتها؟

- بحكم حداثة المصرف وبنية الودائع التي يتمتع بها، فإن نسبة القرض العقاري الذي يقدمه مصرف السلام - الجزائر لا تتجاوز 1 في المائة، علما بأنه تتوافق صيغ التمويل الخاصة به مع الشريعة الإسلامية، ولكن عموما تقوم شروطه بناء على بنية الودائع لدى المصارف الإسلامية، وتحكمه ظروف السوق وملاءة الزبون، علما بأنه هو الآخر يواجه بعض التحديات، التي منها ضعف المعلومات الاقتصادية كما هو الحال في البلاد الإسلامية، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز مصداقيتها واستقرار القوانين المتعلقة بالاستثمار.

* هل تتعاطون أموالا إضافية من الزبائن الذين يتأخرون في تسديد القروض أو التمويلات؟ وما تعليقكم على من يدعي ذلك؟

- نعم، يتعاطى المصرف أموالا إضافية، ولكن لا بد من معرفة أن ذلك يدخل في باب الغرامات المتعلقة بتأخير المماطلين عن السداد فقط، وإن كانت بنسب جد ضئيلة، ولكنها تعتبر موارد مجنبة ولا تستخدم كأرباح، تبقى في نهاية المطاف تجربة تحتاج إلى المعالجة، التي تخدم كل الأطراف.

* هل هناك خدمات مصرفية تخصون بها الشباب؟ وهل في هذا الإطار أي تعاون مع جهة جزائرية منوط بها هذا العمل؟

- بالتأكيد يهتم البنك بكل الفئات، كما يهتم بفئة الشباب بشكل خاص، وأعتقد أن أحسن خدمة هي تكوين عنصر قوي من العملاء من فئة الشباب ومن ثم تمكينهم من الصيرفة الإسلامية وتدعيم الشباب ذوي المهارات الجيدة، وأصحاب المشاريع الواعدة، وهذا منطلقنا الذي ننطلق منه ونعززه.

* ما خطط وأهداف البنك الاستراتيجية التي يزمع تنفيذها حاليا ومستقبلا، وما التحديات التي تواجهه في ذلك؟

- هناك الكثير من الخطط الاستراتيجية التي يعمل بموجبها مصرف السلام - الجزائر، وذلك بهدف أن يكون المصرف من البنوك الرائدة في الجزائر والعلامات المصرفية المميزة في السوق الجزائرية، ومنها آلية رسم خارطة طريق لخلق بيئة مصرفية تتطور وتنمو باستمرار، وتشمل تطوير المنتجات الإسلامية التي نتعامل معها، بشكل يوفق بين المهنية والمقصد الشرعي.

* كيف تنظر إلى واقع المصرفية الإسلامية بشكل عام؟ وما المطلوب لتعزيز وضعها؟

- على الرغم من النجاحات والإنجازات التي حققتها المصرفية الإسلامية طوال العقود الأربعة الماضية، فإنني أعتقد أنه ما زالت هناك بعض التحديات التي تواجه هذه الصناعة، ما من شانه أن يبرز بوادر تغير في ديناميكيات السوق وتشكل اتجاها جديدا يتسبب في تباطؤ معدلات النمو، وبالتالي تآكل الربحية، وهذا الواقع المتغير يحتم على المؤسسات المالية الإسلامية بذل المزيد من الجهد لتحقيق قدر وافر من متطلبات تحديد الوضع الاستراتيجي والكفاءة التشغيلية، من أجل صناعة مستقبل زاهر، يمكنها من كسب مناعة كافية، ليس فقط للتصدي للديناميكيات المتغيرة وإنما السيطرة عليها أيضا، في ظل منافسة كبيرة تقوم على الكفاءة ورضا العملاء من قبل مصارف أخرى شبيهة في السوق.

* ليتك تفصل لنا بعض هذه التحديات التي تواجه المصرفية الإسلامية.

- كما أسلفت، هناك تحديات ماثلة وأخرى تتجدد مع مرور التجربة، ولكن أحد أهم هذه التحديات بروز نقص واضح في الموارد البشرية ذات الكفاءة، بالإضافة إلى ندرة واضحة في خريجي الجامعات والمدارس المتخصصة في الصيرفة الإسلامية، علما بأن هناك حاجة إلى البحوث المتعلقة ببعض جزئيات صناعة المصرفية الإسلامية، كما أن هناك حاجة ماسة إلى تأسيس بنوك إسلامية قوية، تتبع معايير الأداء الصحيحة، وكذلك الحاجة إلى تبادل الخبرات والتعاون بين البنوك الإسلامية، التي هي الأخرى في حاجة إلى دعم الدول التي تعمل تحت مظلتها، من خلال إصدار قوانين خاصة بها ومراجعة خصوصيتها عند الرقابة، أضف إلى ذلك أنه يلاحظ أن هناك بعض التشويه الذي يبرز في بعض المنتجات والأدوات المالية الإسلامية، ويترتب عليه الخلط والتشبه، بوصفها نتيجة حتمية للأخطاء التي تقع عند التطبيق، الأمر الذي يفقد المنتج الإسلامي شرعيته، كما أن بعض الصيغ تحتاج في مجملها إلى مراجعة وتدقيق، في وقت تتمتع فيه صيغ تمويلية استثمارية في مجال الصيرفة الإسلامية بدرجة عالية من الأهمية والفعالية، ذلك لأنها ساهمت بشكل أو بآخر في سد بعض الحاجة لدى عملاء المصرفية الإسلامية، كما أن هناك حاجة ماسة إلى نوع من الجودة والكفاءة في المنتجات الإسلامية بشكل عام، لتؤكد مدى قدرتها على تحقيق شرطي المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية، مع تحقق شروط الهندسة المالية للمنتجات والأدوات الإسلامية في الوقت نفسه، كما أن هناك تحديات أخرى تتمثل في كيفية بيع الفرص الاستثمارية في مشاركة المخاطر، وتخفيض تكاليف الحصول على معلومات وعمولات الوساطة والسمسرة، مع ضرورة مواكبة متغيرات العصر.

* وبرأيك ما أهم الخطوات التي يمكن اتباعها لإنجاح المصرفية الإسلامية؟

- لا بد من دراسة شاملة وتفصيلية عن واقع صناعة المصرفية الإسلامية، بهدف تشخيص تحدياتها وتلمس الطريق إلى معالجتها ومن ثم تطويرها من خلال استخدام آلية فعالة، تجيد المزواجة بين الكفاءة الاقتصادية والكفاءة الشرعية في كل المجالات، مثل الحلول المشروعة في البيع بالمرابحة، وفي المساومة، والتأكد من عدم جواز البيع قبل القبض الفعلي أو الحكمي، وكذلك تحميل العميل المخاطر قبل البيع وغرامات التأخير بالنسبة للمدين المماطل، ومدى جواز حلول الأقساط قبل مواعيدها. كما لا بد من تحقيق حزمة واسعة من احتياجات العملاء، من حيث العروض وكفاءة الخدمة، خصوصا أنها لا تتمتع بأفضلية في الحجم، وفي ذلك تحدٍّ لقدرتها على البقاء على قدم المساواة مع نظيراتها التقليدية والتنافس بشكل مربح، كما أرى بضرورة تبني خارطة طريق لتطوير منتجات مالية إسلامية جديدة، تتمتع بقدر كبير من المرونة والاستمرارية بفاعلية، مع ضرورة ابتكار الحلول المالية ذات الكفاءة، التي تواكب حاجة العصر وتتوافق مع الشريعة في الوقت نفسه، مع قدرتها على استيعاب المستجدات في عالم التقنية والتكنولوجية في كل المجالات ذات الصلة.

* هل هناك تقديرات معينة بحجم الموجودات المالية الإسلامية في العالم؟ وبكم تقدر؟

- هناك الكثير من الأرقام التي ظهرت في هذا الجانب، ولكن أميل وحسب الخبراء إلى آخر الإحصائيات، التي تقدر موجودات المصارف الإسلامية حاليا بأكثر من 550 مليار دولار، وتشير إلى أنها تنمو بنسبة نمو سنوية تبلغ 10 في المائة.

* كيف تقرأ مستقبل المصارف الإسلامية في العالم وعلى أي أساس خرجت بهذه الرؤية؟

- التطور والانتشار اللذان شهدتهما المصرفية الإسلامية يؤكدان أن مستقبلها واعد، والواقع يقول ذلك، حيث يلاحظ أن هناك اهتماما عالميا بهذه الصناعة الوليدة، ولكن هذا الواقع لا يكفي، إذ لا بد من الالتزام بالقواعد السليمة ذات الموضوعية، والتي تخلو من عنصر المبالغة، مع أهمية قبول الانتقادات البناءة وتأهيل العناصر الشابة والمشبعة بالروح والإيمان بالعمل المصرفي الإسلامي والتحصيل العلمي الصحيح، مع الأخذ في الاعتبار دراسة كل ما ذكرناه في ما يتعلق بتحديات هذه الصناعة، ومن ثم الأخذ بأسباب إزالتها.