باحث مصرفي يحمل الائتمان المصرفي مسؤولية رفع الكفاءة الاقتصادية

الصادق إدريس: وظيفة منح الائتمان أهم وأخطر وظائف المصارف التجارية

الائتمان المصرفي يثير علاقة جدلية مع الكفاءة الاقتصادية («الشرق الأوسط»)
TT

بدا واضحا أن التطورات الائتمانية الحديثة في نهاية القرن العشرين جعلت من الائتمان المصرفي أداة اقتصادية أكثر أهمية من أي وقت مضي، ويشير سجل نمو الائتمان وتنوعه إلى أنه أصبح من الخطورة بمكان بما يجعل الاهتمام به أشمل وأعمق من السلطات العامة سواء بالعناية المباشرة أو بواسطة الأجهزة المصرفية المختصة.

ويعتقد الباحث المصرفي الصادق إدريس أن الاهتمام بالائتمان وممارسته بعقلانية وتخطيط يؤدي إلى تطور اقتصادي أفضل، وبعكس ذلك فإن إهماله يجلب الخسائر والضرر على مستوى النشاط المصرفي والنشاط الاقتصادي.

وأكد أن طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومدى تدخل الدولة في النشاط المصرفي، يؤثر على مدى توجه المصارف نحو منح الائتمان للأغراض الاستثمارية أو الاستهلاكية، مبينا أن الدولة التي تستهدف النمو السريع لا تسمح بأن يزيد الاستهلاك بدرجة أكبر من الزيادة، التي تحصل في الدخل القومي، لأن ذلك يتم على حساب نقص الاستثمار، بل إنها تعتمد على توجيه نسبة أكبر من الدخل القومي نحو الاستثمار الإنتاجي.

إلى ذلك، اعتبر باحث مصرفي أن وظيفة منح الائتمان من أهم وأخطر وظائف المصارف التجارية، وذلك لأن الأموال التي تمنح كتسهيلات ائتمانية ليست ملكا لها، بل هي أموال المودعين، مبينا أنه لهذا السبب تقوم إدارة المصرف التجاري برسم سياسته الائتمانية، بما يحقق له حسن وسلامة استخدام الأموال المتاحة له، مع تحقيق عائد مناسب.

وقال الباحث المصرفي الصادق إدريس: «تقتضي السياسة الحكيمة لتوظيف الأموال المواءمة بين ودائع المصارف من ناحية، واستخداماتها لهذه الودائع من ناحية أخرى، من حيث نوع وحجم آجال استحقاق كل منها».

وأوضح أن المصارف التجارية تعتمد في إقراضها على أنواع وأحجام وآجال الودائع المتاحة لديها، بما يحقق أهداف خطة التنمية الاقتصادية القومية، بالإضافة إلى الأغراض التمويلية التي تقوم بها، وذلك بحكم وظيفتها كوعاء للمدخرات عليها إقراض هذه المدخرات المتاحة لديها وتوزيعها على مجالات الإنتاج والخدمات المختلفة، لدفع عملية النشاط الاقتصادي.

وعن أهمية وخطورة اتخاذ قرار منح الائتمان، أوضح الباحث إدريس أن هذا القرار يتعلق عادة باستخدام أموال الغير، أي الودائع، مبينا أنه يهم إدارة المصرف استرداد هذه الأموال لمواجهة التزاماته تجاه المودعين، بالإضافة إلى ضرورة المواءمة بين توقيت استرداد القروض وآجال استحقاق الودائع المختلفة.

وقال: «إن زيادة القروض تستلزم زيادة الودائع، وهذه الزيادات المتتابعة للقروض والودائع تتطلب المزيد من الحرص على تأمين النشاط المصرفي ضد مخاطر الإقراض، أي عدم السداد، وضد مخاطر السحب من الودائع، بل إن الأمر قد يتطلب العمل على زيادة رأسمال المصرف واحتياطياته الحرة، التي تمثل في واقع الأمر خط الأمان الأول للمودعين، وأيضا خط الدفاع الأول ضد مخاطر الإقراض».

وأضاف أن كل مصرف تجاري يمارس نشاطه المصرفي من خلال الكثير من القيود والمحددات مثل القيود والمحددات التي يضعها المصرف المركزي على نشاط المصارف التجارية، كمثل نسب الاحتياطي والسيولة مع قيود مفروضة على الاستثمار في الأوراق المالية، مشيرا إلى أن هناك قيود ومحددات للسوق تتداخل من حيث الاتجاهات التضخمية والانكماشية، بالإضافة إلى عامل تقلبات أسعار الفائدة وأسعار العملات الأجنبية.

وتوصل الباحث إلى أن للتسهيلات الائتمانية نتائج اقتصادية مهمة، منها أنها تقوم بدور هام في الحياة الاقتصادية، تعتمد عليها الأنشطة الاقتصادية لتوفير احتياجاتها من السيولة اللازمة لتغطية عملياتها الداخلية والخارجية المختلفة.

وزاد إدريس أنه يؤثر حجم التسهيلات الائتمانية على الحالة الاقتصادية العامة، مبينا أن المبالغة في حجم الائتمان تؤدي إلى آثار تضخم ضارة، كما يؤدي الانكماش في منح الائتمان إلى صعوبة مواصلة المشروعات لنشاطها، وبالتالي الحد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ولذلك شدد على ضرورة أن يكون الائتمان متوازنا وملبيا للاحتياجات التمويلية الفعلية للاقتصاد القومي، بما يؤدي إلى زيادة معدلات التنمية المنشودة، كما لا بد للدولة أن تحاول أن تسيطر على الائتمان بوسائل مباشرة وغير مباشرة من خلال المصرف المركزي، مبينا أنه يساعدها في ذلك القرارات الائتمانية الصادرة عن إدارات الائتمان بالمصارف التجارية، مؤكدا ضرورة أن يخرج قرار الائتمان عن السياسة الائتمانية للمصرف، ذلك لأنها مرتبطة بسياسة الدولة، ووجدت أصلا لتحقيق أهدافها.

كما يعتقد أهمية دور تسهيلات الائتمان في مسألة تمويل خطة التنمية الاقتصادية القومية، حيث يكون التمويل لغرض محدد ومواكب لسياسة الدولة، وذلك بتوفير الأموال اللازمة لقطاعي الصناعة والزراعة، لما لهذين القطاعين من دور حيوي في توفير احتياجات المجتمع والمواطنين، ورفع معدل نمو الصادرات، والحد من الاستيراد، وذلك بالإضافة إلى تمويل التجار بما يتناسب مع مراكزهم المالية، وبالشكل الذي يمكنهم من تنمية أنشطتهم في سهولة ويسر وتجنب التعرض للاختناقات أو الأزمات المالية.

كما أن للتسهيلات الائتمانية - والحديث لإدريس - دورا كبيرا في مسألة تمويل التجارة الدولية، سواء بالنسبة لاعتمادات الاستيراد أو التصدير، وإصدار خطابات الضمان المحلية والخارجية، بجانب دورها في المساهمة في مشروعات أخرى، مثل المساهمة في مصارف وشركات تابعة وذات مصلحة مشتركة، وشركات إنتاج الدواء والغذاء والملابس والمساكن والملاحة والسياحة.

وقال: «إن التطورات الائتمانية الحديثة في نهاية القرن العشرين جعلت من الائتمان المصرفي أداة اقتصادية أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويشير سجل نمو الائتمان وتنوعه إلى أنه أصبح من الخطورة بما يجعل الاهتمام به أشمل وأعمق من السلطات العامة سواء بالعناية المباشرة أو بواسطة الأجهزة المصرفية المختصة، حيث إن الاهتمام بالائتمان وممارسته بعقلانية وتخطيط يؤدي إلى تطور اقتصادي أفضل، وبعكس ذلك فإن إهماله يجلب الخسائر والضرر على مستوى النشاط المصرفي والنشاط الاقتصادي».

أما في ما يتعلق بتأثير الائتمان المصرفي في مكونات الدخل القومي فأوضح إدريس أن الاستهلاك والادخار والاستثمار، كلها مترابطة في ما بينها، نظرا لأن الدخل القومي ينظر إليه من ناحية الدخول الموزعة أنه يساوي الاستهلاك زائد الادخار، كما أن الدخل القومي ينظر إليه من ناحية الإنتاج أنه يساوي الاستهلاك زائد الاستثمار، الأمر الذي يجعل بحث أحد هذه المكونات لا بد وأن يتصل ببحث الآخر.

وأوضح أن الادخار هو ذلك الجزء من الدخل الذي لا ينفق على الاستهلاك، مبينا أنه المصدر الحقيقي لتكوين رأس المال، إذ إن توفير الموارد الاستثمارية رهن في النتيجة بما يستطيع الاقتصاد ادخاره، أي بحجبه عن الاستهلاك، وهو بالتالي تعبير عن الجهد الإنمائي، مشيرا إلى أن النمو يحتاج إلى الاستثمار، الذي يمول بالادخار وبثبات معامل رأس المال الإنتاجي.

ولفت إلى أن السرعة التي يستطيع أن ينمو بها الاقتصاد تعتمد على نسبة الادخار من الدخل القومي، ما يعني ضرورة أن تتوافر مؤسسات مصرفية قادرة على تجميع المدخرات وتوجيهها، مع توافر الشروط اللازمة لقيام هذه المؤسسات بأعمالها بكفاءة.

وزاد بأن هناك عوامل كثيرة لها علاقة بهذا المجال، منها ما يتعلق بالسياسة العامة للدولة كإعفاء الودائع من الضرائب والرسوم ورفع سعر الفائدة عليها وإعطاء المودع الحق بالاقتراض بضمانها، مشددا على أن المصارف تعمل على توفير الائتمان لتجميع هذه المدخرات بغية توفير موارد للائتمان.

والصعوبة في هذا المجال وفق إدريس تكمن في تحديد ماهية المدخرات، أي تحديد ماهية الودائع التي تعتبر مدخرات وماهية التي لا تعتبر كذلك، مبينا أن الأصل أن ودائع التوفير والودائع الثابتة تعتبر ودائع ادخارية، نظرا لقلة السحب عليها وبالتالي قلة سرعة تداولها، في حين لا تعتبر الودائع التجارية ودائع ادخارية، بل ودائع يستخدمها الأفراد لمبادلاتهم اليومية.

وسرعة التداول تقاس بنسبة المبالغ التي يجري سحبها من الودائع، ولا يتأتي تأثير الائتمان المصرفي في الادخار من كون المصارف تقوم بتجميع المدخرات من أجل توفيرها للائتمان فحسب، بل لأنها تزيد حجم المدخرات عن طريق منح الائتمان ذاته، حيث يتجه قسم من هذا الائتمان نحو الادخار على شكل ودائع لدى المصرف، وبهذا تساهم هذه المصارف في تكوين مدخرات من خلال الائتمان.

أما في ما يتعلق تأثير الائتمان المصرفي في الاستثمار تحديدا، وفق إدريس، فتقوم على ربط مشكلة تخطيط التقدم بأنها تقتضي ضمان قدر كافٍ من الاستثمار الإنتاجي، وتوجيهه إلى تلك السبل التي تكفل أسرع معدل لنمو القوة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، مبينا أن المشكلة الأكثر أهمية في هذا المجال تنطوي على اختيار تلك الأنواع من الاستثمار، التي تؤدي إلى زيادة القوة الإنتاجية للاقتصاد بأسرع طريقة ممكنة، ويعني هذا تركيز الاستثمار في ميادين تؤدي إلى زيادة القدرة على المزيد من الإنتاج، ويقتضي هذا تشييد صناعات تنتج وسائل إنتاجية.

وأضاف أن تخطيط الاستثمار يتطلب العمل على توفير الموارد الضرورية له ومن ثم لعملية التنمية، مبينا أن الائتمان المصرفي يساهم في ذلك من ناحيتين، أولاهما أن المصارف، وهي تستهدف منح الائتمان، تقوم بتجميع المدخرات، وبذلك تحد من الاستهلاك، وتزيد بالتالي من الاستثمار عند مستوى معين من الدخل، وثانيتهما أن المصارف عند منحها للائتمان فإنها تمنحه لأغراض استثمارية، إضافة إلى الأغراض الأخرى، وإن على مدى توسعها في منح هذا الائتمان يتوقف مدى تأثيرها في الاستثمار سلبا أو إيجابا.

وأكد أن طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومدى تدخل الدولة في النشاط المصرفي، يؤثر على مدى توجه المصارف نحو منح الائتمان للأغراض الاستثمارية أو الاستهلاكية، مبينا أن الدولة التي تستهدف النمو السريع لا تسمح بأن يزيد الاستهلاك بدرجة أكبر من الزيادة التي تحصل في الدخل القومي، لأن ذلك يتم على حساب نقص الاستثمار، بل إنها تعتمد على توجيه نسبة أكبر من الدخل القومي نحو الاستثمار الإنتاجي.

وأما تأثير الائتمان المصرفي في الاستهلاك فيبدو في نظر الباحث واضحا، حيث تتجه المصارف في بلد معين إلى منح الائتمان الاستهلاكي، بغية تحفيز نشاطات اقتصادية معينة أو تحريك النشاط الاقتصادي بمجموعة خاصة، عندما تتوفر لدى ذلك البلد طاقة إنتاجية للسلع الاستهلاكية كبيرة الحجم، ويتوفر لديها مخزون سلعي كبير، ما يعني أن زيادة الاستهلاك في هذه الظروف تقود إلى التوسع الاقتصادي.

وعلى عكس ذلك فإنه وفق إدريس قد تتجه المصارف في بلد آخر لوجهة أخرى، حيث تقوم بحجب الائتمان عن التوجه للاستهلاك بمنح الائتمان الاستثماري، وذلك بأن تتجه الدولة إلى تعبئة الموارد المتاحة من أجل الاستثمار الإنتاجي.

وفي هذه الحالة يكون الهدف بطبيعة الحال تحقيق التنمية، في حين لا تتوفر لدى هذا البلد طاقة إنتاجية مهيأة لإنتاج السلع الاستهلاكية بحجم كبير، في الوقت الذي يتم في مثل هذه الظروف التضحية ببعض الاستهلاك الحاضر في سبيل الحصول على دخل واستهلاك أكبر في المستقبل.

ويؤثر الائتمان المصرفي في الاستهلاك وفق إدريس من ناحيتين، الأولى أن المصارف، وهي تستهدف منح الائتمان، تعمد إلى تجميع الموارد بتشجيع الادخار، وبذلك تحدّ من حجم الاستهلاك عند مستوى معين من الدخل، وثانيتهما أن المصارف عندما تقوم بمنح الائتمان فإنها تمنحه للأغراض الاستهلاكية إضافة إلى الأغراض الأخرى، مبينا أنه على مدى توسع المصارف في منح هذا الائتمان يتوقف مدى تأثير الائتمان المصرفي في الاستهلاك سلبا أو إيجابا.

أما تأثير الائتمان المصرفي في التفاوت في الدخول فإنه، وفق إدريس، يثير قلقا لدى معظم الناس، وخصوصا في العصر الحديث وبعد تزايد الوعي السياسي، نظرا لكونها معضلة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ما يستدعي الحد من هذا التفاوت وتقليله، مبينا أن الائتمان المصرفي لا يمنح دخولا بشكل مباشر، إذ إن عمل المصارف لا ينصرف إلى هذه الوجهة، بل ينصرف إلى منح قروض وسلف للأفراد والمشاريع، ومن ثم يوفر الإمكانية لاغتنام الفرص المتاحة عن طريق توفير التمويل اللازم، ومن ثم الحصول على دخول من جراء ذلك.