باعشن: فقدان الأمانة والشفافية والتعامل مع الشريعة بالتجزئة.. تحديات تواجه البنوك الإسلامية

حذر من الوقوع في عمليات تمويل إسلامي خاسرة

د. عبد الرحمن باعشن
TT

حذر خبير اقتصادي البنوك الإسلامية من مغبة الوقوع في فخ عمليات تمويل إسلامي خاسرة، سواء كان ذلك بهدف التوسع أو الانتشار أفقيا أو رأسيا، مبينا أنها؛ أي البنوك الإسلامية، غير محمية تماما من مخاطر الإفلاس، في ظل أزمة مالية ما زالت تلقي بظلالها على كثير من عمليات التمويل في مختلف بقاع الأرض.

وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك مشروع تجاري لا تصيبه سهام المخاطرة، غير أن أهم ما يميز بعض المشاريع التجارية في اعتقادي، هي نسبة التعرض للمخاطر، ومن ضمنها مخاطر الإفلاس».

وفي المقابل، أكد باعشن، أن البنوك الإسلامية تتمتع بعدة ميزات تجعلها تواجه مخاطر الإفلاس، منها تمسكها بضبط معاملاتها وفق الشريعة الإسلامية، التي تعتبر إحدى أهم مرتكزات الحماية من مخاطر الفساد الاقتصادي والاجتماعي التي وقعت فيها المجتمعات الأخرى، بحكم تعرض اقتصادها الرأسمالي لضربة شديدة بسبب التعامل في الديون بيعا وشراء.

كما أن المفترض في البنوك الإسلامية، والحديث لباعشن، أنها لا تتاجر في الديون التي لا تجوز من منظور الشريعة الإسلامية، والتي تحمل في طياتها مخاطر كبيرة؛ منها أن الديون إذا كانت تجارة قائمة بحد ذاتها، فإنها تجعل الأموال غير موجهة إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تمس حياة الإنسان بشكل مباشر.

وبخلاف البنوك التقليدية، فإن البنوك الإسلامية، وفق باعشن، يفترض فيها تجنب مسألة الدخول في عمليات الخيارات، مبينا أنها عمليات المستقبليات، التي تدخل برأيه ضمن عمليات المقامرة المحرمة شرعا، وذلك لخطورتها الشديدة على أي اقتصاد سواء كان عالميا أو محليا.

ولكن يعتقد أن هناك أسبابا أخرى، قد تجر البنوك الإسلامية، التي لم تحرر بشكل كامل من بعض العمليات المشبوهة، والتي يختلط فيها الحلال بالحرام، سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد، مشيرا إلى أن أهمها يتمثل في محاولة مسايرة توجه السوق والمنافسة، بالإضافة إلى وقوعها في بعض مخاطر المشاريع الإنتاجية التي تمولها.

ومع أن البنوك الإسلامية أثبتت مقدرة عالية على تجنب ضربات الأزمة المالية العالمية بدرجة مرتفعة، إلا أن باعشن يرى أن هناك بعض حالات الخسائر، التي أضرت بمسيرتها كتلك الأزمة التي تواجهها سوق الصكوك العالمية، مشيرا إلى أن هناك حالات إعلان تصفية بعض الصكوك وخسارة بعضها الآخر.

وقال: «هناك حالات تمت فيها إعادة الجدولة، في وقت قلت فيه نسبة طرح الصكوك هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، مما يدل على أن البنوك الإسلامية وعملياتها ليست بمنأى عما يحصل في السوق المالية العالمية»، مشيرا إلى خطورة التكتم على حالات إفلاس لبعض البنوك الإسلامية، بسبب بعدها عن الشفافية والمصداقية.

وأضاف أن البنوك الإسلامية لن تكون بمعزل عن الإفلاس على الرغم من ضآلة مشاركتها في الاقتصاد العالمي، ما لم تتطور أدوات منتجاتها بشكل يجمع بين المهنية الاقتصادية والناحية الشرعية، مشيرا إلى أن الطريقة التي تدير بها بعض البلاد الإسلامية اقتصاداتها ومصارفها، تخضع في الغالب للنظام العالمي الذي يدار بطريقة رأسمالية بعيدة عن الشرع ومقاصده، مما يعني أنها على مقربة من الوقوع في فخ النظام المالي العالمي.

وأكد باعشن، أن الأزمة المالية العالمية أثرت بدرجات متفاوتة على الاقتصاد الإسلامي، والمصرفية الإسلامية، ويعود ذلك، بحسب رأيه، إلى أنه يعمل داخلها وتابعا لها وليس مستقلا، حيث إن الاستقلال كان سيعطيه نوعا من الحماية، مشيرا إلى انهيار عدة شركات صغيرة في ماليزيا سبق أن أصدرت صكوكا في الماضي.

من جهة أخرى، يعتقد أن الأزمة المالية العالمية، فتحت باب النقاش الجاد في الدول الاقتصادية الكبرى حول مبادئ الاقتصاد الإسلامي، خاصة في ما يتعلق بمسألة المتاجرة في الديون، مشيرا إلى أن عددا من الدول الأوروبية مثل فرنسا وأميركا قامت بإنشاء لجان لدراسة خصائص الاقتصاد الإسلامي، بهدف الاستفادة منها في عملية إعادة تنظيم اقتصاداتها وحل مشكلاتها البنيوية حتى تكون أكثر فاعلية في حل الأزمة الحالية وأكثر قدرة على مواجهة أي أزمة مستقبلية.

وأكد أن هناك توجها عاما في تلك الدول لتبني مبادئ الاقتصاد الإسلامي، وذلك لفعاليتها في مواجهة الأخطار المحدقة بالنظام الاقتصادي العالمي الحالي، مبينا أن من بعض التوصيات التي ينادى بها في الغرب خفض الضريبة إلى 2.5 في المائة، وذلك يتساوى مع فريضة الزكاة في الإسلام.

كما ازدادت المطالبة بالمشاركة في الربح والخسارة في العمليات المصرفية، التي يسمونها «المصرفية الأخلاقية»، مبينا أنها على قاعدة «الغنم بالغرم» في الاقتصاد الإسلامي، كما أوقفت فرنسا التعامل بالبيع على المكشوف المحرم في الشريعة الإسلامية، وكذلك أوقفت أميركا العمل بالمشتقات وذلك لما تنطوي عليه من غموض ومقامرة في هيكليتها مما يجعل مبادئ الاقتصاد الإسلامي تكتسب مصداقية في الاقتصاد الغربي.

ولكن باعشن عاب على بعض المصارف والحكومات التي تعمل تحت ظلها، التعامل مع الشريعة الإسلامية بالتجزئة، كأن تمنع الفائدة مثلا، في حين لا يتم توزيع الثروة على الشعوب من خلال الزكاة والوقف، مبينا أن أهم التحديات التي تواجهها فقدان الأمانة والشفافية، والتي حاولت بعض الدول الغربية الاستعاضة عنها بوضع قوانين لحوكمة الشركات، إلا أنه غالبا ما يتم التحايل عليها.