وودز: النظام المالي الإسلامي الأفضل لحل معضلات الاقتصاد العالمي ولكنه يحتاج إلى نظام موحد

الباحث المالي يؤكد: الانكماش الاقتصادي العالمي يدفع بدارس أوروبي للتخصص في المصرفية الإسلامية

توماس وودز باحث ومدرب مالي في المصرفية الإسلامية
TT

من انعكاسات الأزمة المالية العالمية والانكماش الاقتصادي، الذي خيم فوق عدد من الاقتصادات الأوروبية وأنهكها لدرجة الاستغاثة، هو الإقبال اللافت لعدد من الاقتصاديين والدارسين والباحثين الغربيين، نحو دراسة ومعرفة كنه وحقيقة النظام المالي الإسلامي، ونيل دراسات عليا فيه، كبديل وخيار أوحد للنظام المالي العالمي، والذي أوقع اقتصادات كان يشار إليها بالبنان في فخ الدين والإفلاس.

ويعتبر توماس وودز من هذا الرعيل، الذي حمل على عاتقه مسؤولية رفع مستوى المصرفية الإسلامية من خلال التدريب إلى مصاف أنظمة التطبيق المهنية والحرفية، لاعتقاده أن هناك حاجة لتطوير أداء المصارف الإسلامية بشكل أحسن مما هي عليه الآن، مؤكدا الحاجة الماسة إلى نظام قانوني ورقابي موحد في مختلف البلدان الإسلامية.

وقال وودز لـ«الشرق الأوسط»: «لو حافظ مجال التمويل الإسلامي على نموه السريع، والذي يقدر بنسبة 12 إلى 15%، فإن ذلك سينعكس حتما إيجابا على عدد من الجامعات في الغرب، التي ستطمح لتقديم برامج دراسية مماثلة في هذا المجال، فضلا عن تزايد عدد الطلاب الذين يرغبون في دراسته في مثل هذه الجامعات».

وأوضح أن لدى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنظمة مماثلة للقوانين المدنية والعامة التقليدية، ما يجعل تقديم المنتجات الجديدة في مختلف البلدان مكلفة ومعقدة جدا، وقال: «لو كان ثمة نظام موحد لانخفضت الشكوك حول الصفقات، التي تتم في أسواق رأس المال الإسلامي».

* كنت قد نلت درجة الماجستير في العلوم المصرفية الإسلامية من جامعة درم ببريطانيا.. ما الدافع للانخراط في الاهتمام بالمصرفية الإسلامية؟

- قررت دراسة المصرفية الإسلامية، بسبب ما لاحظته من قدرة فائقة أبداها هذا المجال، خاصة على النمو خلال فترة الانكماش الاقتصادي العالمي الذي عايشته الظروف الاقتصادية العالمية مؤخرا، بحكم مراقبتي ونهمي لهذا النظام المصرفي الذي يعتبر حديثا مقارنة بنظيره التقليدي، ومع أن وسائل الإعلام المالية أظهرت فيه تشاؤمها حول معظم الاقتصادات العالمية، إلا أن أداء المصارف الإسلامية كان قويا بشكل ملحوظ ومؤثرا، حيث كان هذا أحد أهم الدوافع التي شجعتني لمواصلة دراستي عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصا بعد دراستي اللغة العربية لمدة أربع سنوات، إذ أنني أريد تحسين وتطوير معرفتي عن المال والاقتصاد، لا سيما أن البرنامج الذي درسته في جامعة درم قد وفر لي هذه المعرفة بشكل كبير ومؤثر إيجابيا في مقدراتي للتعرف أكثر عن هذا المجال.

* ما تقييمك لحجم الاهتمام الذي تبديه الجامعات الغربية لا سيما جامعة درم لعلوم المصرفية الإسلامية وصناعتها؟ وما أثر ذلك على انتشارها في الغرب؟

- من اللافت للانتباه بشكل واضح أن هناك عددا من الجامعات الغربية أخذت تقدم برامج دراسية في مجال التمويل الإسلامي على مستوى الدراسات العليا، لكنني اخترت جامعة درم تحديدا، بسبب المكانة العلمية القوية التي تحتلها، حيث إنها تتمتع بسمعة ممتازة في المملكة المتحدة، كما أن الجامعة نفسها كانت قد افتتحت مؤخرا مركز درم للاقتصاد الإسلامي، والذي أخذت تعقد فيه دورات صيفية في كل عام، وتستقطب عددا من المتخصصين في هذا المجال لإقامة ورش عمل والمشاركة مع الأكاديميين والطلاب على حد سواء، كما أنني أعتقد أنه لو حافظ مجال التمويل الإسلامي على نموه السريع، الذي يقدر بنسبة 12 إلى 15%، فإن ذلك سينعكس حتما إيجابا على عدد من الجامعات في الغرب، التي ستطمح لتقديم برامج دراسية مماثلة في هذا المجال، فضلا عن تزايد عدد الطلاب الذين يرغبون في دراسته في مثل هذه الجامعات.

* برأيك إلى أي مدى تغيرت نظرة الغرب إلى المصرفية الإسلامية بعد الأزمة المالية العالمية؟ وهل هناك خطوات جادة من بعض البلاد باعتماد قواعد المصرفية الإسلامية في نظامها المصرفي والمالي والتشريع الدستوري؟

- إن الأزمة المالية العالمية من المؤكد أنها غيرت بالفعل آراء البعض فيما يتعلق بالرأسمالية التقليدية والمضاربة غير السليمة، وبطبيعة الحال نجح التمويل الإسلامي في تسويق نفسه على أساس دورات الازدهار والإفلاس للرأسمالية، لكنني مع ذلك، أشعر أن التمويل الإسلامي بذل جهودا مقدرة في هذا المنحى، كي لا يهمش نفسه من بقية السوق، لأن ذلك قد يجعله سوقا تستند إلى قدر كبير على الاختصاص الدقيق وفي بريطانيا على سبيل المثال، حيث أصبحت اللوائح المصرفية في صدارة سياسة الحكومة من أجل استعادة الثقة للرأي العام فيما يتعلق بالنظام المصرفي، إلا أن اللوائح الخاصة بالتمويل المتوافقة مع أحكام الشريعة، تبدو أمرا بعيد المنال علما بأن المضاربة الخطيرة والاستخدام المبالغ للمشتقات، كانت هي السبب الرئيسي في انفجار الأزمة المالية العالمية.

* كيف تنظر إلى أهمية إطلاق أول فترة تدريب تعاوني لدراسة عوائد الاستثمار من الأوقاف الإسلامية من قبل مجموعة متعددة الجنسيات من الشركات المتخصصة في المصرفية الإسلامية؟ وما طبيعة مشاركتك فيها؟

- وجدت أن هناك فجوة كبيرة في المعلومات، خاصة حول دور الأوقاف في التنمية الاقتصادية، لا سيما في السعودية، وبدت الحاجة الماسة لصناعة جيل متدرب في هذا المجال، للمساهمة بشكل علمي وتطبيقيي في معالجة هذه المشكلة، وينبغي علينا أن نأمل في أن نتائج الدراسة ستتاح على نطاق واسع بعد نشره في مارس (آذار) 2013 في لندن، وعن نفسي سوف أركز في تدريبي على أسواق رأس المال العالمية والمهنية لإدارة الأصول من مكاتب BLME في لندن، قبل أن أنتقل إلى العاصمة السعودية الرياض، لإجراء الدراسة المذكورة على الأوقاف.

* برأيك ما العائد من هذه الدورة على هذه المجموعات وقدراتها وتنافسيتها في السوق العالمية؟

- أعتقد أن هذه الدراسة يمكن أن يكون لها تأثير مفيد على مواقع هذه المجموعات والشركات في السوق العالمية من حيث القدرات والمميزات والتنافسية، فضلا عن زيادة الوعي لدى هؤلاء المتخصصين في هذا القطاع في السعودية بشكل خاص، وفي غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، في ظل وجود مجموعة من عروض الشركات التنافسية لكل منها.

* لماذا الاهتمام بعوائد الاستثمار من الأوقاف الإسلامية تحديدا؟

- من البديهي فإن الممولين يدفعون أموالا إلى صندوق الوقف بأحجام كبيرة بإمكانها أن تساهم بشكل فعال في تطوير البنى التحية الاقتصادية والتعليمية وغيرها، ويكون في هذه الحالة الحاجة ماسة لإيجاد إدارة مهنية محترفة تستطيع أن تقوم بإدارة تلك الأموال واستثمارها في فرص الاستثمار المناسبة والمتوافقة مع أحكام الشريعة، فضلا عن تخصيص العوائد والأرباح من الاستثمارات لبرامج تخفيف وطأة الفقر، والتي تعاني منها شرائح كبيرة على مستوى العالم، إذ أنه في هذه الحالة، فإن الجهات المانحة سيكون لديها المزيد من الثقة في الأوقاف، لو علموا أن الاستثمارات اللاحقة يجري إدارتها بكفاءة، والتي من شأنها أن توفر عائدات أكثر استقرارا للمستفيدين على المستويين الخاص والعام.

* كيف تنظر إلى أهمية التدريب والتأهيل لدى الطلاب قبل التحاقهم بالعمل في حقل المصرفية الإسلامية؟ وهل هناك إحصائية تبين حجم المؤهلين منهم عالميا والعدد المطلوب لسد النقص فيها؟

- أعتقد أنه ينبغي تشجيع طلاب التمويل الإسلامي، سواء كان لديهم خلفية في العلوم الإنسانية أو في مجال الرياضيات والأعمال، ما دام هؤلاء الطلاب يرغبون في أن يعملوا في مجال الخدمات المصرفية والمالية الإسلامية تحديدا، وبالتالي فإنني أرى أن عدم وجود ما يكفي من الرأسمال البشري في هذا المجال، أعاق تحقيق المزيد من النمو المنشود في صناعة التمويل الإسلامي، وهذا يعني أنه مع ازدياد عدد الطلاب الخريجين من حملة الشهادات العليا والدكتوراه في هذا المجال، سيساهم بشكل كبير في تصحيح المعلومات المغلوطة التي تشوبه، وبالتالي المساهمة بشكل أكثر فعالية في حلحلة جميع المشكلات التي تعترض تطويره، ولذلك يعتبر أن قلة عدد علماء الشريعة، قضية رئيسية، إذ يحكم العلماء الموجودون على الكثير من المجالس، في حين لا يدخل علماء جدد صناعة التمويل الإسلامي إلا بقدر بسيط.

* ما أهم المجالات الأكثر حاجة للتدريب والتأهيل ولماذا؟ وما هي المجالات التي تواجه نقصا حادا فيها؟

- بالتأكيد فإن النقص يشمل جوانب كثير في عملية صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، ولكن أعتقد أن هناك حاجة ماسة لمجموعة من العلماء الشاملين، بمعنى أن يكون العالم مشتغلا بعلوم الاقتصاد بجانب علوم الفقه والعمل المصرفي التطبيقي، إذ هي مشكلة لأن توفيرها يعني تجهيز نوعية من رأس المال البشري التي تغطي خبرة متعددة التخصصات، والتي بدورها تغطي مواضيع تتراوح من التفسير للهيكلة المالية، بعد حضور الكثير من المؤتمرات حول التمويل الإسلامي في لندن، وأقترح في هذا المقام ضرورة وضع برامج تدريبية للشباب، خاصة بالنسبة لعلماء الشريعة المحتملة على وجه التحديد، للتأكد من أن هذه الصناعة لا تتراجع عن العمل.

* ما تقييمك للأداء المصرفي للبنوك الإسلامية؟ وما أهم التحديات التي تواجهها وتواجه صناعة المصرفية الإسلامية؟ وهل من معالجات لذلك؟

- مع أن أداء البنوك الإسلامية بشكل عام جيد، ولكنني أعتقد أن هناك حاجة لتطوير أدائها بشكل أحسن، خاصة عندما تتجه الأسواق إلى النزول، حيث نرى نتيجة لذلك الأداء الثابت لتلك البنوك خلال السنوات الخمس الماضية، وفي رأي، أهم التحديات التي يجب التعاطي معها، هي الحاجة إلى نظام قانوني ورقابي موحد في مختلف البلدان الإسلامية، إلا أن ما يساعد الأمور هو أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موحدة في اللغة العربية، لكن لديها أنظمة مماثلة للقوانين المدنية والعامة التقليدية، ما يجعل تقديم المنتجات الجديدة في مختلف البلدان مكلفة ومعقدة جدا ولو كان ثمة نظام موحد، لانخفضت الشكوك حول الصفقات، التي تتم في أسواق رأس المال الإسلامي.

* كيف تقيم نشاط وانتشار المصرفية الإسلامية عالميا؟

- ليس هناك أدنى شك في أن هذه الصناعة حققت الكثير في الأعوام الأربعين الماضية منذ إنشائها، إذ أعتقد أنها تمكنت من المحافظة على معدلات نمو مثيرة للإعجاب في عدد من الأسواق والاقتصادات في كل من البلدان المتقدمة والبلدان النامية، لكن رغم أن التمويل الإسلامي في أميركا مع تمتعه بخبرة كبيرة في قطاع التجارة إلا أنه ضعيف في تعاطيه مع المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، ولذلك أنا أتفق مع من ذهب من الخبراء بأن يتم تغيير الاسم إلى «التمويل الأخلاقي»، بدلا من تسميته «النظام المصرفي المتوافق مع الشريعة الإسلامية»، إذ قد يكون أكثر تقبلا لإدراجه في السوق العالمية على المدى البعيد.