باحثان اقتصاديان جزائريان: منظمات الأعمال لم تسهم في رفع مستوى معدل النمو الاقتصادي والحد من ظاهرة الفقر

لعدم تبنيها فكرة المسؤولية الاجتماعية برؤية إسلامية في برامجها وأعمالها

TT

أوضح باحثان اقتصاديان جزائريان، أن منظمات الأعمال في الجزائر لم ترق إلى مستوى المسؤولية المرجوة منها، ولم تسهم في الرفع من مستوى معدل النمو الاقتصادي والحد من ظاهرة الفقر، وذلك لعدم تبنيها مشاريع إنمائية تساعد على تنمية المجتمع، في ظل تبني الكثير من المنظمات في الدول المتقدمة فكرة المسؤولية الاجتماعية في برامجها وأعمالها، واعتبارها ضرورة حتمية لا بد منها في عصر تتسارع فيه الخطى.

وفي بحث مشترك، أفاد كل من الخبير الاقتصادي الدكتور عبد القادر بريش، المحاضر بالمدرسة العليا للتجارة الجزائر وزهير غراية، أستاذ مساعد بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة شلف، بأن تأخر تبني المسؤولية الاجتماعية، من طرف القطاع الخاص في الجزائر يعود إلى عدة عوامل لعل من أهمها، حداثة ظهور وتطور دور القطاع الخاص في الاقتصاد الجزائري، بجانب أن الخصائص الهيكلية للقطاع الخاص نمت وتطورت على ضعف القطاع العمومي.

وزاد الباحثان، بأنه من أسباب تأخر تبني المسؤولية الاجتماعية، عدم تبلور فكرتها كمفهوم لدى مسؤولي الشركات بالقطاع الخاص، فضلا عن ضعف دور وسائل الإعلام في التعريف بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، والدفع نحو تعميقها وترسيخها في ممارسات قطاع الأعمال، بالإضافة إلى ضعف دور المجتمع المدني، وخاصة جمعيات حماية المستهلك والاتحادات المهنية في الدفع نحو تبني وتفعيل ممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات في القطاع الخاص الجزائري، مبينين أن القطاع كان همه الوحيد تعظيم الربح، لارتكازه على القطاعات التجارية المربحة.

وكان بحث أعده الباحثان تحت عنوان «دور القطاع الخاص في الجزائر في تعميق مبادئ وممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات»، تناول مسؤولية القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، مبينين أن الاهتمام بدور القطاع الخاص فيها، عزز اتجاه تنمية المجتمع، حيث أصبح ضرورة اجتماعية في ظل التحولات الاقتصادية التي شهدتها البلاد.

ونوه البحث بأن القطاع في الجزائر، حان وقته لتحمل مسؤوليته نحو المساهمة في تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، وتوفير احتياجاتهم من الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، والمسكن الملائم وتوفير فرص العمل، والسلع الغذائية بأسعار مناسبة وغيرها من الخدمات الاجتماعية، مشيرين إلى أن نسبة مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 45.3 في المائة، بينما بلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي المحلي 54.6 في المائة.

وأوضح البحث، والذي هدف إلى التعرف على دور المسؤولية الاجتماعية في الحد من ظاهرة الفقر وتحقيق التنمية في الجزائر والتطرق إلى دور القطاع الخاص فيها، أن التطور في أدبيات مسؤولية الشركات تركز على نوعين من المسؤولية لدى الشركات، الأول المسؤولية الاقتصادية وهو الدافع الرئيسي من نشوء الشركات، والآخر المسؤولية الاجتماعية وهو يرتبط بالكثير من المحددات، التي تؤثر أو تتأثر به.

ووفقا لتطور نشاط الشركات واعتماد الكثير من الدول على النشاط الاقتصادي الحر في دعم وتحقيق الاستدامة لمجتمعاتها، أصبحت هذه المنشآت التجارية، مطالبة بتحقيق الاستقرار والنماء للمجتمع، الذي تعيش فيه بجانب أهدافها الربحية الأخرى، حيث احتلت المسؤولية الاجتماعية للشركات في الجزائر، اهتماما متزايدا من إدارات الشركات عاما بعد عام، حيث باتت ثقافة العطاء والتطوع وأعمال الخير ودعم المجتمع المحلي، متجذرة أكثر فأكثر لدى مؤسسات القطاع الخاص، وأصبحت تشكل أحد المعايير لتقييم أداء الشركات، إلى جانب المعايير المتعلقة بجودة الإنتاج ونوعية الخدمة ومستوى الأسعار وتحقيق الأرباح وغيرها.

ووفق الباحثان، يكتسب الدور الاجتماعي للشركات والقطاع الخاص، أهمية متزايدة بعد تخلي الحكومات عن كثير من أدوارها الاقتصادية والخدمية، ولكن المسؤولية الاجتماعية للشركات لا تقف عند التبرعات للمشاريع والبرامج التنموية والخيرية، فثمة مجالات للعمل ومبادئ تستوجب التزام الشركات بها، ذلك لأنه يعود على المجتمعات والدول بفوائد كبرى، ويجنبها كوارث وأزمات بيئية واقتصادية واجتماعية، ستكون في تكاليفها ونتائجها أكبر بكثير من التكاليف، المترتبة على هذه المسؤوليات والالتزامات.

وفيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال، لفت الباحثان، إلى أن كافة الدول المتقدمة والنامية في العصر الحديث، تطلعت إلى وضع استراتيجيات النمو الاقتصادي للمجتمع المحلي، ولم يعد تقييم المؤسسات الخاصة يعتمد على ربحيتها، كما لم تعد تلك المؤسسات تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط، ذلك لأنه ظهرت مفاهيم حديثة تساعد على إنشاء بيئة عمل قادرة على التعامل، مع التطورات المتسارعة في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية عبر أنحاء العالم.

ومع مطلع السبعينات من القرن الماضي وفق الباحثان، بدأ مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، يأخذ أبعادا أكبر، حيث لم يعد الأمر يتعلق بالأنشطة التطوعية أو التبرعات، بل تعداه ليصبح برامج وخططا استراتيجية، مشيرين إلى أن دراسة أجريت في جامعة بوسطن، أظهرت أن المنظمات التي كانت لديها اهتمامات بالمسؤولية الاجتماعية، حققت فائضا في ربحية السهم بنسبة 5 في المائة عن المنظمات التي لم يكن لديها اهتمام بذلك.

وأفادت الدراسة بأنه يمكن نشر المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال ثلاثة اتجاهات، أولها المساهمة المجتمعية التطوعية، حيث يلقي هذا المجال معظم الاهتمام في الدول، التي يكون فيها الحوار حول المسؤولية الاجتماعية للشركات حديثا نسبيا، ومن الممكن أن يتضمن ذلك الهبات الخيرات وبرامج التطوع والاستثمارات المجتمعية طويلة الأمد في الصحة أو التعليم أو المبادرات الأخرى ذات المردود المجتمعي.

والاتجاه الثاني معني بالعمليات الجوهرية للأعمال وسلسلة القيمة، إذ غالبا ما تكون رؤية وقيادة الأفراد والمنظمات الوسطية ضرورية لإدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث تستطيع أي شركة من خلال التفاعل النشط مع موظفيها، تحسين الظروف والأوضاع وتعظيم فرص التنمية المهنية، وذلك من خلال تطبيق إجراءات التقليل استهلاك الطاقة والمخلفات.

أما الاتجاه الثالث، فهو حشد التأييد المؤسسي وحوار السياسات والبناء المؤسسي، على الصعيد الداخلي تقوم قيادات المسؤولية الاجتماعية للشركات بوضع رؤية وتهيئة المناخ العام، الذي يمكن للعاملين من خلاله تحقيق التوازن المسؤول بين متطلبات المتعارضة لزيادة الأرباح والمبادئ، غير أنه على الصعيد الخارجي، فإن الكثير من رؤساء مجالس الإدارات وكبار المديرين، يقومون بقيادة مشاركة الأعمال في قضايا التنمية بمفهومها الأوسع، ويؤيدون المبادرات الخاصة بالصناعة وغيرها من المبادرات.

أجمع الباحثان على أن منظمات الأعمال تمارس عددا من المسؤوليات الاجتماعية والتي تنحصر ضمن تصنيفين هما الأخلاقية والإنسانية تجاه المجتمع المحلي والموظفين والزبائن والموردين والبيئة والمساهمين، معتبرين المسؤولية الأخلاقية مسؤولية إلزامية، وتتعدى في كونها الإيفاء بالالتزامات القانونية والاقتصادية.

ولفتا إلى أن تبني أهداف أصحاب المصالح، من قبل المؤسسات يحتل مراتب متقدمة في ظل تأثير هذه الأطراف على أهداف المؤسسة ومصالحها الخاصة، لذلك عرضا عناصر المسؤولية الاجتماعية في إطار عام يغطي مجموعة من الأبعاد بشكل عام، مبينين أن هذه الأبعاد، يمكن أن تكيف بقياسات مختلفة وفق اعتبار طبيعة عمل المؤسسة ونشاطها وتأثير فئات أصحاب المصالح المختلفين، متفقين في ذلك مع ما ذهب إليه الباحث كارول، الذي حدد أربعة أبعاد للمسؤولية الاجتماعية، تتمثل في البعد الاقتصادي والأخلاقي والقانوني والخير.

ونوها بأن وجهات نظر الفئات ذات المصلحة الأساسية حول المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات وفق هذه المكونات الأربعة تتباين من ناحية الأهمية التي تعكس مصلحتها، فمثلا يركز المساهمون بالدرجة الأولى على البعد الاقتصادي في حين يركز الزبائن على البعد الأخلاقي، أما الموظفون فما يهمهم هو البعد القانوني، أما المجتمع المدني فيعطي أهمية كبرى للبعد الخير من المسؤولية.

وبحسب الدراسة فإن المسؤولية الاجتماعية لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، مفهوم نشأ مع تراجع القطاع العام كقطاع قائد للاقتصاد، وهيمنة القطاع الخاص على الاقتصاديات المحلية وفتح الأسواق أمام الشركات والمؤسسات التجارية من دون ضوابط، مما أفرز رؤوس أموال كبيرة نشأت على حساب استغلال العامل والمستهلك واستغلال وجود ثغرات في القوانين والتشريعات المنظمة لعمل هذا القطاع أو التحايل على تلك القوانين لتعظيم أرباحها.

ووفق الباحثان، فإن هناك تعريفا شائعا يستخدم من قبل مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، وهو يعرف المسؤولية الاجتماعية للشركات، بأنها تعهد من القطاع الأعمال بالمشاركة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال العمل مع العاملين وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والإقليمي بغرض تحسين جودة حياتهم، مؤكدين على أن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، تضع العلاقة بين العامل والمستهلك والمجتمع عموما وبين القطاع الخاص في موقع تحكمه تبادل المصالح والمنافع.

وأوضحت الدراسة أن متانة العلاقة بين القطاع الخاص والمجتمع تتحول إلى علاقة انتماء، فالشركات التي تتلمس حاجات المجتمع تشعر أفراده بانتماء هذه المؤسسات إليهم وبالتالي تتحول هذه العلاقة إلى علاقة تكامل، ليس للأعمال الخيرية التي يقدمها القطاع الخاص علاقة بل بالمسؤولية الاجتماعية، لأن الأعمال الخيرية جزء من الالتزام الديني الذي فرضه الشرع على رأس المال.

ويميل الباحثان إلى أن المسؤولية الاجتماعية للشركة، يمكن تعريفها بأنها إحساس ديني وأخلاقي ووطني بالمساهمة الاجتماعية، سواء كان بالمال تجاه الأشخاص متعددين، منهم من يعمل داخل الشركة، ومنهم المقيم في المجتمع والبيئة المحيطة، وذلك مقابل استغلال الموارد المادية والبشرية للمجتمع وتحقيق الأرباح، مما يعني أن المسؤولية الاجتماعية للشركات، تتطلب قيام حوار بين الشركات والأطراف المعنية بها، وينطبق بالتالي الاستخدام الشائع لعبارة مواطنة الشركات.

وأمن الباحثان على أن الاعتقاد بأن المسؤولية الاجتماعية، تتعلق بالعمل الخيري، أي من جانب الصدقات ضمن المفهوم الشرعي بالأمر الخاطئ، مؤكدين أن المسؤولية الاجتماعية وفقا للمعايير العالمية، تمتد لتشمل التزام المؤسسات بمراعاة هموم واهتمامات وتوقعات الأطراف ذات الصلة بالشركة وتغطي الجوانب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية ضمن ما يعرف بمفهوم الحد الأدنى من المسؤولية.

ومن مجالات ومحاور هذه المسؤوليات الاجتماعية وفق الدراسة، تنظيم وإدارة الأعمال وفق مبادئ وقواعد أخلاقية، والمشاركة مع الفقراء والطبقات الوسطى على أساس ربحي، وحماية البيئة وتطويرها، وحماية الموارد الأساسية كالمياه والغابات والحياة البرية والتربة وتطويرها، ومكافحة الفساد وتجنبه، والتزام حقوق الإنسان والعمل والعمال، ومساعدتهم في تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية مثل الادخار والتأمين والرعاية لهم ولعائلاتهم، ومشاركتهم في الأرباح.

وأثبتت الدراسة، أن الفقراء يحتاجون إلى شراكة وكرامة أكثر مما يحتاجون إلى صدقات ومعونات، وفي المقابل فإن المنطق السائد لدى كثير من المنظمات الخيرية والحكومات ووكالات الغوث، ومفاده أن القطاع الخاص ليس موضعا للثقة للمشاركة في التنمية، وأن الحلول المعتمدة على السوق لا يمكنها تحقيق التنمية وتخفيض معدلات الفقر يتضمن كثيرا من المغالطات النمطية ويتجاوز على تجارب ونجاحات قائمة بالفعل.

وأكدت أن دور مؤسسات القطاع الخاص، أصبح محوريا في عملية التنمية، وهو ما أثبتته النجاحات التي تحققها الاقتصاديات المتقدمة في هذا المجال، موضحة أن مؤسسات القطاع الخاص، أدركت أنها غير معزولة عن المجتمع، وتنبهت إلى ضرورة توسيع نشاطاتها لتشمل ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية، مثل هموم المجتمع والبيئة، وإلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأضلاع الثلاثة التي عرفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة وهي النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وحماية البيئة.

إلى ذلك، رفعت الدراسة عددا من التوصيات والاقتراحات، من أجل تفعيل وتعميق ممارسة المسؤولية الاجتماعية للشركات من طرف شركات القطاع الخاص في الجزائر، حيث اقترحت على الدولة ضرورة منح تحفيزات من أجل تبني المسؤولية الاجتماعية من طرف القطاع الخاص كالتحفيزات الضريبية وشبه الضريبية ومنح الأولوية في الصفقات بالنسبة للشركات التي تلتزم بتنفيذ برامج تنمية المجتمع.

ودعت الدراسة إلى ضرورة تطوير دور الجمعيات والمجتمع المدني كشريك في برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، كما ترى بأهمية يقع على عاتق المنظومة الإعلامية وخاصة الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة مسؤولية نشر الوعي بالمسؤولية الاجتماعية للشركات.

كما دعت إلى تحديث البرامج والمساقات الدراسية في الجامعات، لتستوعب المفاهيم الجديدة في تسيير منظمات الأعمال على غرار الحوكمة وأخلاقيات الأعمال والمسؤولية الاجتماعية وغيرها من المفاهيم الجديدة، التي أدخلت في فلسفة وفكر التسيير الحديث خاصة بعد الاختلالات، التي عرفها الاقتصاد العالمي، وتنامي انحراف السلوكيات والممارسات اللاأخلاقية، التي تجلّت بعد تفجر الأزمة المالية العالمية الأخيرة.