تطبيقات صكوك مخالفة شرعا يزداد انتشارها بمباركة بعض الفقهاء المعاصرين

خبراء شرعيون ومصرفيون يثيرون عدم التوافق بينها وبين فتواها

TT

أثار مهتمون بصناعة الصكوك الإسلامية، جدلية عدم التوافق بين الفتوى وبين مستندات الصكوك وتطبيقاتها، مبينين أن الإجازة الشرعية في تطبيقات الصكوك، اقتصرت على هيكل الصكوك وإجراء التعديلات عليه من قبل الهيئة الشرعية المعنية، دون التأكد من تضمين التعديلات في المستندات الكاملة للصكوك.

ونوه خبراء شرعيون ومصرفيون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى استغلال بعض الفرص الاستثمارية، التي تقوم على أمرها بعض المؤسسات المالية الإسلامية، بهدف الحصول على فوائد تهيكل غالبا على أساس المشاركة أو المضاربة أو الإجارة، مشككين في شرعيتها في أن تكون أرباح حملة الصكوك ناتجة عن أصولها.

وعلى الرغم من اتفاق أغلبية الفقهاء المعاصرين، على عدم شرعية تطبيقات عدد من صكوك المضاربة والمشاركة وبعض تطبيقات الإجارة، إلا أن تلك التطبيقات المخالفة للأحكام، تكررت واستمرت في التزايد والانتشار وتحوز على الإجازة الشرعية من بعضهم.

من جهته أوضح الباحث الشرعي والخبير المصرفي الدكتور عبد الباري مشعل مدير عام رقابة البريطانية للاستشارات الشرعية، أن تطبيقات الصكوك الإسلامية المعاصرة لا تحقق بدرجة ملائمة خصائص النظام المالي والمصرفي الإسلامي ولا تعكس بدرجة كافية الفروق الجوهرية التي تميزها عن سندات الدين في النظام المالي والمصرفي التقليدي، مشيرا إلى أن الاهتمام بهيكلة الصكوك، انحاز على شكلية العقود على حساب الاهتمام بمقاصد الشريعة.

وعلى الرغم من اتفاق أغلبية الفقهاء المعاصرين على عدم شرعية تطبيقات عدد من صكوك المضاربة والمشاركة بل وبعض تطبيقات الإجارة، إلا أن تلك التطبيقات التي تعد برأي مشعل مخالفة للأحكام التي استقرت مجمعيا وعلى مستوى المعايير، تكررت واستمرت في التزايد والانتشار وتحوز على الإجازة الشرعية من بعض الفقهاء المعاصرين.

ووفق مشعل، فإن الصكوك الإسلامية، شهدت مرحلة انتقالية فاصلة على المستوى الفقهي النظري في عام 2007، وذلك عندما صرح رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات، بأن 85 في المائة من صكوك المضاربة والمشاركة المصدرة مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن هذا التصريح، أحدث بلبلة في سوق الصكوك عالميا؛ حيث انخفضت الإصدارات الجديدة على إثره.

ومن أبرز الملاحظات الشرعية التي أثيرت حول تطبيقات الصكوك وفق مشعل، ضمان القيمة الاسمية من قبل المضارب أو الشريك المدير أو الوكيل بالاستثمار بذرائع منها، تعهد المصدر الملزم بشراء أصول الصكوك بقيمتها الاسمية في نهاية مدة المشاركة أو المضاربة أو الوكالة على أساس الفصل بين شخصية العقد وشخصية المشارك أو المضارب أو الوكيل في الاستثمار.

ومن الذرائع أيضا، تعهد المصدر الملزم بضمان رأس المال في وثيقة مستقلة عن عقد المضاربة أو الوكالة أو عقد إصدار الصكوك، وكذلك تعهد المضارب الملزم بإقراض محفظة البنوك بغرض ضمان توزيعات أرباح بمستوى معين، بالإضافة إلى توزيعات الأرباح على الحساب دون وجود آلية للتحاسب المستقبلي بين حملة الصكوك والمضارب أو الشريك المدير خاصة في الصكوك المتداولة، مع التزام المضارب بتوفير تمويل مشروع للمضاربة بغرض ضمان توزيعات أرباح بمستوى معين.

ولفت مشعل إلى عدم التوافق بين الفتوى وبين مستندات الصكوك أو بين الفتوى وتطبيقات الصكوك، مبينا أن الإجازة الشرعية في تطبيقات الصكوك اقتصرت على هيكل الصكوك وإجراء التعديلات عليه من قبل الهيئة الشرعية المعنية، دون التأكد من تضمين التعديلات في المستندات الكاملة للصكوك، وعلى وجه الخصوص عقود الإجارة والمضاربة والمشاركة والوكالة والتعهدات بالشراء والمواد الخاصة بحالات الإخفاق في كل هذه العقود، وهذا يعني برأيه أن الفتوى لم تلامس المستندات، التي جرى توقيعها من الأطراف ذوي العلاقة، والتي كان من المفترض أن تشملها الإجازة الشرعية.

ويتعين على الهيئات الشرعية أن لا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك بل يتحتم عليها أن تدقق في العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، مع التأكد من أن العملية تلتزم في جميع مراحلها بالمتطلبات والضوابط الشرعية وفقا للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وما تتحول إليه تلك الحصيلة من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية وفقا للمعيار الشرعي رقم 17 بشأن صكوك الاستثمار، بينما أوصى المجلس المؤسسات المالية الإسلامية، أن تقلل في عملياتها من المداينات وتكثر من المشاركة الحقيقية المبنية على قسمة الأرباح والخسائر وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة.

ووفق مشعل، كان لبيان المجلس الشرعي أثره في إيضاح الرأي الفقهي للقضايا المفصلية في شرعية الصكوك المتداولة، والتأكيد على أن بعض تطبيقات الصكوك لا تتوافق مع الأحكام الفقهية، التي تضمنها البيان، بيد أن هذا البيان برأيه، لا يتمتع بالإلزام من الناحية القانونية، فما يصدر عن أيوفي لا يتمتع بالإلزام إلا في حال ألزمت به سلطة إشرافية أو ألزمت به هيئة شرعية نفسها بإرادتها، لذا فإن البيان كما يعتقد مشعل، لم يحد من التطبيقات المخالفة لما تتضمنه من أحكام حتى ممن اشتركوا في إصداره، وهو الأمر الذي يحتاج برأيه قدرا من التفكير في معالجات أكثر فعالية في منع التطبيقات المخالفة للصكوك.

واتفق الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز «الشروق للدراسات والاستشارات الاقتصادية» بجازان السعودية، على أنه من الملاحظات المثارة، الصورية في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك التي تقوم عليها صكوك الإجارة المنتهية بالتمليك؛ حيث كان من مؤيدات ذلك، النص على عدم أحقية حملة الصكوك في التصرف في العين المؤجرة في حال إخفاق المستأجر في سداد الإيجارات وفسخ عقد الإجارة واقتصار أحقيتهم في الإيجارات، كذلك شبهة بيع الوفاء، إذ تقوم بعض صكوك الإجارة على شراء العين من المصدر وإعادة إجارتها عليه بالتمليك مع الإلزام بإعادة الإجارة.

وزاد باعشن أنه لم يتجاوز اهتمام الإجازة الشرعية، في بعض تطبيقات الصكوك إلى أكثر من الإجازة الشرعية للهيكل أو الهيكل والمستندات، ولذا برأيه لم تتوافر أي تأكيدات ملائمة بشأن استخدام حصيلة بيع الصكوك في الغرض، الذي أصدرت من أجله أو بطريقة المحددات في مستندات الصكوك، أو بشأن مدى تحقيقها للعوائد المتوقعة والموزعة، بل لا توجد أي تأكيدات بشأن استمرار وجود أصول الصكوك، مشيرا إلى أنه على إثر هذا التصريح، تداعى المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في ثلاثة اجتماعات بين عامي 2007 و2008 لتقويم تلك التطبيقات وإصدار الرأي الشرعي الذي يمثل رأس المجلس الشرعي.

واستنادا على البيان الذي أصدره المجلس في هذا الشأن، لفت باعشن إلى أن المجلس الشرعي بهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي)، بحث موضوع إصدار الصكوك، نظرا لاتساع تطبيق الصكوك عالميا والإقبال عليها وما يثار حولها من تساؤلات وملاحظات، مقدما من خلال عدد من النصائح، أولها أنه يتحتم أن تمثل الصكوك القابلة للتداول ملكية حملة الصكوك بجميع حقوقها والتزاماتها، في موجودات حقيقية من شأنها تتملك وتباع شرعا وقانونا سواء أكانت أعيانا أم منافع أو خدمات وفقا لما جاء في المعيار الشرعي رقم 17 بشأن صكوك الاستثمار.

وأوضح المجلس أنه تقع على مدير الصكوك مسؤولية إثبات نقل ملكية الموجودات في سجلاته وألا يبقيها في موجوداته، مؤكدا عدم جواز أن تمثل الصكوك القابلة للتداول الإيرادات أو الديون، إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها أو محفظة لها ذمة مالية قائمة لديها ودخلت الديون تابعة للأعيان والمنافع غير مقصودة في الأصل وفق الضوابط المذكورة في المعيار الشرعي 21 بشأن الأوراق العالمية.

ووفق البيان فإنه لا يجوز لمدير الصكوك سواء أكان مضاربا أو شريكا أو وكيلا بالاستثمار أن يلتزم بأن يقدم لحملة الصكوك قرضا عند نقص الربح الأصلي عن الربح المتوقع، في حين يجوز أن يكون احتياطيا لتغطية حالة النقص بقدر الإمكان بشرط أن يكون ذلك منصوصا عليه في نشرة الاكتتاب، مبديا عدم ممانعته لتوزيع الربح المتوقع تحت الحساب وفقا للمعيار الشرعي رقم 13 بشأن المضاربة أو الحصول على تمويل مشروع على حساب حملة الصكوك.

ولم يجز المجلس للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها، ويجوز أن يكون التعهد بالشراء على أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة العادلة أو بثمن يتفق عليه عند الشراء وفقا لما جاء في المعيار الشرعي رقم 12 بشأن الشركة (المشاركة) والشركات الحديثة وفي المعيار الشرعي رقم 5 بشأن الضمانات علما بأن مدير الصكوك ضامنا لرأس المال بالقيمة الاسمية في حالات التعدي أو التقصير ومخالفة الشروط سواء أكان مضاربا أو شريكا أو كيلا بالاستثمار.

أما إذا كانت موجودات صكوك المشاركة أو المضاربة أو الوكالة بالاستثمار وفق الحمادي، تقتصر على أصول مؤجرة إجارة منتهية بالتمليك، فيجوز لمدير الصكوك التعهد بشراء تلك الأصول عند إطفاء الصكوك بباقي أقساط الأجرة لجميع الأصول باعتبارها تمثل صافي قيمتها، كما يجوز للمستأجر في التعهد في صكوك الإجارة شراء الأصول المؤجرة عند إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية على ألا يكون مضاربا أو شريكا أو وكيلا بالاستثمار.

وفي هذا السياق، أوضح المستشار الاقتصادي محمد بن فهد الحمادي، أن صكوك المرابحة لا تكون مبنية على أصول أو مشاريع، بل يكون محل الصكوك هو الدين، مبينا أن فكرة صكوك المرابحة تعني حملة الصكوك، يقومون بشراء سلع من موردين مثل سوق لندن للمعادن أو بورصة سوق السلع الماليزي، من خلال وكيل حملة الصكوك، والذي يكون بنكا في العادة، وذلك بثمن حال، في حين أن يبيع حملة الصكوك هذه السلعة على مصدر الصكوك بثمن مؤجل وربح محدد لعدد محدد من الأعوام.

وزاد بأن يتم إصدار صكوك لصالح حملة الصكوك، من قبل مصدر الصكوك، على أن تثبت مديونية مصدر الصكوك لحملة الصكوك، مبينا في الشهادة قيمة ومدة سداد، وأن يبيع مصدر الصكوك السلعة على مورد آخر، أو في حال كانت السلعة من بورصة سوق السلع لبعض البلاد الإسلامية، فتباع في نظام البورصة بحسب الطلب والعرض، وذلك بثمن حال، ويستخدم مصدر الصكوك هذا المال في مشاريعه المختلفة.

واستعان الحمادي برأي أدلى به محمد بيانوني، مستشار شرعي ومطور منتجات مالية إسلامية، يفيد بأن صكوك المرابحة لا يمثلها إلا دين، وحيث إن الرأي الأغلب يقف على تحريم بيع الدين بسعر حال أقل منه، فإن هذا يؤدي إلى عدم قابلية تداول الصك بين الأفراد، مبينا أن أشبه أمر لهذا المثال هو ما ورد عن «بيع الجامكية»، مشيرا إلى أن الجامكية هي صك بمبلغ معلوم وأجل معين تقرره الدولة للرجل عطاء من بيت المال، فهو كالدين في الذمة، مشيرا إلى أن الجهات المعنية تقوم على هيكلة الصكوك على أساس المرابحة، لرفض الهيئات الشرعية لمثل هذه الصكوك.

ولذلك فإن بعض الجهات أخذت تضم منافع غير مقصودة بذاتها إلى دين المرابحة حين إنشاء الصك مع تغليب هذه المنافع على الدين، بحيث تجعل نسبة المرابحة 49 في المائة من نسبة الصكوك، وتكون 51 في المائة من نسبة الصكوك المتبقية أصولا ومنافع، وذلك ليقبل تداولها شرعا، مع أن بعض الهيئات الشرعية تجيز ذلك، مستدركا بأن أغلب الهيئات الشرعية لا ترى جواز هيكلة صكوك على هذا الأساس، لما تتضمن عليه صورة هذه الصكوك في العادة من ضمان عوائد الصكوك ككل.

وعليه اقترح الحمادي تضمين ما يسمى بسلعة الوسط لتداول صكوك المرابحة والتي تمثل دينا بنسبة 100 في المائة، وذلك من خلال حزمة من الإجراءات، من بينها التنسيق مع وكيل حملة الصكوك ليقوم بالإجراءات المطلوبة وكالة عن المستثمر وحامل الصك، أو أن يشتري المستثمر الراغب في تملك الصك، سلعا من بورصة سوق السلع الأكثر قدرة وسهولة على إتاحة عمليات بأسعار منخفضة، تقارب أسعار الصكوك بثمن حال، أو يقوم المستثمر ببيع السلعة على حامل الصك بثمن مؤجل بنفس المدة والقيمة المؤجلة المدفوعة في الصك، بينما يقوم حامل الصك بإحالة المستثمر إلى مصدر الصكوك ليستوفي دينه، وذلك بتمليك المستثمر الصك ليستوفي منه مبلغ دينه القائم على حامل الصك.

ومن الإجراءات المطلوبة أيضا في هذه الحالة وفق الحمادي، أن يصبح الصك ملكا للمستثمر، ويقوم حامل الصك القديم ببيع السلعة بالسوق بثمن حال ليحصل على النقد، وبهذا يكون ذلك حلا أفضل استخدام أدوات أخرى كالأسهم أو غيرها والتي يصعب تطبيقها مع زيادة حجم المخاطرة في التعامل من خلالها.