علي بن نور: التأمين التكافلي من خلال الوقف لا تكتمل صورته إلا بتوفر 4 شروط

باحث يشخص علاقة الوقف بالتأمين من خلال اتجاهين

الباحث علي بن نور («الشرق الأوسط»)
TT

في سياق الاختلاف والإشكالات، التي أوردت على التأمين التعاوني المبني على الالتزام بالتبرع، ظهرت الدعوة إلى توظيف نظام الوقف ليقوم التأمين التعاوني المبني على الالتزام بالتبرع، غير أن الباحثين في التأمين التكافلي، من خلال الوقف لم يعنوا بوضع حد للتأمين التكافلي لهذه الصيغة، بهدف جعل الوقف قائما بوظيفة التأمين والتخفيف من آثار المخاطر، ومجال الإبداع، وشحذ الأذهان لتطوير صيغ أخرى للتأمين من خلال الوقف.

وفي هذا الإطار، أوضح الباحث علي بن نور، أن التأمين التعاوني دخل مرة أخرى دائرة النقاش والجدل الفقهي، وذلك بهدف تعزيز دور الوقف للقيام بدور أكثر فعالية في توزيع المخاطر، بما يناسب تعقيدات الحياة المعاصرة، للخروج من الإشكالات الواردة على صور وتطبيقات التأمين، مسلطا الضوء على علاقة الوقف بالتأمين من خلال اتجاهين.

ولفت إلى أن هذه العلاقة تجعل نظام الوقف بديلا عن نظام التأمين بالكلية، من خلال إنشاء صناديق وقفية استثمارية للتأمين الخيري، حيث يقوم محسنون أو مشتركون في نوع من المخاطر بوقف أموالهم في هذه الصناديق بحيث تستثمر، ويجعل مصرف الغلة في مصارف التأمين، دون الالتزام بتغطية المخاطر من قبل الصندوق إلا في حدود موجودات الصندوق من عوائد استثماراته.

ونوه إلى أن هذا المقترح الذي طرحه الدكتور أحمد الحجي الكردي في الجملة، كان متأثرا بتجربة الصناديق الوقفية، والتي قامت بها الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت، بهدف الإسهام في تطوير مسيرة هذه الصناديق بتخصيص صناديق للتأمين، غير أن هذا المقترح والذي لا يرى أن فيه إشكالا من الناحية الفقهية، لم ينتقل إلى حيز التطبيق، نظرًا لأن هذا المقترح لا يمكن أن يكون بديلا قائما لوظائف التأمين المعاصرة، وإن أكد أنه يساهم في تصحيح تطبيقات التأمين، من خلال منافستها في تقديم بعض خدماتها، وتغطية بعض الحالات التي تستبعدها شركات التأمين.

ووفق نور فإن الاتجاه الثاني لصورة التأمين التكافلي من خلال الوقف، والذي طرحه محمد تقي العثماني، وحصل على تأييد من علماء الشريعة في جامعة دار العلوم بكراتشي، يقوم حول إنشاء صناديق وقفية، يتبرع المشتركون من خلاله لصندوق التأمين الوقفي، الذي تقتضي لوائحه توفير التغطية التأمينية للمتبرعين له، وتصرف هذه التبرعات في مصارف الصندوق، مبينا أن هذا النموذج يهدف إلى توظيف الوقف لتطوير التأمين التكافلي، ومعالجة إشكالاته الفقهية، كما يهدف بشكل أساسي إلى معالجة شبهة المعاوضة، والسعي لوضع إطار للاعتراف بالشخصية الاعتبارية لصندوق التكافل.

غير أن هذه الصيغة الثانية والحديث لنور، كانت محل نقاش وجدل، حيث اعترض عليها عدد من الفقهاء المعاصرين، وقبل بها آخرون مع قبولهم للصيغة المشهورة للتأمين التكافلي من خلال الالتزام بالتبرع، حاول الباحث على تحريرها من خلال بحثه الذي أعده تحت عنوان «التأمين من خلال الوقف - دراسة فقهية تطبيقية معاصرة».

وتوصل الباحث إلى تحديد أربعة لأركان وشروط التأمين التكافلي من خلال الوقف، أولها الواقف، وهو المنشئ لصندوق الوقف، ويُقصد به مجموع المشتركين أو الشركة المؤسسة والمنشئة للوقف، وثانيها الموقوف وهو صندوق التأمين الوقفي، ويمثل المؤمِّن في عملية التأمين، وثالثها الموقوف عليهم وهم من يستحقون تعويض الخسائر بحسب شروط الصندوق، وهم المستأمِنون، وأخيرا الصيغة، وهي اللفظ الصادِر عن الواقف عند وقف أصل الصندوق، أو عند وقف الاشتراكات التي يدفعها المستأمنون عند من جعلها أوقافا.

وعن شروط الصيغة في التأمين التكافلي من خلال الوقف، قال الباحث: «الصحيح أن الوقف لا يشترط له صيغة معينة، وأنه ينعقد بما يدل عليه من قول أو فعل، ولا يشترط في صحة الوقف قبول الموقوف عليه، وإنما هو شرط في استحقاقه، ولا يشترط - في الأظهر - أن تكون الوقف مؤبدا، فيصح الوقف مؤبدا ومؤقتا، كما لا يشترط أن يكون الوقف منجزا، فيجوز أن يكون معلقا، كما لا يشترط - على الصحيح - التصريح بالمصرف».

وأما فيما يتعلق بشروط الواقف في التأمين التكافلي من خلال الوقف وفق نور، فإنه يشترط في الواقف شرطان، أولهما أن يكون من أهل التبرع، بأن يكون عاقلا بالغا حرا مختارا، غير محجور عليه، لفلس أو سفه، وألا يكون في مرض الموت فيما زاد على الثلث، وثانيهما أن يكون مالكا للموقوف، و«الأظهر أن وقف الفضولي يصح بإجازة المالك، كما يصح - في الأظهر - وقف الإمام (الإرصاد) إذا كان على مصلحة عامة، وإن لم يكن مالكا، لأن تصرفه بالوكالة عن الأمة».

ويشترط في الموقوف في التأمين التكافلي من خلال الوقف توفر ثلاثة عناصر، الأول أن يكون مالا وهو ما يباح نفعه مطلقا واقتناؤه، بلا حاجة من الأعيان والمنافع والحقوق، والأقرب أنه يشترط في الموقوف فيه أن يصح عاريته مما فيه منفعة مباحة، وإن لم يجز بيعه، والثاني أن يكون معلوما، سواء كان معلوما عند الوقف، أو يؤول إلى علم، والأخير أن يكون مما يباح الانتفاع به مع بقاء عينه، «وهذا يتحقق - على الصحيح - في وقف النقود؛ إذا وقفت للقرض أو للمضاربة والتصدق بريعها، ويكون بدلها يقوم مقامها».

وأما شروط الموقوف عليه في التأمين التكافلي من خلال الوقف، فتتطلب أن يكون جهة مباحة، سواء كان الوقف على معينين أو على جهة، ولا يشترط - في الأظهر - أن يكون على جهة قربة، ويصح أن يكون الوقف على غير المسلم، لأنه من أهل القربة في الجملة، إلا الحربي، كما تتطلب أن يكون على من يملك، سواء حقيقة كزيد والمساكين، أو حكما كالمساجد والسبيل، كذلك يشترط أن لا يعود الوقف على الواقف، لافتا إلى أنه لا يصح على الصحيح الوقف على النفس، لأنه مخالف للمقصود من الوقف، لكن للواقف استثناء اليسير، «ولا يدخل في المنع بالإجماع إذا كان الوقف على جهة عامة كالمسجد، ولا يدخل - على الصحيح - إذا اتصف في جملة الموقوف عليهم».