مطالبات بجسم تشريعي موحد لضبط المنتجات الإسلامية على مستوى العالم

خبراء: ضعف الدعم اللوجيستي من قبل البنوك المركزية أعاق نموها

TT

أهاب خبراء مصرفيون وشرعيون بالبنوك المركزية في البلاد الإسلامية، أن تلعب دورا ملموسا في مسألة التشريع والتنظيم الخاص بصناعة المصرفية، بالتعاون مع كل من مجلس الخدمات المالية والإسلامية بماليزيا ومجمع الفقه الإسلامي، وغيرهما من الأجسام الإسلامية والاقتصادية ذات الصلة، وذلك للوقوف على التعثرات التي تعرقل ازدهار المصرفية الإسلامية وجعلها الخيار الأوحد على مستوى العالم.

وأوضح الخبراء في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه على الرغم مما حققته المصرفية الإسلامية من نيل ثقة الكثيرين من أنحاء العالم المختلفة، في أنها قادرة على استيعاب المتغيرات ومعالجة الاختلافات والاتفاق على الحد الأدنى على إجازة المنتجات الإسلامية، فإن هذه الثقة لم تستوف حقها من الجهات المعنية بها كما ينبغي، مشيرين إلى أن الدور المأمول من هذه المكونات المالية والإسلامية المذكورة أعلاه، يكاد يكون غائبا بسبب عدم التنسيق البحثي الدوري، الذي من شأنه إيجاد حلول لكل معضلاتها الآنية والمستقبلية من خلال تشريعات ملزمة.

من جهته، أوضح الخبير القانوني الدكتور فهد العنزي، أن غياب جسم مستقل جامع وموحد لجميع الكيانات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية، جعل الأخيرة في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في العمل المصرفي الإسلامي، بسبب ما كثر حوله من لغط في منتجاته وتشوهات أخذت تبرز بين الفينة والأخرى، محملا البنوك المركزية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية الجزء الأكبر من المسؤولية، مشيرا إلى أن عددا من المنتجات الإسلامية يحتاج لإعادة هيكلة تنظفها مما علق بها من شوائب المنتجات التقليدية.

ويعتقد أنه يقع على البنوك المركزية دور إيجابي كبير، يمكن أن تلعبه في سبيل معالجة وضبط بعض المنتجات الغربية التقليدية وفق الشريعة الإسلامية، لتسويقها بشكل منضبط ومستوف لكل الشروط المطلوبة قانونيا من قبل الهيئات الشرعية والبنوك الإسلامية ومن البنوك المركزية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، لضمان وضع معايير أو شروط توقف كل الألاعيب التي تمشي بين العملاء باسم التمويل الإسلامي.

وأضاف العنزي أن المطلوب أيضا موقف حاسم وجاد، يعالج الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى القرارات القائمة على تبرير ما هو معمول به في الغرب من أن هذا شرعي أو غير شرعي، مشددا على أهمية ابتكار منتجات تمويل إسلامية صرفة قائمة على حقيقة واحدة وهي المشاركة في الربح والخسارة، أو ما يسمى بالمضاربة، مبينا أهمية تعاون وتكامل أدوار الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية.

وزاد العنزي أن العمل على إيجاد أجهزة مراقبة دقيقة، من شأنه ضبط عمل الهيئات الشرعية التي يعتبرها حجر أساس في هذه الصناعة، مع ضرورة العمل بعيدا عما أفرزته بيروقراطية العمل المصرفي الغربي، مشددا على ضرورة أن تقدم هذه الهيئات مشروع عمل مصرفي إسلامي للبنوك لتعمل هذه الأخيرة على ضوئه دون أن تنقاد لها.

الباحث المصرفي الصادق إدريس يرى أن غالبية البنوك المركزية في البلاد الإسلامية، لم تهتم كثيرا بعملية التشريع والتنظيم لصناعة المصرفية الإسلامية، ما جعل الكثير من المؤسسات المالية الإسلامية في تلك البلاد تنطلق في عملياتها الإنتاجية وفق اجتهادات صادرة من جهات تشريعية تابعة لها، لم تستطع أن تتبرأ من الكثير من العيوب والأخطاء.

ويعتقد أن هناك ضرورة ملحة لتكوين جسم جامع يعنى بصناعة المصرفية الإسلامية، يقع تحت لوائه عضوية لعدد كبير من البنوك المركزية والجمعيات والهيئات المالية والاقتصادية والتشريعية الإسلامية، وذلك لدراسة التحديات والمعضلات التي تعرقل مسيرة العمل المصرفي الإسلامي على كل الصعد، ومن ثم إيجاد توافقات وحلول مرنة قابلة لاستيعاب المتغيرات، وذلك لمعالجة موضوع الفتاوى المتباينة والتشريعات الخاطئة والتشوهات التي أصابت بعض المنتجات الإسلامية.

ولفت إلى أن البنوك المركزية يقع عليها العبء الأكبر في هذا الموضوع، باعتبارها مصدر التشريعات التي يفترض بها أن تخدم البنوك من حيث المنتجات الإسلامية، مشيرا إلى أن الأمل معقود في أن يزيد انتشار المصرفية الإسلامية بشكل يضمن ربط المنتجات المالية بالمنتجات الحقيقية، مشددا على ضرورة الابتعاد عن تعقيد المنتجات، حتى تزدهر هذه الصناعة ويزداد الاهتمام بها علميا، مع ضرورة العمل على تطور الوعي الاستثماري عبر آلياتها التي تتفق والشريعة الإسلامية.

وفي هذا الإطار اتفق الخبير المصرفي والشرعي الدكتور عبد الباري مشعل مدير عام شركة «رقابة للتشريعات» في بريطانيا، مع كل ما ذهب إليه سابقيه، مبينا أن المجتمع المصرفي الدولي ما زال ينتظر بتوجس، ما يمكن أن يثبت جدارة العمل المصرفي الإسلامي، وتوضيحات تزيل اللبس والشوائب التي صاحبت بعض المنتجات الإسلامية اسما لا فعلا، مبينا أن الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية لم تستفد من الفرصة الذهبية التي منحتها الأزمة المالية العالمية، بأن يتم تقديمها باعتبارها خيارا أفضل وحيدا حتى الآن.

وأوضح أن الأزمة المالية كشفت عن حاجة ملحة لآلية صناعة مصرفية إسلامية تمنع مسببات انهيار السوق المصرفية، مشيرا إلى أنه يقع أمام ذلك جملة من التحديات أهمها الدعم اللوجيستي، مشيرا إلى أن المنطقة الإسلامية تفتقر لتشريعات وتطوير منتجات وكوادر مؤهلة وتطبيق أمثل لآلية المشاركة لتحسين صورة العمل المصرفي وزيادة نموه.

وحذر مشعل من الركون إلى النجاحات التي حققتها هذه الصناعة خلال الأعوام الأخيرة، دون تشخيص وتمحيص أخطائها المصرفية والاقتصادية والتشريعية، واستصدار شرائع مصرفية ضابطة ومراقبة بشكل ملزم على مدى انتشارها، حتى لا تتحمل المصرفية الإسلامية وزر من أخطأ وخلط بين الجانب الشرعي بنظيره التقليدي، مشيرا إلى ترك انتشار منتجات مصرفية مشوهة باسم الإسلام بصورة مقلقة، قد تكون مدخلا مسيئا للمصرفية الإسلامية، يستخدمه ضعاف النفوس في البلاد غير الإسلامية لتقديم المصرفية التقليدية من خلاله.

وشدد على ضرورة العمل قدر الإمكان على الفصل بين الفتوى والتدقيق في مرحلة من مرحلة العمل الشرعي المصرفي، مؤكدا على أهمية الإجماع قدر الإمكان في أمر الفتوى لا أن تكون صادرة عن جهة خاصة، حتى تكون قادرة على اعتماد مرجعية موحدة للمعايير الشرعية، ومن ثم آلية لإعادة إصدار المرجعية الموحدة والتعامل مع الفجوات المحتملة، بجانب أهمية تعيين هيئة عليا للعناية بالمرجعية الموحدة وإعادة إصدارها دوريا للوقوف على صحة تنفيذها وسيرها، مشيرا إلى أن ذلك سيساهم بشكل فعال في معالجة المشكلات الناتجة عن ضعف استقلالية الهيئات الشرعية، والتعدد في عضوية الهيئات وضعف استقلالية التدقيق الشرعي وغياب التدقيق الداخلي وآليات المحاسبة.