مجمع الفقه الدولي يفتي بعدم جواز عقد التأمين ذي القسط الثابت وأجاز بيع أموال المفلس

عقد دورته العشرين في وهران بالجزائر وخرج بحزمة توصيات

TT

«قطعت جهيزة قول كل خطيب».. هذا ما توصل إليه جهاز إسلامي دولي مؤخرا، إلى فتوى قاطعة بحرمة عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري، على اعتبار أنه عقد معاوضة، يتضمن غررا كبيرا مفسدا للعقد، مستعيضا عنه بعقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون كبديل له، باعتباره يتفق مع أصول التعامل الإسلامي.

وقرر هذا الحكم، مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، في دورته العشرين التي عقدها في وهران بالجزائر، في الفترة ما بين 13 و18 سبتمبر (أيلول) 2012، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (التأمين: الأحكام والضوابط الشرعية)، في هذه الدورة والدورات السابقة ذات الصلة.

كما استعان مجمع الفقه الإسلامي في حرمته لهذا العقد، على التوصيات الصادرة عن مؤتمر (التأمين التعاوني: أبعاده وآفاقه وموقف الشريعة الإسلامية منها، المنعقد في عمان بالأردن في الفترة من 11 إلى 13 أبريل (نيسان) بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإسيسكو)، والجامعة الأردنية والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية.

ورأى بذلك، ضرورة الخروج بتصور متكامل عن التأمين التعاوني، بناء على جملة من الإشكالات التي ظهرت من خلال التطبيقات المتعددة في شركات التأمين الإسلامية، والعقبات النظامية والرقابية التي واجهتها على مدى مسيرة عملها في الفترة السابقة.

إلى ذلك، تم تكليف أمانة المجمع بتكوين لجنة من الفقهاء والخبراء، بالتعاون مع مراكز البحوث ذات الصلة، للوصول إلى مشروع متكامل ينظم الأحكام والضوابط الشرعية للتأمين التعاوني، وأن يتضمن ذلك الصيغ المقبولة شرعا، ما من شأنه أن يمنح مرونة في التطبيق العملي، كما يهدف أيضا لتضمين ذلك الأحكام والضوابط الشرعية، المبينة لأسس التأمين التعاوني ومبادئه.

وأوصى المجمع من خلال هذه الأسس، بأهمية تعزيز مفهوم التأمين التعاوني وحقيقته من منظور الشريعة الإسلامية، وكذلك المقارنة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري، من حيث المقارنة بين التأمين التعاوني المقبول شرعا وبين المبادئ الدولية للتعاون، وكذلك من حيث المقارنة بين التأمين التعاوني المقبول شرعا وبين مبادئ التأمين التجاري.

وتطرق إلى ضرورة تنظيم وتعزيز العلاقات بين أطراف التأمين التعاوني وتوصيفها، وعلى وجه الخصوص توصيف العلاقة بين المشتركين في الوعاء، والعلاقة بين الوعاء ومن تناط به إدارته.

وأوصى بالضبط الشرعي لأحكام العوض المستحق لمدير الوعاء ومعايير تقديره، وكذلك أحكام الفائض التأميني والعجز حال وجودهما، والاشتراك والانسحاب من وعاء التأمين التعاوني وضوابطهما الشرعية، بجانب الأحكام الشرعية لتصفية وعاء التأمين التعاوني.

ورأى كذلك، ضرورة الضبط الشرعي لأحكام إعادة التأمين التعاوني، مع أهمية تعزيز مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، بجانب مبدأ الحلول وما يتعلق به ومبدأ التحمل وما يتعلق به.

وطالب المجمع اللجنة التي كونها مؤخرا، بتقديم مقترح المشروع الذي تتوصل إليه اللجنة إلى دورة المجمع المقبلة، لصياغة مشروع قرار في ضوء ما أتفق عليه فيما سبق.

وفي الدورة نفسها، أصدر المجمع قراراته بشأن أحكام الإعسار والإفلاس في الشريعة الإسلامية والأنظمة المعاصرة؛ حيث عرف الإعسار والمدين المعسر، وذلك بأن الإعسار وصف عارض يلحق بالشخص ويكون معه عاجزا عن القيام بنفقاته الواجبة وسداد ديونه، أما ضابط الإفلاس فقد عرفه بأنه عدم كفاية أموال المدين لسداد ما عليه من ديون.

ومن أبرز الفروق بين الإعسار والإفلاس عند الفقهاء، أن الإعسار قد يكون مسبوقا بحالة اليسار وقد لا يكون مسبوقا بها، بخلاف الإفلاس فإنه لا يتحقق إلا إذا كان مسبوقا بحالة اليسار، محجرا على المفلس، أما المعسر فإنه رأي أن ينتظر به إلى حين ميسرة، في حالة ثبت إعساره بطرق معتبرة شرعا.

وقضى المجمع بألا يحكم القاضي بحبس المعسر متى ثبت إعساره، أما المفلس فإنه قد يحبس تعزيرا في حالة الاحتيال والتدليس أو الإهمال والتقصير، مشيرا إلى أن الإعسار قد يكون بدين أو حق شرعي كالنفقة، بخلاف الإفلاس فلا يكون إلا بدين.

ومن أحكام الإفلاس في الفقه الإسلامي، منع المفلس من التصرف في أمواله بما يضر الدائنين، والتي تعني التبرعات والمعاوضات المالية، والإقرار بالدين يكون بعد شهر الإفلاس، مبينا أن منع المفلس من التصرف، وإنهاؤه يكون بحكم القاضي المختص.

وأجاز المجمع منع المفلس من السفر إذا أدى السفر إلى ضرر ظاهر بحق الدائنين، قاضيا بسقوط آجال الديون المؤجلة التي على المفلس، بالإضافة إلى قيام القاضي المختص ببيع أموال المفلس، بما هو أصلح وأنفع للدائن والمدين وقسمة ثمنها، مبينا أنه في حال ظهر للمفلس مال جديد، جاز للدائنين مطالبته بالوفاء بالباقي من ديونهم، مشيرا إلى أن حق الدائن في استرداد عين ماله الذي يجده دون أن تتغير أوصافه ضمن أموال المفلس إذا لم يستوف ثمنه.

وفيما يتعلق بتغريم المدين الموسر المماطل، أكد تحريم فرض غرامة عليه في حالة البيع بالتقسيط، مع جواز تحميله المصروفات القضائية، في وقت أجل فيه المجمع الإفتاء بشأن حماية المؤسسات المالية الإسلامية، كمسألة التأمين على الديون والالتزام بالتبرع إلى الدورة المقبلة.

وأجل للدورة المقبلة كذلك، أحكام تصرفات المفلس في فترة الريبة، وأحكام إفلاس الشركات والمؤسسات المالية في ضوء الأنظمة المعاصرة، بالإضافة إلى أن أجل موضوع الإعسار المدني؛ حيث يلحظ أن مصطلح الإعسار قد يرد في بعض القوانين الوضعية، شاملا لمصطلحي الإفلاس والإعسار في الفقه الإسلامي.