خبراء: بعض البنوك الإسلامية تتجاوز بتفريغ منتجات من مقصدها الإسلامي

قالوا إن غياب معيار محايد من جهة مستقلة أفرز ثغرة حساب مقدار التكلفة الفعلية

TT

أثار خبراء شرعيون وقانونيون واقتصاديون، ظاهرة التحايل التي تمارسها بعض البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تجاه عملائها، وذلك ببيعها منتجات تدعي أنها إسلامية بينما هي أقرب للمنتجات التقليدية القائمة على الفائدة الممنوعة شرعا.

ولفت الخبراء في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن تطبيقات بعض المصارف الإسلامية في دول الخليج، أوجدت ثغرة في بعض التعاملات المصرفية، لا سيما طريقتها في حساب مقدار التكلفة الفعلية التي تحملها العميل بسعر أعلى في وقت تتراوح فيه قيمتها من بنك إلى آخر.

وعلى الرغم من أن وجود اختلاف في مبلغ التكلفة الفعلية من بنك إلى آخر شيء طبيعي وموجود في البنوك، فإن الخبراء أكدوا أن محل الإثارة هو اختلاف الطريقة المحاسبية والمالية في حساب معادلة التكلفة الفعلية، مثلها مثل غيرها من المنتجات المخالفة شرعا.

وفي هذا السياق، أكد محمد بن وليد السويدان الباحث في المصرفية الإسلامية ببريطانيا، وجود ‏تجاوزات في تطبيقات بعض المصارف الإسلامية في ما يتعلق بحساب مقدار التكلفة الفعلية والاختلاف في الآلية والطريقة المتبعة بشأن العمولة المصرفية المجازة شرعا، تختلف وتتباين من بنك إلى آخر، بغض ‏النظر عن نتيجة مقدار التكلفة الفعلية، وذلك لأنها بطبيعتها ستكون مختلفة من بنك لآخر، على حد قوله.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه التجاوزات في تطبيقات حساب العمولة المصرفية، أخرجتها من سياقها الشرعي، ومن هنا تأتي الخطورة الشرعية على المصرف، ذلك لأنه إذا تجاوزت العمولة المصرفية حدود مقدار التكلفة الفعلية تكون أذابت الفارق الشرعي الأساسي بينها وبين نظيرتها المصارف التقليدية». ويتضح مآل خطورة هذا التباين والاختلاف، وفق السويدان، في أنه يقود إلى التوسع في بعض المصارف الإسلامية، بأخذ مبالغ لأجور غير مسوغة شرعا، وبالتالي إلى التسبب في نوع من التضخم وتعدد الرسوم في المصارف الإسلامية أكثر من نظيرتها البنوك التقليدية.

‏وأوضح السويدان أن شرط «وفق حدود التكلفة الفعلية» في المعايير والفتوى الشرعية، كان المبدأ الشرعي المسوغ للمصرف الحصول على العمولة المصرفية في تلك المنتجات المذكورة.

إلى جانب ذلك، وجد ‏أن مقدار التكلفة الفعلية في العمولات المصرفية يزيد من حين لآخر، ‏ويعتقد أنها زيادة ليست يسيرة، مبينا أنه من غير مبرر في التداعيات الاقتصادية، ‏مشيرا إلى أن هذا يؤثر على شفافية ‏الإفصاح وتحديد مقدار ‏التكلفة الفعلية وفق الأساليب المعتبرة شرعا.‏ وقال السويدان: «مفهوم التكلفة الفعلية هو أخذ المصرف مبلغا ماليا بقدر ما تكبده المصرف من أجور وتكاليف لتنفيذ هذه المعاملة، مثل الخدمات المصاحبة ‏للقرض في المنتجات البنكية، كالعمولة المصرفية في السحب النقدي من بطاقة الائتمان بأنواعها (فيزا - ماستركارد)، وفي خطاب ‏الضمان المصرفي، وأيضا في الإفصاح عن تكاليف تمويل المرابحة وغيرها».‏ وتبعا للقاعدة الشرعية، وفق السويدان، فإن «الأصل في المعاملات الإباحة» ومرجعية إنشاء المصارف الإسلامية لهيكلة منتجاتها المصرفية، وفق حدود هذه القاعدة ‏الشرعية، مبينا أنها اتخذت مزايا هذه الحدود الشرعية معالم لمنتجاتها وخدماتها المقدمة لعملائها.

ويعتقد أنه في ظل مواكبة تطور الصناعة المالية في ‏المصرفية الإسلامية، التي من أبرز مزاياها إصدار معايير شرعية لمنتجات وخدمات المصارف الإسلامية الصادرة من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي وغيرها من الجهات الشرعية المعنية بهذا الشأن، فإنها تمثل الحد الفاصل بين ‏الحلال والحرام في المعاملة المصرفية.

ومن جملة هذه المعايير الشرعية، العمل بمبدأ التكلفة الفعلية في العمولات المصرفية، التي تتضمن عدم جواز أخذ المصرف، أي ربح مقابل تطبيقه هذه المعاملة.

وترجع أبرز الأسباب الشرعية المشترطة للتكلفة الفعلية في العمولات المصرفية، إلى وجود منفعة محرمة في القرض، ومثاله في ‏بعض العمولات المصرفية في بطاقة الائتمان، كعمولة السحب النقدي وإصدار بطاقة الائتمان وغيرها من العمولات الشبيهة.

وأيضا من الأسباب، بحسب السويدان، وجود مصارفة في الذمة، كما في سعر الصرف في العملات ‏الأجنبية في عمليات البطاقة، كذلك بسبب هيكل تمويل بيع المرابحة، المتمثل في إفصاح المصرف للعميل في عقد التمويل ‏عن تكاليف رأس المال، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة يغيب الإفصاح الحقيقي، الذي يعد خطورة شرعية تؤثر على صحة عقد التمويل.‏ وإلى جانب التشريع بجواز التعامل بمبدأ التكلفة الفعلية في العمولات المصرفية الصادر من الجهات الشرعية، فإن الأساليب المحاسبية لقيد عناصر التكلفة الفعلية، بحاجة إلى تنظيم معيار يصدر بشأنها ‏لتفادي تجاوز الحدود الشرعية لمعالم التكلفة الفعلية.

وبموجب ذلك، وفق السويدان، فإنه يمكن تنفيذ الرقابة الشرعية في هذه الجزئية، وحوكمة المصرف الإسلامي المجاوز لحدود التكلفة الفعلية، ‏غير أنه في ظل غياب معيار محايد من جهة خارجية مستقلة عن المصرف الإسلامي، ستبقى ثغرة حساب مقدار التكلفة الفعلية، عاملا مؤثرا في ‏الأثر الشرعي للعمولات المصرفية المقيدة بالتكلفة الفعلية.

وعن رأي القانون في الثغرات والاختراقات التي تحدث بشأنها من قبل بعض الجهات الممولة سواء كانت بنوكا أم أفرادا أم غير ذلك، أوضح القانوني الدكتور فهد بن حمود العنزي لـ«الشرق الأوسط»، أن السبب في وجود مثل هذه المعاملات هي المحاذير الشرعية المتعلقة بالربا ومحاولة بعض المختصين بالشريعة إيجاد بدائل عن الفائدة غير الشرعية، من خلال هذه العقود.

أما بالنسبة للقانون، وفق العنزي، فإن قضية الفائدة غير الشرعية، هي قضية شرعية في المقام الأول، وتبقى العبرة في القانون أنه ينظم هذه العلاقة بين المقرض والمقترض، وإن اتخذت شكل بيع سلعة؛ «فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فإن ثبت أن هذه العقود هي عقود إقراض، فإن أحكام عقد القرض هي ما ينبغي تطبيقها حتى وإن سمي عقد بيع، وعند تطبيق أحكام عقد القرض على هذه العلاقة، فإنه ينظر في هذه الحالة إلى مسألة الغبن ومدى وجود خلل في المعادلة الاقتصادية بين الطرفين ومدى عدالة الفوائد التي تم احتسابها. وبالنسبة للأنظمة القانونية، التي تعمل في ظل الشريعة الإسلامية، فإن الحكم ببطلان هذه العقود قد يكون واردا، طالما ثبت أن هذه العقود هي عقود صورية الهدف منها التحايل على تحريم الفائدة غير الشرعية».

أما بالنسبة للتمويل عن طريق المصارف، برأي العنزي، فإن هناك إشكالية حقيقية، مفادها أنه إذا ثبت أن هذه العقود هي عقود بيع بثمن آجل، فإن هذا مخالف للنشاط الذي يقوم به البنك، «لأن البنك تجاوز الترخيص الممنوح له بممارسة النشاط المصرف إلى نشاط البيع، وقام بالمتاجرة بالسلع كالحديد أو ما شابه ذلك مثلا».

وخلص العنزي إلى أن «مثل هذا السلوك التحايلي، لا يعد من قبيل الأعمال المصرفية، كما لا تختص بالنظر فيه لجان تسوية المنازعات المصرفية، وإن اعتبر عقد تمويل مصرفي، فإن عقد البيع في هذه الحالة هو عقد صوري غير حقيقي، وهذا يعد تحايلا من جهة هذه المصارف». وقال: «تسمية الأشياء بغير أسمائها أو بغير أوصافها، هو من قبيل التحايل على الواقع واستغلال حاجة الناس للتعاملات الشرعية النظيفة وحاجتهم للاقتراض، وبالتالي استثمار كل هذه الأمور لتحميل هؤلاء المقترضين مبالغ طائلة وفوائد مركبة تحت اسم (المصرفية الإسلامية)، وهذا يعتبر جريمة أخلاقية مالية».

واعتبر العنزي وقوع بعض المقترضين في التعثر في السداد أو اللجوء إلى قروض أخرى ليتمكن من سداد هذه القروض، نتاجا طبيعيا للتحايل الذي تمارسه الجهات المقرضة، «مما جعل البعض مهددا بالسجن، وهذا زاد من نسبة الديون المعدومة ومن ارتفاع تكاليف القروض، وهذا بدوره له تداعيات اجتماعية واقتصادية معتبرة».

ويعتقد أن المصرفية الإسلامية، بحاجة إلى إعادة نظر وإعادة هيكلة، وأن لا يكون دورها عبارة عن تهذيب المنتجات الغربية غير المتطابقة مع الشريعة الإسلامية، وتقديمها بلباس جديد، أو اللجوء للحيلة عن طريق عقود لا تعبر عن حقيقة العلاقة بين الأطراف.

وشدد العنزي على أن الأمر يحتاج إلى منطلقات مستقلة، تنبعث من مسألة مفصلية وأساسية، وهي حساسية القواعد الشرعية للأجل وموقف الإسلام الواضح والصريح من الأجل، واهتمامه بالتجارة الحاضرة، معتبرا أن ما حصل للاقتصاد الرأسمالي الغربي القائم على فكرة الأجل وما قادت إليه الديون، التي تضخمت بسبب تراكم الفوائد والإقراض، القائم على الأجل، دون اعتبار لقدرة المقترضين على السداد أو قدرة الرهونات على الوفاء بهذه الديون، ورقة خاسرة.

الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس «مركز الشروق للدراسات والاستشارات الاقتصادية»، يعتقد أن بعض المنتجات والأدوات المالية الإسلامية، أصابها بعض التشويه ونوع من الخلط والتشبه بالشكل التي عليه في المنتجات المالية والمصرفية التقليدية، في ما يعرف بأخطاء التطبيق التي تخرج المنتج عن إسلاميته.

ومن المنتجات المشوهة، برأي باعشن، تلك التي تنجم عن الاستثمار في أسهم شركات مختلطة، حيث في هذه الحالة يدخل فيها جزء من أموال غير شرعية تستدعي التطهير. وقال: «أتفهم أن يحدث مثل هذا الخلط وهذا التشويه في تطبيقات بعض المنافذ الإسلامية التي تعمل في بعض المصارف التقليدية؛ إذ إن ذلك ينتج عادة نتيجة لغلبة الممارسة التقليدية على الممارسة الإسلامية لبعض القائمين على أمرها، مع أنني لا أعتبره مبررا كافيا».

وأضاف باعشن: «ولكن أكثر ما حيرني وأستغرب له، أن يحدث مثل هذا التشويه والخلط والخطأ في التطبيق في مصارف إسلامية صرفة، والمفترض فيها أن كل هيئاتها وأقسامها ونوافذها تعمل وفق الشريعة الإسلامية، مما يعني أن لا مبرر البتة لأن تقع في مثل هذه الأخطاء إلا إذا كانت على علم بذلك وتغض الطرف عنه».

وحمّل البنوك المركزية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية وهيئات المحاسبة والمراجعة، المسؤولية عن ما سماه «الانحراف والإخفاق»، الذي تمارسه بعض المصارف الإسلامية، التي تصدر منها مثل هذه التشوهات في المنتجات الإسلامية، والتي انحرفت بها بشكل أقرب للتقليدية منها إلى المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

ويعتقد باعشن أن «المسؤولية الأخلاقية، تتطلب من القائمين على صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، ضرورة تحقيق القدر المطلوب من الكفاءة الاقتصادية والمصرفية المتسمة بالشفافية المرتبطة بمطابقتها القوانين الإسلامية التي ينبغي أن تكون عليها، حتى لا تفقد الثقة فيها، وتكون محل مقارنة بينها وبين ما تقدمه المصرفية التقليدية، بشكل احترافي ومهني بالرغم ما أصابها من انهيارات بسبب الأزمة المالية العالمية التي شلت معظم الاقتصاد العالمي مؤخرا». ودعا إلى ضرورة خلق نوع من التواؤم بين الإطار العام القائم للمؤسسات المالية والنقدية، والمميزات الإسلامية التي تدخل على المعاملات المالية والوظائف المصرفية، ولا تتوقف هذه الميزات عند الأطر الشكلية، بل لا بد أن تمتد إلى ممارسة عملية وسمات واقعية.

وشدد باعشن على أهمية إحداث نقلة في المصرفية الإسلامية ومنتجاتها، تحقق المشاركة في تحمل المخاطر، مع التركيز على الاستثمار الحقيقي بتحريك الأموال النقدية في تمويل المشروعات وتنمية الأصول العينية، وتسويق السلع والخدمات، مع التقيد في المعاملات المالية والاقتصادية، بما يوجهه الإسلام من خلال الالتزام بسمات إسلامية صرفة، مثل الشفافية والصدق وتجنب الغش والأمانة والوفاء بالوعود والعقود.