الرئيس التنفيذي لـ«سيدرا» المالية: التباين في الرؤى الشرعية أثر على سوق الصكوك

هاني باعثمان: بعض الهيئات الشرعية تسمح بتمرير منتجات غير متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية

هاني باعثمان مع ريتشارد توماس رئيس مجلس غدارة بنك غايت هاوس البريطاني بلدن
TT

كشف الرئيس التنفيذي لـ«سيدرا المالية» السعودية، أن التباين في الرؤى الشرعية لبعض العلماء في البلاد الإسلامية، أثر على سوق الصكوك بشكل كبير، مبينا أن العلماء السعوديين تنصب رؤاهم الشرعية حول حالة عملية شراء العقود أو الأصول وإعادة بيعها، بأن فيها عقدين في عقد.

وعلى النقيض وفق الرئيس التنفيذي لـ«سيدرا المالية»، أن العلماء الشرعيين في بلاد أخرى، مثل ماليزيا والإمارات والسودان والكويت ومصر، ساهموا بشكل مباشر في اتساع دائرة سوق الصكوك في بلادهم، ذلك لأن لهم رؤى شرعية حول هذا الموضوع، غير تلك التي يتعامل معها بعض العلماء في السعودية.

وقال هاني عثمان باعثمان الرئيس التنفيذي لـ«سيدرا المالية» لـ«الشرق الأوسط»: «في (سيدار المالية) ابتدعنا ما أسميناه (التدقيق الشرعي)، حيث يأتينا مدقق شرعي كل فترة من الفترات ويصدر تقريره الشرعي ويرفعه ليس للإدارة، بل يرفعه إلى مجلس إدارة الشركة ويرفعه إلى ملاك الشركة، وينبههم إلى الملاحظات الشرعية بهدف التأكد من مدى مطابقة هذه المنتجات مع أحكام الشريعة الإسلامية».

وأضاف: «لدينا أصول تتجاوز المليار ريال (266 مليون دولار)، استهدفنا بها السوق السعودية من خلال الشركات الخاصة المتوسطة الحجم والتي تحتاج إلى رؤوس أموال للتوسع، وكذلك الصناديق العقارية في ظل إقرار قانون الرهن العقاري، مبينا أن كثيرا من المطورين يحتاجون إلى أساليب تمويل تمكنهم من تمويل مشاريعهم».

وعلى صعيد آخر، يعتقد باعثمان العضو المنتدب لـ«سيدرا»، أن أهم التحديات التي تواجه الصناديق العقارية، عدم وجود مطورين ذوي أسماء جديدة بجانب أنها تواجه ارتفاع أسعار، الأمر الذي ترتب عليه إحجام عدد كبير من المستثمرين للدخول في هذه الصناديق، متوقعا بروز عملية تصحيح لأسعار الأراضي في المدى المتوسط.

في الحوار التالي المزيد من التفاصيل:

* بين أعيان المالية سابقا وبين «سيدرا» المالية حاليا مرت الشركة بمرحلة توسعية في مجال الاستثمار على مختلف أنواعه ليتك تقيم لنا مسيرة «سيدرا» المالية عبر مراحل تطورها المختلفة؟

- شركة «سيدرا» أول ما أنشئت كان اسمها «أعيان المالية» لأنه كان من أكبر المساهمين فيها شركة أعيان للتجارة والاستثمار غير أنه كان يشار إلينا كشركة في السوق السعودية على أننا شركة مملوكة بالكامل للكويتيين وهذا لم يكن صحيحا، لأن معظم الملاك فيها من السعوديين، فاتفق مجلس الإدارة بتغيير الاسم إلى «سيدرا المالية»، أما من ناحية التأسيس فإن الشركة تأسست في أصعب وقت يتم فيه تأسيس شركة مالية، لأنه جاءت بعدها أزمات مالية واقتصادية عالمية معروفة عام 2008 في وقت كان هناك تخوف من الاستثمارات وكانت تجربة قاسية جدا، وفي الوقت نفسه تجربة مفيدة جدا لمن يمر بأيام عصيبة ويستقي منها دروسا كبيرة، خاصة في مجال مثل مجالنا حال لم يكن يخطط تخطيط مدروس للمستقبل، ولكن الحمد لله عبرنا هذا النفق، حيث بدأت حركة الاستثمار تنهض والأسواق تنتعش وأصبحت هناك فرصة كبيرة للاستثمار في السعودية سواء من ناحية الشركات الخاصة أو من ناحية السوق العقارية.

* ماذا جنت «سيدرا المالية» من خططها التوسعية الأخيرة وكم يبلغ حجم رأسمالها - نحن بدأنا في شركة «سيدرا» المالية بـ50 مليون ريال (13.3 مليون دولار) ما لبثت أن تم رفعه إلى 90 مليون ريال (24 مليون دولار)، ولكن بعد التوسع الذي شهدته مؤخرا، أصبح الآن لدينا أصول تحت الإدارة سواء العقارية منها والشركات، تجاوز المليار ريال (2666 مليون دولار)، وتوفقنا كثيرا في عمليات الاستشارة، خاصة لدى الشركات العائلية من ناحيتين، أولا من ناحية إعادة هيكلة الشركات وثانيا من ناحية المشورة في المحفظة المالية لديها إذ توسعنا في ذلك بشكل كبير وحظينا بمساحة سوقية كبيرة.

* ليتك تسلط بعض الضوء على النجاحات التي حققتها «سيدرا المالية» والاستراتيجية والخطة المستقبلية التي تعمل وفقها؟

- بطبيعة الحال فإن معظم توسعنا، استهدفنا به السوق السعودية من خلال مجالين واعدين، أولهما الشركات الخاصة متوسطة الحجم، التي تحتاج إلى رؤوس أموال للتوسع، والمجال الثاني الصناديق العقارية في ظل إقرار قانون الرهن العقاري، حيث كثير من المطورين لا بد أنهم يحتاجون إلى أساليب تمويل حتى يستطيعوا تمويل مشاريعهم.

* برأيك ما التحديات التي تواجه عمل الصناديق العقارية؟

- أعتقد من أهم التحديات التي تواجه الصناديق العقارية، وجود مطورين ذوي أسماء جديدة، إذ إن هناك ندرة في هذا الجانب مع وجود عدد منهم غير أن عددهم غير كاف لتطوير عمل هذه الصناديق، ولذلك لا يوجد حتى الآن شركات بمستوى الشركات الإقليمية الكبيرة الموجودة في السعودية، الأمر الذي ترتب عليه إحجام عدد كبير من المستثمرين للدخول في هذه الصناديق، غير أنني أعتقد أن هذه المشكلة قصيرة الأجل بمجرد الانتهاء من مشروع أو أكثر لما لذلك من سهم مهم في مسألة التطوير، كذلك من التحديات التي تواجه الصناديق العقارية ارتفاع أسعار الأراضي والتي أصبحت عائقا لكثير من المطورين الذين يرغبون في تطوير مشاريع ما، ذلك لأن ملاك الأراضي يعملون على رفع الأسعار ولكن مع ذلك أنا ممن يعتقدون أنه في المدى المتوسط، ستبرز عملية تصحيح لأسعار الأراضي، لأنه الآن هناك يوجد قانون الرهن العقاري، الذي سمح بوجود شركات تمويل عقارية وهذه الشركات ستمول الأسر حسب دخلها ونحن نلاحظ أن هذه التمويلات في حدود تتراوح بين الـ800 ألف ريال (213.3 ألف دولار) إلى الـ2.1 مليون ريال (320 ألف دولار)، بحيث أنني عندما آتي كمطور عقاري لبناء وحدات سكنية لا بد من أن أبني وحدات سكنية تتراوح أسعارها نفس حدود التمويلات، وبالتالي أول ما تفكر فيه هو حساب سعر الأرض وحينها سيكون لك رأي للجهة المعنية بالبيع بأن سعر هذه الأرض لا يناسب سعر هذه الوحدات، وهنا يبرز التساؤل المنطقي، لماذا تتمسك بهذه الأسعار في حين أن الجميع سيقترض قروضا بهذه الأحجام، ولذلك أرى أنه على المدى المتوسط سيصبح هناك نوع من تصحيح أسعار الأراضي.

* على ذكر قانون الرهن العقاري.. كيف تنظرون إلى هذا القانون من ناحية تشريعية وما مدى انعكاساتها على المنتج العقاري؟

يعتبر أن السوق السعودية أصغر الأسواق من ناحية التمويل العقاري، فمثلا حجم التمويل العقاري حاليا مقارنة بالناتج القومي في حدود الـ5 إلى 7 في المائة، في حين أنه في دولة الإمارات العربية ودول أوروبية يصل فيه حجم التمويل العقاري إلى 70 في المائة، وفي دول متوسطة مثل ماليزيا يصل فيه إلى 20 في المائة في الوقت الذي يبلغ فيه حجم التمويل 7 في المائة وحتى لو قلنا مثلها مثل ماليزيا يعني يصل إلى 20 في المائة، فعند تحويل ذلك إلى أرقام، فإن حجم التمويل العقاري حينئذ يتراوح من 400 مليار ريال (106.6 مليار دولار) إلى 450 مليار ريال (120 مليار دولار) كحجم لهذه السوق السعودية، وهذا يوازي إجمالي المحفظة الائتمانية للبنوك، مما يعني أننا في حاجة لبنوك أخرى بمحافظ ائتمانية مشابهة للتمويل العقاري، مما يعني أن الحديث هنا يكون عن سوق عقارية ضخمة جدا جدا، علما أننا ما زلنا نتحدث فقط أنه في حالة يصل التمويل العقاري في السعودية فقط إلى 20 في المائة من الناتج الكلي، ولم نتحدث بعد عن نسبة تصل إلى 40 في المائة أو أكثر.

* هناك حديث عن ندرة تشريعات تواجه المطورين العقاريين مع الحاجة لتصحيح العلاقة بين المطورين والعقاريين.. ما تعليقك؟

- أعتقد أن أكبر التحديات التي تواجه المطورين العقاريين هو التمويل، ومع أنه يمكن الحصول عليه من عدة جهات إلا أنه في الغالب يأتي عن طرق بنوك في حين أن البنوك لم تزل غير مرحبة بتمويل المطورين العقاريين، وهي حذرة جدا تجاه التمويل العقاري وتمويل المطورين العقاريين وتحاول بقدر الإمكان عدم الانزلاق في مخاطر العقار، أما مصادر التمويل الأخرى يمكن أن يكون عن طريق الصناديق العقارية مثل تلك التي تنشئها الشركات المالية مثل شركة «سيدرا»، وغيرها من الشركات المرخصة من قبل هيئة السوق المالية السعودية، وأما مصدر التمويل الكبير والذي يعول عليه المطورون بشكل كبير والذي لا بد من إعادة صياغته مرة أخرى من قبل وزارة التجارة والصناعة، هو البيع على الخرائط، إذ أن المطور لا بد له من أن يمتلك إمكانية من تسلم دفعات من الملك حتى يضمن مستحقات ويضمن استمرارية المشروع، وحاليا فإن الأنظمة التي وردت من وزارة التجارة تحتاج إلى نوع من التطوير لأنه هناك كثير من المطورين يشتكون من اللوائح والقوانين المقنعة للبيع على الخرائط بأنها لم تكن مناسبة لهم، فمثلا في الدول التي زرناها قبل تأسيس هذه الشركة، وفي دولة كندا تحديدا فإنه قبل حفر الأرض يكون قد قبض قيمة 20 في المائة من قيمة الوحدات من المشترين وبالتالي ضمن هؤلاء العملاء جادون وملتزمون ويمكنه الاستمرارية في تنفيذ المشروع المعين، ما يمكنه من تطوير مشروعه على عكس ما عليه الحال في السعودية فإن من الصعوبة بمكان اتخاذ خطوة كهذه.

* إلى أي مدى أثرت المتغيرات الاقتصادية المتلاحقة بفعل الأزمة المالية والديون السيادية الأوروبية في حركة العقار في السعودية؟

- لا أعتقد أن هناك أي تأثير للأزمة المالية العالمية أو أزمة الديون السيادية الأوروبية على واقع السوق العقارية السعودية، وذلك لعدة أسباب أولها أن ملاك العقار السعودي كلهم سعوديون، حيث إنه لا يسمح حتى الآن بتملك الأجانب للعقار وبالتالي لا وجود لما يسمى بـ«هوت موني» أي الأموال الساخنة، التي تدخل في العقار وتخرج كما هو الحال في دبي التي تسمح بتملك الأجانب، ولذلك عندما تتأثر أي منطقة اقتصاديا في العالم مثل أوروبا بفعل أزمة أو أخرى، فإن الأجنبي يسعى على الفور لسحب أمواله بطريقة أو بأخرى ونتيجة لذلك تتأثر السوق بشكل عام، ومن بينها السوق العقارية، غير أن مثل ذلك لا يحدث في السوق السعودية للسبب الأول الذي ذكرته، وثانيا فإن البنوك في السعودية على مر تاريخها لم تكن تمارس إقراضا لبيع أو شراء أو تمويل أو تطوير العقار، الأمر الذي جعل العقار في السعودية في مأمن من أي مخاطر تسببها أزمة مالية هنا أو هناك، ذلك أن العقار هو ملك للعائلة وليس قرضا من البنك، ومن الملاحظ أننا شهدنا أزمات مالية مرتفعة الخطورة جدا في أنحاء العالم بينما نلاحظ في نفس الوقت انتعاش وارتفاع لأسعار العقار في السعودية لأنه ليس مرهونا وليس نتاج قرض أجنبي ولا نتاج استثمار أجنبي.

* شعارات «سيدرا» المالية تنادي بكل ما يتلاءم مع مبادئ الشريعة الإسلامية.. إلى أي مدى هناك توافق شرعي مع منتجاتكم؟

- كل مستثمري «سيدرا المالية» جهات كانت ترغب الدخول في هذا المجال ولكن حسب موافقتها للشريعة الإسلامية، بمعنى أنهم يحاولون الابتعاد عن أي منتجات غير ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن حتى في كثير من المنتجات قد توصم بأنها منتجات إسلامية في ظاهرها ولكن للأسف الشديد في روحها وجوهرها غير متطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومن أمثلة ذلك أن هناك جهات أو هيئات شرعية تحكم على بعض المنتجات بأنها منتجات إسلامية ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، غير أنه عند التنفيذ يترك الأمر للإدارة التنفيذية في المؤسسة أو الشركة المعينة، وعلى الفور تقوم هذه الإدارة بإبرام العقود ومن ثم ممارسة تداول هذه المنتجات بناء على فتوى الهيئة أو اللجنة الشرعية التي تتبع لهم، غير أن غالبية هذه الفتاوى لا يتم تطبيقها وفقا لما مطلوب شرعا، ولذلك كان لا بد لنا في «سيدار المالية» ابتدعنا ما أسميناه «التدقيق الشرعي» حيث يأتينا مدقق شرعي كل فترة من الفترات ويصدر تقريره الشرعي ويرفعه، ليس للإدارة بل يرفعه إلى مجلس إدارة الشركة ويرفعه إلى ملاك الشركة، وينبههم إلى الملاحظات الشرعية بهدف التأكد من مدى مطابقة هذه المنتجات مع أحكام الشريعة الإسلامية.

* كنتم قد بدأتم بصفتكم شركة تجتهد في أن تكون منتجاتها متوافقة مع الشريعة الإسلامية وركزتم على معينة منها قطاعات الإجارة والتمويل والعقار والاستثمار.. برأيك إلى أي مدى نجحت في تحقيق مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية؟

- هذا الوضع كان متعلقا بشركة «أعيان» أكثر مما يتعلق بشركة «سيدرا»، ذلك أنه أول ما بدأ كـ«أعيان المالية» بثوبها الجديد طلب منا أن نكون الذراع التوسعية لـ«أعيان» في السعودية فأسسنا عدة شركات منها شركة تطوير عقاري وشركة تأجير سيارات وشركة تمويل عقاري و«سيدرا» التي كانت في السابق «أعيان»، وبالنسبة لشركة لتأجير السيارات توفقنا بحمد الله وأنشأنا شركة «أعيان للإجارة» وهي حاليا إحدى أهم شركاتنا الكبيرة في جدة ومن عملائها «أرامكو» و«سابك» و«مدينة الملك عبد الله» كما أننا ساعدناهم في تأسيس شركة «التطوير العقاري»، التي قامت مؤخرا بتطوير أكبر المشاريع السكنية في جدة، كذلك نسعى جاهدين لتوسيع شركة «التطوير العقاري»، وبالتالي كنا قد قمنا بالإسهام في تطوير كل المنتجات التي جاءتنا من الكويت لشركة «أعيان للإجارة والاستثمار» حتى تتوسع، وبتوافقها مع الشريعة الإسلامية فتح لها باب القبول بشكل كبير جدا.

* بعض المنتجات تصاغ وفق الشريعة الإسلامية غير أنه يعتريها شيء من التشويش جزئيا وليس بشكل كامل.. برأيك أين يمكن الخلل الذي أفرز منتجات بهذا الشكل؟

- درجت بعض الهيئات الشرعية على أن تسمح بالدخول في بعض الأعمال، غير المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بغية تحويلها إلى منتجات إسلامية، مع أنني لا أرى فيها إشكالية تشريع، وإنما إشكالية تطبيق ذلك أن الدين يتميز باليسر وعلى قول بن عامر«استفت قلبك يستفتيك المفتون»، مثلا أن هناك كثيرا من العلماء الأفاضل في السعودية بسبب رؤياهم الشرعية في عملية شراء العقود أو الأصول وإعادة بيعها يرون فيها عقدين في عقد، الأمر الذي أثر على سوق الصكوك بشكل كبير جدا، إذ أنه في ماليزيا والإمارات والسودان والكويت ومصر متفوقون في هذا المجال علينا في سوق الصكوك في السعودية، وهي رؤية لها وجهة نظرها، فالعلماء الأفاضل في السودان وفي ماليزيا وغيرها علماء أجلاء بلا شك ولهم وجه نظرة أخرى.