خبراء شرعيون وماليون: «الوعد الملزم» في المعاوضات المالية يعرقل مسيرة المصرفية الإسلامية

وصفوه بالعصا السحرية لمستقبل العمل المالي الإسلامي

TT

وصف خبراء مصرفيون واقتصاديون «الوعد الملزم» كآلية جديدة بأنه العصا السحرية للمصرفية الإسلامية، مشددين على ضرورة تصميم وصناعة هذا المفهوم الإسلامي بشكل يجمع بين شرعية المنتج وعصريته، التي تسمح بنشره في أكبر وسط مصرفي ممكن.

وقالوا في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن تركيبة (الوعد الملزم) من شأنها أن تحدث نقلة فعلية كبيرة في صناعة المصرفية الإسلامية ونهضتها»، مشيرين إلى أنها معالجة مهمة تحتاج إلى عناية واهتمام كبيرين من قبل الجهات المعنية.

من جهته، أوضح الباحث الدكتور عبد الباري مشعل أن «الوعد الملزم» مكون شرعي مهم في حياة الناس، يحتاج إلى إعادة نظر، ليس من حيث صفته الشرعية، ولكن من حيث إزالة ما علق به من خلل على مر تاريخ تطبيقاته كأحد المنتجات الشرعية.

ويعول على الجهات المعنية بتركيبة المنتجات الشرعية إزالة جزء ليس باليسير من الخلل، الذي تعاني منه على مدى الأعوام السابقة، مشيرا إلى أنه يعتبر الأقرب لمقاصد الشريعة وحكمها القول بعدم الإلزام بالوعد في المواطن التي يحرم فيها العقد، وجواز الإلزام به في المواطن التي يجوز فيها العقد.

وتناول مشعل بعض جوانب «الوعد الملزم» وآثاره من خلال وقفات يسيرة التعاطي، عميقة المفهوم والمضمون، نافيا تصحيح أخطاء تطبيقاته بخلاف ذلك، وإلا في رأيه فإن كل محرم في العقود يمكن تغيير حكمه من حرام إلى حلال، بمجرد تبديل اسمه من عقد إلى «وعد ملزم»، مع عدم وجود فارق مؤثر في الحقيقة والأثر على حد تعبيره.

ولفت إلى أن واقع بعض منتجات المصارف الإسلامية يؤكد ما ذهب إليه من زعم في هذا الاتجاه، مبينا أنه في حالة الصرف مع تأجيل البدلين (ربا النسيئة) يتم الاستعاضة هنا عن لفظ العقد بـ«الوعد الملزم» فيصبح الربا حلالا.

وزاد قائلا إن المحرم من بيع ما لا يملك (بمعنى لا تبع ما ليس عندك) ينقلب في منتجات المرابحة من حرام إلى حلال بمجرد الاستعاضة عن لفظ العقد بـ«الوعد الملزم».

أما الخبير الاقتصادي عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات والاستشارات الاقتصادية والإدارية بجازان في السعودية، فإنه ينظر إلى «الوعد الملزم» من باب أن التعاطي مع رأس المال كهبة ربانية لا بد من الالتزام بجوانب تعاملاته الشرعية.

وأكد أنه «بالفعل الشريعة تحرم التعامل مع المال من باب المضاربة»، معتقدا أنه يقلب العقد من مضاربة إلى قرض بزيادة (ربا)، ولكنه بصيغة «الوعد الملزم» يصبح حلالا.

وأضاف باعشن أن «الموضوعية في هذا الأمر لا بد أن تزاوج بين رأي الشريعة، التي حرمت الربا والغرر وبيع ما لا يملك ونحوه لحكم وعلل عظيمة يصح أن تبيحها بمجرد تغيير اسم من (عقد) إلى (وعد ملزم)، وبين الحاجة للمعالجة المالية كمكون ينتمي للمصرفية الإسلامية ويحتكم بقواعدها».

من ناحيته، قال الخبير المصرفي والشرعي حامد ميرة: «إنه من الخطأ نسبة القول بالإلزام بالوعد في عقود المعاوضات المالية إلى المالكية، ويمكن القول في ذلك إنما هو في باب التبرعات لا باب المعاوضات، فضلا عن كونهم أشد المذاهب في سد باب الحيل».

في المقابل وفق ميرة، يصح الإلزام بالوعد في المواضع التي يجوز فيها العقد، كوعد المؤجر ببيع العين المؤجرة تأجيرا منتهيا بالتمليك، بثمن محدد بعد نهاية عقد الإجارة، مشيرا إلى أنه تم رفع لواء التحذير من الإلزام بالوعد، في عقود المعاوضات المالية ومنتجات المصرفية الإسلامية، منذ زمن، من قبل جمع من العلماء والباحثين، أبرزهم الدكتور رفيق المصري في مجموعة مقالات ومؤلفات.

وزاد قائلا إن بعض الهيئات الشرعية في مؤسسات مالية إسلامية مرموقة من مصارف وغيرها قد رجحت القول بعدم الإلزام بالوعد في عقود المعاوضات المالية وما ينبني على ذلك من منتجات بنكية منذ سنوات عدة، ولم يترتب على ذلك ما يخوف به مناصرو الإلزام بالوعد من أضرار وخسائر وإشكالات. وأضاف: «كل يوم أزداد قناعة بأن الوعد الملزم في المعاوضات المالية (إسفين) يدق في سفينة (المصرفية الإسلامية) ويكاد يغرقها، فلنتعاون لإنقاذها قبل فوات الأوان».

أما الخبير المصرفي ناصر الزيادات، فقد أكد أن تطبيق عدم الإلزام بالوعد كان عاملا مساعدا في بيان الفرق جليا بين المصرفية التقليدية وبين المصرفية الإسلامية، مشيرا إلى أن الإلزام بالوعد مكون مهم في صناعة المصرفية الإسلامية.

ويعتقد الزيادات أن هناك ضرورة لأن يتم التوسع في الاهتمام به، من حيث الدراسات البحثية والتطبيقية، لمعرفة مدى نجاعته في تطوير المنتجات المالية، مشيرا إلى أن هناك دورا شبه غائب من الهيئات والمجامع في توصيف أكثر دقة للوعد الملزم وإمكانية استخدامه.

كما أن هناك حاجة كبيرة للاهتمام بكل المكونات المالية ذات الصلة، ومن بينها موضوع الهندسة المالية الإسلامية، والتحوطات، وكيفية حماية رأس المال من المخاطر وفق الشريعة الإسلامية.

ودعا الزيادات الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية إلى أهمية تخصيص هيئات شرعية ومالية بالإضافة إلى العناية بإنشاء وتطوير مراكز الأبحاث المتخصصة في ابتكار وتطوير المنتجات المالية الإسلامية كجزء مكمل لمجمل العمل المالي الإسلامي.