تأجيل البت في تعديل معيار الصكوك الإسلامية إلى منتصف فبراير

الشعار أمين هيئة محاسبة المؤسسات المالية الإسلامية لـ «الشرق الأوسط» : تشكيل فريق لدراسة ما أثير وعرض مقترحات في الاجتماع المقبل

د. محمد الشعار («الشرق الأوسط»)
TT

تفاعلت قضية التشكيك في الصكوك الإسلامية واتهامها بأن 85 في المائة مما يتم تسويقه غير شرعي، إذ كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، عن أن الهيئة كلفت فريق عمل عبر لجنة مشكلة، لدراسة وتقييم معيار الصكوك الخاص بها.

وقال الدكتور محمد نضال الشعار الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن اللجنة شرعت في دراسة وتقييم الوضع الحاصل للصكوك الإسلامية التي بدأ يثار حولها الجدل، مبينا أن اللجنة ستضع مقترحاتها وتعرضها في اجتماع المجلس الشرعي للهيئة منتصف فبراير (شباط) المقبل.

وأضاف الشعار أن المجلس الشرعي للهيئة الذي يرأسه الشيخ محمد تقي عثماني، حريص على وضع تصورات وقرارات تعطي تقدما ملموسا لسوق الصكوك الإسلامية، وأنه سيتم تقويم المعيار الخاص بالصكوك الإسلامية.

وحول إمكانية تعديل معيار الصكوك الإسلامية ليتماشى مع ما هو موجود في السوق، أكد الشعار أنه ستتم في اجتماع الشهر المقبل، مناقشة إمكانية التعديل من عدمه، موضحا أنه سيتم تعديل المعيار بما يتماشى مع ما هو موجود بالسوق أو توضيح الصكوك التي فيها إشكال شرعي أو حتى الصكوك المتوافقة مع الشريعة. وفيما إذا كانت سوق الصكوك قد تأثرت بما صدر من تصريحات إعلامية، أوضح الأمين العام للهيئة أن السوق تأثرت كثيرا بما حصل، وأن كثيرا من الشركات والبنوك العالمية باتت مترددة في الدخول في هذه السوق.

وقال الشعار إن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية تضع معاييرها الشرعية، بعد إجازتها من العلماء والمشايخ في المجلس الشرعي، وأن ما قد يحصل من لبس في أي منتج مالي إسلامي، إنما هو عائد إلى الخروج عن المعايير الشرعية، وأن المجلس ليس له ذنب في هذا الانحراف.

وكان المجلس الشرعي للهيئة قد عقد الثلاثاء الماضي وبحضور 40 عضواً ومتخصصا، اجتماعا في مقر الهيئة في البحرين، لمناقشة ما أثير أخيراً بشأن تصريحات صدرت من قبل الشيخ محمد تقي عثماني رئيس المجلس الشرعي بالهيئة، ذكر فيها أن حوالي 85 في المائة من الصكوك غير شرعية. إذ أثارت هذه التصريحات جدلاً كبيراً في الأوساط الإسلامية والمتعاملين مع المؤسسات والبنوك الإسلامية.

وفرضت الصكوك الإسلامية نفسها بقوة في سوق الأدوات المالية الإسلامية، بعد أن وجدت فيها المؤسسات المالية الإسلامية ضالتها، وأصبحت بديلا عن السندات المالية العادية، التي يتم تداولها في البنوك التقليدية. إلا أن هذا المنتج عانى من تضارب الفتاوى حياله، إذ ذهبت فتاوى إلى التشكيك في جزء كبير من الصكوك، لا سيما بعد تصريحات للشيخ عثماني، دعمت بتصريحات أخرى من علماء بارزين في منطقة الخليج شككوا في الصكوك الإسلامية. وأمام ذلك أعلنت عدد من مؤسسات التصنيف الدولية عبر تصريحات صحافية هذا الأسبوع، براءة تصنيفاتها الائتمانية التي منحتها في السابق للصكوك الخليجية، والتي اتضح فيما بعد أن غالبيتها لم تكن مطابقة للشريعة، وألقت باللوم على المجالس الشرعية الخاصة بالبنوك التي أجازتها في المقام الأول. وأوضحت أنه بغض النظر عن نتائج اجتماع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، فإن آراء الفقهاء حول شرعية أو عدم شرعية الصك، لن يتم تضمينها في معايير التقييم الخاصة بالسند الإسلامي. وباتت الصكوك خلال السنوات الماضية تحظى برواج كبير بين المصارف الإقليمية والعالمية، حيث بلغت إصدارات العام الماضي 30.8 مليار دولار، وفقا لوكالة بلومبيرغ.

ويتوقع أن يحظى «المؤتمر العالمي الأول للصكوك الإسلامية» الذي سينضم في التاسع عشر من مارس (آذار) المقبل في البحرين، بحضور كبير واهتمام إعلامي، خاصة للمصارف العالمية.

وباتت الصكوك من الأدوات المالية الإسلامية الأكثر جذبا للمؤسسات المالية العربية والإسلامية منها والأجنبية، وذلك في ضوء الطلب المتزايد عليها في الأسواق العالمية، خصوصا أن الصكوك ظهرت كواحدة من الأدوات الإسلامية المبتكرة خلال السنوات القليلة الماضية. وتشترط الشريعة الإسلامية أن يكون مستثمر الصكوك مالكا للأصل الأساسي عن طريق أحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص، على أن يتولى هذا الكيان تمويل المدفوعات المستحقة للمستثمرين من عائد الاستثمار المباشر في نشاط اقتصادي حقيقي يجيزه الشرع. ورغم أن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية أقرت 14 نوعا من الصكوك، فإن هيكل هذه الصكوك يعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي، وهي المرابحة (سندات الدين المخلَّقة، أوامر الشراء) والمشاركة، المضاربة (ترتيبات اقتسام الأرباح) والإجارة (البيع وإعادة التأجير)، أو مزيج مما سبق.

وبموجب ترتيب الإجارة، يقوم مُصْدِر الأصول ببيعها لأحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص، ثم يعيد استئجارها لمدة المشروع. وعندما يحل موعد استحقاق الصكوك، يعيد الملتزم شراء الأصل المعني. وقد أسهم قبول هذه الهياكل الاستثمارية الإسلامية إسهاما كبيرا في تطور أسواق رأس المال المحلية. وتركزت إصدارات الصكوك في أجزاء من آسيا وفي دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تيسر تطوير سوق الصكوك في هذه البلدان بفضل الزيادة الكبيرة والمستمرة في الإصدارات القياسية السيادية. ومن حيث القيمة، ينشأ نحو نصف هذه الإصدارات في آسيا (لا سيما ماليزيا وكذلك بروناي) والنصف الآخر في دول الخليج العربية الغنية بالنفط ومصادر الطاقة. ووفق الدراسة، فإن الطلب الحالي، رغم أنه قد يتضمن عنصرا دوريا ناشئا عن ارتفاع الإيرادات النفطية في دول الخليج، لكن هذا الطلب يأتي مكملا لاتجاه صعودي طويل الأجل في الطلب على الأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية من المؤسسات الاستثمارية الإسلامية. ونظرا لعدم استخدام التوريق التقليدي في كثير من البلدان الإسلامية، فسيظل إصدار الصكوك من الخيارات المفضلة لتمويل المنتجات المهيكلة في هذه الأسواق. إضافة إلى ذلك، بدأت صناديق التحوط ومؤسسات الاستثمار التقليدي في حيازة الصكوك، إما لأغراض زيادة العائد وإما تنويع النشاط، وكان الطلب على الصكوك محدودا خارج آسيا ومجلس التعاون الخليجي، ولكن الإقبال عليها بدأ يرتفع باطراد.

وكانت ولاية ساكسوني ـ أنهالت الألمانية، أول ملتزم سيادي يصدر صكا إسلاميا في بلد غير مسلم، وقد صدر العديد من صكوك الشركات في بريطانيا والولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة. وبالمثل، أصدر البنك الدولي في عام 2005 أول صكوك مقومة بعملة محلية قيمتها 200 مليون دولار. ولا يزال المستوى الحالي لإصدار الصكوك ـ وفقا لدراسة الصندوق ـ يمثل نسبة ضئيلة من إصدار السندات التقليدية أو الأوراق المالية المضمونة بأصول في الاقتصادات الصاعدة. ولكن عددا متناميا من البلدان يفكر في دخول سوق الصكوك الإسلامية لتنويع قاعدة المستثمرين، وتعميق أسواق رأس المال المحلية. وفي هذا السياق، يستقبل صندوق النقد الدولي عددا متزايدا من طلبات المشورة الفنية في إطار عمله الموسع بشأن إدارة مخاطر الالتزامات السيادية وتطوير أسواق رأس المال، وقد قدم المشورة بالفعل لعدد من البلدان الأعضاء بشأن إصدار الصكوك كبديل لأدوات التمويل الأكثر تقليدية. ويتوقع أن يزداد التوسع في سوق الصكوك مع ارتفاع الطلب وتوحيد معايير الأوراق المالية الإسلامية. وطبقا لآخر التقارير عن حالة الأسواق، يرجح أن تصدر الحكومات والشركات صكوكا إسلامية بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما ينتظر أن يصل بحجم السوق إلى أكثر من 150 مليار دولار.