وكالات التصنيف الائتماني لا تفرق بين الصكوك والسندات

TT

عندما تحدثت في الأسبوع الماضي عن وجوب مراعاة الخلاف الفقهي الوارد في هيكلة الصكوك عند تصنيفها من قبل وكالات التصنيف الائتماني كان مقالي بمثابة استطلاع آراء لمؤسسات التصنيف الائتماني حول قبول هذه الفكرة من عدمها. وقد وردني تعليق من الأستاذ جهاد النخلة مدير عام وكالة موديز الشرق الأوسط أوضح فيه انه لا يتفق معي فيما طرحته حول وجوب مراعاة الخلاف الفقهي في هيكلة الصكوك عند تصنيفها. واستند في ذلك لعدة اعتبارات منها ان التصنيف الائتماني رأي مستقل يبين قدرة المصدر على الوفاء بالتزاماته تجاه حملة الصكوك وفقا لملاءته الائتمانية. كما انه يلقي الضوء على المخاطر القانونية المحيطة بالصكوك والعلاقة التعاقدية بين أطرافها، أما هيكلة الصكوك فتتم بالتعاون بين الهيئة الشرعية ومستشار الهيكلة وهم المسؤولون عن مطابقة هيكلة الصك للشريعة الإسلامية من عدمه. وإذا سلمنا جدلا بمراعاة الخلاف الفقهي الوارد في هيكلة الصكوك عند تصنيفها فإننا لكي نحكم بمطابقة هيكلة الصك من عدمها للشريعة الإسلامية فإننا يجب ان نستعين بهيئة شرعية خارجية لإعطاء الرأي الشرعي مما يعني إننا نعقب على الهيئة الشرعية المجيزة ونصبح طرفا في الخلاف وبالتالي تنتفي الاستقلالية المطلوبة في مؤسسة التصنيف الائتماني. وختم الأستاذ جهاد تعليقاته بأن الكثير من المسلمين لديهم ثقة في أعضاء الهيئات الشرعية من أصحاب الفضيلة العلماء فلا حاجة لمراعاة الخلاف الفقهي عند التصنيف الائتماني. ومن وجهة نظر الأستاذ جهاد فإنه لا فرق بين الصكوك والسندات من حيث أنها جميعها أدوات دين.

هذا ابرز ما جاء في تعليق الأستاذ جهاد والحقيقة ان التعليق كان غنيا بالمعلومات القيمة التي أفادتني كثيرا. لقد تبين لي مما طرحه الأستاذ جهاد ان الخلاف بيننا ليس في التفاصيل بل في أساس النظر إلى الصكوك حيث يراها أداة دين مثلها مثل السندات وهذا يدعم ما قلته في المقال السابق تجاه نظرة وكالات التصنيف للصكوك. فيما أرى انه يجب النظر للصكوك الإسلامية نظرة مستقلة تراعي خصوصيتها من حيث أنها منتج قائم على ملكية حملة الصكوك لأصل أو منفعة أو خدمة وربح الصك ناتج عن هذا الأصل أو المنفعة أو الخدمة، ومن حيث اعتبار مطابقة هيكل الصكوك للشريعة الإسلامية شرطا لصحتها وهذا فرق جوهري بين الصكوك والسندات.

ولكي يؤثر الخلاف الفقهي في التصنيف الائتماني يجب ان نقرر هل يعتبر من المخاطر أم لا من حيث تأثيره على سيولة الصكوك ومن حيث تأثيره على الالتزامات التعاقدية الناشئة عن الصكوك؟

أما من ناحية تأثيره على السيولة فلا شك ان مطابقة الصكوك للشريعة الإسلامية يعتبر العامل الأول في قرار غالبية المستثمرين بالاستثمار في الصكوك من عدمه وتأتي المعايير الأخرى لاحقا وهذا ما قررته في المقال السابق. وأما من حيث تأثيره على التزامات أطراف الصكوك فقد رأت وكالة ستاندرد اند بورز في تقرير التعليقات حول الصكوك الصادر في 12 يناير (كانون الثاني) 2006 أنها ستأخذ في الحسبان الخلاف الفقهي عند تصنيف الصكوك في حال كانت هذه الصكوك تخضع لاختصاص المحاكم الشرعية لان الخلاف ربما يؤدي إلى ان تحكم المحكمة ببطلان الصك وعدم نفاذه.

وأود هنا ان أوضح نقطة مهمة وردت في مقالي السابق وهي أنني لم أطالب وكالات التصنيف بإعطاء رأي حول مدى شرعية الصك من عدمه وإنما طالبت بأن تجعل للخلاف الفقهي الوارد في هيكل الصك وزن عند التصنيف وان تشير له في تقريرها. فعلى سبيل المثال لو كان الرأي الذي بني عليه هيكل الصك مخالفا للمعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أو كان مخالفا لقرارات مجمع الفقه الإسلامي فتشير الوكالة إلى ذلك وهذا لا يعتبر حكما على هيكل الصك أو استدراكا على الهيئة المجيزة له بل هو من قبيل الشفافية والإفصاح في تقرير التصنيف الائتماني وهذا الأمر متيسر ولا يحتاج إلى هيئة شرعية بل باحث شرعي حيث ان هذه المعلومة متاحة ومتيسرة لمن لديه خلفية شرعية.

وفي الختام اعتقد ان وجود وكالات تصنيف خاصة بالصيرفة الإسلامية على غرار الوكالة الدولية الإسلامية للتصنيف سيحل هذه الإشكالية الناتجة عن عدم اعتبار خصوصية الصيرفة الإسلامية.

* مستشار في الصيرفة الإسلامية [email protected]