الهيئة الشرعية العليا للصيرفة الإسلامية

TT

لقد رغب إلي الكثير من الإخوة في تخصيص مقال عن الهيئة الشرعية العليا للصيرفة الإسلامية بشيء من التفصيل من حيث المقصود بها وتكوينها وصلاحياتها وآلية عملها والمستفيدين منها، حيث أصبح وجود مثل هذه الهيئة في الوقت الحاضر من الأهمية بمكان نظرا لكثرة الخلاف الفقهي حول منتجات الصيرفة الإسلامية بين أعضاء الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية مع استخدام هذا الخلاف من بعض المؤسسات المالية لإخراج المنافسين من السوق عبر التصريح بعدم جواز منتجات بعض المصارف مع أنها مقرة من قبل هيئة شرعية تضم علماء بارزين مما يسبب إشكالات قانونية وأخلاقية لهذه المؤسسات المالية. وأود الإيضاح بأن الحديث هنا ينصب على وجود هيئة شرعية عليا وليس هيئة شرعية موحدة والفرق بينهما شاسع حيث ان الهيئة الشرعية الموحدة تستلزم إلغاء الهيئات الشرعية الموجودة في المصارف بحيث تكون هناك هيئة شرعية واحدة لجميع المصارف. في حين ان وجود الهيئة الشرعية العليا لا يعني إلغاء الهيئات الشرعية القائمة حيث أنها هيئة ذات طابع إشرافي رقابي تضع المعايير وتسن الأنظمة، وتكون مرجعية عند الاختلاف وقراراتها تأخذ طابع الإلزام. وبالتالي فإن تكوين هذه الهيئة يستلزم عدة شروط منها ان يتم إنشائها بقرار حكومي لكي تكتسب قراراتها الإلزام. كما انه لا يجوز ان تضم في عضويتها أيا من أعضاء الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية التي تخضع لسلطتها بحيث يتم ضمان حياديتها واستقلالها. ويجب ان يكون أعضاؤها من المؤهلين التأهيل الشرعي المناسب وحيث ان الحكم على الشيء فرع عن تصوره ونظرا لتشعب وتعقيد المسائل المالية فيجب ان يكون لدى الهيئة لجنة من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين للاستعانة بهم في فهم الوقائع المعروضة عليهم مع الأخذ في الاعتبار استقلالية هؤلاء الخبراء لعدم التأثير في قرارات الهيئة الشرعية وضمان استقلالية قرارها. وتشمل صلاحيات الهيئة العليا وضع معايير عضوية الهيئات الشرعية لمؤسسات الصيرفة الإسلامية وسن الأنظمة والقوانين المنظمة لها وكيفية العلاقة بينها وبين المؤسسات المالية المشرفة عليها وآلية اتخاذ القرار داخل هذه الهيئات وكيفية نظم قراراتها من حيث صياغتها وتسبيبها مع إظهار الدليل على الرأي الذي أخذت به الهيئة. ومن صلاحياتها كذلك الرقابة على الهيئات الشرعية من حيث تطبيقها لهذه الأنظمة واللوائح والتزامها بقرارات الهيئة العليا الصادرة فيما وجد فيه خلاف بين الهيئات الشرعية واختيار الهيئة العليا لرأي شرعي يعتبر رفعا للخلاف فلا يجوز لأي هيئة شرعية مخالفته وتكتسب قراراتها قوة القانون. كما انه يجوز لها مباشرة أعمال التفتيش والرقابة على أعمال مؤسسات الصيرفة الإسلامية والهيئات الشرعية دون أي قيود أو طلب إذن من أي مرجعية أو جهة وتلتزم الهيئة العليا بإخراج تقرير ربع سنوي تبين فيه مدى التزام مؤسسات الصيرفة الإسلامية بالشريعة الإسلامية والمخالفات ان وجدت مع إعطاء تقييم لكل منتج إسلامي أو مؤسسة مالية إسلامية يعكس مدى هذا الالتزام مع تقيدها بمعايير الإفصاح والشفافية في هذه التقارير. والحقيقة ان وجود مثل هذه الهيئة سيكون مفيدا لجميع أطراف العلاقة من مؤسسات رقابة مركزية مثل المصرف المركزي وهيئة سوق المال والتي من صميم عملها التأكد من التزام هذه المؤسسات المالية بما التزمت به أمام عملائها وهو العمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية بحيث لا يقع عملاء هذه المؤسسات ضحايا للتلاعب بمبادئهم. كما أنها تضمن بذلك توحيد معايير التنافس في السوق فلا تصبح مسائل الخلاف الفقهي محلا للتنافس حيث تصبح جودة الخدمة وتنوع الخدمات هي مجال التنافس بين المؤسسات ومن هنا تتحقق كذلك مصلحة المؤسسات المالية حيث تكون المنافسة عادلة، أما العميل فيثق بأن ما يقدم له مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية قولا وعملا.

وقد قيض الله للمملكة العربية السعودية وجود الهيئة العليا للرقابة والتصنيف للبنوك الإسلامية التابعة للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على أراضيها لذا فإني أهيب بمؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية باستغلال وجودها لاستخدامها هيئة شرعية عليا للصيرفة الإسلامية في السعودية أو على اقل الأحول كهيئة استشارية لضبط الفتوى المالية فيما وقع فيه الخلاف.

* مستشار في الصيرفة الإسلامية [email protected]