ندوة علمية تنتقد «هروب» المصارف الإسلامية عن تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة

خبراء طالبوا بالبحث عن التمويل النقدي بدلا من السلع

جانب من حضور الندوة، التي نظمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض الأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

أكد خبراء وعاملون في المصرفية الإسلامية، أن مخاطر عالية قد تتعرض لها إدارة تمويل المال العامل في البنوك التقليدية والإسلامية، وأن معظم الأسواق في الشرق الأوسط تفتقر إلى بدائل تمويلية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وطالب الخبراء بضرورة البحث عن أدوات تمويلية نقدية متوافقة مع الشريعة، بدلا مما هو متاح حاليا والذي يرتكز على صيغ المرابحات والاعتمادات التي تجيزها الهيئات الشرعية، لكنها تواجه عزوفا من بعض البنوك الإسلامية.

وطالب الدكتور محمد البلتاجي مدير برامج المصارف المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في المعهد المصرفي التابع لمؤسسة النقد العربي السعودي، بتحديد توصية للعمل بها فيما يتعلق بتمويل رأس المال العامل.

وأشار الدكتور البلتاجي إلى ما تقوم به المؤسسات الداعمة كشركة سمه المعلوماتية، والمختصة في العمليات الائتمانية، مع أهمية أن تتوسع الشركة لتشمل الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكي تستطيع درء المخاطر، وتشجع البنوك في توسيع عملها في هذا المجال.

وقال الدكتور البلتاجي خلال ورقة العمل، التي قدمها في حلقة النقاش لموضوع تمويل رأس المال العامل في البنوك الإسلامية، والتي استضافها مركز خدمة المجتمع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض الأسبوع الماضي، إن بعض البنوك السعودية لها إدارات تسمى إدارات المشاريع الصغيرة تهتم بالمشاريع الصغيرة التي تطلب تمويلا نقديا لأقل من 100 ألف ريال.

وأضاف البلتاجي أن هناك بعض الصيغ التي صدرت في شأنها فتاوى شرعية لتوفير التمويل النقدي، باعتبار أن النقود ليست كل شيء طالما هناك منتجات سلعية، إلى جانب أن هناك صورا لبعض البدائل الأخرى، وخاصة في مجالات الإدارة والخدمات والتي أصبحت منتشرة جدًا لتسد حاجة أي شخص في هذا المجال.

في حين أوضح الدكتور عبد لله الوزير الأستاذ المشارك في كلية الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن أكثر حالات الفشل والإفلاس التي مرت بها الشركات ناتج عن فشل في إدارة رأس المال العامل.

واعتبر الوزير فشل إدارة رأس المال العامل بأنه فشل للبنوك نفسها، لعدم استجابتها لتمويل المشاريع الصغيرة، لأن البنوك لا ترغب القيام بأي مبادرة في سبيل تمويل المشاريع الصغيرة، ما لم تكن هناك خطوة إجرائية من قبل البنك المركزي.

ويعتقد الوزير أن العديد من البنوك لا تقوم بتمويل مشروع أقل من 20 مليون فأكثر، وأن هناك عددا من حالات الفشل والإفلاس بسبب تمويل رأس المال العامل، في حين أن كثيرا من الدول المتقدمة سعت لإتاحة الفرص بالتمويل المؤقت، وهذه واحدة من انتشال هذه الشركات.

وأثار الدكتور عبد الله مداخلته بأن تمويل رأس المال العامل حاليا هو «التورق» ولا يوجد بديل آخر وهو أبيح للحاجة في حدود معينة، في حين أن البنوك التقليدية لا تقدم سوى القرض الذي يعتمد على الفائدة الربوية المحرمة، مطالبا بضرورة مناقشة إيجاد البدائل الإسلامية المتاحة لتوفير رأس المال النقدي، وليس توفير البضاعة أو الصناعة.

وبحسب الدكتور عبد الله المعجل نائب رئيس الهيئة الشرعية في مصرف الراجحي، فإن البدائل المقترحة للتمويل في البنوك الإسلامية، يتم عن طريق المرابحات التي توجه إلى توفير التمويل النقدي للشركات، والاعتمادات التي تنقسم إلى مرابحة ومشاركة وكلها موجهة لتمويل شراء البضائع والمواد الخام.

وذكر المعجل أن اعتمادات المرابحة كانت في البداية هي الأساس، ولكن وجد أن التكاليف الإدارية عالية، فمثلاً إذا تم شراء بضاعة خاصة إذا كانت مستوردة فإنها تحتاج إلى فريق يقوم بكافة الأعمال ومنها التخليص الجمركي ثم بيعها إلى العميل، وبالتالي تكون التكاليف الإدارية عالية وأرباحها قليلة.

وشرح المعجل البديل الثاني، وهو اعتماد المشاركة، والتي تقوم دخول البنك بشراكة بمبلغ أكبر، لأنه يقوم بتوفير مشارك عميل وفق الإجراءات الكاملة من خلال مكتب صغير للاعتمادات بعدد قليل من الموظفين، على أن يوقع العقد مع العميل، ومن ثم متابعة طلب البضاعة وحتى وصولها ومن ثم يقوم البنك ببيع نصيبه على الشريك، مؤكدا أن هذه الصيغة ناجحة، وليس فيها إشكال بخلاف الاعتمادات الداخلية التي تسبب للبنوك الإسلامية مشكلة كبيرة.

كما بين المعجل أن الطريقة الأخرى في المرابحات والتي سماها التواطؤ، والتي تلجأ إليها الشركات في الغالب للحصول على تمويلات نقدية لتوفير أموال الرواتب وغيرها من المصروفات. وشدد على أهمية ما طرح في النقاش بضرورة توفير ثلاثة متطلبات لنجاح صيغ التمويل الإسلامية، وهي الكوادر البشرية المؤهلة، والتشريعات، والرغبة الصادقة من البنوك الإسلامية في أن تنفذ صيغًا إسلامية صحيحة. أما الدكتور بندر العبد الكريم أحد حضور حلقة النقاش، فيرى أن المصرفية الإسلامية، تعمل بطريقة تقليدية بحتة، وأن مشكلة التورق أنه أصبح مجرد منتج واحد، وينسخ منه بمعنى أنه يكرر نفسه، داعيا إلى الاهتمام بمنتجات تلبي الطموحات وتبرر الغرض من التمويل لدى.

وأشار العبد الكريم إلى أن شركة اتحاد الاتصالات باعت دقائقها مقابل التمويل، مطالبا البنوك بتولي المنتج وجعل هيئة شرعية ورقابية موحدة له، حتى تستطيع البنوك الإسلامية توفير منتجات مصرفية تلبي حاجة الشركات التي تطلب التمويل البنكي سواء أكان نقديا أو غير نقدي.

في حين أوضح المهندس رائد أحمد المزروع الرئيس التنفيذي لشركة عدوان للصناعات الكيماوية المحدودة، الذي قدم ورقة عمل في حلقة النقاش، أن التمويل عصب الاقتصاد، وأن 53 في المائة من الاستثمارات في أمريكا الشمالية هي تمويل، ولذا توجد البنوك المقرضة بشكل أكثر فعالية.

وأشار المزروع إلى أنه يوجد في أي مجتمع ما يعرف بأصحاب الأفكار الخلاقة، ولا يملكون معها أموالا، وهؤلاء هم أقوى محركات الاقتصاد في العالم، فمثلا بينما يتوفر المصنوع التايواني أو الياباني وغيره بشكل أفضل، تجد أن ذلك نتاج فقط أفكار خلاقة وبرامج تمويل، ولذا فإن دخل الفرد فيها مرتفع.

وأوضح المهندس رائد أن الحاصل في السعودية للأسف الشديد، أن البنوك التقليدية تمارس أقصى درجات الجشع، وتحقق أرباحًا أحيانًا توازي رأس المال، ولكن عندما يطلب أحدهم تمويلا منها ترهقه بالضمانات التي تطلبها مقابل التمويل.

وخلص المهندس رائد إلى «أنه لن يجد المتمول من يموله، وكثير من الناس تحطمت، لأنها لم تجد من تمولها، وثمة حقيقة مؤلمة أخرى هي أن البنوك الإسلامية كثير منها يمارس ما يسمى بالمصرفية الإسلامية بشكل غير أخلاقي، مع الاعتراف أن هنالك أناسا مخلصين، سعوا جاهدين لإنتاج منتجات بديلة إسلامية شرعية، غير أن أغلبهم يمارسون المصرفية الإسلامية فقط، لأن المجتمع فرض ذلك وليس إيمانا منهم، معتقدا أن الفتاوى التي تصدر في الجانب التطبيقي في بعض البنوك الإسلامية، تدور حولها عدة استفهامات».

وفي تعقيبه على المهندس رائد المزروع، أكد الدكتور بندر يرجس العبد الكريم، وهو محلل مالي أول في إدارة التسويق المالي والقروض المشتركة في البنك السعودي الفرنسي، أن المشكلة نابعة من الاقتصاد الذي وصفه بقوته وبحجمه الكبير، مقارنة بحجم وعدد البنوك القليل، وبالتالي ليس هناك ما يجبرها على تمويل الضعيف المكلف، في الوقت الذي تتوفر فيه فرص أفضل لها.

أما بالنسبة لشكل التمويل في أميركا الشمالية، فأوضح بندر العبد الكريم أن هناك بنوكا متخصصة لكل قطاع ومنها ما هو متخصص في دعم المشاريع الصغيرة سواء تجارية سواء زراعية صناعية، ولا يمكن مقارنة ذلك بما يحدث في السعودية، حيث عدد البنوك فيها لا يتعدى العشرين بنكا، والتي ليس لها ذنب وليس لها دخل في ذلك، وإنما سياسة البلد السياسية الاقتصادية المالية التي يتوجب عليها الإجابة عن عدد من الاستفسارات، والتي منها كم تحتاج البلد؟ وكيف يمكن توفير هذا التوجه التمويلي والخدمي المهم؟

غير أن المهندس رائد وقف عند رأيه بأن أن البنوك تستغل الظروف المعيشية في السعودية، بالنظر إلى بلد مثل الإمارات التي بها 54 بنكًا، والبحرين التي فيها نصف مليون نسمة بها 25 بنكًا في آخر إحصائية قبل سنتين.

وبحسب المهندس رائد فإن هناك مشكلة كبيرة لدى البنوك في الهيكل، إذ ليس هناك ما يسمى بنوك الاستثمار، لأن البنوك تعيش في حالة تكليف، وبالتالي فلا بد أن تدافع عن نفسها وعن المنافسة من كثرة البنوك.

وفي إجابته عن دور الصكوك الإسلامية في تمويل رأس المال العامل، أوضح الدكتور عبد الله المعجل أن دور الصكوك وسيلة سريعة للحصول على المال والتخلص من تبعاته إذا كان بالزيادة.

وأضاف المعجل أن ميزة الصكوك أنها طرح سندات أو صكوكا للجمهور للحصول على المال منهم، وإذا كانت المؤسسة في حاجة لديها زائدة وفي حاجة للتخلص من السيولة الزائدة، تشتري صكوكا أو تبيع صكوكا بحسب ما توفر لديها من فائض أو نقص، فإذا كانت هناك حاجة للمال تصدر صكوكا أو تبيع صكوكا لديها، لتحصل على المال، وإذا كانت في حالة زيادة يحدث العكس، فتشتري الصكوك وتحافظ على الأصل، وأنه لو كانت هناك صكوك فربما ساهمت في توفير مثل هذا الحل في المنشآت.