هل أسهمت صناديق الاستثمار الإسلامية في التنمية؟

لاحم الناصر

TT

عندما بدأت الصناديق الاستثمارية الإسلامية في الظهور كان الهدف منها مساعدة المجتمع المسلم على التخلص من الربا بإيجاد قنوات استثمارية مباحة والمساهمة في تنمية المجتمعات المسلمة عبر نقل الأموال من الفئة التي لديها فائض مالي (ممن يملكون) إلى الفئة ذات العجز المالي (الذين لا يملكون) بطريقة تضمن العدالة والتوازن بين المغرم والمغنم، وقد نصت القواعد الشرعية على ان الغُنم بالغُرم وان الخراج بالضمان أخذا من الحديث الصحيح الذي أخرجه احمد وأهل السنن ان الرسول صلى الله عليه وسلم قضى (بأن الخراج بالضمان) كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم «نهى عن ربح ما لم يضمن» (أخرجه الأمام احمد) فجعلت الشريعة تحقق العائد منوطا بنتيجة العمل فلا ضمان لرأس مال المستثمر إلا في حال التعدي والتقصير، وبالتالي يسعى المستثمرون إلى استثمار أموالهم في المشاريع المنتجة التي تساهم في رقي المجتمع وتوفير احتياجاته، إضافة إلى توفير الفرص الوظيفية لأبنائه بعيدا عن النشاطات الطفيلية التي لا تقدم للمجتمع أو الاقتصاد أية قيمة إضافية، فهل قامت الصناديق الاستثمارية بوظيفتها؟ وهل حققت الغاية من وجودها ؟ ان مطالعة سريعة من قبلك أخي القارئ الكريم على قوائم الصناديق الإسلامية في أي سوق من الأسواق الخليجية والتي تزخر بالموارد المالية الضخمة والفوائض النقدية، لتدلك على مدى انحراف بعض هذه الصناديق عن تحقيق طموحات وتطلعات المجتمعات التي تعمل بها وانحيازها إلى تعظيم الأرباح دون النظر في مقاصد الشرع وحاجات مجتمعاتها، حيث ان جلها تستثمر أموالها إما في أسواق الأسهم أو في صناديق المرابحات الدولية، وسوف أسوق مثالا على ذلك؛ فالسوق السعودي الذي يعتبر الثاني من حيث الأصول المدارة إسلاميا وفقا لتقرير التنافسية الصادر عن ماكينزي، تشكل الصناديق الإسلامية فيه من مجمل الصناديق العاملة قريبا من 76% بموجودات تبلغ 13.7 مليار دولار تقريبا جلها تستثمر إما في المرابحات التي تتم مع شــركات عالمية في الأسواق الدولية أو في سوق الأسهم وكلها نشاطات غير منتجة، ولعل البعض يقول هذا ما يريده المستثمرون! فأقول وهل خير المستثمرون بين أوعية استثمارية مختلفة فرفضوا؟ كلا. ولا أدل على ذلك من إقبال بعض المستثمرين على الصناديق العقارية التي طرحت حيث تمت تغطيتها في فترة قياسية، وأما من يتعلل من المصارف بعدم تقبل المستثمرين للمخاطر الناتجة عن الاستثمار في المشاريع المنتجة والأفكار الخلاقة، فأقول وهل هناك أخطر من أسواق الأسهم ومع ذلك فقد بلغ عدد المستثمرين فيها في السعودية في عام 2006، 663 ألف مستثمر بمبالغ تجاوزت 138 بليون ريال، إضافة إلى ما تعرض له الكثير من المستثمرين من ضياع لأموالهم نتيجة لما يعرف بالمساهمات المتعثرة، فهل يقال بعد ذلك ان المستثمرين غير مستعدين لتحمل مخاطر الاستثمار. أما الحقيقة التي لا مرية فيها والتي يجب ان نواجهها هي ان بعض صناديق الاستثمار الإسلامية فقدت هويتها والأساس الذي أنشئت من أجله بسبب سعيها وراء الأرباح السهلة السريعة التي تتحقق من عمولات التداول وأجور الإدارة والحفظ وغيرها من الرسوم؛ فهي التي تجني الأرباح والمستثمر البسيط هو الذي يتحمل الخسائر، إضافة إلى أرباح التمويل بضمانة استثمارات العميل في الصندوق.

إضافة حقيقة لا يمكن تجاهلها؛ وهي ان الكثير من أمناء الاستثمار ومديري الصناديق غير مؤهلين في جانب الاستثمار فكريا وعمليا، فهم عاجزون عن الابتكار وغير متابعين لمستجدات هذه الصناعة في العالم وإلا ففي العالم آلاف الصناديق العاملة في مختلفة المجالات التي يمكن تعديلها لتتوافق مع متطلبات الشريعة الإسلامية، مثل صناديق رأس المال المخاطر وهذه الصناديق من أهم الأدوات التي تساهم في رعاية الإبداع. ويكفي ان نعلم ان شركتي مايكروسوفت وغوغل هما نتاج لرأس المال المخاطر، إضافة إلى صناديق الاستثمار في مشاريع البنى التحتية وصناديق الاستثمار الخاصة إما في تمويل قطاع الشحن، أو التمويل العقاري، أو صناديق الاستثمار في الشركات الخاصة.

ان صناديق الاستثمار الإسلامية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالعودة إلى أصولها وتحقيق مقاصد الشرع في أعمالها وتأهيل كوادرها التأهيل المناسب الذي يقتضيه العصر. فمجتمعها بأمس الحاجة إليها، فمن المعيب ان تكون الصناديق التقليدية أكثر نفعا وايجابية لمجتمعاتها من الصناديق الإسلامية.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]