صالح كامل لـ «الشرق الأوسط»: نعمل على تصحيح مسار المصرفية الإسلامية.. وليس هدم ما سار

هاجم من دخلوا التعاملات المتطابقة مع الشريعة من أجل التجارة فقط

صالح كامل أثناء حديثة لـ«الشرق الأوسط» في مكتبة في جدة أول من أمس («الشرق الأوسط»)
TT

أعلن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية عن أسماء 18 عضوا تم اختيارهم للعمل في الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة التابعة للمجلس.

وقال لـ«الشرق الأوسط» صالح كامل، رئيس مجلس إدارة المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ورئيس اللجنة التنفيذية للمجلس، إنه تم اختيار تسعة أعضاء للهيئة مستقلين وهم من خيرة علماء الشريعة الإسلامية، ولديهم تخصص أكثر دقة في فقه المعاملات والمقاصد الشرعية.

وأضاف كامل أن أعضاء الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة اختيروا لأنهم لا يعملون في مؤسسات مالية تجارية، وأن بعضهم يعمل في بنوك إسلامية كالبنك الإسلامي للتنمية ولكنه بنك غير تجاري، مبينا أن هذا الشرط كان بهدف عدم تضارب المصالح وبما يعطي موثوقية أكثر في الهيئة.

وكان صالح كامل قد كشف لـ«الشرق الأوسط» في أكثر من لقاء في وقت سابق، عن أن الجمعية العمومية للمجلس العام التي عقدت في جدة يوم 18 أيلول (سبتمبر) 2007 صادقت على قرار تأسيس الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة.

وقال كامل، الذي خص «الشرق الأوسط» في حوار بجدة بتفاصيل الهيئة الجديدة، إن إنشاء الهيئة جاء ليتوافق مع الحاجة الفعلية لدعم الصناعة المالية الإسلامية وتعديل مسارها الذي انحرف أخيرا، بعدما دخلت لهذه النصاعة بنوك لا تنتمي للدين الإسلامي، وليس من أهدافها خدمة الاقتصاد الإسلامي وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية.

وأضاف صالح كامل أن إنشاء الهيئة جاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في المصرفية الإسلامية، والتي باتت تتعرض لكثير من النقد وعدم المصداقية والتشكيك في سلامة منتجاتها، ما دفعهم إلى محاولة الاحتفاظ بالإنجازات التي تحققت خلال الثلاثة عقود الماضية.

وأوضح كامل أنه تقرر تأسيس الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة التي ستعقد اجتماعها التأسيسي الأول يوم 27 نيسان (أبريل) المقبل في جدة، مؤكدا سعي الهيئة «لتصحيح المسار وليس لهدم ما سار»، وأنها مدعومة بقرار الجمعية العمومية للمجلس العام للبنوك الإسلامية والذي يضم في عضويته أكثر من 120 بنكا ومؤسسة مالية إسلامية، في إشارة لبعض الانتقادات التي وجهت من بعض البنوك الإسلامية للهيئة.

وتضم قائمة أعضاء الهيئة 18 عضوا منهم تسعة مستقلين هم: الشيخ أحمد الريسوني أحد علماء الشريعة الإسلامية المتخصص في فقه المقاصد، والشيخ أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر، والشيخ أحمد الحداد رئيس دائرة الإفتاء في دبي، والشيخ أحمد علي عبد الله من علماء الشريعة المعروفين في السودان، والشيخ صالح الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، والشيخ محمد سعيد البوطي أحد علماء الشريعة في سوريا، والشيخ محمود عمر علي مصلح المعروف باسم (السرطاوي) والشيخ محمد المختار السلامي رئيس الهيئة الشرعية في البنك الإسلامي للتنمية، فيما ترك العضو المستقل التاسع فارغا لحين وصول التأكيدات من العضو المرشح.

وفيما يتعلق بالتسعة الباقين فقد تم تحديدهم من عدد من المجامع الفقهية وممثلي البنوك المركزية في بعض الدول، حيث تم ترشيح الدكتور عبد السلام العبادي من قبل مجمع الفقه الإسلامي الدولي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والدكتور صالح زين المرزوقي من مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، والشيخ خالد سيف الله الرحماني من مجمع الفقه الإسلامي في الهند، والشيخ تقي الدين العثماني من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

أما البقية فتوزعت على بنك السودان المركزي الذي رشح الدكتور أحمد إبراهيم الضرير، والبنك المركزي في باكستان الذي رشح الشيخ محمود أحمد غازي، وبنك نيقارا ماليزيا الذي رشح الدكتور محمد داود بكر، والبنك الإسلامي للتنمية، ووزارة الأوقاف الكويتية، ومصرف البحرين المركزي.

وعاد صالح كامل لتأكيد أن الهيئة ستقوم بعمل تصنيف لكل منتج مطروح في السوق، بما يعطي ثقة أكبر للمتعاملين مع المصرفية الإسلامية، مشددا على أن مسار هذه الصناعة انحرف عما كان مخططا له في خدمة الاقتصاد الإسلامي، وأن العلماء الموجودين حاليا «علماء أفاضل ولهم جهود كبيرة في تطوير هذه الصناعة». ووصف صالح كامل هذا القرار بالتاريخي لأنه تمت فيه الموافقة على هيكلة الهيئة الشرعية العليا للرقابة والتصنيف وتسمية أعضائها وخطة عملها، خاصة أن قرار إنشائها يأتي في وقت تمر الصناعة المالية الإسلامية بهزات كبيرة في المصداقية والثقة بعد النمو الهائل والكبير لهذه الصناعة والذي يقدره البعض بين 15 و20 في المائة سنويا.

وشن صالح كامل هجوما على من دخلوا للمصرفية الإسلامية بغرض التجارة فقط، معتبرهم «دخلوا للتجارة باسم الدين الإسلامي وأنهم يقومون بتصرفات لا تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية»، مشيرا إلى أن الدخول في مجال المصرفية الإسلامية ليس إجباريا «ومن يرغب في التجارة يمكنه عن طريق المصرفية التقليدية وليس بالمتاجرة باسم الاقتصاد الإسلامي».

ووصف كامل هذه الخطوات بأنها سعي منه شخصيا ومن الغيورين على هذه الصناعة لمواجهة التدهور الذي حصل في بعض المنتجات المالية الإسلامية و«أنه لا يخفى على أحد أن البنوك الإسلامية هي رسالة وتجارة وليست تجارة فقط، وأنه في الأعوام الأخيرة أصبح يدخل إلى هذه الصناعة من يؤمن بالاقتصاد الإسلامي ومن لا يؤمن لمجرد استغلال عاطفة أصحاب الأموال الإسلامية، فنزلت منتجات كثيرة إلى الأسواق لا تحقق مقاصد الشريعة». وأضاف كامل أن الجمعية العمومية للمجلس في اجتماعها الأخير قررت أن تتصدى لهذه الموجة فزاد الاحتياج إلى عملية التصحيح، خاصة أن وسائل الإعلام أثارت خلال الفترة الماضية بعض القضايا المهمة حول بعض المنتجات المالية الإسلامية وأصبح الناس في بلبلة.. منْ أصحّ من الآخر. وأوضح صالح كامل، وهو رجل أعمال سعودي معروف يوصف بأنه أحد متزعمي المصرفية الإسلامية، أن كثرة البلبلة والشكوك ليست في صالح الصناعة المالية الإسلامية، رابطا إنشاء هذه الهيئة بأنه جاء ليتصدى ويراقب المنتجات المالية الإسلامية الحالية والمستقبلية.

واستعرض صالح كامل الجهود التي تبذل في سبيل المحافظة على نجاحات الصناعة المالية الإسلامية وترسيخ مبادئ الاقتصاد الإسلامي، مبينا أن المؤسسات التي أسست المجلس العام للبنوك الإسلامية هي أقدم المؤسسات المالية الإسلامية التي جاهدت في سبيل إرساء هذه الصناعة عندما كانت هذه الصناعة مضطهدة من جميع الحكومات.

وأشار كامل إلى أن هذه المؤسسات تضم البنك الإسلامي للتنمية الذي يعتبر أبو البنوك الإسلامية، ومجموعة فيصل الإسلامية وهي من اوائل المجموعات، وبيت التمويل الكويتي، وبنك دبي الإسلامي، إضافة إلى مجموعة البركة، وهذه المؤسسات من أولى المجموعات في المصرفية الإسلامية وبدأت هذه الصناعة في السبعينات، مؤكدا أن أهدافها كانت رسالة أولا وربحا ثانية وتنمية للدول الإسلامية ثالثا.

واعتبر صالح كامل هذه العوامل «داعمة وتعطي المجلس العام للبنوك الإسلامية أن يكون هو المرجعية التي تساهم في تصحيح المسيرة، خاصة أن المجلس العام يحظى بدعم مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يضم حوالي 18 محافظ بنك مركزي، فضلا عن حضور المجلس في كافة اجتماعات مجلس الخدمات المالية الإسلامية».

«وبموجب مسودة هيكلة الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة فإنها تهدف إلى حماية الهوية الإسلامية والالتزام الشرعي للصناعة المالية الإسلامية، والالتزام الشرعي للصناعة المالية الإسلامية من الانحراف والتعدي على مختلف المستويات، سواء فيما يتعلق بالخدمات والمنتجات أو آليات العمل أو الموارد البشرية أو غيرها».

«كما تهدف الهيئة إلى تفعيل حوكمة الالتزام الشرعي بشكل عام، وتحديد منهج الاستنباط ونظام للفتوى والاجتهاد في المعاملات المالية الإسلامية، ووضع القواعد العامة لذلك ونشرها وإيجاد القبول العام لها من مختلف الجهات ذات العلاقة، والتنسيق مع الهيئات الشرعية المختلفة من أجل تنظيم الاجتهاد الجماعي في القضايا والموضوعات الحساسة، ووضع محددات للمسائل التي يستوجب العمل على توسيع دائرة الاستشارة حولها والعمل على نشر الالتزام بالقرارات المجمعية والمعايير الشرعية».

«ومن ضمن الأهداف تأطير ورعاية مهنة الهيئات الشرعية، ووضع قواعد السلوك وتقديم الدعم والمساندة للهيئات فيما يستجد من موضوعات وأحداث ذات علاقة بمزاولة مهامهم ومن ذلك مساعدتهم في العودة للخبراء وأهل الاختصاص المحايدين للتأكد من خلفيات ودوافع أي موضوع تحت النظر الشرعي قبل إصدار الحكم فيه، إلى جانب رفع وعي الجمهور بالمستجدات الفقهية التي تبنى عليها أعمال ومنتجات البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والقيام بدور مرجعي في مجال التصنيف والرقابة الشرعية».

«ومن مهام الهيئة، فيما يتعلق بالفتوى، وضع معايير ومنهج إصدار الفتاوى وإيجاد القبول لها، ومتابعة الفتاوى المالية الصادرة بشأن المنتجات المالية المستحدثة وتقييمها طبقا لمعايير محددة باعتبارها تمثل الأساس النظري لتلك المنتجات، والترجيح بين المسائل الخلافية المالية المعاصرة، ووضع محددات للمسائل التي تستوجب اجتهادا جماعيا والتنسيق مع المجامع الفقهية في هذا الأمر، وتعزيز الشفافية والجودة الشرعية للمنتجات المالية الإسلامية، مع إصدار تقرير سنوي عن واقع الفتوى والالتزام الشرعي في الصناعة المالية الإسلامية والخدمات والمنتجات التي تقدمها».

«أما مهامها المتعلقة بنشاط تصنيف المنتجات المالية الإسلامية، فإنها تتضمن اعتماد العقود النمطية الاسترشادية للمعاملات المالية الإسلامية وتطويرها عند الحاجة والاستيثاق من خلوها من المحظورات الشرعية، ووضع الأطر والضوابط الخاصة بالمواصفات المثلى للمنتجات الإسلامية في مختلف المجالات الشرعية والمالية والاقتصادية.

كما تتضمن مهام تصنيف المنتجات وضع محددات تصنيف المنتجات المالية الإسلامية على مستوى الأهداف (المقاصد) والوسائل (الآليات) والنتائج (المآلات)، ومتابعة ما يصدر من منتجات مالية إسلامية والقيام بدراستها وتصنيفها بشكل مبادر بطلب من المؤسسات المالية ذات العلاقة بتلك المنتجات أو بطلب من جمهور المتعاملين أو غيرهم، وإصدار التصنيفات والتقارير الخاصة بتطبيقات المنتجات المالية، وتنمية وعي المستثمرين والمتعاملين مع الصناعة المالية الإسلامية».

«وفيما يتعلق بقيم الهيئة فإنها تتضمن التزام الصدق والأمانة في صميم عملنا على مستوى مختلف الأجهزة الإدارية العاملة في الهيئة وفي مختلف مراحل عملها، والتأكد من عدم وجود أي مصالح خاصة أو تضارب مصالح بين الأطراف المتداخلة في عملية التصنيف، والحرص على إزالة أي شبهات لدى جمهور المستثمرين وحل مشاكلهم ورفع أي غموض أو التباسات تلحق بتعاملهم مع المنتجات الإسلامية، والحرص على فهم كيفية عمل الأشياء والوصول إلى لب الموضوع ومعالجة مختلف الجوانب لكشف التفاصيل، مع الحرص على وحدة المنطلق والأساس والمرجعية الكاملة للنصوص الشرعية، والتنوع واختلاف وجهات النظر والخلفيات والاحتياجات ونسعى إلى تقديم أفضل الحلول والتوصيات لجمهور العملاء». ومن أبرز خصائص الهيئة: الاستقلالية، من خلال خدمة خاصة من علماء وخبراء مستقلين ليس لهم أي علاقة مباشرة أو تحيز أو تضارب مصالح مع الجهات المعنية، والحيادية عن طريق تقديم خدمة آراء وتوصيات وتصنيفات للمنتجات المالية بشكل موضوعي ونزيه يهدف إلى المصلحة العامة ولا يميل لطرف ضد آخر، والشمولية لمختلف أنواع المنتجات والخدمات، والمهنية من خلال الدقة والاهتمام بتوفير تفاصيل المعلومات، والمعيارية عن طريق استنادها إلى معايير تصنيف شاملة، والانتشار بواسطة الوسائل الاتصالية المتاحة.

وفيما يتعلق بمعايير الهيئة فقد تم وضع عدة معايير من أبرزها: معايير مراجعة الأسس الشرعية، ومعايير مراجعة سلامة التطبيق، إلى جانب التصنيف من خلال العمل جنبا إلى جنب مع الجهات ذات العلاقة بالصيرفة والمالية الإسلامية والسعي لتحقيق الفائدة لجميع الأطراف بمن فيهم جمهور المستثمرين والمتعاملين مع الصناعة، والمؤسسات المالية الإسلامية بمختلف أصنافها، والجهات الإشرافية والرقابية ومؤسسات البنية التحتية للصناعة.

وكانت أولى خطوات عمل الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة، اجتماع هيئة الخبراء التابعة لها والتي تم اختيار عدد من الخبراء للعمل فيها وهم: الدكتور عبد الباري مشعل، والدكتور العياشي فداد، والدكتور سامي السويلم، والدكتور محمد البلتاجي، والدكتور محمد عبد الحليم عمر، والشيخ عبد الستار القطان، والشيخ لاحم الناصر، والدكتور أحمد محيي الدين. وتقوم هيئة الخبراء بعمل الدراسات والأبحاث وجمع الآراء وتحديد أهميتها ومن ثم رفعها لأعضاء الهيئة لدراستها.