مدير عام بنك البركة لبنان: عدم فهم المجتمع اللبناني للمصرفية الإسلامية أثر على نموها

محمصاني لـ «الشرق الأوسط» : الأحداث السياسية أعاقت نموها في لبنان

معتصم محمصاني («الشرق الأوسط»)
TT

لا تزال المصرفية الإسلامية في لبنان تراوح ومكانها وتسير ببطء في نموها، تبعا لطبيعة المجتمع اللبناني الذي يجهل معظمه آليات العمل المصرفي الإسلامي، وعدم التفريق بينها وبين المصارف التقليدية. وألقت الأحداث السياسية في لبنان بظلالها على القطاع المصرفي والتي تعتبر البنوك الإسلامية جزءا منه، وأضافت بذلك عبئا جديدا على بطء النمو في المصرفية الإسلامية في لبنان، يضاف إلى عدم توعية وتثقيف المجتمع اللبناني بماهية المصرفية الإسلامية.

معتصم خضر محمصاني المدير العام لبنك البركة لبنان وعضو مجلس إدارة مجموعة البركة المصرفية، يعترف في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» بتباطئ نمو البنك، وأن عدم فهم واستيعاب العمل المصرفي الإسلامي في المجتمع اللبناني أهم أسباب عدم النمو. إلى تفاصيل الحوار:

> ما هو بنك البركة لبنان؟

ـ بنك البركة لبنان هو جزء من مجموعة البركة المصرفية التي تنتشر في 12 دولة عربية وخليجية وعالمية. وهو بنك إسلامي تأسس عام 1992 كأول بنك إسلامي في لبنان، ومنذ تاريخ تأسيسه باشر العمل المصرفي الإسلامي قبل صدور أي قانون للصيرفة الإسلامية في لبنان حتى عام 2004 عندما تم إصدار قانون جديد للمصارف الإسلامية في لبنان، والذي على ضوئه تم تأسيس بنوك إسلامية أخرى حتى وصل إلى أربعة بنوك إسلامية من أصل 48 بنكا في لبنان، خلاف بنوك إسلامية أخرى في طور الإنشاء، بعد حصولها على تراخيص. ويبلغ رأسمال بنك البركة لبنان حاليا 35 مليون دولار تم رفعه هذا العام، وكان في السابق 20 مليون دولار فقط، بحكم أنه بنك تابع لمجموعة مصرفية. ويقدم البنك كافة الخدمات المصرفية المتعارف عليها بين البنوك الإسلامية كالمرابحة والمشاركة والاستصناع والإجارة والتمويل العقاري وتمويل السيارات وتمويل التعليم والحج والعمرة، وخدماته كلها موجهة للأفراد والشركات، مع أن الأفراد يمكن عن طريقهم ان ينتشر البنك بشكل أكثر، وله ستة فروع مصرفية حاليا.

> وكيف ترى نمو بنك البركة لبنان والمصرفية الإسلامية؟

ـ نمو المصرفية الإسلامية في لبنان للأسف بطيء ولا يوازي التطلعات، بخلاف النمو الحاصل في دول أخرى، ومرد ذلك إلى ثقافة المجتمع اللبناني وعدم فهم آلية العمل المصرفي الإسلامي، كون هذا الشيء شبه مجهول عند المجتمع اللبناني، ويوجد ـ للأسف ـ تقصير في تثقيف المجتمع للعمل بالمصرفية الإسلامية. وفي الوقت الحالي أرى أن الوضع نوعا ما تحسن لواقع المصرفية الإسلامية ونموها بشكل عام، خاصة بعد صدور قانون للصيرفة الإسلامية في لبنان والموافقة على الترخيص لبنوك إسلامية جديدة سوف تعمل العام الجاري.

> هل ترى أن السوق المصرفي اللبناني يستوعب مزيدا من البنوك الإسلامية؟

ـ في الواقع نرى أن السوق المصرفي في لبنان يستوعب المزيد من البنوك الإسلامية، خاصة أنها من المفترض أن توجه حتى لغير المسلمين لأنها تتعامل مع مجتمع بكامله. فإذا قدمت المصارف الإسلامية خدماتها وفق أسلوب يتماشى مع منهجها الذي تقوم عليه وبخدمات متطورة فإن ذلك بالتأكيد يجذب مزيدا من الاهتمام بها والتعامل معها، والتنافس مع المصرفية التقليدية، لأن العميل غير المسلم يهمه بالدرجة الأولى جودة الخدمة المقدمة له وبالطرق التنافسية التي تتواءم وحاجته لهذه البنوك.

> ألا ترى أن رأسمال البنك صغير مقارنة ببنوك أخرى؟

ـ رأسمال البنك ينمو تدريجيا حتى ولو كان صغيرا، لأنه في حالة رأس المال الكبير، في وضع مثل المجتمع اللبناني الذي قد لا يستوعب المصرفية الإسلامية فإنه بالتالي يكون عبئا على مساهمي البنك، فلو كان بـ 100 مليون دولار مثلا كما هو القانون الجديد فإنه بالتالي سيجد صعوبة في المنافسة. بخلاف ما هو مطبق في دول الخليج العربي لأن المجتمع هناك متعطش للمصرفية الإسلامية ويعرفونها جيدا أكثر من غيرهم، فلا نستغرب قيام بنوك إسلامية جديدة في تلك المنطقة برؤوس أموال كبيرة لأنها ستجد من يتقبلها هناك.

> وكيف ترون واقع المنافسة في السوق المصرفية اللبنانية؟

ـ نحن نواجه طرفين في عملنا في لبنان، فالبنوك الإسلامية التي تعمل معنا في نفس النهج ونموها ينمو ببطء للأسباب التي ذكرتها، والبنوك التقليدية التي تعمل هي الأخرى في السوق. فبنك البركة يواجه أكثر من طرف في المنافسة على استقطاع حصة من السوق اللبنانية.

وينمو السوق في لبنان ببطء لأن جزءا كبيرا من المسلمين لا يفهم المصرفية الإسلامية ولا يتعامل معها، فكيف بنا لغير المسلمين هناك. لذلك فإن العميل يبحث عمن يعطيه خدمة أكبر وبعائد أكبر.

هناك قوانين مصرفية في لبنان تحتاج إلى إعادة صياغة، وكما تعلم فإن القوانين عند صدورها تكون عرضه للشوائب والنواقص عند التطبيق، وتحتاج إلى تطوير واستمرارية في التطبيق، وعند ذلك تصدر قوانين ليس لها علاقة بالقانون المصرفي تكون موازية لها، وهي أيضا تحتاج إلى تعديل في لبنان. فمثلا البنك المركزي في لبنان هو الذي يرعى ويطور تطبيقات الصيرفة الإسلامية، بينما قوانين الضرائب تتبع لوزارة المالية. لذلك تجد أن بعض القوانين تصدر بعدها قوانين تناقضها أو تعدلها.

> هل أثرت الأحداث السياسية في لبنان على العمل المصرفي الإسلامي؟

ـ تأثر القطاع المصرفي اللبناني بسبب تعطل حركة الاقتصاد التي تأثرت من تعطل الحياة السياسية في لبنان. فهذه الأحداث عطلت العمل المصرفي وخسر لبنان رؤوس أموال كثيرة كان بإمكانها القدوم إليه، لأن رأس المال دائما جبان، وبهذا فإن الصيرفة الإسلامية بحاجة إلى الدعم حاليا لمواصلة نموها المتواضع أصلا. ونحن حاليا وبسبب الأحداث السياسية نخسر الكثير في القطاع المصرفي سواء التقليدي أم الإسلامي.

> برأيك ما الذي يميز المصرفية الإسلامية ويجعلها تنمو عالميا؟

ـ ما يميز المصرفية الإسلامية بشكل عام ويجعل نموها يتصاعد هو مناسبتها لاقتصاديات الدول على المستوى الدولي، فهي تقوم على منهج يهدف إلى تنمية الثروات وعدم كنزها وإلى تنمية المجتمعات التي تعمل فيها، وإحداث مشاريع تنموية تساهم في تقدم الأمم. لذلك فلا غرابة في زيادة انتشار هذه المصارف في دول أوروبا وشرق آسيا. وما تتعرض له المصرفية الإسلامية بعض الأحيان من انتقادات لبعض تطبيقاتها عائد إلى صغر عمرها مقارنة بالتقليدية، فهي لا تزال في مرحلة صغيرة من عمرها ولم تتجاوز 35 عاما، وبالتأكيد مع مرور الوقت فإنها ستتحسن إلى الأفضل.

> وماذا عن عدم تطبيق بعض ما تقره الهيئات الشرعية للبنوك؟

ـ عدم تطبيق بعض ما تقره الهيئات الشرعية التابعة للبنوك الإسلامية عائد إلى التدقيق الداخلي والرقابة الشرعية الداخلية، فهي المسؤولة عن ذلك، إلى جانب الهيئات الشرعية نفسها من الواجب توجيه البنك لتطبيق ما يقرونه.

> وكيف ترى لتأسيس هيئة للتصنيف والرقابة الشرعية؟

ـ هيئة التصنيف والرقابة على البنوك الإسلامية خطوة رائعة وينتظرها رواد المصرفية الإسلامية منذ زمن، ونتوقع بإذن الله أن تأخذ طريقها نحو تصحيح بعض الانحرافات التي تحصل في الصيرفة الإسلامية والمحافظة على المكاسب التي تحققت في السابق. لأنها سوف تقوم بوضع معايير وتوحيدها، إلى جانب النظر في شرعية بعض الأدوات المالية التي تقدمها البنوك الإسلامية.

> هل ترى أن تحويل بنك تقليدي إلى إسلامي أجدى من تأسيس بنك إسلامي؟

ـ برأيي أن إنشاء بنك إسلامي جديد أنسب وأجدى من تحويل بنك تقليدي إلى إسلامي، لأن التحول ليس بالأمر السهل، فهو يأخذ وقتا طويلا، ولا أدل على ذلك عندما تحول قرض تم إعطاؤه لأحد العملاء وبنسب فائدة إلى إسلامي أو شرعي، فإن ذلك يحتاج الى جهد كبير حتى يتم. > هناك انتقادات للبنوك لعدم تأهيل العاملين لديها لاستيعاب العمل المصرفي الإسلامي. ما رأيك؟

ـ تأهيل العاملين في البنوك الإسلامية أمر بالغ الأهمية، ويجب على البنوك إلحاق العاملين في دورات مستمرة لفهم العمل المصرفي الإسلامي، إلى جانب حضور الندوات والمؤتمرات المتعلقة بالمصرفية الإسلامية، فهي مفيدة لهم لزيادة إطلاعهم واستيعابهم للعمل المصرفي. وفي الوقت الحاضر، بدأت بعض المراكز التعليمية والجامعات في طرح دبلومات عالية في المصرفية الإسلامية وهذا يعتبر ظاهرة صحية ومفيدة للبنوك الإسلامية، حتى إن إحدى الجامعات في لبنان والمحسوبة على الطائفة المسيحية بدأت الإعداد لطرح دبلومات في الصيرفة الإسلامية، لأنها تهدف إلى تأهيل طلاب قادرين على العمل في المصارف الإسلامية.

> تطرح بين فترة وأخرى جوائز الصيرفة الإسلامية، كيف تقيمها؟

ـ الجوائز التي تقدم من بعض المجلات والمؤتمرات جيدة إلى حد ما، واعتقد أن جزءا بسيطا منها قد يكون مجاملة لبعض البنوك الإسلامية، لكن أتوقع أن معظمها يعتمد على معايير قوية للجائزة، بدليل فوز بنوك في هذه الجوائز وهي من البنوك القوية في بلدانها.