حسين نجاد لـ «الشرق الأوسط» : قطاع المال الإسلامي أمامه طريق طويل.. ولا بد من وقفة لتصحيح الأمر

أحد رواد المصارف الإسلامية دعاها إلى تقاسم الربح والخسارة مع عملائها

حسين نجاد («الشرق الأوسط»)
TT

خلال تجربته المصرفية التي استمرت لأكثر من 40 عاما ما زال حسين نجاد يؤكد نظرياته الاقتصادية في عالم المال. لقد وضع نجاد خلال تاريخه الطويل أسسا راسخة لتجاربه، حيث يؤكد، في حديثه لـ«الشرق الاوسط»، خلال زيارته الاخيرة إلى دبي أن قطاع المال الإسلامي ما زال امامه طريق طويل، كما اكد في الوقت ذاته انه قادر على فتح قنوات اقتصادية عالمية. وفيما يلي نص الحوار:

 > كيف ترى دور الصناديق الإسلامية في الاسواق حاليا، وهل لها تأثير على الحركة الاقتصادية؟

ـ تلعب الصناديق الإسلامية دوراً مهماً في تجميع مدخرات الجمهور بطريقة مباشرة وغير مباشرة. مباشرة من خلال الايداعات في الانظمة المصرفية الإسلامية، وغير مباشرة من خلال الصناديق والائتمانات الإسلامية التي تقوم بدورها بالاستثمار في المنتجات والصناديق الإسلامية، وضخ الاموال في الادوات الشرعية مثل الصكوك والإجارة والمشاركة إلى آخره. وكل هذا يصب في اقتصادات المسلمين وغير المسلمين في كل انحاء العالم.

> كان الطريق امام قطاع المال الإسلامي صعبا. وكنت اول المؤسسين لهذه القطاعات المالية الحديثة منذ السبعينات، كيف تقيم عمل هذه الصناديق الآن؟

ـ المصارف الإسلامية كقطاع بدأت في ماليزيا في بداية السبعينيات، وهي تدين بذلك للرؤية الثاقبة والتخطيط الدقيق للقادة في الحكومة والقطاع المصرفي والمالي الذين كان من بينهم علماء ومثقفون مسلمون. والصناديق الإسلامية أو اسواق المال الإسلامية بدأت بعد النجاح الذي حققته المصارف الإسلامية. فقد اصبحت اسواق المال الإسلامية قوة في عالم المال العالمي وتلقت الاعتراف والاحترام في العالم الإسلامي وغير الإسلامي، سواء في اوروبا، أميركا الشمالية، أفريقيا، الصين، ومؤخراً من اليابان وكوريا.

> نما قطاع التمويل الإسلامي بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية واصبح مؤثرا في الاسواق.. هل هناك من مخاطر تواجه هذا القطاع مع التعثر المالي للعديد من المشاريع ؟

 ـ برأيي، على المصارف الإسلامية والتمويل الإسلامي الخضوع لاعتبارات الربح والخسارة. فأفضل ما قيل عن المخاطرة، والعوائد على الاستثمارات والقواعد الواجب اتباعها، وارد في مبادئ الشريعة في مجال تقاسم الارباح والخسائر. فالسؤال الذي طرحته في العديد من المؤتمرات، وما زلت أطرحه، هو ما إذا كانت المؤسسات الإسلامية في ماليزيا والعالم العربي وما بعده تطبق بحق هذه المبادئ الإسلامية السامية. لا اعتقد ذلك. وهنا تكمن المعضلة. فعاجلاً أم آجلاً لا بد لنا من مواجهة الاختبار، ليس من قبل المؤسسات التي قمنا بتأسيسها لهذا الغرض، وانما من قبل الجماهير في العالم الإسلامي وبعض علماء المسلمين المرموقين.

> هل ترى  قطاع المال الإسلامي اليوم مؤسسا على اسس اقتصادية صحيحة ؟

ـ التمويل الإسلامي المتوافق مع مبادئ الشريعة جيد بحيث انه ينص على تقاسم المخاطر والأرباح بين الذي يوفر رأس المال وبين الذي يقترضه. فالمشكلة لا تكمن في الاهداف السامية للتمويل الإسلامي، ولكن في تطبيقات بعض المؤسسات له في العالمين العربي والإسلامي. فالسعي لتحقيق الأرباح تجاوز في بعض الحالات المبادئ الاجتماعية السامية لخدمة رجل الشارع. إلا أننا ما زلنا في بداية طريق ومشوار طويلين. فهذا القطاع يتراوح عمره ما بين 30 إلى 40 سنة، بينما قطاعات التمويل التقليدية التي نشأت في الغرب عمرها حوالي 700 سنة. فعلينا تحسين النظام وتفعيل حقوق رجل الشارع في مواجهة المؤسسات الإسلامية الساعية للربح التي هي على استعداد لعمل أي شيء لتحقيق الربح.

> هل يسير قطاع المال الإسلامي بطريقة صحيحة أم ان حجمه لا يزال محدودا؟

ـ ينمو قطاع التمويل الإسلامي بخطوات كبيرة وواسعة، ومن المتوقع استمرار معدل هذا النمو، الذي يقدر بحوالي 20% سنوياً أو أكثر، للسنوات المقبلة. فحجم تمويل يقدر بـ 350 مليار دولار أميركي ليس بالحجم الصغير بكل المقاييس. أما قلقي الشخصي فينبع من أننا نولي اهتماماً كبيراً للحجم والكم على حساب الكيف مثل جودة المنتجات الإسلامية التي يجب اقترانها بشروط مصرفية عادلة. فعلينا التوقف والتأمل والبدء بعملية تنقية لمسؤولياتنا الاجتماعية من خلال طرح سؤال بسيط: هل اننا نخدم جماهير الأمة أم أننا نخدم (كما هو الحال في الغرب) مصالح شركاتنا؟ فعلى مصارفنا المركزية في العالم الإسلامي دراسة هذه الموجة المهمة واتخاذ خطوات تصحيحية قبل فوات الأوان. فأنا أطالب بوقفة لإعادة دور ومحتويات التمويل الإسلامي كما هو مطبق اليوم في في الكثير من البلدان. فظني أننا ضللنا الطريق، وقد حان الوقت لإعادة تقييم وهيكلة الأدوات المستخدمة في هذا القطاع المهم والواعد.

> كيف تقيم الخدمات المالية التي يقدمها قطاع المال الإسلامي ؟

ـ كما ذكرت سابقاً، الخدمات التي توفرها حتى الآن ضرورية جداً وعلينا الاستمرار بها، إلا أن قلقي، ويشاركني في هذا العديد، ينصب على الجوانب المتعلقة بجودة مثل هذه الخدمات وفيما إذا كانت متماشية مع مبادئ الشريعة المتعلقة بتقاسم المخاطر والأرباح. فنحن نصبو إلى منتجات اسلامية حقيقية وصحيحة وعادلة صادرة من قبل مصارف ومؤسسات اسلامية. فمن غير المقبول أن نثقل كاهل رجل الشارع بجميع المخاطر بينما المصارف الإسلامية لا تتحمل شيئاً من هذه المخاطر، كما يجب عدم استمرار رجل الشارع بعملية ضمان أرباح هذه المصارف الإسلامية. فيجب تقاسم مثل هذه الارباح والخسائر بالتساوي أو وفقاً للعقد المبرم بين الممول والمقترض. فالمشاركة تعني تقاسم الربح والخسارة.. فهي تجسيد لأرقى أشكال المشاركة العادلة والحقيقية.

> يثار جدل حول افتقاد قطاع المال الإسلامي إلى التنظيم القانوني، وغالبا ما يأخذ اصدار الصكوك الإسلامية أشكالاً مختلفة بين بلد وآخر.

ـ تنظم المصارف المركزية عملية اصدار الصكوك. وفي بعض الأحيان تنظم هيئات الأوراق المالية في العالمين العربي والإسلامي مثل هذه الاصدارات. فحالياً ليس لدينا مقاييس موحدة للصكوك، إلا أن المصارف المركزية في منظمة المؤتمر الإسلامي أسست منظمات في كل من البحرين وكوالالمبور بهدف توحيد هذه الاصدارات. وانني على ثقة بأننا سنصل إلى مثل هذا التوحيد في السنوات المقبلة، وأن الاسواق ستخضع لمقاييس تنظيمية موحدة فيما يتعلق بتسجيل الصكوك.

> هل تعتقد بقدرة قطاع المال الإسلامي على سد الفجوة في حاجة المسلمين الاقتصادية والمالية؟ ام ان المؤسسات الغربية ما تزال مهيمنة على هذا النشاط ؟

ـ هذا سؤال جيد، فالمؤسسات المالية الغربية في نيويورك ولندن وزوريخ وطوكيو ترغب في تمييع هذه القطاعات المالية الإسلامية إلى الحد الذي تصبح فيه مجرد تسميات مثل مكدونالد وكوكاكولا وسوني.. وعندها تقوم المؤسسات الغربية، وليس الإسلامية، بفرض هيمنتها من خلال وضع القواعد بهدف اعادة تحكمها بهذه القطاع. فهناك أسباب مبررة للقلق، إلا أن اسوأ ما في الأمر هو أننا لا نعمل شيئا لمواجهته.

> غالبا ما يثار الجدل حول قلة الكوادر المتخصصة في قطاع المال الإسلامي. كيف ترى ذلك وما هي الخطوات المطلوبة لإعداد هذه الكوادر؟

ـ ان توافر الخبرات والكوادر قليل. إلا أن مؤسسات وكليات التدريب الإسلامية العديدة تقدم الآن دورات تدريبية حول المصارف والتمويل الإسلامي. وهذا بحد ذاته يساعد ويعزز انتشار التمويل الإسلامي حول العالم.

> من يقود قطاع المال الإسلامي اليوم؟ آسيا ام منطقة الخليج ؟

ـ حالياً، يتم اصدار 60% من الصكوك والاتجار بها في ماليزيا، أما البقية فتتم في دول مجلس التعاون الخليجي. وقريباً سيرجح الميزان، فيما يتعلق بالحجم، لصالح دول مجلس التعاون الخليجي وستحتل آسيا المركز الثاني. وهنا أيضاً نتكلم عن حجم الصكوك وليس جودتها. وآمل أن يتم اصدار مقاييس جديدة للصكوك بحيث تكون ملائمة أكثر للمصلحة العامة ولاحتياجات الأمة.

 > من هي المؤسسة المالية الإسلامية النموذجية اليوم في نظرك ؟

ـ من الصعب تحديد مؤسسة بعينها. فنحن ما زلنا في بداية الطريق. ففي الغرب تطلب الأمر 700 سنة، وعلينا العمل بجد بهدف عدم التنازل عن مبادئ الشريعة السمحاء في سعينا لعولمة هذه القطاعات. فعلى هذه القطاعات أن تبقى مرتكزة على أساس الايمان وليس على اساس تحقيق الربح. هذا هو التحدي الذي يواجهنا في هذا العصر.

> غالبا ما يشكو عملاء المصارف الإسلامية من ارتفاع تكلفة الاقتراض. الا يتنافى ذلك مع اسس المصرفية الإسلامية الاخلاقية ؟

ـ لو استمر سعي المصارف والتمويل الإسلامي لتحقيق الربحية، فسنواجه حتما انتقادات الشارع بعدم صلتنا بالواقع. فالهاجس الأكبر لرجل الشارع العادي حالياً، فيما يتعلق بشروط القروض الإسلامية، هو معدل الفوائد المرتفع (الذي يتم تضمينه في العقود تحت بنود مثل رسوم الربح أو رسوم ادارية). فهذا هو التحدي الأكبر الذي نواجهه في هذا القطاع الحديث.

> في رأيك هل يمكن ان يلعب قطاع المال الإسلامي دورا في الحياة الاجتماعية الإسلامية بحيث يوجد نظام تكافلي لمساعدة المحتاجين والمقترضين ؟

ـ لو تم تطبيق المبادئ العادلة لرأس المال والتمويل الإسلامي بصرامة من قبل كل العاملين في القطاع بدون خوف أو محسوبية، فستحل الكثير من المشاكل والأمراض التي تعاني منها مجتمعاتنا الإسلامية. فليس هناك نظام أكثر عدالة أو انصافا من نظام التمويل الإسلامي المتفق مع الشريعة. فعلينا التأكد من أننا نخدم الاقتصاد الإسلامي من خلال تطبيقنا الصارم لمبادئ التمويل والفقه الإسلامي. فإنني على ثقة بأنه في المدى البعيد ستسود مبادئ الاسلام السامية عبر التركيز على خدمة احتياجات رجل الشارع، وليس فقط متطلبات الشركات العملاقة والعائلات الثرية جداً في العالمين العربي والإسلامي.

> عرفناك خبيرا اقتصاديا عالميا ومؤسسا للعديد من المؤسسات المالية، وكنت من اوائل الاقتصاديين في منطقة الخليج الذين نقلوا الخبرة المالية العالمية إلى السوق الخليجي. حدثنا عن هذه التجربة التي امتدت على مدى اكثر من 40 عاما؟

ـ ككل شيء في الحياة، على المرء أن يكون منذراً نفسه ومثابراً طوال الوقت. لقد واجهتني صعوبات كبيرة وعقبات هائلة، ولكن الرؤية المتعلقة بالقيام بدور له معنى في تطوير اسواق المال الإسلامية، التي ستعود فوائدها على الاجيال المقبلة، لا بد أن تبقى نبراسنا يحفزنا للمضي قدماً. لم يكن الأمر سهلاً، ولكن هذه هي سنة الحياة.. فالآمال والغايات الكبرى في الحياة تتطلب خطوات كبرى وتضحيات. فنحن في هذه المدرسة لا نعمل لمصلحتنا الشخصية، وانما للمصلحة المستدامة للأمة، اينما كانت تلك المصلحة، وللعقود والقرون المقبلة.