هيئة السوق المالية بين الريادة والتبعية

TT

لا يحتاج كل ذي بصيرة نافذة مزيدا من الجهد لمعرفة ما يتمتع به الدكتور عبد الرحمن التويجري، رئيس هيئة السوق المالية السعودية من ذكاء وفطنة، فإذا أضفنا إلى ذلك المعرفة الأكاديمية والخبرة الإدارية صح لنا ان نستشرف ما ستكون عليه سوق رأس المال السعودي في المستقبل. ومن هذا الباب فلا أعتقد أبدا ان رجلا بالمواصفات التي أسلفنا يجهل أهمية وجود سوق رأس مال إسلامية في المملكة العربية السعودية التي هي مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين، إضافة إلى تمتعها بأكبر أصول مالية لصناعة الصيرفة الإسلامية في الشرق الأوسط وفق تقرير التنافسية. لا سيما وهو يشاهد تسابق مراكز المال العالمية لاستقطاب أموال ومؤسسات هذه الصناعة مثل ماليزيا ودبي ولندن. وأود هنا ان القي بعض الضوء على أهم العوامل التي ستساعد في وجود مثل هذا السوق في المملكة العربية السعودية في ضوء التجربة الماليزية حيث سعت هيئة الأوراق المالية الماليزية لجعل ماليزيا مركزا دوليا لأسواق رأس المال الإسلامية فأدرجت في خطتها في عام 2001 تطوير أسواق رأس المال الإسلامية وكانت هذه الخطة تقضي بما يلي:

أ: إنشاء قسم أسواق رأس المال الإسلامية.

ب : تأسيس مجمع البحوث للأدوات المالية الإسلامية.

ج: تأسيس المجلس الاستشاري الشرعي. ويقوم قسم أسواق رأس المال الإسلامية بتطوير منتجات أسواق رأس المال الإسلامية في قطاعات الملكية والديون والمشتقات ودراسة الأسهم المدرجة في البورصة الماليزية لبيان الشركات المتوافقة مع الضوابط الشرعية. ويعمل في هذا القسم موظفون ذوي خبرات مختلفة منها الشرعية والمالية والإدارية ومن ثم يتم عرض هذه المنتجات على المجلس الاستشاري لإقرارها. وبهذا الاستعراض المبسط للتجربة الماليزية نجد ان هيئة الأوراق المالية هي من استشعر أهمية وجود سوق رأس مالية إسلامية متطورة إذا أرادت ماليزيا ان تكون مركزا للصيرفة الإسلامية وهي من سعى لتطوير أدوات هذا السوق. فلم تنتظر المؤسسات المالية تطوير أدوات هذا السوق وهذه خطوة متقدمة جدا في تجربة الصيرفة الإسلامية التي كانت إلى وقت قريب تعتمد على تطوير المؤسسات المالية لأدواتها ولم يكن للمؤسسات الرقابية دورا في ذلك حتى أتت التجربة الماليزية فقلبت المعادلة.

والحقيقة أنني اعتقد ان هيئة السوق المالية في المملكة العربية السعودية لن تجد أمامها الكثير من التحديات في سبيل تحقيق وجود سوق رأس مال إسلامية نظرا لأنها سوق جديدة لا يوجد بها أية أدوات متداولة سوى الأسهم، التي جلها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والصكوك الإسلامية. كما ان غالبية المستثمرين في هذه السوق يرغبون في الاستثمار في الأدوات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ولا أدل على ذلك من نسبة الإقبال الكبير على الاكتتاب والمتاجرة في الشركات والصكوك المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وبالتالي فلا أجد عذرا للهيئة في تأخرها لإيجاد مثل هذه السوق لتوافر العوامل المساعدة على نجاحها، حيث ان مثل هذا التأخر سيؤدي بنا إلى خسارة الكثير من الاستثمارات التي نحن في أمس الحاجة إليها لحساب الأسواق الأخرى المتطورة في هذا الجانب.

وسأكون عمليا في طرحي هذا فأقترح على الهيئة ان تعمل على جانبين:

الجانب الاول: تكوين هيئة شرعية وذلك من باب تنظيم الفتوى المالية حيث تتولى تصنيف الشركات والنظر في الأدوات المالية المتداولة، كالصكوك وإعطاء رأي شرعي بخصوصها لهيئة السوق المالية ـ حيث ان الهيئة هي المسؤول الأول أمام المستثمرين عن مدى مطابقة هذه الورقة المالية المتداولة لشروط طرحها وتداولها بحيث تضمن الهيئة استقرار هذه الورقة المالية وعدم تعرضها لأي ضغوط تنتج عن الخلاف في الرأي الفقهي حيث ان القاعدة الشرعية تقول اختيار الإمام يرفع الخلاف.

الجانب الثاني: تطوير التشريعات والقوانين الخاصة بأدوات أسواق المال الإسلامية كالصكوك والتوريق والتحوط والمشتقات، حيث تختلف هذه الأدوات في عقودها وهياكلها ومتطلبتها ومخاطرها عن الأدوات المالية التلقيدية فلزم وجود بيئة تشريعية مناسبة لها تتلاءم مع طبيعتها الخاصة. فلا يجوز ان تعامل الصكوك كسندات دين إلا ما كان منها قائم على الدين كالمرابحة والاستصناع ولا شك ان وجود مثل هذه البيئة القانونية المتكاملة سوف يقلل من مخاطر هذه الأوراق وبالتالي سيؤدي إلى تقليل التكاليف على المصدر.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]