موسى شحادة: الصيغ التمويلية لم تراع المقاصد الشرعية للبنوك الإسلامية

ورقة عمل تشخص واقع المصارف الإسلامية والتحديات التي تواجهها في بيئاتها المحلية

TT

شددت ورقة عمل صادرة أخيرا على ضرورة أن تكون المصارف الإسلامية مستعدة ومتأهبة للتحديات التي تواجهها والمتمثلة في البيئة المحيطة بها والتشريعات التي تحكمها وتعليمات البنوك المركزية التي تقيدها في كثير من الأحيان.

وأوضحت الورقة أنه يستوجب على المصارف الإسلامية التحوط والسعي لبلوغ تفهم أفضل لخصوصية منهجها وإجراء تعديلات على تعليماتها وإدراكها للطبيعة التنموية للمنهج، إلى جانب فتح آفاق أرحب لتطبيقاتها لتمكينها من القيام بدورها التطبيقي في عمليات التنمية بالوجه الأكمل والمأمول.

وخلصت الدراسة التي قدمها موسى عبد العزيز شحادة نائب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للبنك الإسلامي الأردني، إلى أنه يمكن للبنوك الإسلامية أن تأخذ حيطتها من خلال مراعتها للتشريعات المحلية وتعليمات السلطات النقدية، خصوصا تطبيقات المصارف الإسلامية والتي تكفل لها التعامل مع الأدوات المالية الإسلامية بالكيفية التي يتم بها التعامل مع الأدوات المالية الأخرى لا سيما من ناحية توفير سوق ثانوية.

وأوصى المصرفي شحادة بإعادة الهيكلة الكاملة لبنية المصارف الإسلامية باتجاه الافلات من الدائرة الجدلية التي تتحكم في مواردها المالية واستخداماتها، كصيغ تمويل المرابحة الأقل تعبيرا عن رسالة المصارف الإسلامية ونهجها التنموي.

وضمن الاتجاهات في إعادة الهيكلة ـ وفقا لموسى شحادة ـ التوسع في تطبيقات الصيغ الشرعية الأخرى لتوظيف الأموال كبناء نموذج مصرف إسلامي يقترب بعض الشيء من نموذج الشركة الاستثمارية ويبتعد بعض الشيء عن نموذج البنك التقليدي السائد، وذلك من خلال البنية التنظيمية، وأساليب وأدوات العمل، والأجهزة الإدارية والفنية، والخبرات والتخصصات، وتوزيع المهام والاختصاصات والصلاحيات. كما تتضمن الاتجاهات السعي لتوجيه استثمارات الصناديق الاستثمارية الإسلامية إلى المشاريع والأنشطة التي تسهم في تنمية المجتمعات الإسلامية واقتصاديتها، خاصة في مشاريع البنية التحتية ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك إعطاء الأولوية في الاستثمار للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وشدد المدير العام للبنك الإسلامي الأردني في ورقته التي قدمها في مؤتمر اتحاد المصارف الإسلامية الذي عقد في القاهرة مطلع الشهر الجاري، على أهمية المزيد من الالتزام الشرعي في المعاملات الإسلامية والابتعاد عما يسيء للعمل المصرفي الإسلامي، والالتزام بفتاوى المجامع الفقهية للخروج من الخلافات، وتولية إدارة العمليات المصرفية الإسلامية للملتزمين بأحكام الشريعة، والعمل على إيجاد مخرج شرعي يحفز المتدينين على السداد المبكر لمديونياتهم تجاه المصارف الإسلامية. كما شملت التوصيات ضرورة مواكبة الجديد في تقنيات الصناعة المصرفية وتطويعها في تطبيقات المصرفية الإسلامية بما لا يتعارض مع الالتزامات الشرعية، والعمل بشكل جماعي من خلال الاندماجات لتكوين وحدات مصرفية أكبر أو من خلال التعاون والتنسيق، ومحاولة الاستفادة من ظاهرة العولمة التي تتيح فرصة التوسع في أسواق جديدة. وشخصت الورقة التي كانت بعنوان «الصيرفة الإسلامية ودورها في تنمية الاستثمار» واقع المصرفية الإسلامية، وأنها في حال التزامها التام والمطلق بالمقاصد الشرعية والرؤية الإسلامية للمعاملات المالية تكون قد دخلت في النشاط التنموي، وذلك من خلال حشد المدخرات الوطنية وتوجيهها مباشرة إلى أنشطة ومشاريع اقتصادية واجتماعية قادرة على توليد سلع وخدمات ذات نفع حقيقي لحياة الناس المعيشية.

وأوردت الورقة المؤثرات البيئية المحيطة بالمصارف الإسلامية، منها التشريعات والإجراءات الحكومية كالتعامل معها على أنها جزء من الجهاز المصرفي ويتم إخضاعها لجميع التشريعات والتعليمات والضوابط ومعايير الرقابة المصممة أساسا لتطبيقات البنوك التقليدية التي تتعارض في كثير من جوانبها مع المصرفية الإسلامية.

وعزت ورقة الدراسة هذه المؤثرات والتشريعات إلى أنها لا تتيح التعامل مع الأدوات المالية الإسلامية بالكيفية التي تتعامل بها مع الأدوات المالية الأخرى خاصة من ناحية توفير سوق ثانوية لها، وعدم إتاحة الفرصة للمصارف الإسلامية من خلال التسهيلات المقابلة والمكافئة للتسهيلات التي تتاح للبنوك التقليدية كحاجة البنوك المفاجئة لوسيلة شرعية يمكن أن تلجأ إليها البنوك الإسلامية عند حاجتها المفاجئة لسيولة نقدية سريعة. ويرى مقدم الورقة أن المصارف الإسلامية وجدت نفسها في وضع أشبه بالوضع التنافسي غير المتكافئ مع البنوك التقليدية، كإخضاعها لجميع التشريعات من قوانين استثمار وضرائب ورسوم يترتب عليها رفع تكلفة التمويل على العملاء مع خفض العائد، إلى جانب إجراءات التقاضي المعتادة في معاملات المصارف الإسلامية مع المماطلين في سداد الديون.

واستعرض معد الورقة لمؤثرات البيئة الأخرى كالمفاهيم والقيم الاجتماعية السائدة والنظرة على أن العمل الإسلامي خيري منذ زمن طويل، ما جعل البعض ينظر إلى المصارف الإسلامية على أنها جمعيات خيرية لا تهدف إلى الربح، إلى جانب أن الظروف الاقتصادية الراهنة جعلت المصالح المادية تتقدم في كثير من الأحيان على قيم وأخلاقيات الإسلام.

ومن ضمن المفاهيم الخاطئة نظرة الناس وارتباطهم ذهنيا بأن المصارف الإسلامية كالتقليدية، وذلك بسبب هيمنة النظام المصرفي التقليدي على الحياة الاقتصادية، ما جعل المصارف الإسلامية تساير التقليدية في طابعها العام مع المحافظة على الضوابط الشرعية، وقبول المنافسة غير المتكافئة مع البنوك التقليدية على قاعدة المصالح المادية.

وبين موسى شحادة أن هذه المؤثرات كانت لها تداعيات كبيرة على المصارف الإسلامية التي وجدت نفسها تنساق إلى تبني سياسات وأساليب في عملياتها والتي قد لا تكون هي الأكثر تعبيرا عن رسالتها ونهجها التنموي.

وظهرت وفق هذه الأسباب عدة مظاهر أهمها التركيز على الأوعية الادخارية التي لها مقابل في البنوك التقليدية، والتساهل في عمليات المشاركة والانسحاب كليا أو جزئيا من عمليات المشاركة في الأوعية الادخارية، والالتزام بتوزيع أرباح حسابات الاستثمار المطلقة أو المشتركة خلال فترات قصيرة نسبيا.

ونتجت عن هذه المظاهر تقلبات غير محسوبة للموارد المالية، والتخوف من وقوع عجز في السيولة النقدية، والتركيز على صيغ توظيف الأموال التي تتسم تدفقاتها النقدية بالوضوح، بالاضافة إلى جانب تداعيات السيولة النقدية بعد أن وجدت المصارف الإسلامية نفسها مضطرة إلى الاحتفاظ بجزء من مواردها المالية معطلة باستمرار بدون توظيف، وأنه يمكن للمصارف الإسلامية تلافي حدة هذه الآثار من خلال عدة وسائل وأدوات متنوعة.

كما أن المصارف الإسلامية تركز على صيغ التمويل الأقرب للصيغ المطبقة في البنوك التقليدية، وذلك تحوطا ضد مأزق التقلبات غير المحسوبة للموارد المالية، وأن هذه الصيغ ليست هي الصيغ الأكثر انسجاما مع طبيعة المصارف الإسلامية التنموية.

واستعرضت ورقة العمل العوامل التي جعلت المصارف الإسلامية تركز على صيغة تمويل المرابحة أكثر من غيرها، منها الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة، والتوسع في تطبيقات الصيغ الشرعية الأخرى لتوظيف الأموال، ودخول كثير من العناصر البشرية غير المتمكنة في المصارف الإسلامية، والتي تميل في الغالب إلى تطبيق الصيغ الشرعية التي اعتادت عليها في تطبيقات البنوك التقليدية.