مؤسسات الدولة بين البيروقراطية والمهنية

TT

تستنزف الكتابة الكثير من فكر ووقت الكاتب خصوصا إذا كانت الكتابة مهنية متخصصة حيث تحكمها العديد من المعايير وبالتالي فإن الكاتب يتوقع ان يجد لهذه الكتابات صدى عند من كتبت لهم، إلا أننا حقيقة في العالم العربي لا نجد أية استجابة تذكر تجاه ما يكتب إلا ما كان منها قدح محض أو مدح محض، فإنه قد يتلقى كاتبه بعض التعنيف أو الشكر على ما كتب، أما ما يتعلق بالأفكار والرؤى والمقترحات التي يطرحها الكاتب بخصوص تقويم تجربة ما أو تطويرها فإنها في الغالب لا تجد أية آذانا صاغية مع ان المؤسسة صاحبة الشأن قد تكون في أمس الحاجة إليها، وفي أحسن الأحوال تقوم المؤسسة المعنية بتطبيق هذا المقترح أو العمل بهذا الرأي بدون الإشارة لصاحبه مع نسبته لفريق العمل لديها، وقد كتبت في هذه الزاوية الكثير من الرؤى والمقترحات مما يساهم في تطوير صناعة الصيرفة الإسلامية وأسواقها، فلم أجد استجابة من المعنيين بها إلا أنني فوجئت في الأسبوع المنصرم بعد كتابتي مقال (صكوك المشاركة أداة لتمويل مركز الملك عبدالله المالي) برسالة من إدارة الاستثمار المالي بالمؤسسة العامة للتقاعد ـ في نفس اليوم الذي تم فيه نشر المقال فذهلت من سرعة الاستجابة وفعاليتها، حيث تم تحديد موعد للاجتماع بيننا للتباحث بشأن المقال وقد كشف لي هذا اللقاء، ان هذه المؤسسة التي تدير مليارات الريالات من أموال التقاعد لا تدار بأسلوب بيروقراطي حكومي كبقية الإدارات الحكومية الأخرى التي نعرف أسلوب أدارتها! بل تدار بأسلوب احترافي ومهني عال. كما كشف لي ما تتمتع به هذه المؤسسة من كفاءات مهنية سعودية لا تقل عن نظيراتها الموجودة في القطاع الخاص، تعمل وفق رؤى واستراتيجيات محددة لتغطية التزامات المؤسسة بما يحقق مصالح المشتركين في البرنامج التقاعدي في الحاضر والمستقبل، ونحن نعلم ان المجتمع السعودي مجتمع شاب مما يعني ان المؤسسة في المستقبل ستتعرض لضغوط كبيرة نتيجة تحول هذا المجتمع إلى الشيخوخة، والتي من نتائجها الطبيعية تحول الكثير من القوى العاملة إلى متقاعدين مما يحتم عليها استثمار هذه الأموال بما يكفل لها تغطية التزاماتها في المستقبل، ومع ذلك لم تغفل المؤسسة جانب المسؤولية الاجتماعية في خططها واستراتيجيتها حيث حظي هذا الجانب لديها بالاهتمام الذي تمثل في برنامج التمويل السكني مع ما أحاط به من انتقادات والذي لا تسلم منه أية تجربة جديدة تخضع للتقويم والتحسين.

كما تطرق الحديث عن جهل الكثيرين من مشتركي التقاعد بماهية برنامج التقاعد ومدى إمكانية الاستفادة منه وكيفية هذه الاستفادة، والتي أرى انه يجب على المؤسسة بذل جهد اكبر في ايضاحها للمستفيدين من خدماتها وهم موظفو القطاع العام حتى تزيل جميع المفاهيم الخاطئة لديهم، وذلك عبر تكثيف الرسائل الإعلامية في جميع وسائل الإعلام وعلى موقع المؤسسة على الانترنت والتي توضح الأسس القانونية والشرعية لهذا البرنامج، فالتقاعد هو برنامج تكافلي أشبه ما يكون ببرامج التأمين التكافلي المقدم من شركات التأمين، حيث يقتطع من الموظف القسط التقاعدي على سبيل التبرع الإلزامي لمجموع المشتركين في هذا البرنامج على ان يستحق منافع هذا البرنامج وفق شروط معينة. فقسط التقاعد ومنافعه ليست حقا ماليا للموظف على إطلاقه بحيث يدخل في تركته وفي قسمة الغرماء عند إفلاسه، بل ملكيته لهذا الحق ملكية مقيدة بشروط وضوابط ينظمها عقد العمل المتمثل في لوائح وأنظمة الخدمة المدنية التي يقبل بها الموظف بمجرد قبوله لقرار التعيين.

إذا فليست المؤسسة العامة للتقاعد مؤسسة خيرية لرعاية المتقاعدين، كما ان أقساط التقاعد ومنافعه ليست ملكا للمتقاعد على إطلاقه بل يستحق منها المتقاعد ما ينص عليه النظام وتنطبق عليه الشروط. وفي الختام ان ما دعاني لكتابة هذا المقال هو العمل بالحديث النبوي «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» ولعل المؤسسة العامة للتقاعد باستجابتها هذه تكون قدوة لبقية مؤسسات القطاعين العام والخاص في الاستجابة لما يكتب. * مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]