تطوير منتجات الصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر

TT

جمعتني مناسبة بأحد المديرين التنفيذيين في مصرف من أكبر المصارف العاملة في المملكة العربية السعودية، فسألته عن سبب عدم وجود منتجات إسلامية جديدة للمصرف حيث يعتبر من أنشط المصارف في هذا المجال فيما مضى، فذكر لي أن هذا الأمر غير صحيح، وان المصرف لم ينقطع عن التطوير والابتكار في هذا المجال. وذكر لي ان آخر منتج صدر للمصرف في هذا المجال بطاقة ائتمانية تمنح مستخدمها أميالا جوية، والحقيقة ان سؤالي لم يكن عن الابتكار في أساليب التسويق بل عن خلق منتجات جديدة أو تطوير منتجات موجودة بحيث يتم تقليص الدورة المستندية أو الاستغناء عن بعض العقود المركبة في بعض المنتجات، والتي لا زالت محل شك كثير من عملاء هذا المصرف وغيره من المصارف الأخرى. ان ما ذكره لا يعدو ان يكون أسلوبَ تسويقٍ لهذه البطاقة لا اقل ولا أكثر.

لقد سقت هذه الحادثة للاستدلال على مفهوم تطوير المنتجات الإسلامية لدى بعض التنفيذيين في المصارف التي تقدم خدماتها بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. والحقيقة ان عملية تطوير المنتجات هي عملية معقدة وصعبة لا يتقنها الكثيرون فهي تحتاج إلى فريق يجمع بين الفكر الإبداعي الخلاق والمعرفة الواسعة والصبر وعدم الشعور بالإحباط عند الفشل، مع وجود بيئة عمل تشجع على ذلك قادرة على تحمل تكاليف هذا الإبداع، حيث ان الفكرة المبدعة قد لا تنجح من أول مرة أو قد لا تنجح بالمرة، فيجب ان لا يقع المبدع تحت ضغط المصروفات أو التهديد بالطرد من العمل حين الفشل لأن هذا يشل الفكر الإبداعي، فبالتجربة والخطأ نصل إلى النتائج المبهرة. كما ان المبدع يحتاج إلى التحفيز على الإبداع مادياً ومعنوياً.

ان أهم إدارة في أي مؤسسة مالية، وبالأخص المؤسسات المالية الإسلامية هي إدارة تطوير المنتجات حيث أن الصناعة المالية الإسلامية حديثة النشأة، وبالتالي لم تصل سوقها إلى مرحلة التشبع من حيث المنتجات بل لا تزال في مرحلة تطور تحتاج فيها إلى مزيدٍ من المنتجات التي تجمع بين تحقيق مقاصد الشرع ومتطلبات العميل مع قدرتها على المنافسة في سوق يمتلك فيه منافسوها خطامه وزمامه. لقد سئم عملاء الصيرفة الإسلامية من محاكاتها للصيرفة التقليدية في أدواتها وأساليبها، والتي كانت مقبولة عندما ظهرت الصيرفة الإسلامية في أول نشأتها أمَا وقد شبت عن الطوق واستطاعت ان تزيح منافسيها فإن عملاءها يريدون منها ان تبتكر أدوات أصيلة تستنبطها من الكتاب والسنة بعيداً عن التلفيق بين المذاهب والحيل، فلم يعودوا يريدون التورق المنظم ولا بطاقات قلب الدين الائتمانية. ولكي تحقق المصارف الإسلامية هذا الأمر فلابد ان تعنى بإدارة تطوير المنتجات ببنائها البناء الصحيح حيث أنها القلب الذي يضخ الدماء في شرايين المؤسسة المالية، وبتوقف هذا القلب أو تعطله تتوقف الحياة في المؤسسة المالية. وأحد مظاهر هذا التوقف فقدان المؤسسة للتطوير والابتكار، فيجب تزويدها بالكفاءات المهنية اللازمة من حيث الخبرة والمعرفة بحيث تتكامل معارف الفريق بين المصرفيين والشرعيين والقانونيين وموظفي المطابقة والسياسات والإجراءات ومهندسي برامج الحاسب الآلي، على ان يكونوا من الأذكياء ذوي التفكير الإبداعي، سواء تم استقطابهم من خارج المؤسسة أو من داخلها، مع يقيني بأن ندرة أمثال هؤلاء تجعلهم مكلفين بالنسبة للمؤسسة ولكنهم هم الأصول الحقيقة للمؤسسة.

ويجب ان يمر تطوير المنتج بمراحل تبدأ باستقراء السوق عبر معرفة ما هو موجود لدى المنافسين وما هي رغبات العملاء مع الاستعانة بأفكار موظفي المؤسسة ومقترحاتهم ثم تأتي مرحلة تطوير الفكرة، والتي يجب ان تعطى الوقت الكافي من التمحيص وإجراء الاختبارات للتأكد من مدى نجاحها في الوفاء بمتطلبات العميل والمؤسسة المالية والبيئة القانونية التي تعمل بها المؤسسة بحيث يتم تعديلها أو تغييرها أو إلغاؤها وفقاً لما يظهر أثناء الاختبار لها، وقد يبدأ الفريق بفكرة وتتطور إلى ان تنتهي بمنتج يختلف تماما عن بداية هذه الفكرة، وهذا هو احد مظاهر الإبداع. ومن ثم بعد اختبار الفكرة يتم عمل الدورة المستندية لها من حيث السياسات والإجراءات والوثائق وبناء الأنظمة الحاسوبية التي أرى أنها من أهم أجزاء تطوير المنتج المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية حيث يمكن للبرامج الحاسوبية ان تلغي الكثيرَ من الأعمال الورقية التي تعتبر إحدى سلبيات الصيرفة الإسلامية. كما أنها تقلص من الأخطاء البشرية التي قد تؤدي إلى عدم مطابقة المنتج للشريعة الإسلامية. على ان يراعى في منتج الصيرفة الإسلامية عند ابتكاره وتطويره تحقيقه مقاصد الشريعة الإسلامية في عمارة الأرض وتوفير حياة كريمة للإنسان عليها، بعيدا المنتجات التي تشجع النمط الاستهلاكي غير المنتج.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]