أكاديميات الصيرفة الإسلامية

TT

لا تكاد تقرأ تقريرا أو تحضر مؤتمرا أو ورشة عمل تتحدث عن التحديات التي تواجهها الصيرفة الإسلامية إلا وتجد ان موضوع نقص الكفاءات البشرية المؤهلة في هذه الصناعة حاضرا وبقوة كأبرز التحديات التي تواجهها هذه الصناعة. حيث تشير التقارير التي صدرت مؤخرا إلى حاجة هذه الصناعة إلى حوالي 11.6 ألف من المصرفيين المؤهلين في هذه الصناعة بنهاية عام 2010. والحقيقة التي يلمسها كل متعامل مع مؤسسات هذه الصناعة ان الكثير من العاملين فيها غير مدركين للكثير من تفاصيل ما يقومون به وحيث ان هذه الصناعة تقوم على العناية بالتفاصيل إذ ان هذه التفاصيل تؤثر في كثير من الأحيان في صحة المعاملة وإهمالها قد يؤدي إلى فساد العقد أو بطلانه. لذا كان ادراك العاملين لهذه التفاصيل من المخاطر التي يجب على المؤسسة المالية حسابها وتغطيتها بالشكل المناسب. كما ان تطوير منتجات هذه الصناعة يحتاج إلى فهم العاملين في هذا التطوير للأسس المعرفية التي تقوم عليها هذه الصناعة وادراك فلسفتها ومقاصدها. ولا شك ان هذا ما لا يتحقق بالدورات التدريبية القصيرة ولا بورش العمل فهذه الدورات تعطي تصورا شاملا ولا تدخل في التفاصيل فلا يمكن لموظف تم إعطاؤه دورات تدريبية لمدة ستة اشهر ان ينظر إليه على انه محترف في هذه الصناعة أو ان ينتظر منه تطوير أدواتها. ومن هنا كانت الحاجة ماسة لوجود أكاديميات للصيرفة الإسلامية بحيث تؤهل هذه الأكاديميات المتخرجين حديثا من الجامعات لسوق العمل إضافة إلى تأهيل العاملين في المصارف عبر الابتعاث الداخلي من قبل هذه المصارف ولكي تحقق هذه الأكاديميات النجاح في ان تكون قبلة للدارسين وأرباب العمل فيجب ان تكون متشددة في معايير القبول لديها وان تجمع في مناهجها بين النظري والتطبيقي مع شمولها لجميع العلوم المصرفية وان تمزج في كادرها التعليمي بين الأكاديميين والمهنيين. ففي معايير القبول يجب ان لا يتم قبول أي طالب للالتحاق بالأكاديمية ما لم يجتاز اختبار اللغة الإنجليزية ومن لم يجتاز فيكون لدى الأكاديمية منهج في اللغة الإنجليزية يلتحق به الدارس لتأهيله للقبول في الأكاديمية. أما من حيث المزج بين النظري والتطبيقي فيتم تحديد ساعات أكاديمية عملية للدارسين يتحتم عليهم قضائها بالعمل في المصارف ويتم التقييم من قبل الادارات المختصة في المصارف ويمكن ان يتم ذلك باتفاق بين الأكاديمية والمصارف المحلية والتي اعتقد جازما بأنها سترحب بهذا الاتفاق حيث انه سيوفر عليها الكثير من الجهد والمال فمن المعلوم ان الكثير من المصارف توظف الطلاب في الإجازة الصيفية كمساهمة منها في خدمة المجتمع أو بطلب من وزارة العمل مثل المملكة العربية السعودية. إذا فلا ضير على المصارف ان تقوم بتعيين طلاب هذه الأكاديمية حيث ان ذلك سيحقق لها العديد من المصالح منها تحقيق الغرض الاجتماعي والتعرف على الطلاب المؤهلين للعمل مع المصرف قبل التعاقد معهم مما يقلل من الجهد المهدر في البحث عن الموظفين المؤهلين للعمل في المصرف والذي يبذله المصرف كل سنة للاختيار بين الخريجين ومن ثم تدريبهم لفترة لا تقل عن ستة أشهر على الأعمال المصرفية. كما ان هذا الاتفاق يخدم الأكاديمية في تحقيق الجانب العملي لطلابها إضافة إلى انه سيكون عامل جذب للدارسين حيث تزداد احتمالية التوظيف، وحتى يكتمل إعداد طلاب الأكاديمية لدخول سوق العمل فلا بد من اختيار بعض الممارسين في المصارف لإلقاء المحاضرات وعقد ورش العمل وحلقات النقاش بصفة دورية على ان يكون هذا جزء من المنهج وذلك حتى يتم نقل خبرتهم للطلاب.

ان وجود أكاديمية على هذا النمط كفيل بنجاحها ماليا حيث ان قراءة بسيطة للقوائم المالية للمصارف تظهر المبالغ الهائلة التي تصرف على التدريب حيث بلغت ميزانية التدريب لدى احد اصغر المصارف في المملكة العربية السعودية 30 مليون ريال (8 ملايين دولار) فما بالك بالمصارف الأخرى. كما ان وجود هذه الأكاديمية سيلبي جزءا من حاجة سوق العمل للموظفين المؤهلين في هذا المجال وهو ما لمسته شخصيا إبان عملي في لجنة الصيرفة الإسلامية في مؤسسة النقد حيث كانت جميع المصارف تتوق إلى وجود مثل هذه الأكاديمية لتلبية احتياجاتها وهذا ما سيضمن لها تعاون المصارف معها.

آمل ان أجد هذه الأكاديميات قريبا في جميع أسواق المنطقة وفي بلدي خاصة.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]