البنوك التقليدية تزاحم الإسلامية لاقتسام كعكة الأرباح الهائلة

تسابق المصارف العالمية على القطاع الإسلامي نتج عنه منتجات مشوهة

نمو المصرفية الاسلامية دفع المصارف التقليدية الى تقديم منتجات متوافقة مع الشريعة الاسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت المصرفية الإسلامية نموا كبيرا في العمليات البنكية خلال الأعوام العشرة الماضية، الأمر الذي ساهم في توجه العديد من البنوك التقليدية إلى فتح نوافذ إسلامية.

وظلت أرقام نمو المصرفية الإسلامية السنوي تراوح مكانها بين 15 و20 في المائة، مع احتمالية زيادة النسبة مع توجه كثير من المؤسسات المالية إلى التحول إلى العمل المصرفي الإسلامي، إلى جانب تأسيس العديد من البنوك الإسلامية في المنطقة وفي مختلف دول العالم.

وأمام الأرباح العالية التي تحققها المصرفية الإسلامية، بدأت البنوك التقليدية في التوجه إلى هذه السوق ومحاولة المشاركة في اقتسام الكعكة مع السيولة العالية المتوافرة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وباتت معظم البنوك التقليدية تقدم المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية عبر ما يعرف بالفروع المصرفية الإسلامية.

ويرى الدكتور الصادق حماد المستشار في المصرفية الإسلامية في بنك الإنماء السعودي، أن توجه البنوك التقليدية لمزاحمة نظيرتها الإسلامية عائد إلى حجم الأرباح العالية التي تحققها البنوك الإسلامية، وارتفاع نسبة نمو المصرفية الإسلامية مقارنة بالتقليدية.

واوضح حماد أن السعودية تشهد حاليا فترة نمو مزدهرة للعمل المصرفي الإسلامي، مثل ما هو الحال عليه في البنك الأهلي الذي بدا بتقديم ما يسمى بالخدمات المالية الإسلامية، وهو في طريقه إلى التحول إلى العمل بالنظام المصرفي الإسلامي بشكل كامل. وكذلك مجموعة سامبا المالية التي بدأت بالتوجه لهذه السوق، وغيرها من البنوك السعودية.

ويعتقد الدكتور الصادق حماد أن توجه البنوك التقليدية إلى اعتماد إزدواجية العمل المصرفي الإسلامي بجانب التقليدي، يعود إلى ما حققته المصرفية الإسلامية من أرباح عالية ونجاح فيما يتعلق بهذه الصناعة، حيث وفرت العديد من المنتجات الإسلامية التي تلبي طموحات العملاء، ما جعلها تخطو نحو التحول الكامل نحو العمل وفق المصرفية الإسلامية بكل جدية.

وأضاف الصادق حماد أن هذه النجاحات ظهرت جليا في النجاح المصرفي الذي حققته مجموعة البركة المصرفية التي تتخذ من البحرين مقرا لها، حيث إنها أصبحت رائدة المصرفية الإسلامية ولفت إليها أنظار العالم الغربي، الذي بحث هو الآخر في إمكانية تمكين واعتماد المصرفية الإسلامية لدى البنوك الغربية الشهيرة وذلك رغبة في اقتسام الكعكة المصرفية ذات الربحية العالية.

وبين الصادق أن السباق الكبير من المصارف العالمية نحو الصناعة المالية الإسلامية، نتج عنه الكثير من المنتجات المصرفية المشوهة كما حدث في منتجات التورق والصكوك الإسلامية من قبل بعض النوافذ والبنوك الغربية بشكل لا يتوافق مع المصرفية الإسلامية، وذلك لأن تلك المنتجات المشوهة جاءت بسرعة دون دراية وفهم للنظام الاقتصادي الإسلامي.

وأشار الصادق إلى ان المؤسسات الداعمة لصناعة المصرفية الإسلامية بدأت تفرض وجودها في الساحة المصرفية على مستوى العالم، حيث أن آخر إحصائية للمجلس العام للمؤسسات والبنوك الإسلامية ومقره البحرين تؤكد أن المصرفية الإسلامية تجاوزت الـ 400 مليار دولار في العالم، ما ينبئ عن مستقبل باهر لها.

وأوضح حماد أن هذه المؤسسات الداعمة للمصرفية الإسلامية التي تشمل المجلس العام للمؤسسات والبنوك الإسلامية وهيئة المحاسبة في البحرين ومجلس الخدمات المالية في ماليزيا طورت ودعمت الصناعة المصرفية بشكل مشهود عالميا، حيث بدأت في تقديم المعايير والأطر لهذه الصناعة بما يصحح المسار ويمهد لها الطريق للانطلاق على أوسع أفق.

وفي المقابل أكد الدكتور بندر العبد الكريم المحلل المالي في البنك السعودي الفرنسي، أن البنوك السعودية يتزايد اهتمامها بصيغ التمويل المتوافقة مع المعاملات المالية التي تراعي أحكام الشريعة الإسلامية نتيجة تحقيق رغبات عملائها.

وبين العبد الكريم أن البنوك السعودية والخليجية باتت تقدم في هذا الإطار مجموعة متكاملة من صيغ التمويل التي لا تقوم على التعامل بالمصرفية التقليدية عن طريق استحداث وتشغيل محافظ متنوعة لهذا النوع من العمليات، إلى جانب أن جميع العمليات المصرفية الإسلامية تشرف عليها هيئات شرعية في نفس البنوك.

وأوضح العبد الكريم أن البنوك تضطلع بدور ريادي في تقديم باقة متميزة من منتجات التمويل الإسلامية والمتمثلة في الإجارة والمرابحة والمشاركة والتورق، حيث إن كافة عمليات التمويل الإسلامية المعاصرة تقوم أساسا على هذه الأساليب، الأمر الذي يمكن من تقديم الحلول الشاملة. وتعد الصيرفة الإسلامية بالنسبة «للتقليدية» ـ بحسب العبد الكريم ـ أمرا جديدا، فعمر أقدم المصارف الإسلامية وهو بنك دبي الإسلامي لا يتجاوز 33 عاما، ما يعني أن عمر التجربة المصرفية الإسلامية قصيرا، وبالتالي فإن تباين التعامل بين التقليدية والإسلامية يبقى وارداً.

وتابع العبد الكريم أن المنافسة موجودة بين المصارف التقليدية مع بعضها أو بينها وبين المصارف الإسلامية، والكل يجتهد لتقديم الخدمات التي يمكن أن تكون منافسة، ومن يريد البنك الإسلامي فلن يذهب إلى أي مصرف آخر، ولذلك فإن المنافسة في هذه الحالة ستكون مقتصرة على العملاء الذين يختارون فقط بناءً على مصلحة معينة، دون أن يهمهم نوعية المصرف، وهي فئة قليلة لاتهمها أن يكون المصرف إسلامياً أو تقليدياً. وأضاف العبد الكريم أن معظم الممارسات في المصرفية الإسلامية السائدة اليوم لا تختلف عن الممارسات المصرفية التقليدية في أنها تسعى بشكل مطلق إلى تحقيق الربح والحد من المخاطر، وذلك من خلال طرح أدوات التمويل ذات العائد الثابت بشكل يتطابق مع تلك المطروحة في النظام المصرفي التقليدي.

وبين العبد الكريم أن تلك الاختلافات عكست غياب الفهم الحقيقي لعوامل المخاطرة من المنظور الإسلامي والتمادي في الاعتماد على الخبرات الآتية من النظم المصرفية التقليدية.

ويعتقد العبد الكريم أن التحدي الأكبر الواقع أمام المصرفية الإسلامية يكمن في التوفيق فيما بين الدورين الرئيسيين للمصرف الإسلامي كمؤسسة تمويلية وكجهة لإنجاح وتسهيل المبادرات التجارية الاستثمارية. ويرى الخبير المالي أنه على الرغم من هذا النمو المتسارع للتعامل المصرفي المتوافق مع الشريعة الإسلامية في حجم التعاملات واتساع الرقعة الجغرافية لها إلا إن هناك بطءا نسبيا من ناحية تطبيق مبادئ الصيرفة الإسلامية بديلا عن النظام التقليدي.

ويتفق عثمان ظهير مغل مسؤول الرقابة الشرعية في البنك العربي الوطني مع رأي الدكتور الصادق حماد فيما يتعلق بأهداف البنوك التقليدية من خلال افتتاحها لفروع إسلامية.

ويرى أن أبرز التحديات التي تواجه الازدواجية المصرفية بين الإسلامية والتقليدية يتجلى في أكثر من صعيد موقف العلماء والمتخصصين في الشريعة من العمل في تلك البنوك وتحذيرهم من ذلك وتفضيل البنوك الإسلامية عليها، فضلا عن الضغوط التي يمارسها بعض أعضاء إدارات مجالس البنوك من خلال اختيار أحد الاتجاهين إما العمل المصرفي التقليدي أو العمل المصرفي الإسلامي حيث إنهم يرفضون الازدواجية.

وبحسب عثمان فإن أبرز الإيجابيات التي يمكن أن تجنيها البنوك المزدوجة في نظامها المصرفي أنها تمكن عددا كبيرا من العملاء من تحويل حساباتهم إلى شرعية، بالإضافة إلى وجود نسبة كبيرة في أموال الخزينة ليست محرمة شرعا، ما يستدعي إعادة البحث حول مسألة حرمة العمل في البنوك التقليدية، في ظل وجود تقارب بين الشرعيين والماليين واجتماعاتهم العديدة تقرب أفكار بعضهم لبعض.