منتجات الصيرفة الإسلامية وفقه الحيل

لاحم الناصر

TT

بنيت الكثير من منتجات الصيرفة الإسلامية في هذا العصر على الحيل الفقهية، وعندما يزدهر فقه الحيل في عصر من العصور، ويصبح إتقان الفقيه للحيل والمهارة فيها دليلا على سعة فقهه، فهذا دليل على ضعف التحصيل العلمي لدى فقهاء هذا العصر وانقطاع صلتهم بمعين الوحي (الكتاب والسنة) وعدم قدرتهم على استنباط الأحكام التي تحقق مقاصد الشرع وحكمه وأحكامه. فيتحول الفقه من فقه مقاصد وغايات إلى فقه صور وكيفيات، ويتجلى هذا الأمر في العديد من المنتجات ومن أهمها بطاقات الائتمان، حيث تتنوع الحيل، فمن بطاقات قائمة على الأجرة وحقيقتها فائدة القرض إلى بطاقات قلب الدين التي تجمع بين السلف والبيع، وقد تكلم الكثير من طلبة العلم على هذا النوع من البطاقات فأجادوا. كما أنني تطرقت لها في مقال سابق، إلا ان من أقبح الحيل التي اطلعت عليها هو ما تمارسه بعض المصارف في المرابحة العكسية (بديل الودائع بفائدة في المصارف التقليدية). وصورة المرابحة العكسية هي ان يقوم العميل الذي لديه فائض من المال يريد استثماره مع المصرف بشراء سلعة من السوق الدولية عن طريق خزينة المصرف بثمن حال ثم يقوم ببيعها على المصرف بثمن مؤجل وفق اجل معلوم، ومن ثم يقوم المصرف ببيع السلعة في السوق الدولية للحصول على النقد الذي يستخدمه في تمويل عملائه. وحيث ان الكثير من العملاء يرغبون في الاستفادة من تذبذب هامش الربح والذي في الغالب يستخدم هامش الفائدة كمؤشر له فإن الكثير من العملاء يرغبون في استثمار قصير الأجل، كثلاثة اشهر مثلا، وهذا يؤدي بدوره إلى وجوب تكرار إجراءات المرابحة في كل مرة يحل فيها تاريخ الاستحقاق. وحيث ان المصرف هو وكيل عن العميل في شراء السلعة لصالحه من السوق الدولية عبر خزينته فقد حرمت الهيئات الشرعية على المصرف القيام ببيع السلعة على نفسه وذلك حتى لا يتولى طرفا العقد نفيا للصورية ودفعا لتداخل الضمانات، وحيث ان عملية الاستثـــمار تتجدد، وتيسيرا على العميـل وتحقيقــــا لمصلحة المصرف في الاحتفاظ بعميله لجأت المصارف وهيئتها الشرعية إلى حيلة تهدف إلى التخلص من هذا المأزق الذي وضعت نفسها فيه بالقول بهذا الرأي، وذلك بأن يقوم العميل بتوكيل موظف المصرف بصفته الشخصية لا الوظيفية ليقوم ببيع السلعة على المصرف نيابة عن العميل. ولعمري إنها حيلة رديئة أضحكت أهل الباطل على أهل الشريعة، فأي أحمق تنطلي عليه هذه الحيلة، فالكل يعلم ان المصرف ضامن أمام العميل وان العميل عندما يستجيب لطلب المصرف بتوكيل فلان من موظفيه فهو يوكله لثقته بالمصرف لا بالموظف، بل ان العميل لو داخله اقل شك في مسؤولية المصرف لما أقدم على هذه الوكالة، ولا أدل على ذلك من ان العميل لا يأبه لشخص الوكيل هو نصه فيها انه وكل فلان أو من ينيبه لفعل كذا. ولا شك ان هذه الوكالة هي قمة الصورية بل ان فيها من تعارض المصالح ما تمنعه القوانين الوضعية، فهلا أخذت الهيئة الشرعية بالقول الذي يجيز للوكيل تولي طرفي العقد عندما أرادت التيسير بدلا من اللجوء للحيل حيث ان ما تم منع تولي الوكيل طرفي العقد لأجله وهو الصورية متحقق في هذه الحيلة.

ان هذه الحيلة وأمثالها أذهبت هيبة الشريعة من قلوب المسلمين وجرأتهم على الوقوع فيما حرم الله وتجاوز حدوده وأصبح علماء الشريعة محط سخرية أعدائهم ، ان ما يدفع بعض الهيئات الشرعية إلى تبني مثل هذه الحيل الممجوجة عقلا والممنوعة شرعا هو تشديدها فيما يسر الله فيه وتضييقها لما وسعته هذه الشريعة التي أتت بوضع الآصار والأغلال عن أتباعها كل ذلك نتيجة التقليد والبعد عن الاجتهاد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]