الصيرفة الإسلامية في مصر

TT

مصر أرض الكنانة ورائدة الصيرفة الإسلامية، ومنها ولدت الفكرة على يد الدكتور احمد النجار (رحمه الله )، وعلى أرضها درج أول وليد لهذه الفكرة، وهو بنك الادخار في ميت غمر عام 1963، والذي بلغت فروعه في يوم من الأيام 53 فرعا. ومنها انتقلت التجربة إلى دول العالم الإسلامي على يد الآباء المؤسسين أمثال الدكتور احمد النجار والدكتور عيسى عبده، حيث تضافرت جهودهم مع جهود رجال الأعمال ممن يهتمون بالقيم الإسلامية، فظهرت المصارف الإسلامية الخاصة مثل بنك دبي الإسلامي 1975 وبيت التمويل الكويتي 1978 ومجموعة بنك فيصل الإسلامي 1978، إلى ان وصل عدد المؤسسات المالية الإسلامية اليوم إلى ما يقرب من 396 مصرفا إسلاميا تنتشر في 53 دولة، وبنسبة نمو تتراوح بين 10ـ 15 في المائة. فيا ترى ما هو نصيب ارض الكنانة من هذا النمو وهي صاحبة قصب السبق فيه؟!! لا شك انك أخي القارئ الكريم وبعد هذه المقدمة الرائعة تستعد لسماع رقم يعبر عن هذه الريادة ويؤكدها، إلا ان الحقيقة هي ان مصر قد تخلت عن ريادتها في هذا المجال منذ فترة طويلة، فليس في مصر اليوم سوى مصرفين إسلاميين، هما بنك فيصل الإسلامي وبيت التمويل المصري السعودي، مع بعض النوافذ الإسلامية لبعض المصارف التقليدية.

كما ان عدد الفروع الإسلامية اليوم لا يتجاوز 128 فرعا من آلاف الفروع العاملة، أي بزيادة 28 فرعا عما كانت عليه في عام 1981. كما ان الصيرفة الإسلامية في مصر في تراجع حيث سجلت أول حالة اندماج بين مصرف إسلامي وهو المصرف الإسلامي الدولي مع مصرفين تقليديين هما المصرف المصري المتحد ومصرف النيل، وقد شكل الجميع كيانا ماليا واحدا يعمل بصورة تقليدية، هو المصرف المتحد، وهو مملوك بنسبة 99.9 في المائة للبنك المركزي، ولعل البعض يجد العذر للدولة في هذا الدمج حيث تهدف إلى حفظ حقوق المودعين وذلك بعدم إشهار إفلاس المصرف. إلا انه كان يمكن للحكومة ان تستحوذ على المصرف دون دمجه مع مصارف تقليدية حفاظا على هوية المصرف الإسلامية. كما فعلت حكومة دبي مع بنك دبي الإسلامي إبان الأزمة التي مر بها، إلا ان تصرف الحكومة المصرية على هذا النحو يعطي الانطباع بعدم تشجيعها لهذا النوع من الاستثمار، عكس حكومة دبي التي سعت ولا تزال تسعى لتكون دبي أهم مركز مالي لصناعة الصيرفة الإسلامية، حيث ترى في هذه الصناعة فرصة لتنويع مصادر دخلها وجذب الاستثمارات إليها، وقد نجحت إلى حد كبير في مسعاها هذا.

إذ تعتبر اليوم من أهم المراكز المالية لصناعة الصيرفة الإسلامية التي تفد إليها المؤسسات المالية العالمية الطامحة في الاستفادة مما تشهده هذه الصناعة من طفرة في هذه المنطقة، بل ان الكثير من الدول الغربية والآسيوية تسعى جاهدة لإيجاد موطئ قدم لها في هذه الصناعة من لندن إلى هونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا وأخيرا وليس آخرا اليابان. فما الذي يمنع مصر من ان تكون احد أهم المراكز المالية لهذه الصناعة، رائدة كما كانت في السابق، لاسيما أنها مؤهلة لذلك بما تملك من كفاءات مهنية وما تضم من ثروة بشرية إضافة إلى تنوع اقتصادي حقيقي. لاشك ان أموال هذه الصناعة المتدفقة على مصر نتيجة تشجيعها لهذا النمط من الاستثمار عبر سن القوانين وتسهيل الإجراءات واستحداث المؤسسات الداعمة ستساهم في حل الكثير من مشكلاتها المالية والاجتماعية وعلى رأسها البطالة. كما أنها ستوفر التمويل بالغ الصغر مما سيرفع من مستوى دخل الفرد، أضف إلى ذلك ان الاستثمار الإسلامي بطبيعته يقبل المخاطر العالية وبذا سيتوفر لمصر رأس المال الجريء للاستثمار في التقنية والصناعات الدقيقة والتي تحتاج إلى هذا النوع من الاستثمار، مما سيساهم في توطين التكنولوجيا والحد من تصدير العقول المبدعة للدول المتقدمة. فهل يلتفت صانعوا القرار في مصر لما توفره هذه الصناعة من فرص للاقتصاد المصري هو بأمس الحاجة إليها ؟ أتمنى ذلك.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]