د. بول مرقص: الصيرفة الإسلامية تختلف جذرياً عن التقليدية في الفائدة والجزاءات

بورقة قدمها في مؤتمر ببيروت

TT

استعرض باحث قانوني واقعَ المصارف الإسلامية وآلية عملها مقارنة مع المصارف التقليدية التي تنافسها في نفس السوق. وشرح الباحث الدكتور بول مرقص المبدأ الذي تقوم عليه البنوك التقليدية، والتي تعتمد على الدائن والمدين، في حين تسند المصرفية الإسلامية على أحكام الشريعة الإسلامية وتحريم الفائدة (الربا)، إلى جانب عقود الغرر وغيرها. وقال الدكتور مرقص الذي قدم ورقة عمل حول «المقاربة بين العمل المصرفي الإسلامي والعمل المصرفي التقليدي» في منتدى الصيرفة الإسلامية الذي نظم أخيرا في بيروت، إن الصيرفة الإسلامية تختلف جذرياً عن التقليدية في الفائدة والجزاءات والربح دون المخاطرة، والمشاركة، وعدم وجود حدود للربح. وبين مرقص أن علاقة المصرف الإسلامي مع العميل تكون من خلال المشاركة في الاستثمار والبيع والشراء وتقاسم المخاطر والمكافأة بالمعاملة، وأن كل هذه العمليات والخدمات تقوم على أحكام الشريعة الإسلامية، فضلا عن وجود اختلافات أخرى بين المصارف الإسلامية والتقليدية.

ومن بين هذه الاختلافات ـ والحديث للدكتور بول مرقص ـ نشأة المصرف الإسلامي الذي يعتمد على مبدأ التكافل وتلبية المسؤولية الدعوية الإسلامية، فيما المصرف التقليدي يعتمد على النزعة الفردية وجني الأموال وتحقيق الثراء عبر الاتجار بالنقود وتحقيق أرباح من خلال الفوائد، إلى جانب مصادر الأموال المتاحة للتوظيف والتي تتكون من حقوق الملكية وغالباً ما يكون حجم رأسمال البنك الإسلامي أكثر من التقليدي، والودائع ومدخرات الأفراد والزكاة دون الاقتراض من البنك المركزي والذي يتعارض مع الشريعة الإسلامية. كما أن مجالات التوظيف هي الأخرى ضمن الاختلافات، والتي تكون في المصارف الإسلامية عبر الاستثمار المباشر والتمويل بالمشاركة، والمضاربات الإسلامية، والمرابحات وشراء أسهم الشركات، بخلاف البنوك التقليدية التي تركز على الإقراض وحفظ الأوراق المالية مع تركيز أقل على الاستثمارات طويلة الأجل.

كما أن معدل الفائدة في المصارف غير الإسلامية يحدد مسبقا. ويتكون العائد للمصرف من الفرق بين معدلي الفائدة الدائنة والمدينة، بخلاف المصارف الإسلامية التي يتحقق فيها الربح من خلال نشاط استثماري دون تحميل العميل أي خسارة. وخلص مرقص إلى أن العلاقة بين المصارف الإسلامية والتقليدية يجب أن ينظر إليها كعلاقة تكاملية لا تنافسية أو إحلالية، حيث إن بعض الأنشطة التي تقوم بها المصارف الإسلامية لا يمكن للتقليدية أن تقوم بها. واستعرض عمل المصارف الإسلامية بأنها تكون في إطار عمل مصرفي شامل متعدد الوظائف، فهي تؤدي دور المصارف التجارية والاستثمارية والمتخصصة والتنمية. وسبب إطلاقه لتسمية المصرف الشامل على عمل البنوك الإسلامية عائد إلى أسباب متنوعة، وهي تنحصر في كون أموال المصارف الإسلامية تأتي من أفراد وقطاعات اقتصادية، وأن المصرف الإسلامي يقدم التمويل لجميع الأفراد والقطاعات الاقتصادية المختلفة دون التخصص بتمويل قطاع محدد كالقطاع العقاري أو الإسكاني أو الصناعي. كما أن المصارف الإسلامية تجمع بين مفهوم المصارف التجارية في مجالات التمويل المختلفة ومصادرها دون الاعتماد على الفائدة، وبين مفهوم المصارف الاستثمارية من حيث توظيف الودائع في أوعية استثمارية نيابة عن المودعين أو المستثمرين، وبين مفهوم صناديق الاستثمار المشترك من حيث كون المصارف الإسلامية تعتبر وعاء استثماريا يوزع منافعه على المشتركين فيه.

وكذلك تقوم المصارف الإسلامية بتقديم مجموعة كبيرة ومتكاملة من الخدمات والمنتجات المصرفية والتمويلية، وهي تقدم بعض الخدمات التي لا تقدمها المصارف التقليدية كالقيام بدور الوصي المختار لإدارة التركات وتنفيذ الوصايا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فضلا عن كونها يحق لها ممارسة بعض الأعمال والأنشطة مثل تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة وبيعها واستثمارها وتأجيرها واستئجارها لمختلف الغايات، في حين أن مثل هذه الأعمال والأنشطة محظور مزاولتها من قبل المصارف التقليدية؛ بما فيها التجارية والاستثمارية. وأوضح مرقصد أن هناك أوجهَ تعاونٍ مشتركة بين المصارف التقليدية والإسلامية، منها الدخول في عمليات التمويل المشترك لبعض المشاريع الكبيرة، وفق صيغ متطورة (Build Operate and Transfer; B. O. T )، وتغطية الاعتمادات المستندية، وصناديق الاستثمار المشترك، والتحويلات المحلية والدولية من خلال العمل كمصارف مراسلة لبعضها البعض، وقبول الكفالات وإصداراتها، وعمليات البيع والشراء في العملات، وإنشاء شبكات اتصالات خاصة بالمصارف، والتدريب المتبادل. وفيما يتعلق بعلاقة المصارف الإسلامية بالبنوك المركزية، بين مرقص أن بعض المعايير المطبقة على المصارف الإسلامية مستمدة من تلك المطبقة على المصارف التقليدية دون مراعاة الفروق بينهما، مؤكدا أن الأمر يتطلب قيام البنوك المركزية بالتعامل مع المصارف الإسلامية وفق أسس تختلف عن تلك المطبقة في حالة المصارف غير الإسلامية. وتابع مرقص أنه ليس بمقدور المصارف الإسلامية المشاركة في عمليات السوق المفتوحة في الدول التي تطبق هذا النمط في إدارة سياستها النقدية، لأن الأدوات المستخدمة في هذا المجال هي أدوات دين قائمة على أساس الفائدة، وكذلك ليس في إمكانها الاقتراض من البنوك المركزية لأن ذلك يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

ولم يغفل الدكتور مرقص نقص الكوادر المؤهلة، والتي دائما ما تشتكي منه المصارف الإسلامية، حيث أن بعض الدول تعاني من نقص في النظام الإشرافي المناسب على أعمال المصارف الإسلامية نتيجة عدم وجود الكوادر المؤهلة تأهيلا كافياً في مجال العمل في الصيرفة الإسلامية، والذي قد يؤدي إلى إعمال المعايير المطبقة على البنوك التقليدية، الأمر الذي ينعكس سلباً على أداء المصارف الإسلامية، فضلا عن أن نقص الخبرات لدى العاملين في المجال الإشرافي على البنوك الإسلامية قد يؤدي إلى تساهلهم مع هذه المصارف وعدم قيامهم بالدور الإشرافي المطلوب منهم. كما أن معظم البنوك المركزية لا توجد لديها هيئات رقابة شرعية للتأكد من السلامة الشرعية للمعاملات التي تنفذها البنوك الإسلامية، وقد يعزى ذلك إلى أن البنوك المركزية تعفي نفسها من هذه المهمة وتترك عبئها لهيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية نفسها.

وتطرق الباحث القانوني مرقص إلى فهم المصارف الإسلامية، وأنها ليست مؤسسات دينية حتى وإن كانت تتوخى الشرعية في تعاملاتها، وهي ـ أيضا ـ ليست للمسلمين فقط وإنما لكل المتعاملين وعملاء المصارف من كافة الأديان.